عبد المجيد مراري: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت إنجاز تاريخي رغم البلطجة الأميركية (خاص)

منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

قال عبد المجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة إفدي الدولية لحقوق الإنسان في فرنسا، إن مجرد صدور قرار من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإدانة مجرمي الحرب الإسرائيليين هو إنجاز تاريخي وانتصار للشعب الفلسطيني.

وفي حوار مع “الاستقلال”، أضاف مراري أن إدانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة هو انتصار للمظلومية وللعدالة الدولية.

وأردف: “التداعيات القانونية لقرار اعتقال مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت مهمة جدا ولها آثار قانونية آنية بمجرد اعتقالهما من قبل أي دولة سواء كانت عضوا بالجنائية الدولية أو لا بحسب تصريح المدعي العام للمحكمة (كريم خان)”.

وبين مراري أنه بمجرد اعتقالهما (حال جرى الأمر بالفعل)، تبدأ المحاكمة وفتح تحقيق حول جرائم الحرب التي ارتكبوها.

وأضاف أنها المرة الأولى التي تدين فيها الجنائية الدولية إسرائيل على جرائمها بعد أن ظلت عقودا طويلة تفلت من المساءلة والعقاب عليها منذ النكبة الأولى عام 1948.

وهو ما سيجر بعده محاسبة قادة الكيان الصهيوني على سلسلة طويلة من الجرائم ضد الإنسانية في فلسطين ومحيطها العربي.

وألمح عبد المجيد مراري إلى أن الولايات المتحدة الأميركية مارست البلطجة ضد الجنائية الدولية مرتين من قبل وهذه هي المرة الثالثة.

وعبد المجيد مراري عضو في الفريق القانوني الذي يعمل على إدانة إسرائيل أمام الجنائية الدولية ويعرف بأنه محامي الضحايا الفلسطينيين في المحكمة، ومسؤول الشرق الأوسط في منظمة إفدي الدولية لحقوق الإنسان بفرنسا.

الإجراءات والتداعيات

ما التداعيات القانونية للقرار  الذي اتخذته الجنائية الدولية ضد مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت؟ 

هي تداعيات مهمة جدا ولها آثار قانونية آنيه بمجرد اعتقال نتنياهو من قبل الدول سواء كانت أعضاء بالجنائية الدولية أو حتى من غير الأعضاء بحسب ما صرح به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

وبحسب القرار الصادر فإن مجرم الحرب نتنياهو سيقدم بداية للمحاكمة والتحقيق معه بجميع أطواره وستتيح المحكمة للمتهمين حقوقهم كافة في محاكمة عادلة، وفق ما تقتضيه شروط المحاكمة العادلة لدى الجنائية الدولية.

وقبل ذلك، تعول المحكمة على التعاون معها وهو أمر عبرت عنه مجموعة دول حليفة مثل فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وسلوفينيا، وهولندا، وأيرلندا، وعدد آخر.

وبين أن بعض الدول مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا كانت تتعاون مع إسرائيل وتبرر جرائمها لكنها أعلنت اليوم أنها ستتعاون مع الجنائية الدولية، وهذه خطوة مهمة جدا لأنهم ملزمون بذلك بحسب بنود روما الخاصة بالمحكمة.

ما الإجراءات الأخرى التي يمكن اتخاذها ضد الكيان الصهيوني لا سيما نتنياهو وغالانت في الفترة القادمة؟ 

الآن يبدأ عملنا الجاد والأكثر أهمية نحن كفرق قانونية ومحامين بعد صدور هذا القرار، وسنبدأ مرحلة جيدة من العمل المضني، حيث سيتم تقديم ملفات الضحايا إلى قسم خاص بهم داخل المحكمة الجنائية الدولية.

وهذه المرحلة تأتي بعد توجيه الاتهام حيث دخلنا في مرحلة جديدة من مراحل التقاضي، بعد أن انتهينا من التعاون والانشغال مع مكتب المدعي العام بالمرحلة الأولى في تقديم الأدلة والإثباتات.

