طائرات وصواريخ وغواصات.. تطور المقاومة الفلسطينية يحرج جيوش العرب

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

12 مايو/ أيار 2021، وبعد يومين من اندلاع رابع عدوان إسرائيلي على قطاع غزة منذ انسحابه عام 2005، أعلن جيش الاحتلال اعتراضه طائرة مسيرة "كبيرة" أطلقت من القطاع وتكرر إطلاقها لاحقا.

بعدها بأربعة أيام، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر عسكرية أن حركة المقاومة الإسلامية حماس حاولت استهداف منصة استخراج الغاز الإسرائيلية (حقل تمار) في البحر المتوسط بغواصة مسيرة تحمل 50 كيلوغراما من المتفجرات.

الكشف عن امتلاك المقاومة أسلحة جديدة للغواصات والطائرات المسيرة في معركة 2021، وقبل ذلك بحرية وغواصين نجحوا في تنفيذ عمليات في العمق الإسرائيلي خلال عدوان 2014، شكل مفاجأة لإسرائيل والمنطقة معا.

أظهرت المواجهة حجم التطور في التصنيع الحربي للمقاومة رغم محدودية إمكانياتها في ظل الحصار، وتنفيذ ذلك في "ورش" بسيطة تحت الأرض لا "مصانع حربية".

تأكيد أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، 13 مايو/ أيار 2021 أن "المقاومة وجهت ضربات للاحتلال لم تجرؤ دول في المنطقة على أن توجه عشرها له منذ نكبة 1948"، أحرج جيوشا عربية.

هذا التصريح دفع ناشطين للتساؤل عن جدوى تكديس الجيوش العربية الأسلحة، وشراء صفقات بمليارات الدولارات سنويا دون استخدامها.

إحراج للأنظمة

منذ هزيمة الجيوش العربية عام 1967، لم تطلق أي دولة عربية صواريخ على إسرائيل باستثناء العراق عام 1991، بينما نجحت المقاومة في الوصول لتل أبيب والقدس، بصواريخ من صناعة محلية.

بعد 20 عاما من إطلاق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين 43 صاروخا روسيا على مدن فلسطينية محتلة، يناير/ كانون الثاني 1991، كشف الجيش الإسرائيلي رسميا في 6 يناير/ كانون الثاني 2012 أن هذه الصواريخ قتلت 14 وأصابت 229 إسرائيليا.

نجاح المقاومة في تحقيق هذه الإنجازات في إنتاجها الحربي على مساحة 365 كم² من أرض غزة المحاصرة والمراقبة برا وجوا وبحرا، أدهش المراقبين العسكريين والصحف الإسرائيلية.

صاروخ القسام الذي بدأ بمدى 4 كيلومتر عام 2001، نجحت المقاومة في إنتاج أنواع أكثر تطورا منه بلغ مداها 250 كيلومتر هو صاروخ "عياش" في المواجهة الأخيرة مايو/ أيار 2021.

يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2016، اغتالت المخابرات الإسرائيلية مهندسا وأستاذا جامعيا تونسيا أمام منزله بصفاقس، تبين أنه محمد الزواري أحد المسؤولين عن تطوير صناعة طائرات المقاومة الفلسطينية دون طيار.

لاحقا، كشفت كتائب القسام" عبر برنامج "ما خفي كان أعظم" على قناة الجزيرة، 30 أبريل/ نيسان 2017 أن "الزواري" أنجز مع فريق تصنيع الحركة 30 طائرة بدون طيار قبل عدوان إسرائيل على غزة 2008.

بحسب وثائقي إسرائيلي نقلته وكالة "شهاب" الفلسطينية 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قال محللون إسرائيليون، إن ضباط جهاز الاستخبارات (الموساد) اعتبروا مشاريع الطائرات خطرا على أمن إسرائيل.

أشاروا إلى أنها "تمثل تحولا نوعيا في سلاح المقاومة، سيجعل منشآت إسرائيل الحساسة كالنفط والغاز أهدافا مباشرة"، وهو ما تم فعليا في المواجهة الأخيرة 2021.

الفيلم الوثائقي ذاته بث شهادات لعائلة وزملاء الزواري عن دخول عناصر من الموساد سرا للمختبر الذي يعمل فيه في صفاقس، منهم شخص بهوية مجرية يدعى كريس سميث.

الجاسوس الإسرائيلي عرض على الزواري في يناير/كانون الثاني 2016 فكرة برنامج أوروبي لاستغلال الطائرات المسيرة في أغراض مراقبة المنشآت النفطية، غير أن الشهيد ساورته الشكوك وطلب من تلاميذه عدم التعامل معه.

