زيارة سلطانية ومعبر بري واتفاقيات تجارية.. ماذا وراء تقارب السعودية وعُمان؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تكهنات كثيرة أثارتها أول زيارة أجراها زعيم عُماني إلى السعودية منذ أكثر من عقد، كونها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين أبوظبي والرياض توترا بسبب التنافس الاقتصادي، وكذلك تتزامن مع نقل المحادثات الإيرانية - السعودية من بغداد إلى مسقط.

والتقى السلطان العُماني هيثم بن طارق خلال زيارته التاريخية في 11 يوليو/تموز 2021 إلى مدينة نيوم السعودية، الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، وجرى خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين.

وعلى ضوء المعطيات الكثيرة التي رافقت الزيارة، فإن تساؤلات عديدة برزت عن أسباب الدعوة السعودية للزعيم العُماني، وهل تشكل انعطافة في التحالفات داخل دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما بعد المصالحة الخليجية وتحسن علاقة الدوحة والرياض؟

تبدل التحالفات

وفي 11 يوليو/تموز 2021، سلطت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية خلال تقرير لها الضوء على الزيارة، التي وصفتها بأنها "تطور لافت للعلاقات بين سلطنة عمان والسعودية"، مشيرة إلى أنها "قد تكون علامة على تبدل التحالفات في منطقة الخليج".

وتزامنت الزيارة مع افتتاح أول معبر بري يربط البلدين، في وقت تحاول فيه عُمان تنويع طرق التجارة. إضافة إلى ذلك، أمر مجلس الوزراء السعودي المسؤولين بإعداد وتوقيع مشروعات اتفاقيات بين عُمان والسعودية في عدد كبير من المجالات التي تشمل التجارة والثقافة وترويج الاستثمار والبريد والنقل.

ورأت "بلومبيرغ" أن اللافت في الزيارة أنها تتزامن مع أزمة في العلاقات بين السعودية والإمارات والتي فجرها رفض الأخيرة تمديد اتفاق داخل "أوبك" لزيادة إنتاج النفط، لأنها تشترط زيادة حصتها من الإنتاج، في المقابل ردت الرياض بفرض سلسلة من الإجراءات التقييدية على اتفاقية الإعفاء الجمركي الخليجي التي نظر إليها أنها تستهدف الإمارات بشكل خاص.

ونقلت عن رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة "أوراسيا" لاستشارات المخاطر السياسية، أيهم كامل قوله: "كان هناك الكثير من العمل وراء الكواليس لمحاولة بناء أساس لشيء أكثر أهمية بين السعوديين والعمانيين. ويُنظَر إلى السلطان هيثم في الرياض على أنه أقرب إلى الرياض فيما يتعلق بشؤون الخليج".

وقد يمثل توثيق العلاقة بين سلطنة عمان والسعودية هدية اقتصادية لمسقط، التي تكافح لتنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، إلى جانب أنه يأتي في الوقت الذي يتواصل فيه ابن سلمان مع الدول التي أُبقِيَت سابقاً بعيدة بسبب الاختلافات في نهجها تجاه إيران، وفقا للوكالة الأميركية.

فقد أقامت  السعودية مؤخرا علاقات أوثق مع العراق، واستضافت رئيس وزرائها في مارس/آذار 2021، وتصالحت هذا العام مع قطر - الجارة الخليجية التي انفصلت عنها عام 2017-.

ويتزامن تحسن العلاقات بين سلطنة عُمان والسعودية، مع تصاعدت التوترات بين الرياض وجارة أخرى في مجلس التعاون الخليجي، هي الإمارات؛ بسبب الخلافات حول السياسة النفطية، والآراء الجيوسياسية، والمنافسة الاقتصادية.

وعلَّق كامل: "الأمر يبدو كما لو أنه جاء ولي عهد جديد بفكر مختلف نحو الشؤون الإقليمية، إنه مهتم أكثر ببناء علاقة متعددة الأوجه تتمحور حول دول مجلس التعاون الخليجي، وليس كالسابق حيث تم الاعتماد على حليف واحد، وهو الإمارات، بل يتبنى هذا النهج الجديد أيضا شبكة أوسع بكثير من التحالفات".

