عماد العطار.. مفكر عراقي عشق التأريخ وعثر على قبر آخر خليفة عباسي

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ودعت الأوساط الأكاديمية العراقية والعربية، المفكر والمؤرخ، عماد عبدالسلام رؤوف العطار، الذي رحل يوم 27 يونيو/ حزيران 2021، عن عمر ناهز 73 عاما بمدينة أربيل حيث استقر فيها أخيرا، بعد رحلة أكاديمية وفكرية بدأها منذ سبعينيات القرن الماضي.

المؤرخ العراقي اعتمد على المصادر المتنوعة، وعلى الدراسة الميدانية أيضا، فقد زار معظم المدن والبلدات العراقية، التي أجرى دراسة عنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وقد تمتع بخيال إيجابي واسع سخره لخدمة التاريخ وتنقية الأحداث بأقرب صورة للواقع.

شيخ المؤرخين

وزير الثقافة العراقي، حسن ناظم، نعى العطار في بيان رسمي، بالقول: "ننعى العلامة الكبير الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، شيخ مؤرخي العراق، الذي رفد المكتبة بعشرات الكتب التاريخية المهمة التي تحمل الهوية الحضارية لبلادنا بعمقها الحضاري".

وأضاف: "رفد المكتبة بعشرات الكتب التاريخية المهمة التي تحمل الهوية الحضارية لبلادنا بعمقها الحضاري"، و"تتلمذت على يدي الأستاذ الراحل أجيال ما زالت مدينة له بالفضل، وتحاول أن تقتفي آثاره".

من جهته، قال عميد كلية الآداب في جامعة صلاح الدين بأربيل، قادر محمد حسن، خلال تصريحات صحفية في 27 يونيو/ حزيران 2021 إن "البروفيسور عماد عبد السلام كان اسما لامعا في العراق والمنطقة وإقليم كردستان، ووفاته خسارة كبيرة".

وأشار عميد كلية الآداب إلى أن عبد السلام انتقل من جامعة بغداد إلى قسم التاريخ في جامعة صلاح الدين بأربيل بين عامي 2007- 2008، وأثرى القسم بعلمه وقدراته المميزة، مبينا أنه ركز في كتاباته وأبحاثه خلال وجوده في إقليم كوردستان على كوردستان وتاريخ كوردستان.

وكذلك عزى نائب الرئيس العراقي السابق، أسامة النجيفي، بوفاة العطار، بالقول: إن "الأوساط العلمية والتاريخية والثقافية فقدت علما بارزا من أعلام العراق هو الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف العطار الذي وافاه الأجل في أربيل". 

وأضاف النجيفي خلال بيان في 27  يونيو/ حزيران 2021 أن "الفقيد الكبير يمثل مدرسة فكرية فاضت بنتاجها العلمي التاريخي لتصبح منارا يمثل الجهد الإبداعي العراقي الأصيل"، معتبرا فقده بأنه "خسارة جسيمة".

وقال عنه الكاتب العراقي أحمد الحاج، عبر "فيسبوك"، إن "ميزة هذه القيمة والقامة الشامخة وهذا العالم الجليل أنه باحث قدير ومؤرخ لا يبارى ولا يشق له غبار البتة، أنه بمثابة نخلة من نخيل العراق الباسقة، شجرة من أشجار وادي الرافدين السامقة، نهر ثالث من أنهار العراق الخالدة، أنه باحث متفرد في ميدان عمله تماما.

وضرب الكاتب مثالا عن أسلوب العطار المتفاني في العمل، بالقول إن "عماد عبد السلام رؤوف هو أول من عثر على قبر الخليفة المستعصم بالله بن المستنصر بالله العباسي، آخر خلفاء بني العباس وقد قتل على يد المغول بعيد سقوط بغداد غدرا وغيلة، وكانت مدة خلافته 15 سنة وثمانية أشهر".

إذ تمكن الباحث رؤوف من العثور على شاهد  قبره وجرى تجديده مع المسجد وبناؤه عام 2005 قريبا من شارع عشرين في حي الأعظمية، بمحلة النصة، وفق الحاج.

