"كابوس مخيف".. مركز دراسات تركي يستشرف مستقبل إثيوبيا مع آبي أحمد
.jpg)
اعتبر مركز دراسات تركي أن فقدان الاستقرار في دول جنوب الصحراء الإفريقية، ذات الكثافة السكانية العالية والتوازنات السياسية الحساسة، التي غالبا ما تعاني مشاكل في النظام العام والأمن "كابوس مخيف" يمكن لتداعياته أن تؤثر بالسلب على جميع دول المنطقة.
ونشر مركز "سياسات أنقرة" مقالا للكاتب حسن ثروت أوكتيم، قال فيه إن "أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الموضوع، الدول مثل نيجيريا وكينيا وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، لكننا سنتناول في مقالنا هذا، خلفية الانتخابات الحرة في إثيوبيا والإيجابيات والسلبيات التي ستأتي بها للبلاد والعباد".
خطورة الوضع
وقال أوكتيم: "اعتلى رئيس الوزراء آبي أحمد منصبه ربيع عام 2018، وذلك بعد استقالة الحكومة الفيدرالية التي يهيمن عليها مجموعة تيغراي (الإثنية)، والتي حكمت البلاد بسلطوية زائدة عن حدها لمدة 27 عاما، في أعقاب الاحتجاجات التي انتشرت على نطاق واسع، ولم يعد من الممكن قمعها".
وأضاف: "بإجراءاته وأعماله التي تتطلب شجاعة سياسية، حمل رئيس الوزراء الشاب والإصلاحي من عرقية الأورومو، بلاده إلى مستويات عليا في سباق الديمقراطية، ووقع اتفاقية سلام مع الدولة الشقيقة والعدوة إريتريا، ليحصل بذلك على ثناء وتقدير الشرائح الإثيوبية (باستثناء تيغراي) والمجتمع الدولي".
واستدرك أوكتيم قائلا: لكن العملية العسكرية التي أطلقها آبي أحمد في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ضد إقليم تيغراي لمعاقبة إدارتها أنهى شهر العسل بين إدارة أديس أبابا والدول الغربية، وعزز من قوة المعارضة ضد الحكومة الفيدرالية داخل البلاد".
وتابع: "نعلم أن آبي أحمد عاقب قيادة تيغراي على نزعتها الانفصالية ومساعيها للاستقلال من خلال إضعاف الحكومة الفيدرالية، لكن لجوء رئيس الوزراء للقوة العسكرية ورفضه مبادرات الوساطة المختلفة وخاصة الاتحاد الإفريقي، أفسد سجل حقوق الإنسان لإدارة أديس أبابا وشوه صورة البلاد التي كانت تتحسن باطراد خلال العامين الماضيين".
وأشار أوكتيم إلى أنه "تأثرا بعملية تيغراي، غادر عشرات الآلاف منازلهم بينما مات المئات، وتعكس إعلانات الطوارئ والجوع في الأسابيع الأخيرة والصادرة عن وكالات الأمم المتحدة بحق مقاطعة تيغراي، خطورة الوضع ومأساويته بما لا يدع مجالا للشرح".
وأضاف: "لقد حدث الذي حدث، وما نأمله الآن هو أن تنتهي الصراعات العرقية وتنفتح صفحة جديدة من وحدة البلاد بفضل الانتخابات الجديدة، فما لم تتمكن إثيوبيا من تحقيق السلام والاستقرار السياسي، فإن تنمية التعاون الإقليمي والسلام الدائم في القرن الإفريقي سيكون أمرا صعبا للغاية".
الطامة الكبرى
ولفت أوكتيم إلى أن "مشكلة إثيوبيا الرئيسة تتمثل في تقاسم السلطة بين الحكومة الفيدرالية المركزية والولايات، فلا يزال الجدل حول حجم السلطة التي يجب تسليمها لأديس أبابا وحجم ما يجب تركه للمناطق قائما في جميع أنحاء البلاد، فيما يمثل قيام السياسة على أسس عرقية، المشكلة الثانية".
وأوضح قائلا: "رغم أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي قادت القوات الثورية وأطاحت بالديكتاتورية العسكرية عام 1991، حكمت البلاد لمدة 27 عاما من خلال تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية، إلا أنها لم تتمكن من كسب قلوب الشعب في منطقتي أمهرة وأورومو، اللتين تشكلان ثلثي إثيوبيا، بسبب وضعها قومية تيغراي فوق الوطنية".
وتابع: "فعقب انتصارها عام 1991 وبسبب استقلال إريتريا، تبنت نخب تيغراي شكلا استبداديا من الحكم، حد من الحكم الذاتي للمقاطعات وأعطى الأولوية للتنمية الاقتصادية واستند إلى قوة الوسط بحجة الحفاظ على وحدة البلاد، لكنها اضطرت للتخلي عن السلطة في مواجهة احتجاجات الأورومو والأمهرة".
وبعد استبعادها من إدارة أديس أبابا، عادت نخب تيغراي إلى ميكيلي، عاصمة تيغراي عام 2018، متخلية عن فكرة الهيكل الفيدرالي القوي التي تبتنها لمدة 27 عاما.