دلالات متعددة

القمة بين العاهل السعودي والسلمان العُماني تطرقت بشكل غير مباشر للإمارات، فقد دعت سلطنة عُمان والسعودية في بيان مشترك إلى استمرار التعاون بين "أوبك" والمنتجين المتحالفين الآخرين من خارجها؛ لتحقيق الاستقرار والتوازن في سوق النفط.

وفي السياق ذاته، أعلن الملك سلمان وسلطان عُمان عن إنشاء مجلس للتنسيق السعودي العماني في كافة المجالات، بهدف توسيع آفاق التعاون بين البلدين.

ورأى الكاتب خالد الجيوسي، في مقال نشرته صحيفة "رأي اليوم" (خاصة) في 15 يوليو/ تموز 2021 أن "التقارب بين مسقط والرياض له دلالاته من الناحية السعوديّة، فالأخيرة لم تنفتح على عُمان، بل على قطر أيضا خصمة الإمارات، واللتين لا تزالان تتبادلان الانتقادات عبر وسائل الإعلام".

وأضاف الجبوسي أن "التقارب الذي استغرق زيارة يومين من السلطان نتج عنها التوقيع على تأسيس مجلس التنسيق بين البلدين، فيما يتواصل العمل سريعا لافتتاح الطريق البرّي الواصل بين المملكة والسلطنة، والذي يختصر وفق توصيف صحافة المملكة الوقت والأموال، بتكلفة وصلت إلى 250 مليون دولار".

وأشار إلى أن "كُل هذا يُوحي بأن تحالفات السعودية آخذةٌ بالتغيير، فهي أكثر تقاربا من عُمان وقطر، بل يبدو أنها تتّجه نحو الابتعاد عن خريطة التطبيع الإماراتية، فزيارة السلطان هيثم لنيوم، سبقتها تصريحات لوزير خارجيّته قال فيها إن بلاده لن تكون الدولة الخليجيّة الثالثة المُطبّعة".

وتابع الجبوسي: "وتلك تصريحات فسّرها البعض بأنها رسالة للسعوديّة التي كان قد تردّد أنها ضغطت باتجاه التطبيع، فيما فسّرها البعض بعد الزيارة، بأنها رسالة سعوديّة بأنها تتحالف مع غير المُطبّعين عُمان، قطر، الكويت، وأنّ سياساتها في زمن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وصهره غاريد كوشنر، والضغوطات الماليّة التي مُورست عليها، ما عادت قائمة".

ولفت إلى أنه "بكل الأحوال لا يمكن أن يكون احتفاء السعودية بزيارة السلطان وفي ظل الخلاف النفطي مع الإمارات وهما وبدون دلالات على تحالفات جديدة تقودها الرياض، وتحديدا مع حلفاء خليجيين كانوا أكثر قربا وحيادا من طهران مثل الدوحة ومسقط وفي ظل مفاوضات سعوديّة معها، حيث يمكن لعُمان أن تستضيف لقاءات تفاوضية بين الرياض وطهران".

وخلص الكاتب الجبوسي إلى أنه "في المصالح السياسيّة، لا بد أن تكون التحالفات الجديدة أو القديمة المُستمرّة، مبنيّةً على تبادل منافع، وكما تستفيد عُمان من السعوديّة، سيكون على الأخيرة الاستفادة من الحياد العُماني في حرب اليمن".

أبعاد اقتصادية

وعلى الصعيد الاقتصادي، قال الجيوسي إن "استقبال الملك سلمان للسلطان العُماني في نيوم السياحية، له دلالات اقتصادية وسياسية، فهذه المدينة رؤية وحلم ابن سلمان المُنافسة لمدينة دبي، ولعلّ الانفتاح على الخليجيين الذين يقصدون دبي للسياحة ومُصالحة قادتهم".

