عمر البيرقدار.. قائد عراقي هزم إسرائيل في جنين واحتفى الموساد بوفاته

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على وقع الهجمات التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ومرور الذكرى الـ73 لنكبة 15 مايو/أيار 1948، استحضر كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أحد أبطال الجيش العراقي، اللواء الركن عمر علي البيرقدار، الذي قاد معركة تحرير جنين من الصهاينة.

البيرقدار الذي احتفت إسرائيل بوفاته، بعد 26 عاما من نكبة 1948، تضاربت الروايات عن أسباب وفاته الغامضة (عام 1974) التي وجهت إحداها أصابع الاتهام إلى جهاز الموساد بأنه يقف وراء تصفيته انتقاما مما ألحقه القائد العسكري من هزيمة بها.

أذل إسرائيل

القائد العسكري العراقي، سطر أروع صور البطولة والفداء عندما أنيطت به مهمة الدفاع عن المثلث الفلسطيني (جنين، نابلس، طولكرم) حيث استطاع تحرير جنين، ثم أمر جنوده بالتوجه إلى حيفا وكان على مقربة من اقتحامها لكن الزحف أوقف بأمر من قيادته منتصف 1948.

وشاركت قطعات من الجيش العراقي في حرب الإنقاذ بفلسطين وأسندت إلى القوات العراقية مسؤولية السيطرة على المنطقة التي تضم المدن الفلسطينية (جنين - نابلس - طولكرم - قلقيلية - كفر قاسم).

شارك الفوج الثاني في هذه الحرب وخاض خلالها معارك شرسة مع العصابات الصهيونية، حيث حاصرت تلك العصابات أحد أفواج اللواء الرابع في (جنين وقلعتها) فأوعزت القيادة العراقية إلى الفوج الثاني من اللواء الخامس الذي كان يقوده حينها المقدم الركن البيرقدار بالإسراع لنجدته، فسارع بـإكمال استحضارات الهجوم متعطشا للقتال.

أدى القائد العسكري صلاة الفجر إماما بفوجه وبعد الفراغ من أدائها صاح بأعلى صوته الجهوري (العالي الفوج الثاني العالي) ثم كبر عدة مرات وصدحت حناجر الجنود والضباط بصوت واحد مدو (الله أكبر).. ارتفعت معنويات المقاتلين إلى أعلى مستوياتها وتقدم صفوفهم كالأسد الهصور مفجرا حماسهم وأصبحوا كبركان ثائر يقذف حممه الملتهبة.

زحف المقاتلون إلى الأمام يسابقون قائدهم وانقضوا على أعدائهم حتى شتت جمعهم وأصبحت جثث قتلاهم مبعثرة على الأرض المحيطة بقلعة جنين، وقد عمل السلاح الأبيض (الحربة/السكين) فعلته الرهيبة بهم.

تمكن الفوج القتالي بقيادة البيرقدار من كسر الطوق وهربت القوات الصهيونية تاركة أكثر من 300 جثة لقتلاها في ساحة المعركة، وغنم الكثير من التجهيزات والمعدات والأسلحة.

بعد نجاحه الباهر، بادر القائد العسكري العراقي بالاندفاع صوب مدينة حيفا إلا أن الأوامر المشددة صدرت إليه بالتوقف وعدم مواصلة التقدم بعمق الأراضي الفلسطينية.

وكان العذر حينها انتظار تكامل الجيش العراقي، إلا أن معركة جنين أبقت المدينة تحت الحكم الأردني حتى احتلتها إسرائيل مجددا عام 1967.

وتشير تقارير إلى أنه عندما تمت الهدنة وتلقى تعليمات من القيادة بتبادل جثث القتلى، كانت من بين الجثث الإسرائيلية، جثة تعود إلى ابنة رئيس الوزراء الإسرائيلي ومؤسس إسرائيل دافيد بن غوريون.

بعث البيرقدار من يخبر بن غوريون بأنه سيسلم كل الجثث ماعدا جثة ابنته، وهذا لن يتم إلا بشرطين وهما، أولا: أن يأتي بن غوريون شخصيا ويستلم الجثة بعد أن ينحني أمامه، ثانيا: أن تنسحب القوات الإسرائيلية مسافة 12 كم عن جنين، وفعلا جرى تنفيذ هذين الشرطين.

رافض للانقلاب

قاد البيرقدار، قطاعات من الجيش العراقي لإنهاء تمرد الزعيم الكردي مصطفى البارزاني في شمال العراق، وشارك في القضاء على ثورة بارزان الثانية بعد مشاركته بحرب فلسطين عام 1948.

أصبح آمرا للكلية العسكرية ثم رفع إلى رتبة عميد ركن، كما عهد إليه منصب متصرف لواء السليمانية بالوكالة (محافظ)، وبعد الإنجازات الكبيرة التي حققها بالسليمانية عرض عليه مسؤولية إحدى محافظات الموصل أو البصرة إلا أنه فضل العودة للخدمة في الجيش.

صدر القرار بتعيينه قائدا لفرقة المشاة الأولى التي اتخذت من محافظة الديوانية (القادسية) مقرا لها بعد ترقيته إلى رتبة لواء ركن بداية عام 1957 حتى قيام انقلاب يوليو/ تموز 1958 على النظام الملكي.

في الساعة السادسة من فجر يوم 14 يوليو/ تموز 1958 سمع قائد الفرقة الأولى اللواء الركن البيرقدار نبأ قيام انقلاب/ثورة من إذاعة بغداد بصوت العقيد الركن عبد السلام عارف.