وبالطبع هناك تعاون كبير مع أهالي الضحايا، ومع تقديم الأدلة والتوثيقات المعتمدة من قبل الأمم المتحدة والمعترف بها من قبل قسم الضحايا بالمحكمة، ومن قبل مكتب المدعي العام للجنائية الدولية، فهذه هي الإجراءات الآن التي سيتم اتباعها.

وذلك لتثبيت ما ذهبت إليه المحكمة الجنائية الدولية، وقضاتها خاصة الغرفة الأولى في اتهام نتنياهو وغالانت وعدد آخر من قادة إسرائيل في اللائحة الأخرى التي لم يعلن عنها بعد.

ولطالما أعلنت المحكمة أسماء شخصيتين وهما نتنياهو وغالانت، لكن هناك أشخاصا آخرين لم يجر الإعلان عن أسمائهم واحتفظت لنفسها بعدم إبداء أسباب ذلك.

وسيتم مفاجأة تلك الأسماء المدرجة بها وذلك عند خروجهم، وسفرهم إلى خارج إسرائيل.

رفع الدعوى

كيف كانت أجواء رفع الدعوى وتقديم الأدلة والمرافعات للفرق القانونية الداعمة لفلسطين؟

هذه الدعوى تأتي على خلفية تحرك الفريق القانوني بعد بدء العدوان الإسرائيلي مباشرة على قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حيث بدأت الاجتماعات وتوثيق الجرائم.

وجاء ذلك بعد اكتمال قناعتنا بأننا أمام صنف جديد من الجرائم، وهي جرائم الإبادة الجماعية إلى جانب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ومن ثم شكلنا فريقا قانونيا كبيرا جدا من جنسيات مختلفة، وتمت صياغة شكاية من عشرات الصفحات مرفقة بالأدلة والتوثيقات والشواهد والملفات الطبية.

وتقدمنا بها في 9 نوفمبر 2023 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب نتنياهو وغالانت و15 اسما آخر جريمة الإبادة الجماعية.

وعززناها بملفات أخرى مرتبطة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وطالبنا السيد المدعي العام بإحضارهم واعتقالهم كمجرمي حرب.

بعد ذلك بدأت تتوالى لقاءات عمل رتبناها كفريق محامين مع قسم الضحايا داخل المحكمة الجنائية الدولية، ومع مكتب السيد المدعي العام في تهيئة الملفات وتصنيفها، وتقديم الأدله وغيرها.

وانتظرنا حتى جاء موعد لقائنا مع مكتب المدعي العام للجنائية الدولية رسميا في فبراير (شباط) 2024، والذي كان لقاء تاريخيا قدمنا فيه روزمانة من الأدلة المادية للمحكمة والتي وثقتها آنذاك وسائل الإعلام المختلفة قبل أن نُسلمها إلى مكتبه.

واستمر اجتماعنا معه أكثر من ساعتين شرحنا له خلالها محاور هذه الأدلة والتي كانت 15 محورا، كل محور مرتبط بانتهاك وجريمة من الجرائم.

وذلك مثل جريمة استهداف المنشآت الطبية والمراكز والمستشفيات والمصحات وغيرها، وجرائم استهداف المخابز من أجل التجويع. وبالتالي نحن كنا آنذاك نؤسس بشكل قانوني لتهمة جريمة الإبادة الجماعية.

ولذلك كانت هذه الأدلة كلها تصب في هذا الاتجاه في محاولة لتشكيل قناعة لدى المدعي العام بداية ولدى قضاة المحكمة الجنائية الدولية.

وبناء على هذه الشكاية وشكايات أخرى تحرك المدعي العام بالفعل وبدأ تحقيقاته بالاستماع إلى مجموعة من ضحايا العدوان الإسرائيلي من أهالي غزة وتنقل إليهم في عدد من الدول التي خرجوا إليها لتلقي العلاج.

واستمع إلى عدد كبير منهم وأيضا إلى غيرهم، وتنقل كذلك إلى معبر رفح وجلس مع عائلات الضحايا الفلسطينيين.

كما استمع أيضا لعائلات الأسرى أو الرهائن الإسرائيليين - وان كنا أخدنا عليه هذه الخطوة - ولكنه كان يحاول أن يخلق نوعا من التوازن في إجراءاته، حتى لا يلام وحتى لا يوصف بأنه غير محايد وأنه يميل إلى كفة دون أخرى.

