"أوهام ماكرون".. شركات استخباراتية ترسم أحلام فرنسا في الشرق الأوسط

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غمار السياسة بطريقة مختلفة عمن سبقوه من الرؤساء، معتمدا على مجموعة من شركات الاستخبارات والمعلومات، التي تعزز قرارات قصر الإليزيه، وتعطيه تقارير عن بؤر الصراع في سوريا واليمن، أو مراكز الطاقة في الخليج العربي.

"ماكرون" لم ينتبه لما خطه باحثون فرنسيون بشأن منطقة الشرق الأوسط تحديدا على مدار التاريخ وأنها كانت "مقبرة للعديد من المبادرات الدبلوماسية، وأحرق فيها سياسيون مخضرمون أصابعهم".

أسطول شركات

في تقريرها 23 مارس/ آذار 2021، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، عن مجموعة شركات فرنسية، استعان بها قصر الإليزيه في إطار خطته الرامية إلى تطوير تدخلاته في العالم العربي، وترسيخ إستراتيجيته في الشرق الأوسط.

هذه الشركات تنافست فيما بينها على توريد معرفتها بالعالم العربي، أمام الحكومة الفرنسية، وجاءت شركة الأمن الخاص "أمارانت إنترناشيونال"، التي يترأسها ألكسندر هولاندر، لتركز اهتماماتها على منطقة الخليج العربي بعد استحواذها على عقد لإعداد دراسة طويلة حول المنطقة، وذلك جنبا إلى جنب مع شركة التحليل السياسي "أسما".

وذكرت المجلة الفرنسية، أن "الحكومة تعاقدت مؤخرا مع شركة "أفيزا بارتنرز"، التي استحوذت على "الشركة الأوروبية للاستخبارات الإستراتيجية" قبل عام، لإنتاج تقرير حول قواعد الطاقة في الدول الأعضاء بمجلس التعاون لدول الخليج العربية".

وأوردت أنه "رغم أن موضوعي التقريرين متشابهان، وكلاهما طلبته "المديرية العامة للعلاقات الدولية والإستراتيجية" التابعة للقوات المسلحة الفرنسية، إلا أنهما موجهان لزبائن مختلفة.

يحتمل أن يكون من بينها "مديرية الاستخبارات العسكرية"، وقسما العمليات والتخطيط، التابعان لـ"المركز الفرنسي للتخطيط وإدارة العمليات". وأضافت "حتى إنهما قد يكونان موجهين لقسم إعداد الأهداف".

وأكدت أنه سيكون أمام شركة "أفيزا بارتنرز"، عام واحد فقط لإعداد تقريرها، وسيكون أمام "أمارانت"، التي تعد تقارير للجيش الفرنسي حول اليمن وسوريا، 3 سنوات لإكمال مسحها العربي بموجب عقد قيمته 196.500 يورو، وستتلقى "أمارانت" مساعدة إضافية من شركة التحليل السياسي "أسما"، التي يملكها جيروم باسينيتي، والتي تعمل أيضا على إعداد مرصد حول سوريا.

"أمارانت إنترناشيونال"

الشركة الفرنسية "أمارانت إنترناشيونال" التي خولتها حكومة ماكرون بإعداد تقرير مفصل عن اليمن وسوريا، وطبيعة الصراع الدائر هناك والذي كلف مئات الآلاف من القتلى، تم تأسيسها عام 2007، وتعد أحد مزودي خدمات الأمن والاستخبارات الرائدين في أوروبا.

وكتبت في التعريف الخاص بها على موقعها الإلكتروني "نحن نسعى جاهدين لمساعدة عملائنا على تأمين أصولهم من خلال التأكد من أنها تتطور في الظروف المناسبة، حتى في أكثر البيئات صعوبة".

تقدم "أمارانت" للحكومة الفرنسية، والشركات الخاصة الأخرى، وكذلك المؤسسات الدولية الرسمية، حلولا أمنية لحماية الأصول الرئيسة، وتقديم دراسات خاصة بالمعلومات والتكنولوجيا المتطورة، مثل معلومات البحث والتطوير والوثائق السرية.

وتعتمد "أمارانت" الفرنسية على أكثر من 1250 موظفا دائما في 22 شركة بجميع أنحاء العالم، تابعة للمقر الرئيس في باريس، بالإضافة إلى اعتمادها على مجموعة تضم قرابة 2000 خبير في الأمن وإدارة الأزمات وتحليل المخاطر، والذين يقدمون خبرتهم في مشاريع فردية وطويلة الأجل.

"أفيزا بارتنرز"

الشركة العملاقة الفرنسية "أفيزا بارتنرز" التي أعطتها الحكومة حق إنتاج تقارير متخصصة حول قواعد الطاقة داخل دول مجلس التعاون الخليجي، تأسست عام 2007، ويعتمد عليها في تقديم مجموعة من الخدمات من قبل الخبراء المتخصصين لدعم قرارات الإليزيه والمؤسسات بشكل أفضل، وحماية البيانات، والتخفيف من احتمالية اتخاذ إجراءات وقرارات سلبية. 

التسلسل الزمني لتطور واتساع قواعد الشركة، يؤكد أن الحكومة الفرنسية، جعلتها إحدى مصادر القوة الرئيسة في صف الشركات العريض التي تعتمد عليها في تحديد إستراتيجيتها الخارجية.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، دشنت "أفيزا بارتنرز" وحدة الأعمال الرقمية للمجموعة في باريس، وفي سبتمبر/ أيلول 2015، استحوذت على شركة "مومينت سيستم إنترناشيونال"، الأميركية مقرها نيويورك ومتخصصة في مكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت.