فأوعز البيرقدار إلى آمر لواء الأول أحد تشكيلات فرقته الموجود في معسكر المسيب جنوب بغداد بتنفيذ خطة أمن بغداد، ولكن سيطرة الضباط المرتبطين بحركة "الضباط الأحرار" (منفذو الانقلاب) على مقر اللواء واعتقال آمره العميد الركن رفيق عارف حال دون ذلك.

مساء 14 يوليو/تموز 1958، ودع القائد عمر علي منتسبي وحدات فرقته في مدينة الديوانية وغادرها فجر اليوم الموالي متوجها إلى بغداد، حيث حضر إلى مبنى وزارة الدفاع مقر رئاسة الوزراء والتقى بقائدي الانقلاب/ الثورة العميد الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف.

وبرر البيرقدار موقفه من الانقلاب/الثورة بأنه قائد فرقة يتحمل مسؤولية الأمن الداخلي والخارجي للمحافظات الجنوبية من العراق ولا علم له مسبقا بهذه الثورة وهويتها الحقيقة، وعلى إثر ذلك جرى اعتقاله وأحيل إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة بتهمة التآمر ضد الثورة ومحاولة تقويضها في مهدها.

استمرت محاكمته التي بدأت في 7 فبراير/شباط 1959 وحتى 6 أبريل/نيسان 1959 وحكم عليه بالإعدام، لكن في مارس/آذار عام 1960 أصدر رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم قرارا بتخفيف العقوبة إلى السجن لمدة 7 سنوات وفي سبتمبر/ أيلول عام 1961 خففت عقوبة السجن إلى 5 سنوات.

بقي القائد عمر علي في السجن حتى صدور المرسوم الجمهوري رقم (647) في 19 يوليو/تموز 1964 والقاضي بالإفراج عنه.

وفي 23 أبريل/نيسان 1969 ألغيت تهمة التآمر وعقوبة الطرد من الجيش ورد إليه اعتباره.

بعد إطلاق سراحه، عاش اللواء الركن المتقاعد البيرقدار ما تبقى له من الحياة في مسقط رأسه مدينة كركوك شمال العاصمة بغداد مبتعدا عن الحياة العامة ولم يمارس أي نشاط آخر.

وفاة غامضة

توفي القائد العسكري في سبتمبر/أيلول 1974 عند عودته من العاصمة اللبنانية بيروت إلى بغداد، إثر حادث سيارة (اصطدام/انقلاب) التي كانت تقله في منطقة قريبة من مدينة الرطبة بمحافظة الأنبار غرب العراق.

لكن أسباب الحادث كان لها روايتان، الأولى أنه تعرض لعملية اغتيال على الطريق العام من عناصر أجهزة نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وأخرى تذكر أن عناصر من جهاز الموساد الإسرائيلي قامت بتصفيته انتقاما منه.

وفي الوقت نفسه، تشير تقارير إلى أنه لا يوجد ما يشوب العلاقة بين البيرقدار ونظام حزب البعث، بل بالعكس تماما كانت جيدة لأنه "لم يمارس أي نشاط مشبوه أو معاد ولم يشكل خطرا يهدده يبرر تصفيته".

أما الرواية الثانية حول علاقة الموساد بوفاته، فلم يؤكدها أو ينفيها أحد، لكن الكيان الإسرائيلي فرح بوفاته رغم مرور 26 عاما على حرب جنين التي أوجعت الكيان الصهيوني وأذلته.

وولد عمر علي بكر البيرقدار عام 1910 في قلعة كركوك، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ودخل المدرسة العسكرية الملكية ببغداد عام 1928 ضمن دورتها الخامسة وتخرج منها برتبة ملازم عام 1931 ونسب آمر فصيل في الفوج الأول (موسى الكاظم).

رقي إلى رتبة ملازم أول عام 1935 ونقل معلما إلى مدرسة الأسلحة الخفيفة ببغداد ومنها نقل معلما إلى المدرسة العسكرية عام 1936 وبقي فيها لحين التحاقه بمدرسة الأركان  بدورتها الخامسة بعد أن رقي إلى رتبة نقيب عام 1938 فتخرج منها نهاية ديسمبر/كانون الأول 1939 ونجح بامتياز، ومنح "قدما ممتازا" لسنتين وعين بمنصب مقدم لواء 14.

استمر القائد العسكري في شغل المناصب المختلفة بوحدات الجيش، حيث ترقى إلى رتبة مقدم ركن في أكتوبر/تشرين الأول 1944 واحتل فوجه أعلى قمة لجبل (بيرس) عام 1945 وأطلق عليه (الفوج الثاني العالي) وشارك في إخماد حركات شمال العراق حتى نهاية عام 1947.

في 28 أغسطس/آب 2019، استقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، عائلة قائد معركة جنين في حرب 1948، اللواء الركن عمر علي البيرقدار.

ومنح عباس، قائد القوات العراقية في فلسطين الراحل البيرقدار، وسام "نجمة فلسطين" العسكري خلال استقباله نجلي الفقيد، سفيرة بغداد لدى التشيك سندس عمر، وشقيقها بريز، في مقر إقامته بالعاصمة الأردنية عمان.

ويأتي منح الراحل البيرقدار، وسام نجمة فلسطين العسكري، تقديرا لنضاله وبطولاته التي جسدها من أجل فلسطين، وتثمينا لصموده وتصديه للقوات الغازية على مشارف جنين، ما جعل بطولاته وشواهد قبور رفاقه من شهداء الشعب العراقي خالدة على أرض فلسطين.

بدورهما، عبر الشقيقان نجلا البيرقدار عن سعادتهما بزيارة فلسطين التي قاتل والدهما فيها ومن أجلها واحتضن ترابها جثامين الشهداء العراقيين، مؤكدين على أن "قضية فلسطين كانت وما تزال قضية العراقيين".