وهذه الدعوى القضائية أمام الجنائية الدولية كانت مسنودة ومدعومة من طرف أكثر من 360 منظمة حقوقية كذلك، كما أن فريق المحامين فاق عدده 3500.

ما طبيعة التهم التي وجهتها المحكمة لنتنياهو وغالانت وهل كانت هناك مسوغات لتنفيذهما هذه الجرائم؟

هي تهم بارتكاب جرائم منع الطعام والماء والمساعدات الإنسانية وحرب التجويع، وجرائم القتل والتهجير القسري واستهداف المؤسسات المدنية من مستشفيات ومساجد وكنائس وغيرها، وهما مجرمي حرب بقرار المحكمة. 

وهذه محكمة أفراد لا تحاكم دولة إسرائيل وإنما نتنياهو وغالانت و15 مجرم حرب مثلهم من المسؤولين بالحكومة الإسرائيلي.

وبالتأكيد ليست هناك أي مسوغات شرعية لحرب الإبادة التي شنتها ولا تزال تشنها إسرائيل بدعم أميركي كامل بزعم الدفاع عن النفس.

فأي دفاع عن النفس يبرر قتل أكثر من 45 ألف إنسان غالبيتهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 130 ألفا وفقدان نحو 20 ألفا تحت الأنقاض، وقتل أطفال خُدّج والتمثيل بجثث الشهداء؟

ردود وانعكاسات

ما تقييمكم لردود الافعال الدولية في اوروبا وأميركا ومختلف دول العالم على القرار؟

أعتقد أن الدول اختلفت، طبعا موقف الولايات المتحدة الأميركية كان واضحا قبل المذكرات، وهو نفسه بعد صدورها ويتمثل بالرفض والتحذير والتهديد والبلطجة.

فجهود الولايات المتحدة كانت تنصب على عرقلة إصدار مذكرات الاعتقال وتهديد المدعي العام، لكننا لم نلتفت للموقف الأميركي بقدر اهتمامنا بردود أفعال الدول التي تحدثت بنوع من الرصانة.

فهناك دول تعاملت مع المذكرة بشكل مسؤول وإيجابي ومنها إيطاليا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا والنرويج وأيرلندا طبعا، كما أن  سلوفينيا تحدثت بشكل إيجابي جدا على هذه القضية.

وفرنسا كذلك موقفها مهم جدا، حيث قالت إنه يجب على جميع الدول أن تحترم قواعد عمل المحكمة الجنائية الدولية.

كما أن موقف إيطاليا تجسد في تصريح رسمي من وزير الدفاع (جويدو كروسيتو) بأنه سيكون مُلزما بتسليم نتنياهو إذا ما زار بلاده.

وهذه كلها تصريحات مهمة جدا تغنينا عن باقي المواقف الأخرى، والمتمثلة فقط في دولتين هي المجر والولايات المتحدة، ونحن لا نلتفت إلى مثل هذه الدول.

ومن المهم عندنا هو صدور هذا القرار، حيث إن صدوره فقط بهذا الشكل هو إنجاز تاريخي وانتصار للشعب الفلسطيني وللمظلومين وانتصار للعدالة الدولية.

ما انعكاس قرار الجنائية الإيجابي على دعوة جنوب إفريقيا لإدانة إسرائيل في محكمة العدل الدولة؟

مما لا شك فيه أنه سيكون هناك تأثير لدعوى الجنايات الدولية بشكل خفي على تقدير أنه ما دامت هناك إدانة لقادة  إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فهذا قد يسهم في قناعة قضاة محكمة العدل الدولية.

إن كان موضوع النظر مختلفا، بتقدير أن القضية في العدل الدولية، تتعلق بجريمة الإبادة الجماعية، وأن هذه المحكمة غير معنية بجرائم الحرب ضد الإنسانية.

فهذا الموضوع الذي تنظر فيه العدل الدولية رفضته المحكمة الجنائية الدولية في مقدمة تعليلها عندما قالت إنها لم تر أساسا معقولا لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وأن القرائن غير مكتملة لهذا التوصيف، وهذا موقف تحفظنا عليه بالطبع.

