مجلة فرنسية: على خطى أسلافه.. هل تطيح تعديلات الدستور بالسيسي؟

12

طباعة

مشاركة

"طوال السنوات الست التي انقضت منذ انقلاب عام 2013 ضد أول رئيس مدني في مصر، قام عبد الفتاح السيسي بتنظيم العديد من الانقلابات السياسية والأمنية والتشريعية والدستورية والانتخابية، وهو يستعد حاليا لانقلاب دستوري يسمح له بالبقاء في منصبه حتى عام 2034"، بهذه الكلمات نشرت مجلة "أوريان21" الفرنسية، تقريرا عن التعديلات الدستورية التي من المتوقع أن تقضي على ما انتزعته ثورة 2011.

وقالت المجلة: إنه "رغم هذه التعديلات فقد ارتكب الرئيس المصري خطأ مأساويا، فهو لم يمنح الجيش غطاء دستوريا لإقالته من منصبه فحسب، بل إنه أعطى أيضا جميع الذين يعارضونه داخل وخارج النظام الموضوع الذي يغطي على الانقسامات التي لا يمكن التوفيق بينها، حيث يمكن أن يكون السيسي ضحية لوحده، مثل الرؤساء المصريين السابقين الذين عدلوا الدستور لتعزيز سلطتهم وانتهى بهم الأمر إلى ترك السلطة".

انقلابات عدة

وأضافت: بعد فترة وجيزة من الانقلاب، أعلن السيسي أنه لن يرشح نفسه للرئاسة، حيث كان يقود البلاد منذ ذلك الحين. وبعد أقل من عام، خان وعده بإعلان ترشيحه للرئاسة وانقلب على حلفائه العلمانيين، وأزالهم من الحكومة وسجن المعارضة. في فترته الأولى التي امتدت أربع سنوات خلف ستار من دخان "مناهضة الإرهاب"، شهدت مصر أكبر قمع في تاريخها الحديث ضد المعارضة السلمية، سواء كانت إسلامية أو علمانية.

وأشارت المجلة إلى أنه في سنته الأولى كرئيس للبلاد، قاد السيسي انقلابا تشريعيا بسن مئات القوانين، وكثير منها غير دستوري، ووافق البرلمان، الذي تشكل من قبل أجهزة المخابرات، وفقا لمستشار سابق للسيسي مسجون اليوم، على القوانين بشكل جماعي في جلساته الأولى.

وأكدت "أوريان21"، أنه في نهاية ولايته الأولى، بدأ السيسي في تسوية الحسابات مع كبار ضباط الجيش والأمن، فأقال رئيس أركان الجيش ومدير المخابرات العامة، ووضعهم قيد الإقامة الجبرية، وعين رئيس أركان مكتبه وابن الأخير في أعلى منصبين في المخابرات العامة.

وأردفت: "كما قام بسجن المرشحين للرئاسة الذين خاضوا ضده الاقتراع أثناء إعادة انتخابه أو وضعوهم قيد الإقامة الجبرية (وهي حقيقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجمهورية)، بما في ذلك رئيس الأركان السابق ورئيس الوزراء السابق".

فشل الحرب بسيناء

وأوضحت المجلة، أنه بعد إجراء الانتخابات من دون معارضة، قاد السيسي أكبر حملة اعتقالات جماعية للشخصيات السياسية العلمانية منذ عام 1981، وأقال وزير الدفاع الذي تم التشكيك في ولائه له، ليعين في مكانه رئيس الحرس الرئاسي.

وبالتوازي مع الحملة على الجنرالات السابقين، بحسب المجلة، فقد "أمر الجيش بشن عملية كبيرة لمكافحة الإرهاب في سيناء (سيناء 2018)، والتي اعتبرها الكثيرون وسيلة لتحويل الانتباه عن فضيحة الانتخابات، حيث استمرت الحملة التي كانت لثلاثة أشهر لمدة عام وانتهت عندما توقف المتحدث العسكري عن الحديث عنها في تصريحاته بدون أية مراسم، فيما يواصل تنظيم الدولة شن هجمات مدمرة في سيناء ويستخدم الجرائم التي يرتكبها الجيش ضد المدنيين كأداة للدعاية".

ونوهت إلى أنه "وفقا لبعض الأبحاث، فإن العامل الحاسم المستمر في السياسة المصرية منذ الانقلاب الأول للجيش في عام 1952 هو الصراع بين كبار الضباط في السلطة. تشير هذه الدراسات أيضا إلى أن هذا الخلاف الضار استهلك البلاد وأدى إلى نضوب مواردها وتآكل مهاراتها، وكان لهذا الوضع تداعيات خطيرة على احترافية الجيش وكفاءته وساهم في الهزيمة العسكرية الأكثر إهانة في التاريخ المصري، وهي الحرب العربية الإسرائيلية التي اندلعت في يونيو/حزيران 1967".