كما أن للمؤرخ الراحل الدور الأبرز في اكتشاف قبر العلامة الطبري الملقب بإمام المفسرين وكتابه الأشهر "تفسير الطبري" أو "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، وصاحب الكتاب المعروف بـ "تاريخ الطبري، وذلك في رحبة يعقوب المعروفة حاليا بحديقة الرحبي وسط شارع عشرين في حي الأعظمية على بعد مسافة قليلة جدا من قبر ومسجد المستعصم".

وبين الكاتب "إنك لن تقرأ ولن تبحث ولا تكتب عن أي معلم مهم من معالم بغداد التراثية العريقة، ولا عن أي رمز من رموزها، ولا شخص من شخوصها إلا ووجدت بحثا قيما ورأيا سديدا للدكتور عماد عبد السلام رؤوف في هذا المجال، الكثير منها يكاد أن يكون متفردا فيها وبلا منازع على نحو ما ذكرته آنفا".

مسيرة حافلة

ولد المؤرخ عماد عبد السلام محمد رؤوف العطار في منطقة الأعظمية ببغداد، في 9 يناير/ كانون الثاني 1948، ويعود أصله إلى مدينة الموصل عباسي النسب.

أكمل دراسته الأولية في بغداد، ودخل كلية الآداب في قسم التاريخ وتخرج فيها عام 1970، ثم واصل دراسته العليا في جامعة القاهرة ونال شهادة الماجستير في التاريخ الحديث عام 1973 عن رسالته (ولاية الموصل في العهد الجليلي 1749-1834).

ونال شهادة الدكتوراه عام 1976 في الجامعة ذاتها عن رسالته (الحياة الاجتماعية في العراق في عهد المماليك 1750-1831). وعين رئيسا لمركز إحياء التراث العلمي العربي في جامعة بغداد وأستاذا للتاريخ الحديث في كلية التربية في جامعة بغداد.

للراحل ما يقرب من 150 كتابا ما بين تحقيق وتأليف وله عشرات البحوث والمقالات القيمة المنشورة في عشرات الصحف والمجلات العربية والعراقية المحكمة، منها ما ترجم إلى العديد من اللغات الحية.

أشرف على العديد من الطلبة في الدراسات العليا في التاريخ الإسلامي، وكُتب عن أعماله عدد من رسائل الدبلوم العالمي والماجستير والدكتوراه في العديد من الجامعات العربية، وكذلك ترجمت بعض مؤلفاته إلى عدد من اللغات وبخاصة الإنجليزية والفرنسية والتركية والفارسية والكردية والإندونيسية.

ومن أقوال المؤرخ العراقي الراحل إن "أهمية التاريخ في حياة الشعوب من خلال تقديمه صورة الجذور التي ينتمي إليها ذلك الشعب، فالتاريخ يمثل الهوية لكل شعب".

فحينما تختل المفاهيم لا يبقى غير التأريخ هوية ثابتة لشعب من الشعوب، كما قال، مضيفا "الأمة التي تجهل تأريخها، أمة بلا هوية، ومن لا هوية له، يمكن أن يقع ضحية الآخرين، ويسقط تحت تأثير التحديات المستمرة، وربما اختلت قناعاته وسلك مسلكا يضر بمصالحه الوطنية".

وكذلك يقول: "علينا أن نتذكر إن الحلم الأميركي المستقبلي مبني أيضا على فهم للتأريخ. كثيرون يقولون بأن العالم الجديد ولد عند اكتشافه على يد كريستوفر كولومبس".

مع أن العالم الجديد هو امتداد للعالم القديم، وهو تطور منه، وهو ولادة جديدة له، كما يقول.

وزاد: "الإنسان في أميركا، هو نتاج تراكمي لحضارات كثيرة استطاع أن يتفاعل معها تفاعلا حيا لكي يحول هذا التفاعل إلى طاقة تدفعه إلى الأمام".