في فبراير/ شباط 2018 استحوذت "أفيزا بارتنرز" على "ليفوكسو"، وهي شركة استشارية لأمن تكنولوجيا المعلومات مقرها في باريس، وفي نفس الشهر امتلكت الشركة شركة أخرى بلجيكية تحمل نفس الاسم "آفيزا" ، وهي شركة علاقات عامة مقرها بروكسيل، متخصصة في قضايا المنافسة الأوروبية، والتي منحت اسمها للمجموعة.

وفي يوليو/ تموز 2019، استطاعت شراء شركة "Raise Investissement"، وهي شركة استثمارية تضم بعضا من أكبر الشركات الفرنسية. 

وخلال سبتمبر/ أيلول 2019، استحوذت على شركة "Gabara Strategies"، وهي شركة علاقات عامة مقرها لندن، وفي نفس الشهر ضمت إلى مجموعتها العملاقة شركة "IDA Group"، وهي شركة "ضغط سياسي" ألمانية مقرها برلين وبروكسل.

وشهد أكتوبر/ تشرين الأول 2019، افتتاح شركة تابعة لشركة "أفيزا بارتنرز"، في الولايات المتحدة ومقرها في واشنطن، وكذلك استحوذت على Compagnie Européenne d'Intelligence" Stratégique"، وهي شركة استخبارات تنافسية مقرها في باريس.

كان ذلك خلال يناير/ كانون الثاني 2020، وهو الشهر ذاته الذي امتلكت فيه "أفيزا" حصة أغلبية في شركة "Calypt"، وهي شركة استشارية لأمن تكنولوجيا المعلومات مقرها ليون في فرنسا. 

يذكر أن "أفيزا بارتنرز" "شهدت عائدات بلغت 30 مليون يورو خلال 2019، على خلفية الخدمات المتنوعة والتوسع الدولي ونمو قاعدة عملائها وتطوير أنشطة جديدة قدمتها، بدعم من الحكومة الفرنسية، التي تسعى إلى نشاط أكبر في الشرق الأوسط، وتحديدا المنطقة العربية.

إستراتيجية فرنسية

في 10 أغسطس/ آب 2017، نشر مايكل يونج، مدير تحرير في مركز "مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط"، تقريره عن إستراتيجية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاه الشرق الأوسط.

يونج قال: "يحاول إيمانويل ماكرون، كما أسلافه، زيادة أصول فرنسا الإستراتيجية إلى حدها الأقصى، في مجالات عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ووضعيتها كقوة نووية، وقدراتها العسكرية، بهدف استعادة مكانة فرنسا الضائعة في منطقة الشرق الأوسط".

وأضاف: "في سوريا، يريد ماكرون أن يضع فرنسا في موقع الوسيط النزيه، عبر التواصل مع الأطراف المعنية كافة، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وشركائها الأوروبيين، فضلا عن الجهات الفاعلة الإقليمية على غرار إيران وتركيا والسعودية".

وتسعى باريس إلى إبرام تسوية سياسية واسعة، من خلال عملية تشارك فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والقوى الإقليمية. بيد أن السؤال المطروح يتمثل فيما إذا كانت موسكو وواشنطن في حاجة فعلا إلى فرنسا". 

وذكر: "تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الحديقة الخلفية الأقرب حيث يمكن لفرنسا أن تلعب هذا الدور بشكل فعال، ما من شأنه أن يحظى بدعم الرأي الفرنسي المحلي، ربما لأنه يعتقد بأن لذلك صلة مباشرة بالحرب ضد الإرهاب وبأمن الفرنسيين الخاص".

أوهام ماكرون

في 21 سبتمبر/ أيلول 2020، أورد الأميركي "ستيفن آي كوك" الخبير المختص في شؤون الشرق الأوسط والشؤون الإفريقية مقالة بمجلة "فورين بوليسي"، قال فيها: "لطالما تمسك صانعو السياسة الفرنسيون بالوهم القائل بأن بلادهم لا تزال قوة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط".

وأضاف: "الفرنسيون  يبيعون بعض الأسلحة باهظة الثمن لمجموعة متنوعة من الدول وانضموا إلى الأميركيين والبريطانيين في مجموعة متنوعة من العمليات العسكرية رغم عدم مشاركتهم في عملية تحرير العراق".

وأوضح: "بالإضافة إلى ذلك، فهم يشاركون كذلك في عمليات مكافحة الإرهاب خاصة في شمال إفريقيا، وبين الحين والآخر يعلن رئيس فرنسي عن تصميمه على إيجاد حل للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

وأردف: "هذه الجهود تميل إلى التلاشي حتى قبل أن تبدأ الجولات الإخبارية التالية، والآن يبدو أن الفرنسيين أكثر جدية بشأن دورهم في هذه المناطق المترابطة، ويدعي ماكرون أن فرنسا مستعدة لممارسة القوة لتحقيق النظام والاستقرار في المنطقة". 

وفي إشارة إلى سعي الإليزيه المستمر لمزيد من التدخل في الشرق الأوسط، وعن أسباب ذلك السعي، أكد كوك: "إذن لماذا هذا التغيير؟ هذا التغيير، الذي حدث بسبب اللاجئين والطاقة وتركيا".