الليرة انهارت بمجرد إعلانه.. ما تداعيات انسحاب الحريري على اقتصاد لبنان؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشهد الاقتصاد اللبناني مزيدا من الانهيار بعد اعتذار رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة في البلاد، ما أدى إلى تراجع للعملة المحلية في وقت أصبحت السلع الأساسية تعاني حالة من الشح، بالإضافة إلى كونها ذات تكلفة عالية على المواطن.

وفي 15 يوليو/تموز 2021، أعلن الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة الجديدة، نتيجة فشل التوصل إلى اتفاق مع رئيس البلاد ميشال عون حول تشكيلة هذه الحكومة.

ليعقب هذا القرار انهيار جديد لليرة اللبنانية لتتجاوز تسعيرة صرفها في السوق السوداء 20 ألفا مقابل الدولار الواحد، ليستمر هذا الانهيار وصولا إلى ما بين 21 ألفا و400 و21 ألفا و500 ليرة مقابل الدولار الواحد.

يأتي ذلك عقب تصريح صادم لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، في 6 يوليو/تموز 2021، أن بلاده على مسافة أيام قليلة من "انفجار اجتماعي"، نتيجة ضغوط اقتصادية ومالية غير مسبوقة.

وأضاف دياب، أن "الصورة أصبحت واضحة، وهي أن لبنان واللبنانيين على شفير الكارثة، وعندما يحصل الارتطام الكبير، سيتردد صدى تداعياته خارج جغرافيا لبنان".

ووسط تلك الأزمات الاقتصادية والسياسية، يزداد الوضع تأزما بوجود شح في الوقود ووقوف المواطنين بالطوابير في محطات الوقود، فضلا عن زيادة أسعار البنزين مرتين متتابعتين المرة الأولى في 29 يونيو/حزيران 2021 بنحو 35 بالمئة، والمرة الثانية في 1 يوليو/تموز بنحو 15 بالمئة.

وتنذر أزمة الوقود بأزمة في إنتاج الخبز، حيث قال "اتحاد نقابات المخابز والأفران" في 25 يونيو/حزيران 2021: إن "الأفران والمخابز والمطاحن استنفدت كل الاحتياط لديها من مادة المازوت (الديزل)، وما هو متوفر لا يكفي، ما قد يؤثر على الإنتاج، لا سيما تلك الكبيرة منها التي توزع على كل المناطق اللبنانية".

وأعلنت السلطات اللبنانية، في 10 يوليو/تموز 2021، للمرة الثالثة خلال أقل من أسبوعين عن رفع سعر ربطة الخبز لأكثر من 4250 ليرة، مع تخفيض وزنها من 910 غرامات إلى 865 غراما.

تداعيات كارثية

ومع شح الوقود والأدوية والغلاء القياسي في أسعار السلع الغذائية، وفقدان المواطنين قدرتهم الشرائية، فضلا عن انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، فإن الوضع ينبأ بوجود تداعيات أكثر قسوة خلال الفترة القادمة.

وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة اللبنانية، جاسم عجاقة: إن تداعيات هذا الوضع المتأزم والانهيار الجديد لليرة اللبنانية هي كارثية، وبخاصة أن 85 بالمئة من استهلاك لبنان هو مستورد، وفي ظل اعتماد التجار سعر السوق السوداء، وبالتالي فإنه كلما تدهورت الليرة كلما ارتفع سعر الدولار مما يعني ارتفاع الأسعار.

وأضاف عجاقة، لـ"الاستقلال": أنه بالإضافة إلى ما ذكر سالفا فإن عدم وجود رقابة سمح بوجود الاحتكار لبعض السلع وزاد من جشع التجار، وبالتالي أصبح من الصعوبة بمكان أن تتراجع الأسعار.

ووفق دراسة أعدها بعض المختصين عام 2002 حملت عنوان "المنافسة في الاقتصاد اللبناني"، فإن الدراسة التي تغطي 7402 مؤسسة أظهرت أن سبع شركات كبرى تسيطر على 60 بالمئة من الاقتصاد اللبناني، وأن ثلثي الأسواق اللبنانية تتسم بطابع احتكاري.

واتضح أن الشركات التي تملك أكبر نسبة مبيعات هي شركات استيراد المحروقات والصناعات المرتبطة بها، التي كانت تسيطر عليها في ذلك الوقت 14 شركة، فيما كانت تسيطر 5 شركات على قطاع الغاز المنزلي، و5 على قطاع الأسلاك والكابلات المعزولة، في حين كانت تسيطر 3 شركات على الحصة الأكبر من قطاع طلاء المعادن والهندسة الميكانيكية العامة.

وأكد عجاقة، أنه في ظل استمرار هذا التدهور في العملة المحلية وتآكل القدرة الشرائية للمواطن، فإن ذلك سينعكس على الشعب من خلال زيادة معدلات الفقر أكثر وأكثر.

وأشار إلى أن "المواطن في بداية الأمر تراجع عن شراء الكماليات، ثم انتقل إلى مرحلة الاستغناء عن الكماليات الأساسية، لينتقل في الأخير إلى عدم القدرة على شراء السلع الغذائية الأساسية".

وارتفع معدل الفقراء في لبنان خلال 2020 إلى 55 بالمئة، بينما تزايد معدل الذين يعانون من الفقر المدقع بثلاثة أضعاف، من 8 بالمئة إلى 23 بالمئة، وفقا لتقرير لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا "الإسكوا".

