"لغز كبير".. ماذا وراء إنشاء حميدتي قوة عسكرية جديدة في السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكتف قائد قوات الدعم السريع في السودان الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بالقوات العسكرية القائمة، بل قرر أن يجمع في قبضته قوات جديدة تضم فرقا متعددة.

القوات الجديدة، تتكون من الجيش والدعم السريع والشرطة والمخابرات العامة، إضافة إلى ممثل للنائب العام وممثلين لأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا (حركات مسلحة). 

ما أقدم عليه "حميدتي"، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي، تسبب في حالة قلق داخلية وخارجية، إذ استنكرت قوى سياسية وأحزاب سودانية الخطوة، فيما وصفت منظمات حقوقية دولية القرار بأنه يهدد العملية الانتقالية برمتها.

السودان الذي يشهد انفلاتا واضطرابات أمنية لا تنتهي، خاصة مع الاقتتال القبلي في ولاياته، وسقوط مئات القتلى والجرحى في دارفور وشرق البلاد، تعجز حكومته والمجلس السيادي الانتقالي فيه عن احتواء تلك الأزمات، إضافة إلى خلافات سرية وعلنية بين مكونات الحكم العسكرية والمدنية.

لذلك جاء قرار حميدتي تأسيس القوة المشتركة بمثابة لغز كبير، فما أسباب هذه الخطوة في ذلك التوقيت الحرج؟ وما التداعيات المترتبة على وجود الكيان الجديد بجوار عديد من القوى العسكرية الأخرى الرابضة في الشوارع والميادين السودانية؟

جيش جديد

في 17 يونيو/ حزيران 2021، أصدر حميدتي، القرار رقم "7" لسنة 2021، بتشكيل قوة مشتركة لحسم التفلتات الأمنية في العاصمة والولايات وفرض هيبة الدولة، بحسب ما جاء في القرار.

وتضمن القرار تكليف الفريق الركن، ياسر عبد الرحمن حسن العطا، عضو مجلس السيادة، وعضو اللجنة الوطنية العليا لمتابعة تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان بتشكيل القوة المنوطة. 

وورد في القرار أن تلك القوة المستجدة، تتشكل من كتائب ومجموعات منتقاة من "القوات المسلحة - الدعم السريع - قوات الشرطة - جهاز المخابرات العامة - ممثل النائب العام - ممثلين لأطراف العملية السلمية.

وفيما يتعلق بمهام واختصاصات القوة المشتركة فتتمثل في وضع تصور متكامل لخطة حسم التفلتات الأمنية، ومخاطبة ولاة الولايات لتشكيل قوة مشتركة بذات التكوين الموضح أعلاه بالتنسيق مع الأجهزة العسكرية والأمنية المختصة (لجنة أمن الولاية أو الإقليم).

وكذلك مخاطبة وزارة العدل لإصدار التشريعات اللازمة لعمل القوة، لتوفير الغطاء القانوني لها، ومنع التجنيد غير القانوني، كما يجوز للقوة المشتركة بأي من الولايات طلب الدعم بالقوات أو السلاح أو المعينات اللوجستية الأخرى من المركز.

وورد في القرار تفعيل عمل القوة بشكل فوري، وهو ما جاء في الفقرة الأخيرة التي نصت أن "تباشر القوة المشتركة المنشأة في العاصمة والولايات بموجب هذا القرار، أعمالها فورا، وترفع تقارير أعمالها إلى اللجنة الوطنية".

واختتم نص القرار الصادم لكثير من أطراف العملية السياسية، ممهورا بتوقيع الفريق أول محمد حمدان دقلو. 

تحركات حمدوك 

التحركات العسكرية الأخيرة كانت بمعزل عن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، الذي يمثل أعلى منصب في الشق المدني داخل المجلس السيادي، وقد أظهرت تفاعلاته وخطاباته الأخيرة حجم الأزمة الواقعة. 

ففي 16 يونيو/ حزيران 2021 دعا حمدوك خلال خطاب للشعب "مكونات الثورة للتوحد وإعادة تماسكها وتنظيم صفوفها"، وأشار إلى "أن تشتت قوى الثورة هو الذي يدفع أعداءها للتحرك والتآمر".

وفي 22 يونيو/ حزيران 2021، صعد حمدوك من موقفه، عندما أعلن بشكل صريح أن: "شراكتنا مع العسكر لا تسير في خط مستقيم".

 وهذا أول تصريح من نوعه ينوه فيه رئيس الوزراء السوداني إلى وجود أزمة مع المكون العسكري، منذ استلامه مهام منصبه.

كما طالب بتغيير مدراء الإدارات في جهاز المخابرات، وقال: "خلافات شراكات الفترة الانتقالية تشكل خطرا جديا على وجود السودان". 

وذهب رئيس الوزراء السوداني إلى درجة بعيدة في توصيف الواقع بأن نوه إلى إمكانية اندلاع حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس على حد وصفه.