وأشار بيان القمة بين البلدين إلى التوقيع على مذكرة تفاهم حول تأسيس مجلس تنسيق عُماني سعودي لتعزيز العلاقات في شتى المجالات، والاتفاق على الإسراع في افتتاح الطريق البري المباشر والمنفذ الحدودي الذي سيُسهم في سلاسة تنقل مواطني البلدين وتكامل سلاسل الإمداد في سبيل تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود بين البلدين".

أما بخصوص سلطنة عُمان وما تمثله الزيارة على المستوى الاقتصادي، فقد رأى المحلل السياسي السعودي عبد الرحمن الملحم، خلال تصريحات صحفية في 10 يوليو/ تموز 2021 أن الزيارة "مهمة للغاية وتأتي في ضوء دور توثيق العلاقات القوية بين البلدين".

وقال الملحم: "الوضع مع سلطان عمان الحالي يختلف تماما عن السابق؛ السلطنة تواجه تحديات اقتصادية كبيرة وتنظر للسعودية كشريك اقتصادي".

وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين المملكة وعمان 3.36 مليارات دولار عام 2020، شملت منتجات الحديد والصلب ومنتجات كيميائية عضوية. فيما بلغت قيمة الصادرات السعودية غير النفطية إلى السلطنة 1.16 مليار دولار، شملت منتجات معدنية ومصنوعات من الحديد أو الصلب والأغذية.

ويعتقد الملحم أن "القيادتين تنظران للزيارة في تكريس الجهود لكي تتحول دول مجلس التعاون إلى دولة واحدة"، قائلا: "هناك روابط قديمة بين عمان والسعودية لكنها ستزيد في العهد الحالي".

وفي السياق ذاته، قال الباحث العماني بالشؤون الدولية، سالم الجهوري، خلال تصريحات صحفية في 10 يوليو/ تموز 2021 إن "المباحثات شملت أربعة ملفات، أولها العلاقات الثنائية الاقتصادية، والتكامل الاقتصادي والاستفادة من المرافق الطبيعية والمنشآت والموانئ في كلا البلدين، وخاصة في عمان، وإقامة المنطقة الصناعية السعودية على الأراضي العمانية عند المنفذ الحدودي بين البلدين".

وتحدث الجهوري عن إعادة إحياء مشروع مد خط أنابيب للمشاريع المستقبلية من السعودية إلى منطقة الدقم، حيث تبني السلطنة منطقة صناعية تكلف عدة مليارات من الدولارات على الساحل الجنوبي للبلاد.

وتسعى عُمان لتحويل الدقم، التي كانت يوما ما مجرد قرية للصيد تبعد 550 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة مسقط، لمرفأ ومركز صناعي مهم في منطقة الشرق الأوسط.

وعن مشاريع خطوط الأنابيب، قال الجهوري: "هذا المشروع قديم، يعود للحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وكان من المخطط أن تشارك الكويت والإمارات فيه أيضا".

ويرجح الباحث العماني إمكانية أن تدرس السعودية هذا المشروع "من أجل تجنب المخاطر الأمنية التي يشهدها مضيق هرمز، قبالة ساحل إيران، من وقت لآخر". كما يعتقد الجهوري أن تمتد المحادثات لفرص الاستثمار بين البلدين في البتروكيماويات والسياحة والطاقة الشمسية.

وفي 2018، وقعت حكومة سلطنة عمان اتفاقا للحصول على تمويل بقيمة 81 مليون ريال عماني (210 ملايين دولار) من السعودية لمشروع المنطقة الصناعية في الدقم.

وفي 2019، وقعت الولايات المتحدة اتفاقية إستراتيجية للموانئ مع سلطنة عمان. وقالت سفارة واشنطن بعُمان، في بيان حينذاك، إن الاتفاقية تضمن للولايات المتحدة الاستفادة من المنشآت والموانئ في الدقم ومدينة صلالة، حيث أنها ستحسن الوصول بموانئ تتصل بمنطقة الخليج عبر شبكة من الطرق، كما ستحد من الحاجة لإرسال السفن عبر مضيق هرمز.

وسبق أن هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، وهو مسار رئيسي لشحن النفط في الخليج، "ردا على أي عمل عدائي أميركي، بما في ذلك محاولات وقف صادرات النفط الإيرانية عن طريق العقوبات".