أزمات عالمية وصراعات داخلية.. تعرف على التحديات التي تهدد ديمقراطية أوروبا؟
الديمقراطية تتعرض لضغوط نتيجة المنافسة العالمية مع الأنظمة السلطوية
يرى موقع ألماني وجود خمسة عوامل "تهدد النظام الديمقراطي في أوروبا"، داعيا إلى إجراء إصلاحات عاجلة للحفاظ على القارة في ظل الأزمات العالمية والصراعات الداخلية.
وقال موقع "تيليبوليس" إنه "بخلاف الخصائص الفريدة والاختلافات الوطنية الكبيرة في بعض الأحيان، لا تزال الديمقراطيات الأوروبية نموذجا يُحتذى به على الصعيد الدولي".
واستدرك: "لكن في الوقت نفسه، فإن التطورات الكبرى للديمقراطية على مستوى العالم ستؤثر أيضا على مفاهيم المجتمع الأوروبي".
خمسة تحديات
وفي هذا السياق، "تواجه الديمقراطية كنظام سياسي وقيمي اليوم -حتى من وجهة نظر مؤيديها- خمسة تحديات أساسية".
يتمثل التحدي الأول في أن "الديمقراطية تتعرض لضغوط نتيجة المنافسة العالمية مع الأنظمة السلطوية التي تحقق نجاحات خارجية".
وأردف: "تروج هذه الأنظمة لنفسها بشكل متزايد بصفتها قادرة على المستقبل ومستعدة له، في حين تبدو الديمقراطيات وكأنها تتوقف عند التركيز على الماضي".
وفي هذه النقطة، ينوه الموقع إلى أن "الضغط التنافسي المتزايد -على الرغم من المشاكل الداخلية لتلك الأنظمة- يأتي بشكل محدد من الصين والعالم العربي وأميركا اللاتينية".
وتابع: "رغم أن هذه الأنظمة نفسها تواجه ضغوطا أكبر مما يُعتقد في كثير من الأحيان، إلا أنها تخلق تبعيات طويلة الأمد لدول أوروبية، مثل تلك الموجودة في شرق وجنوب شرق أوروبا، وهو ما يؤثر على النظام السياسي في تلك المناطق".
وبالنسبة للتحدي الثاني، يقول الموقع إن "الذكاء الاصطناعي، إذا لم يُنظم بدقة، قد يحد من الديمقراطية، أو حتى يؤدي تدريجيا إلى تقويضها".
ويضيف أن "الذكاء الاصطناعي يعمل على المساهمة في اتخاذ القرارات بناء على الحسابات الرياضية لنسب احتمالات النجاح، بدلا من الاعتماد على إيجاد التوافقات والأغلبية أو الحوار والمشاركة".
"ولأن الذكاء الاصطناعي يعطي الأولوية للكفاءة والسرعة على حساب المشاركة، تكون الديمقراطية بالنسبة له مجرد ضجيج ثانوي في أفضل الأحوال"، كما ورد عن الموقع.
ويؤكد أنه "حتى الآن، لم يجد أي مجتمع طرقا مقنعة لوضع الذكاء الاصطناعي في خدمة الديمقراطية".
وكتحد ثالث، يشير إلى أن "الديمقراطية تبدو اليوم، في نظر العديد من المواطنين، غير ناجحة في معاييرها الانتخابية".
وأوضح أن "النظام ينتج قادة بارزين -كما في الولايات المتحدة- يُنظر إليهم غالبا من قبل الأغلبيات العابرة للأحزاب والأيديولوجيات على أنهم غير مناسبين وغير أكفاء، مثل (الرئيس الحالي) جو بايدن، أو حتى معادين للديمقراطية، مثل (الرئيس السابق والمرشح الحالي) دونالد ترامب".
وبالحديث عن التحدي الرابع، يوضح الموقع الألماني أن "العديد من دول الاتحاد الأوروبي في غرب وشمال أوروبا -مثل فرنسا وألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية- تمر بتحولات محافظة".
ورغم تأكيده على أن التفسيرات السببية المباشرة قد لا تكون دقيقة في فهم هذه التحولات، إلا أنه اعتبر أنها أتت كـ "استجابة لسياسات اليسار في السنوات الأخيرة".