وأكدت المجلة الفرنسية أنه "سرعان ما أدرك الجنرال الذي أصبح رئيسا، أنه سيضطر كل يوم إلى تحقيق توازن دقيق بين اعتبارين حيويين ولكن متناقضين، الأول هو أن الجيش هو الناخب الرئيسي، والثاني هو أنه يمثل تهديدا ويجب أن يحتوي تطلعات كبار الضباط الذي يرغبون في أن يحلوا محله".

ولفتت إلى أن معضلة السيسي، وجميع الرؤساء الذين سبقوه على مدار 67 عاما الأخيرة، تتمثل في كيفية التعامل مع مثل هذا التوازن الدقيق دون الإطاحة بهم من خلال الانتفاضات الشعبية أو الانقلابات العسكرية.

سلطة كاملة على القضاء

وبخصوص التعديل الدستوري، قالت المجلة إن "التعديل الذي يسمح للسيسي بالبقاء في السلطة لمدة 12 سنة أخرى، بجانبه تعديلات أخرى تعزز النظام الديكتاتوري، ووفقا لتصريحات اثنين من كبار المسؤولين القضائيين، فإن هذه التعديلات ستمنح السيسي السلطة الكاملة على القضاء وستضفي دستورية على هيمنة الجيش على السياسة".

وتابعت: "هذه التصريحات غير المنشورة، وكذلك البيانات العامة الأخرى للشخصيات البارزة في حكومتي حسني مبارك والسيسي، تشهد على عدم وجود توافق في الآراء بشأن هذه التعديلات. كما أن دور الجيش لأول مرة لم يعد يقتصر على ضمان الأمن ، بل أصبح الآن حكما بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين، بمن فيهم الرئيس".

وأشارت المجلة إلى أن "الجيش لعب بالفعل هذا الدور في عامي 2011 و 2013 عندما أطاح برئيسين، وعلى الرغم من عدم وجود مثل هذا التدبير في الدستور. فهذا التعديل هو سلاح ذو حدين: إذ يسمح للجيش بإغراق مصر في حمام دم كما كان الحال في سوريا، لكنه يمنحها أيضًا غطاء دستوريا للإطاحة بالسيسي في الأزمة الخطيرة السياسة المقبلة".

المحافظة على حصانته

وأكدت "أوريان21"، أنه "ربما يدرك السيسي الأخطار التي تشكلها التعديلات الدستورية لمستقبله كرئيس، ومع ذلك، فهو يدرك بشكل كامل أنه إذا ترك السلطة في عام 2022، كما هو منصوص عليه حاليا في الدستور، فلن يكون آمنا، إذ تتهمه التقارير الواردة من جماعات حقوق الإنسان المصرية والدولية بارتكاب جرائم تتجاوز جرائم حسني مبارك، بما في ذلك الإشراف على أسوأ مذبحة في التاريخ المصري الحديث، وأن البقاء في السلطة هو الضمان الوحيد له للحفاظ على الإفلات من العقاب، حتى لو كان ذلك على حساب التوازن الدقيق الذي يحاول الحفاظ عليه مع الجيش".

واختتمت المجلة بالقول: "دخل محمد مرسي التاريخ باعتباره الرئيس الذي أثبت- عن غير قصد - للمصريين أن الإسلام لم يكن حلا سياسيا، وفي جميع الاحتمالات، السيسي سيدخل التاريخ باعتباره الجنرال الذي أثبت للمصريين أن الجيش ليس حلا فقط، بل يجب أيضا أن يظل دائما خارج الصراع السياسي المزمن في البلاد".

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" للدفاع عن حقوق الانسان، قد طالبت بعدم منح رئيس النظام المصري "ضوءا أخضر" للتعديلات الدستورية التي "ستمنح الجيش صلاحيات تعسفية وتكرس الاستبداد".

وقد خضعت التعديلات الدستورية لنقاش دام أكثر من شهرين بمجلس النواب، قبل الاستقرار على صيغتها النهائية، وتمريرها بالتصويت عليها في جلسة عامة بالمجلس، وعقب ذلك ستقوم اللجنة العليا للانتخابات بعد ذلك بتحديد موعد لاستفتاء شعبي عليها. ويتوقع ان يتم هذا الاستفتاء قبل نهاية الشهر الجاري.