حالة كل دقيقتين.. لماذا يتحمل السيسي مسؤولية تزايد الطلاق في مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أضحت ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق في مصر، مقلقة للغاية إثر وصولها مرحلة غير مسبوقة، من الكثافة والانتشار، والتباين بين شرائح المجتمع وأعماره.

تلك الأزمة المستفحلة حاضرة بقوة في أوساط الطبقات العليا والمتوسطة والفقيرة، وتسري بين شرائح الشباب وحديثي الزواج بشكل خاص.

والطلاق في مصر لم يعد منصبا على القاهرة فقط باعتبارها العاصمة والمدينة الأكبر والأكثر كثافة سكانية.

بل وصل إلى حد التفاقم في قرى ومدن الدلتا والصعيد، والتي كانت تعرف بقوة روابطها الأسرية، وقلة الطلاق، لاعتبارات دينية واجتماعية.

وفيما أصبحت الظاهرة محل دراسة ورصد مستمر، ربط خبراء بينها وبين الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة، ووجود ضغوط مستمرة على الفرد والأسرة أدت مع الوقت إلى التحلل الكامل للعائلة.

الخبراء لفتوا أيضا إلى أن إقدام المواطنين على الطلاق يأتي لتقليل تلك الأعباء، والتوجه نحو الاستقلالية والانعزالية.

ارتفاع جنوني 

آخر الإحصائيات الرسمية التي تحدثت عن الطلاق في مصر، أعلنها "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" (حكومي) 17 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عندم كشف ارتفاعا كبيرا في حالات الطلاق المسجلة عامي (2019/ 2020). 

الجهاز قال: إن "حالات الطلاق في 2019 وصلت 237.7 ألف حالة، بمعدل حالة كل 2.11 دقيقة، ما يمثل ارتفاعا بمعدل 8 بالمئة مقارنة بالأرقام المسجلة في 2018".

أورد أيضا أن "القاهرة تصدرت قائمة أعلى 10 محافظات تسجيلا لحالات الطلاق، إذ رصدت حالة طلاق كل 10 دقائق، تليها محافظة الجيزة الملاصقة لها بحالة كل 17 دقيقة".

في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020، صرح رئيس الجهاز اللواء خيرت بركات، بأن "هناك 24 حالة طلاق مقابل كل 100 حالة زواج يوميا تقع في مصر".

وتابع: "أعلى نسب الطلاق حسب الأعمار، كانت من (30 إلى 35) سنة، وتقل بين أعمار (18 إلى 20) سنة، والنسب الأقل جاءت فوق الـ65 سنة".

المسؤول الحكومي قال: إن الطلاق بسبب الخلع بلغ نسبا كبيرة وصلت 10 آلاف و500 حالة"، موضحا أن "نسبة الطلاق في الريف أقل من الحضر، ولكن الزواج يزيد في الريف عن الحضر".

من المثير أن مسألة الطلاق تسببت في خلافات قوية داخل أروقة مؤسسات الحكم المصرية، إذ دخل رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، في مناوشات مباشرة مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، 25 يناير/ كانون الثاني 2017.

حينها طلب السيسي من شيخ الأزهر تجديد الخطاب الديني، قائلا: "نحن في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره".

وفي تلك الكلمة دعا السيسي بشكل واضح، إلى تعديل "قانون الطلاق"، وإلغاء الطلاق الشفهي ليصبح الطلاق المعتمد فقط أمام المأذون، وهنا خاطب السيسي الطيب قائلا: "تعبتني يا فضيلة الإمام".

لكن هيئة كبار العلماء التي يرأسها شيخ الأزهر، ردت على طلب السيسي عبر بيان مذيل بتوقيع الطيب، رفض فيه تعديل قانون الطلاق، واستنكر المطالبة بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدا أنه يتنافى مع الشرع.

متغيرات مجتمعية 

أستاذ علم الاجتماع، الدكتور محمد غبور، أكد لـ "الاستقلال" أن الطلاق في مصر مرتبط بمتغيرات اجتماعية ضخمة، ومؤثرة في البنيان الاجتماعي للأسرة في قواعدها المختلفة بالحضر والريف.

وذكر أنه أمر يمكن رصده في مظاهر عدة أبرزها اجتياح وسائل الإعلام الحديثة مثل الإنترنت للمدن خارج العاصمة والقرى، ما أثر في تركيبة الشخصية المصرية عموما، وأصبحت تميل للحداثة بإيجابياتها وسلبياتها.

وأوضح أن الحداثة على النمط الغربي تميل إلى التحلل من الأسرة والعائلة بمفهومها الكبير، وتجعل الفرد أقل قدرة على تحمل مسؤولياتها الاجتماعية. 

وأردف أن انتشار الطلاق أيضا لا يمكن أن ينفصل عن الوضع السياسي والاقتصادي، ودخول البلد في حالة صراع واضطراب يؤدي بطبيعة الحال إلى التأثير على الأسرة.

ولفت إلى أنه يساهم في ارتفاع معدلات الطلاق والجريمة والانتحار، وبالفعل شهدت مصر ارتفاعا في هذه النقاط بشكل ملحوظ في العشر سنوات الأخيرة. 

أستاذ علم الاجتماع قال: إن الفقر وحده ليس عاملا على زيادة الطلاق، فالمجتمع المصري قديما كان فقيرا إلى حد ما، وهناك العديد من الدول أكثر فقرا من مصر، ولكن معدلات الطلاق فيها ليست مرتفعة.

وجزم بأن الأساس هنا في الانهيار الطبقي المفاجئ، فكثير من العائلات انتقلت من الغنى إلى الطبقة المتوسطة، والطبقة المتوسطة نفسها انحدرت، وأصبحت عائلات بأكملها فقيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية.