ثم أجرت انتخابات محلية في سبتمبر/أيلول 2020 رغم قرار أديس أبابا بالتأجيل، مرسلة رسالة مفادها أنها لن تتنازل عن السلطة في الإقليم، قاطعة بذلك حبال العلاقة مع الحكومة الفيدرالية، وفقا للكاتب التركي.
وقال أوكتيم: "مع أن الهدف الرئيس للعملية العسكرية التي أطلقها الحائز على جائزة نوبل للسلام آبي أحمد في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لمحو قيادة تيغراي من على وجه الأرض، كان الحفاظ على وحدة البلاد، إلا أن محاسبة النخبة السياسية في تيغراي التي حكمت 110 مليون نسمة بالحديد والنار لمدة 27 عاما كانت من بين الأهداف غير المعلنة".
ونوه إلى أن "العملية العسكرية التي أطلقت رغم دعوات الحوار التي جاءت من القارة الإفريقية بأكملها والتحذيرات الملحة من المجتمع الدولي، لم تتسبب بمأساة إنسانية كبيرة فحسب، بل طالت إريتريا، كما وتسببت في توتر العلاقات بين إثيوبيا والسودان أيضا".
وتابع: "لتبدأ الخلافات الحدودية بين البلدين اللذين حافظا على علاقات جيدة لسنوات، وتصبح منطقة الفشقة منطقة متنازع عليها، وعلى الناحية الأخرى، ومع جهود الشتات التيغرائي في الولايات المتحدة، شددت إدارة جو بايدن خطابها المناهض لإثيوبيا وبدأت في فرض عقوبات".
فشل التوقعات
ويسلم أوكتيم بأن الانتخابات التي أجريت في 21 يونيو/حزيران 2021 والتي تعد الأكثر أهمية في تاريخ البلاد، كانت حرة نسبيا هذه المرة مقارنة بـ"العهد السلطوي الاستبدادي"؛ إذ شاركت أحزاب المعارضة في الانتخابات، وسمح للمعارضة بعقد تجمعات.
وقال: "من ناحية أخرى، يجب ألا ننسى أن العديد من المعارضين منعوا من دخول الانتخابات (وقفا أو حظرا) أمثال الناشط جوهر محمد، كما وأغلقت بعض الأحزاب في الانتخابات التي تنافس فيها حوالي 20 حزبا على 547 مقعدا وشارك 33 حزبا فقط في الانتخابات المحلية".
وأضاف "مع أننا لا نتحدث عن انتخابات من ذلك النوع الذي فاز فيه تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (انتخابات 2015) بجميع المقاعد البالغ عددها 547، إلا أنه من المعروف أيضا أن حزب الرخاء الذي يتزعمه رئيس الوزراء سيفوز في الانتخابات".
وأردف الكاتب التركي: "وبالنظر إلى أنه لا يمكن إجراء انتخابات في دائرة واحدة تقريبا من كل 6 دوائر انتخابية بسبب الظروف الأمنية غير الملائمة، يمكننا أن نرى بوضوح الصورة المأساوية التي أصبحت عليها إثيوبيا خلال 3 سنوات مع رئيس الوزراء الإصلاحي".
وشرح ذلك بالقول: "فبينما كانت هناك صراعات صغيرة فقط بين الأورومو والصومال في الربيع الأول من عام 2018، أصبح الآن من المستحيل منع التمرد المسلح في بعض مناطق أورومو وأمهرة، فيما تستمر النزاعات الحدودية بين الولايات منذ عدة أشهر ولا تزال تتسبب بفقدان مئات الأرواح".
وقال أوكتيم: "لقد قلت سابقا إن رئيس الوزراء آبي أحمد زرع الإصلاح بطيب نية، لكنه حصد عاصفة في المقابل، وأتمنى أن أكون مخطئا!".
واستدرك: "نحن نفرح عندما تسقط الأنظمة الاستبدادية في إفريقيا، مع أنه من المبكر جدا الاستبشار بذلك، فبعد كل شيء، نعتقد أنه بعد انهيارها، سيهيمن الحكم الديمقراطي على سياسة البلاد بكل سهولة، وسيترسخ النظام القائم على الحقوق والحريات خلال فترة قصيرة، لكن هذا خطأ كبير!".
وأوضح أوكتيم "فمثلا، مرت 30 عاما بالضبط على انهيار نظام الدكتاتور سياد بري في الصومال، لكن حكومة مقديشو التي تدعمها بلادنا منذ 10 سنوات، لا تزال تتخبط في الفوضى ولم تتمكن حتى الآن من إجراء انتخابات حرة".
وأضاف "كما أن الدولة الحديثة التي قامت في جنوب السودان بعد أن قسمها الغرب وبالأخص واشنطن إلى دولتين عام 2011 لمعاقبتها، لم تشهد سلاما ولا أمنا ولا استقرارا منذ إنشائها، فهل من الممكن أن نكون متفائلين حقا بمستقبل جنوب السودان؟".
وختم أوكتيم مقاله قائلا: "على أي حال، ليس هدفنا إضعاف الروح المعنوية.. لذا نقول بأن تغلب إثيوبيا على هذه المرحلة الصعبة والحساسة التي تمر بها، سيعزز آمال السلام والاستقرار والازدهار والديمقراطية في القرن الإفريقي".