وأوضح عجاقة أن "القطاعات الأساسية داخل البلاد مثل الصناعة والزراعة أصبحت غير مجدية ولن تساهم في تخفيف الأسعار على المواطنين، نظرا لأن جزءا كبيرا من الصناعة في لبنان يذهب إلى الخارج ولا يخدم السوق المحلي".

كذلك ما يتم زراعته في لبنان يباع داخل البلاد بأسعار مرتفعة حيث يتم تسعيرها على أساس الدولار، وبالتالي "الوضع الاقتصادي إجمالا هو كارثي".

من جهته، قال وزير الزراعة عباس مرتضى، خلال حديثه لوكالة الأناضول التركية في 12 يوليو/تموز 2021: إن "تسارع الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان، يضع الأمن الغذائي للبلاد في خطر، وينذر بموجة جوع قد تضرب جميع السكان".

وحذر مرتضى من عدم وقف تدهور قيمة العملة المحلية، "لأن هذا الاستمرار في انهيارها يجعل كلفة الإنتاج المحلي مرتفعة، وقد يدفع الناس للانكفاء عن الزراعة".

السيناريو الأسوأ

ولكن يتوقف مدى حجم الكارثة على مدى سرعة تكليف شخص بديل للحريري يعمل على تشكيل حكومة قادرة على التعامل مع الأزمات الحالية، وكلما طال أمد تحقيق هذا الأمر كلما تعقدت الأزمات الاقتصادية في البلاد.

ويرى عجاقة، أنه إذا ما تم إيجاد حل سياسي عبر تكليف رئيس في القريب العاجل يقوم بتشكيل حكومة سريعا، تعمل على حل المشكلات التي يعيشها المواطن الذي تستنفذ مدخراته بشكل متسارع مع ارتفاع سعر صرف الدولار، "فإننا نسير إلى عمق الهاوية".

وتوقع أستاذ الاقتصاد أنه "في حال استمر الوضع كما هو عليه الآن، فسيصبح هناك شريحة أوسع من الفقر المدقع داخل لبنان، بالإضافة إلى فوضى كبيرة نتيجة شح المازوت والبنزين وانقطاع الكهرباء، مما يؤثر بالسلب على الشركات والمصارف وغيرها".

وتابع: "بالتالي يمكن القول بأن السيناريو الأسوأ هو حدوث توقف شبه كامل للماكينة الاقتصادية".

لذلك أصبح من الضرورة القصوى أن يكون هناك حل سياسي حتى ينعكس على إيجاد حل اقتصادي، خاصة وأن القرار الاقتصادي بحسب الدستور اللبناني هو حصري للحكومة، وفق تعبير عجاقة.

وفي 10 يوليو/تموز 2021، غرقت لبنان في ظلام شامل نتيجة نفاد الوقود في محطتين رئيستين لتوليد الطاقة وهما دير عمار والزهراني - اللتان توفران معا حوالي 40 بالمئة من الكهرباء في البلاد، ما أدى إلى حصول الناس على ساعتين فقط من الكهرباء في اليوم.

وطالب عجاقة، بتشكيل حكومة بأسرع وقت أو على الأقل في حال لم يتم تشكيل حكومة يجب الحصول على مساعدات خارجية وإنسانية بالدرجة الأولى، ومساعدات لتأمين الكهرباء كجلب الكهرباء من الأردن على سبيل المثال، مثل اتفاق النفط بين لبنان والعراق.

مواطن مطحون

يبقى المواطن اللبناني هو من يتحمل الوضع الاقتصادي المزري وتبعاته دون حول منه ولا قوة، فهو يعيش بين سلع ترتفع أسعارها يوميا في حين أن مدخراته تتهاوى قيمتها يوما بعد يوم، فوق ذلك تضاف عليه صعوبات الوصول إلى الوقود أو المازوت الذي يلجأ إليه لتشغيل مولده الخاص في مواجهة انقطاع الكهرباء.

ويضاف إلى ذلك صعوبة حصول العاطلين على عمل أو استمرار العاملين في عملهم، فوفق لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا"، فإن مبيعات القطاع الخاص اللبناني في 2020 تراجعت بنسبة 45 بالمئة مقارنة مع 2019، رافقه تسريح 23 بالمئة من الموظفين.

وأشارت تقديرات منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة العمل اللبنانية إلى أن معدلات البطالة ارتفعت من 11.3 بالمئة عام 2018 إلى 18.5 بالمئة في 2019، ثم قفزت إلى 36.9 بالمئة عام 2020، وستبلغ 41.4 بالمئة في 2021.

ومطلع يوليو/تموز 2021، كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أن 77 بالمئة من الأسر لا تملك ما يكفي من غذاء أو مال لشرائه، وأن 60 بالمئة منها تضطر إلى شراء الطعام عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو الاستدانة، وأن 30 بالمئة من أطفال لبنان ينامون وبطونهم خاوية.

ويرى عجاقة، أن "اللبناني الذي لا يملك مدخولا بالدولار هو مواطن يسير نحو فقر أكثر من اليوم الذي قبله، مما يجعله في حالة من العوز بشكل كبير، وهذا يحيلنا في المستقبل القريب إلى حالات من الضعف كالتي نشاهدها في الدول الإفريقية الفقيرة".

وفي 29 يناير/كانون الثاني 2021، تسلم لبنان قرضا بقيمة 246 مليون دولار للبنان، لتمويل دفعات نقدية شهرية للأفراد بدلا من البطاقات التموينية، وتوسيع قاعدة الفقراء المستفيدين، ليصبح المواطن سبيله الوحيد في النجاة من الأزمات الاقتصادية الحالية هي المساعدات الخارجية والإنسانية.