وتابع: "هذه قاعدة عامة، لكن نحن اكتفينا بالنظر إلى الماضي والإعجاب به، بمعنى التوقف عنده وتحويله إلى ما يشبه أن يكون وجبة غذاء لا تنتهي، مع أن وقتها قد انتهى وأصبحنا بحاجة إلى غذاء جديد، أي أن نتوافق مع زماننا الذي نعيش، وأن نبني لزمان مقبل. هم أيضا استفادوا من حاضرهم ومن ماضيهم، فالحضارة الأميركية هي نبت الحضارة الأوربية".

وأشار إلى أن "الذين روجوا للعولمة على أنها البودقة الأخيرة لصهر الحضارات في حضارة عالمية واحدة وبشروا بظهور نظام سياسي عالمي واحد يلغي تعددية الأمم وتعددية الثقافات والقوميات والأديان والمفاهيم والقيم، هؤلاء بشروا بنهاية التأريخ".

وواصل: "الذين قالوا إن هذه هي نهاية التأريخ، كانوا على صواب، إن كان قصدهم من العولمة إلغاء هذه التعدديات، وهذه الهويات، وهذه القيم، نعم هم على صواب، لأنه لن يبقى هناك شيء سوى نظام شمولي واحد واقتصاد واحد ودولة واحدة تفرض هيمنتها على العالم كله".

مؤرخ موسوعي

وبشأن آراء المؤرخين المعاصرين للراحل، يقول عنه محسن محمد حسين: إن "عماد عبد السلام رؤوف هو علامة العراق، وهو إنسان رأس ماله الصدق، ولا يمتلك صفة التعصب القومي أو الديني أو الطائفي".

وتابع: "هذه هي صفات الإنسان العالم، وهو مبدع في مجاله، وترتيبه الأول ضمن مؤرخي الجيل الحالي والجيل السابق".

أما خليل علي مراد، فيقول إن "الدكتور عماد عبد السلام رؤوف من رواد المؤرخين في العراق في العصر الحالي، كما وإنه إنسان خلوق، ومتواضع جدا رغم علمه الواسع ويحب تقديم المساعدة للآخرين، وأنه وبرغم كبر سنه لا يزال نشطا ومبدعا وفعالا في مجاله، وهو ذو سمعة واسعة داخل العراق وخارجه".

وكذلك، يقول عنه مؤيد الونداوي: "هو من ضمن نخبة المؤرخين العراقيين, كما وأنه إنسان متمكن علميا ومثابر، وبات مرجعا، ولديه صفات الإنسان الأكاديمي والأستاذ الناجح".

ولقد ترك بصماته العلمية في أكثر من مكان، وأسهم في تقديم نتائج وصور كثيرة لموضوعات تاريخية كانت مجهولة، وسيخلده ذلك لوقت طويل، بحسب الونداوي.

وبحسب علي شاكر علي، فإن "رؤوف موسوعة تمشي على الأرض، ذو شخصية كاريزمية، كما وأنه إنسان متواضع جدا، وذو خلق فاضل، وغير متعصب ويحترم الرأي الآخر".

وقال عنه المؤرخ عثمان علي إن "الدكتور عماد عبد السلام رؤوف مؤرخ عظيم وأكاديمي من الطراز الأول، وهو من رواد المؤرخين العراقيين والعرب، في التأليف والتحقيق وخاصة في مجال تاريخ العراق في العصر العثماني، كما أنه من الأعلام البارزين في كتابة التاريخ الاجتماعي".

وعلى نحو مماثل، قال عنه طاهر خلف البكاء: "الدكتور عماد عبد السلام مؤرخ مبدع ومتفرد وغزير العطاء بكتبه وأبحاثه المنشورة ومشاركاته العلمية".

كما وأنه متفرد في منهجه، ويعتمد منهجية علمية صارمة، وهو في طليعة الصفوة بالنسبة للمؤرخين المعاصرين له، بحسب قوله.

ووصفه حسن كريم الجاف: بأنه "مؤرخ موسوعي، ولا يحصر نفسه بجانب محدد من التاريخ، وإنما يدخل التاريخ من جميع جوانبه وأبوابه، ويبدع من حيثما دخل، كما وأنه أستاذ ومؤرخ من الطراز الأول".