عام 2014 أعلنت حماس عن امتلاكها ثلاثة أنواع من الطائرات، صنعتها في القطاع بمساعدة الزواري، واستخدمتها لأغراض استطلاعية، ومنذ ذلك الحين تطورها.

أخيرا، أعلن الجيش الإسرائيلي 12 مايو/أيار 2021، اعتراض أول طائرة مسيرة للمقاومة ونشرت كتائب القسام في 19 من ذات الشهر فيديو صورته لطائرة مسيرة تستطلع مواقعه وتعود لمواقعها سالمة. 

طائرات حماس

تمتلك حماس نوعين من الطائرات المسيرة: الأولى "شهاب" وهي انتحارية تحمل متفجرات وتقصف أهدافا إسرائيلية ونجحت إحداها في قصف مصنع كيماويات يوم 14 مايو/ أيار 2021 في مستوطنة "نير عوز" شرق خانيونس جنوبي قطاع غزة.

والثانية هي طائرة "الزواري" التي تستخدم في الاستطلاع وكشفت عنها كتائب القسام 19 مايو/ أيار 2021.

أحد أسباب تلكؤ وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في قبول التهدئة مع المقاومة كان "استكمال خطة ضرب قدراتها ومنها الطائرات المسيرة"، بحسب ما قال "رون بن يشاي" المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت 16 مايو/ أيار 2021.

يوم 9 يوليو/ تموز 2019 تحدث تقرير نشره موقع "واللاه" الإخباري العبري عن خطورة طائرات حماس على جيش الاحتلال، ونقل عن جنرالات الجيش خشيتهم أن تتمكن الحركة من شل منظومات دفاعهم الجوي ومهاجمة قواتهم في العمق.

تحدث التقرير عن سعي حماس لتطوير هذه الطائرات المسيرة وقلق الأوساط العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية منها في أي حرب قادمة.

أشار أيضا إلى أن "كتائب القسام" عملت منذ عام 2016 على تطوير قدراتها العسكرية خاصة الطائرات المسيرة وتسليحها، بعدما كان التصور الإسرائيلي أنها مجرد طائرات استطلاع لا تحمل متفجرات.

نقل "واللاه" عن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، تأكيدهم أنهم ألغوا مصطلح "الجناح العسكري لحماس"، وباتوا يتحدثون عن "جيش حماس"، بسبب تطور هيكل وتنظيم المقاومة، وعملها وفق منظومات وتكتيكات جيوش لا حرب عصابات.

تحدث عن تجارب سابقة نفذتها حماس لمهاجمة جنود الاحتلال عن طريق الطائرات المسيرة، منها إسقاط رؤوس حربية من صاروخ مضاد للدبابات لكنه لم ينفجر.

وفي حالة ثانية، انفجرت العبوة الناسفة على دبابة، لكن الجنود نجوا لأنهم بالصدفة كانوا خارج الدبابة واعتبروه "معجزة".

يوم 8 سبتمبر/ أيلول 2019 كان أول اختبار حقيقي لقدرات طائرات حماس المطورة حين أعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرة مسيرة أطلقت من قطاع غزة استهدفت آلية عسكرية تابعة له للمرة الأولى وألحقت بها أضرارا.

طائرة حماس، ألقت عبوة ناسفة على موقع عسكري إسرائيلي قريب من السياج الحدودي وأطلقت عليها طائرة إسرائيلية النار لكنها تمكنت من العودة سالمة إلى غزة.

سلاح الغواصات

كان التطور الآخر المزعج للجيش الإسرائيلي، هو الكشف عن امتلاك حماس "غواصات ذاتية القيادة" تحمل متفجرات ويجري تشغيلها عن طريق نظام "جي. بي. أس".

زاد القلق من هذه الغواصات حين استهدفت إحداها منصة لاستخراج الغاز تبعد 20 كيلومترا عن شواطئ غزة، ما دفع وزارة الطاقة لوقف عمل المنصة، ونشر منظومة "القبة الحديدية" على سفن بجوارها.

مثلما حظرت صواريخ المقاومة الطيران في سماء إسرائيل وأغلقت مطاراتها، نجحت غواصاتها في غلق محابس تصدير نفطها.

رغم إعلان الجيش الإسرائيلي تدمير بعض هذه الغواصات خلال عمليات القصف على غزة، اعترف في تصريح لقناة "I24" الإسرائيلية 16 مايو/ أيار 2021 أن "حماس لا تزال تمتلك ثلاث غواصات من هذا الطراز".

أشار إلى أن "حماس" تمتلك قدرات بحرية أُخرى، بينها قوارب كوماندوز سريعة ومعدات غوص متقدمة، لكنه زعم قيامه بتدمير معظمها.