ووصف سياسات اليسار بأنها "حادة" و"متشددة" وتعمل في إطار "محظورات الصوابية السياسية". وضرب هنا المثل ببعض السياسات المتعلقة بالهجرة والشؤون الاجتماعية والصناعية.
وتحدث الموقع عن "سياسات بعض المنتخبين ديمقراطيا، الذين يتحولون لاحقا إلى سلطويين، ويستولون على الدولة ومؤسساتها عبر السيطرة على أجهزتها".
وكذلك "تطهير المؤسسات من خصومهم السياسيين، وتعيين أتباعهم في مواقع السلطة والنفوذ، مع تقييد الأدوار الفاعلة لهذه المؤسسات بشكل أو آخر، كما هو الحال في المجر"، ويرى أن ذلك هو التحدي الخامس والأخير.
التيار الوسطي
وفي إطار ما سبق ذكره، يدعو الموقع الألماني الأوروبيين إلى أخذ هذه التحديات الخمسة بجدية، إذا ما أراد تجنب اضطرابات أكبر في المستقبل.
وشدد على أن هذه "ليست مسؤولية الدول فقط، ولكن الاتحاد الأوروبي ككل، الذي يمثل أكبر وأعقد هيكل ديمقراطي في العالم".
وفي هذا الصدد، يقول: "إن الطريق واضح أمام الاتحاد الأوروبي، إذ يجب عليه تعزيز التيار السياسي الوسطي من خلال ضبط النفس، كما يجب على الديمقراطية أن تتحرر من إغراء تنفيذ سياسات قوية بسرعة، حتى ضد أقليات كبيرة".
ويضيف الموقع الألماني: "من الضروري أن تعود الديمقراطية لتكون توافقية أكثر من كونها تنافسية".
والأكثر أهمية من ذلك، في رأيه أنه "يجب على الديمقراطية أن تواجه التحديات الخمسة من خلال إصلاحات داخلية، لتمهيد الطريق لمرحلة من الاستقرار والتهدئة".
ومن ناحية أخرى، يتحدث الموقع عن أن "المواطنين يشعرون في العديد من المجالات، مثل الأمن والهجرة واللجوء والتحول في مجال الطاقة والصحة، بأن الديمقراطيات تتسم بالتطرف الأيديولوجي أو المغالاة، أو بأنها ضعيفة في اتخاذ القرارات وبطيئة وبعيدة عن المواطنين".
علاوة على ذلك، يرى الكثيرون أن الديمقراطية تبدو أنانية للغاية في بعض المجالات، حيث تسيطر عليها مجموعات معينة، أو تركز على جوانب محددة فقط. وينطبق ذلك على وسائل الإعلام والتنقل وتطوير السياحة.
ونتيجة لذلك، يمكن القول إن "ما يفتقده الكثيرون بشكل خاص هو تعزيز روح المبادرة المجتمعية الأساسية وإشراك الشباب في مستقبل الديمقراطية وتوجهها وتطويرها".
وفي هذا الصدد، يقول: "إذا كانت الديمقراطية بالفعل تمر بأزمة في العديد من المجالات الفرعية في نفس الوقت، فإن هذا يشير إلى وجود مشكلة أساسية في قدرتها على العمل في العصر الحالي".
وفي ذات السياق، عزا الموقع التصورات السلبية عند الكثيرين عن الديمقراطية إلى "الإهمال الذي طال التيار الاجتماعي الوسطي".
وتابع: "فلعدة عقود، كانت السياسات الموجهة نحو الأقليات المرتبطة بالهوية وأسلوب الحياة، التي تشكل أقل من 10 بالمئة من السكان، هي محور النقاش الأوروبي والغربي".
واستدرك أن "هذه السياسات أهملت توقعات الطبقة الوسطى، التي تركز تقليديا على الأمور الاقتصادية أكثر من القضايا المتعلقة بالهوية".
وبين أن "الغفلة عن الاعتدال والوسطية كانت أكثر وضوحا في الدول الأوروبية الكبرى".