كما كانت هناك رسالة ستوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحفظ على هذا الموقف؛ على تقدير أن كل القرائن تشير الي ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

ولا ننسى أن المحكمة في تعديلها تحدثت عن أنها أصدرت مذكرات بناء على جرائم ارتكبت منذ 8 أكتوبر 2023 وحتى 20 مايو 2024، أي إلى تاريخ يوم إصدار المدعي العام طلب مذكرته باعتقال نتنياهو وغالانت.

فهناك قرائن جاءت بعد ذلك وهي قوية جدا تعزز وتدعم مسعانا في تثبيت جريمة الإبادة الجماعية واتهام إسرائيل بارتكابها.

الغطرسة الأميركية

في ظل الغطرسة الأميركية، كيف ترون مستقبل المحكمة بعد إصدار هذا القرار وما مدى استقلاليتها؟

الجنائية الدولية ليست مؤسسة من مؤسسات الأمم المتحدة، وبالتالي ليست كمحكمة العدل الدولية، التي تعد جهازا أمميا.

فالمحكمة الجنائية مستقلة أسستها عدد من الدول وفق نظام روما سنة 1990، ودخلت حيز التنفيذ في عام 2001، فبالتالي الأمر مختلف تماما.

فيما يتعلق بمستقبلها، أعتقد شخصيا كمتعامل مع المحكمة منذ تأسيسها، بأنه ليس هناك أي تخوف عليها رغم التهديدات التي لا تعد الأولى من نوعها.

فقد مارست أميركا البلطجة ضدها مرتين في السابق وهذ الثالثة، كما أنها ليست المرة الأولى التي تصدر المحكمة فيها عقوبات.

فخلال الولاية الأولى للرئيس السابق دونالد ترامب كان قد أصدر عقوبات في حق المدعية العامة السابقة للمحكمة "فيدا بنسودا" ومنعها من دخول الولايات المتحدة، ووضعها على قائمة وزارة الخزانة الأميركية للعقوبات.

ومنع كذلك وعاقب 7 من قضاة المحكمة الجنائية الدولية على خلفية إصدارهم قرارا في 5 فبراير 2021 برغبتهم في فتح تحقيق في جرائم ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان والعراق منذ 2003.

بالتالي هذا التهديد ليس جديداً على الولايات المتحدة، ولن يغير شيئاً، ولن يضرب في مصداقية هذه المحكمة التي أكدت من خلال هذا القرار أنها مؤسسة مستقلة، تعمل بمهنية عالية، وترغب في إحقاق العدالة وضرب الجناة بقوة وعدم تمكينهم من الإفلات من العقاب.

ما الهدف من الفيتو الأميركي المتكرر ضد قرار مجلس الأمن بالوقف الفوري للعدوان على غزة لأسباب إنسانية؟

هذا الفيتو المتكرر يؤكد تورط الولايات المتحدة في جريمة الإبادة الجماعية، ويهدد السلم والأمن الدوليين.

ومن هنا نقول إنه ينبغي إعادة هيكلة مجلس الأمن، وإعادة النظر في تشكيلته وأسلوب عمله.

إذ إنه أصبح لا يقوم بالغرض الذي أسس من أجله، لأن الفيتو وضع وفق ميثاق الأمم المتحدة من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين، وليس من أجل تهديدهما.

والتساؤل هنا هو، ماذا كان سيضر الولايات المتحدة لو صوتت في صالح وقف إطلاق النار، ووقف استهداف الأطفال والمنشآت المدنية خاصة المستشفيات؟

ماذا كان سيحدث إذا صوتت الولايات المتحدة لإدخال المساعدات والسماح بإيصالها إلى من هم في أشد الحاجة إليها من سكان قطاع غزة؟

ولذلك لا يمكن تفسير ذلك سوى أن الولايات المتحدة لها مصلحة قوية جدا فيما يرتكب في فلسطين، ولها مصلحة في أن يحتل قطاع غزة، وأن يتم ضم الضفة الغربية والأردن وغيرها، كما صرح بذلك (وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل) سموتيرتش وعدد من الشخصيات السياسية المسؤولة.

 فبالتالي الفيتو الأميركي للأسف الشديد يوفر غطاء سياسي لتنفيذ المزيد من الجرائم وللإفلات من العقاب.