 وأضاف: "هذا الخطر لن يهدد بلادنا فحسب، بل سيجر كل الإقليم إلى حالة من عدم الاستقرار، فأي تهديد للاستقرار في بلد مثل السودان، سيمثل حالة نوعية فريدة لم يسبق لها مثيل في الاضطراب والفوضى". 

وأورد حمدوك، في بيانه المتلفز أن "جميع التحديات التي نواجهها، هي مظهر من مظاهر أزمة أعمق هي في الأساس وبامتياز أزمة سياسية"، واستطرد: "التشظي العسكري وداخل المؤسسة العسكرية أمر مقلق جدا".

المثير في السجالات الواقعة أنه في اليوم التالي مباشرة لبيان حمدوك، خرج المكون العسكري بكل تكويناته في اجتماع عام، ليعلن أنه تحت إمرة القائد العام، وأنه متماسك ومتحد، في لقاء حضره كل قادة الوحدات وقيادات التكوينات العسكرية، بمن فيهم حميدتي. ولم تتم دعوة حمدوك لهذا اللقاء، في رسالة واضحة مضادة لرسالته. 

جسم غريب

لم يكن حمدوك وحده الذي استنفره إجراء تشكيل "القوة المشتركة" ففي 22 يونيو/ حزيران 2021، أصدر الحزب الشيوعي السوداني بيانه الذي جرم خلاله قرار حميدتي، القاضي بتكوين قوة مشتركة، تحت دعوى فرض هيبة الدولة بالعاصمة والولايات.

وأقر بيان الحزب أن "حميدتي لا يملك هو ولا غيره تشكيل تلك القوة"، وأعلن "رفض تكوين القوة من خارج جهاز الشرطة حتى بمناطق النزاعات"، ثم "حذر من أي انتهاكات لحقوق الشعب في التظاهر والاحتجاج السلميين".

 كما شدد على "ضرورة إخلاء المعتقلات خارج حراسات الشرطة ومنع قيامها". 

وعد البيان، تلك القوة المشتركة "جسما غريبا"، يعيد تكوينه للأذهان تركيبة القوة التي فضت اعتصام القيادة العامة، وقتلت مئات المدنيين المعتصمين. 

وشدد الحزب الشيوعي على ضرورة عودة جيوش الحركات إلى المقار المنصوص عليها باتفاق الترتيبات الأمنية، والشروع فورا في حملها على تسليم سلاحها وفق القانون والتقاليد الدولية المتعارف عليها.

سجل سيء

وفي 21 يونيو/ حزيران 2021، نشر الكاتب السوداني طه مدثر، مقالة عبر صحيفة "الجريدة" السودانية، فند فيها أسباب إقدام حميدتي على تدشين القوة الجديدة.

وقال: "إن تشكيل قوة مشتركة من الأجهزة الأمنية، الموجودة حاليا، لتجوب العاصمة الخرطوم، وتكوين قوات مماثلة لها بالولايات، بحجة وذريعة ضبط الشارع العام، وفرض هيبة الدولة، إنما هو محاولة عاجزة للسيطرة على التذمر الشعبي". 

وأضاف: "أنتم قادة القوات المشتركة، أو (قوات ردع الشعب) من فرطتم في هيبة الدولة، منذ بدايات الثورة، وبدايات الحكم المدني، وذلك حين تركتم لفلول النظام البائد، وأعوانه من مدنيين وعسكر،  الحبل على الغارب، فجاسوا خلال الديار فسادا، وقويت شوكتهم لضعفكم، فأصبحوا ينتقدون الحكومة، ويطالبون بإسقاطها". 

واختتم مقالته بالقول: "إنكم بتشكيلكم قوات مشتركة، كأنكم تحكمون على الناس، بحكمين لا ثالث لهما، الموت جوعا أو صمتا، وكلاهما هبت من أجله ثورة ديسمبر المباركة". 

انتقاد القوة المشتركة لم يقف على الداخل السوداني فقط، بل أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، تقريرا في 21 يونيو/ حزيران 2021، أعربت من خلاله عن قلقها من تشكيل تلك القوة التي تضم مكونات صاحبة سجل سيء في حقوق الإنسان. 

وقالت المنظمة: إن "تشكيل هذه القوة المشتركة على مستوى البلاد بتفويض واسع لمكافحة التهديدات الأمنية ليس له أي أساس قانوني، لا بموجب الوثيقة الدستورية السودانية، ولا اتفاقية جوبا للسلام". 

وأضافت: "لم يظهر السودان أي مؤشر على التقدم في الإصلاح الضروري لقطاع الأمن"، وذكرت أن "نشر قوات لها سجل حافل بالانتهاكات، وغير مدربة أو مجهزة لأداء مهام فرض القانون، يخلق بيئة مهيئة للانتهاكات، كما رأينا مسبقا". 

ثم أوردت أنه "يجب أن تتم عمليات فرض القانون من قبل قوات شرطة مدربة جيدا ومسؤولة، ويجب أن تتضمن أي خطط للتصدي للتهديدات الأمنية مبادئ حقوق الإنسان، وليس تشجيع منتهكي الحقوق".