وأكد أن هذا ما أثر بدرجة واضحة على الطبيعة النفسية للأفراد، وساهم في التفكك العائلي بالإضافة إلى ظاهرة الطلاق المتفشية.

طلاق بالجملة

المأذون الشرعي المصري، الشيخ مصطفى الأغر، يتحدث عن ارتفاع نسب الطلاق في مصر، مؤكدا أنه بموجب وظيفته يشهد كثيرا من حالات الطلاق بطريقة غير معهودة سابقا.

ويؤكد لـ"الاستقلال"، أنه "لا يكاد يمر شهر إلا ويعقد أكثر من حالة طلاق، بالإضافة إلى الطلاق عبر المحاكم نتيجة الخلافات بين الأزواج". 

ويضيف: "الملاحظة الأبرز في ظاهرة الطلاق تتمثل في استفحالها لدى الشباب، أكثر شرائح المجتمع التي تقدم على الطلاق، وفي سنوات مبكرة من الزواج".

المأذون الشرعي يسرد إحدى أغرب مواقف الطلاق موضحا أنه "قبل عام، أتممت عقد زواج، ولم يمر أسبوع واحد، إلا وأقمت إجراءات الطلاق بين نفس الزوجين".

ويقول: "وغير مرة قمت بإجراء طلاق لأزواج لم يمر على زواجهم شهر أو سنة، وهو أمر أصبح مكررا، في ظل قلة الخبرة وعدم القدرة على تحمل أعباء الزواج، مع ضعف دور الأهل".

ويلفت إلى دور سلبي للأسرة المصرية متهما إياهم بأنهم "يساهمون أيضا في انتشار الطلاق، بسبب التعامل السيء والخاطئ مع الأزمات منذ البداية".

"الزوجة عندما تغضب وتذهب إلى بيت أبيها من المفترض أن يسعى وليها للحل إن كان هناك إمكانية، لا أن يكون هو السبب الأساسي للطلاق على أتفه الأسباب أحيانا"، وفق المأذون. 

ويشدد على أن "هناك مفهوما خاطئا يبدو في محاولات (تعزيز العروسة)، وعليه يحدث غلاء المهور، والمبالغة في احتياجات الزواج، وصولا إلى مشكلة القائمة (عريضة تضم محتويات الشقة يقوم الزوج بالإمضاء عليها)".

ويلمح إلى أن "كل هذا لم يساهم في تقليل معدلات الطلاق، على العكس زادت بدرجات قصوى، لأن الضغط يولد الانفجار".

ويلفت إلى قول نبي الإسلام: (أقلهن مهرا أكثرهن بركة)، مؤكدا أن "هذا ما نحتاجه في بيوتنا وحياتنا بشكل عام، لتجاوز الأزمات ومنع العواقب الناجمة عن الطلاق التي تمس الأبناء والأجيال القادمة".

هرمية الظلم 

أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، الدكتور محمد أبوزيد، يقول: إن "غياب الوازع الديني، والتوعية الدينية بالمجتمع المصري ساهمت بشكل أساسي في تشظي الأخلاق وبالتالي ارتفاع نسب الطلاق".

ويضيف لـ"الاستقلال": "هذا بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي تعيشها الأسرة المصرية بشكل عام". 

أبوزيد يرى أن "التكافؤ شرط أساسي في الزواج، مع قدرة الزوج على الالتزام بأساسيات الحياة، مع استطاعة الزوجة الحفاظ على بيتها وتربية أولادها ومساندة زوجها".

"غياب هذه القواعد يؤدي إلى انهيار الأسرة، وكثرة الطلاق لا محالة، بالإضافة إلى وجود من لا يدرك ولا يفقه مأساة الطلاق وكنهه"، وفق الأكاديمي المصري.

ويلفت إلى واقعة على عهد نبي الإسلام، عندما أخبروا الرسول الكريم عن رجل طلق زوجته ثلاثا، فغضب قائلا: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟". 

ويستطرد الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن "الأسرة المسلمة غاية من الغايات الكبرى في الإسلام، وكانت المجتمعات الإسلامية تتميز عن الغرب رغم تقدمه وازدهاره بروابط الأسرة الوثيقة، وبقوة العلاقة داخلها".

"كنا نتفاخر بأنه مع انهيار وسقوط الحضارة الإسلامية، ونهضة الغرب، بقيت الأسرة المحافظة والمجتمع المترابط أهم ما يميز مجتمعاتنا المسلمة عنهم"، يوضح أبوزيد. 

ويضيف: "لا شك أن الأسرة تعرضت لمؤامرة كبرى لإفسادها، عبر وسائل الإعلام، وتغول القيم الهدامة المستوردة، التي غيرت من تركيبة المرأة والرجل في آن واحد".

ويتابع: "المرأة تسعى إلى الاستقلالية والتفرد، والرجل يميل إلى عدم تحمل المسؤولية أو القيام بأعبائه وواجباته، ومن هنا تحدث المشكلة، وينهار عماد البيت، وهو ما يحدث الآن".

ويتساءل "بالنظر إلى نسب الطلاق بين الماضي والحاضر، هل كنا نسمع هذا الكم الهائل من أخبار الطلاق والمشكلات الأسرية كما في الوقت الحالي؟". 

ويعتقد أنه "لذلك يجب أن تتحد المؤسسات الدينية الرسمية، والجمعيات الدينية، وكل المراكز التي تخرج خطابا معتدلا، وتضع المواثيق والخطط لمجابهة انتكاسات بنية الأسرة المسلمة، فهذه أولوية قصوى يجب أن تدرك".