"غواصات المقاومة ذاتية القيادة كانت السبب المباشر الذي عجل باغتيال شقيقي من قبل الموساد في تونس عام 2016"، حسبما أكد "رضوان" شقيق محمد الزواري لقناة "الجزيرة" 18 مايو/ أيار 2021.

قال إن رسالة دكتوراه الزواري في تونس كانت حول "غواصة تعمل بنظام التحكم عن بعد"، لهذا قتلوه.

أما الباحث بالمدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس وليد الليلي، أكد لـ "الجزيرة نت" 19 مايو/ أيار 2021، إن الزواري "اشتغل في أطروحته للدكتوراه عن "غواصة ذاتية القيادة" وتمت مناقشتها بعد استشهاده".

الكاتب الإسرائيلي "أليئور ليفي" أقر في مقال نشره بصحيفة يديعوت أحرونوت 20 ديسمبر/ كانون أول 2016 بالدور الكبير للمهندس التونسي في تطوير المنظومة البحرية لكتائب القسام من خلال مشروع الغواصات المسيرة.

قال إن "اغتياله جاء للحيلولة دون تطوير حماس منظومتها العسكرية البحرية، وليس فقط ما قدمه للحركة في مشروع الطائرات المسيرة".

معادلة القوى

لم تخضع معادلة القوى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية للموازين العسكرية التقليدية، وغالبا ما كانت تحكم هذه العلاقة معادلة "توازن الرعب" بين الطرفين، وإلى أي مدى يمكن أن تشكل الصواريخ الفلسطينية تهديدا على إسرائيل. 

في مواجهة مايو/ أيار 2021 ظهرت قدرات جديدة للمقاومة بخلاف الصواريخ، مثل الطائرات والغواصات المسيرة، عمقت من معادلة الردع، وستشكل أبعادا جديدة في هيكل القوى على المدى الطويل.

رغم أن كفاءة هذه الطائرات لا تزال محدودة، إلا أن مجرد امتلاك تكنولوجيا تطويرها مستقبلا يعني توقع انقلاب في موازين القوى بين الاحتلال والمقاومة.

بسبب هذا التخوف من تغير موازين القوى، ركز الاحتلال في المرحلة الثانية من هجومه على غزة، يوم 18 مايو/أيار 2021، على منشآت حماس البحرية والغواصات المسيرة.

التحليلات الكثيفة التي نشرها خبراء الاحتلال في الصحف عكست هذا المأزق "الإستراتيجي"، بسبب فشل القبة الحديدية ومخاطر أسلحة المقاومة الجديدة بحرا وجوا.

فقد أصبحوا يتحدثون عن فشل الحرب في تدمير قدرات المقاومة وضرورة البحث عن حل جذري (حل الدولتين)، ومخاطر سحب حماس البساط من تحت أقدام السلطة وتقديم نفسها كحامية للقدس وممثل للقضية الفلسطينية.

تحت عنوان "كفى!" دعت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها يوم 19 مايو/ أيار 2021 لوقف الحرب، مؤكده أنه "لا يوجد حل عسكري لغزة". 

رئيس تحريرها "ألوف بن" كتب مقالا في نفس العدد بعنوان "هذه أكثر عمليات إسرائيل فشلا وغير ضرورية، ويجب وقفها الآن"، تحدث فيه عن "الإخفاق الإستخباراتي الإستراتيجي والاستخفاف بنيات حماس وقدراتها".

أكد أنه بعدما كانت حماس "جارا سيئا معزولا وضعيفا"، أصبحت "تقف على رأس النضال الفلسطيني كمدافعة عن الأقصى"، و"ليس هناك أي فائدة من الاستمرار في التخبط في رمال غزة وشل الحياة في إسرائيل".

صحيفة "نيويورك تايمز" وصفت أيضا قدرات حماس العسكرية في البحر، بعد استهداف الجيش الإسرائيلي غواصة تابعة لها كانت تحاول تنفيذ هجوم ضد منشآت نفطية بأنه "تهديد غامض".

قالت في تقرير نشرته 17 مايو/ أيار 2021 إن ما يقلق الإسرائيليين بحسب خبرائهم ومسؤوليهم العسكريين، هو إرسال حماس قوات كوماندوز عبر غواصة تحت المياه من أجل استهداف منشأة طاقة، أو "مدينة إسرائيلية مستقبلا".

نقلت عن الأميرال الإسرائيلي المتقاعد شاؤول خوريف، أن "رعب الإسرائيليين يكمن في أن تستخدم حماس وحدات الكوماندوز للتسلسل عبر البحر، لاستهداف البنية التحتية مثل محطات الطاقة".