موقع إيطالي: إيران تجري تغييرات ديموغرافية في سوريا لضمان مستقبلها

يرى موقع إيطالي أن إيران تعمل على تغيير إستراتيجيتها في سوريا بمحاولة التسلل بين السكان المدنيين، معظمهم من السنة، ونشر التشيع.
ومنذ اندلاع الثورة عام 2011، تقدم إيران الدعم العسكري لنظام بشار الأسد في سوريا مقابل عوائد اقتصادية، وكانت بمثابة أول دولة تنحاز إلى جانبه بالنظر إلى متانة العلاقات التي تربط أسرة الأسد بالجمهورية الإسلامية منذ عام 1979.
يعود ذلك إلى اعتراف رئيس النظام السوري آنذاك بالثورة التي أطاحت بنظام الشاه في إيران، مما أضفى شرعية على تنصيب المرجع الشيعي آية الله الخميني مرشدا للثورة الإيرانية.
وذكر موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي أنه على الرغم من هذه العلاقات الوثيقة، إلا أن حافظ الأسد وضع على الفور حدا لمحاولات توسع النفوذ الإيراني في سوريا، وحال دون تحولها إلى لبنان جديد.
حضور عسكري وديني
وباندلاع ثورة عام 2011، أتيحت لطهران الفرصة لاختراق الأراضي السورية. في البداية، عززت وجودها بفضل المليشيات، التي شكلها في البداية مسلحون شيعة تسللوا من إيران، وأيضا من أفغانستان والعراق وباكستان، إلى أن قامت بتجنيد السوريين أنفسهم.
وفي هذا الصدد، أشار الموقع الإيطالي إلى أن المهمة الرئيسة الموكلة إلى رجال المليشيات السنية كانت حراسة الأضرحة الشيعية الموجودة على الأراضي السورية.
بهذه الطريقة خلقت إيران روابط بينهم وبين المذهب الشيعي، وتكفلت بدفع الأموال إلى السوريين المنضمين إليها.
أكد الموقع أن طهران تمكنت على مدار العقد الماضي من التمركز في المناطق المتاخمة للبنان وإسرائيل بفضل وجودها العسكري، ثم سيطرت أيضا على المدن الواقعة على الحدود مع العراق على إثر الهزائم التي تكبدها تنظيم الدولة.
وقال إن السيطرة على معبر البوكمال في جنوب شرق سوريا مهمة بشكل خاص لإيران لاسيما وأنها تمكنت من خلال هذا المعبر، من إمداد المليشيات الموجودة في سوريا وأيضا حزب الله في لبنان بتمرير الأسلحة والذخيرة من دولة إلى أخرى.
ولهذا السبب تعرضت المنطقة المعنية في كثير من الأحيان لقصف من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يثير الوجود الإيراني بسوريا مخاوف كبيرة لديه، على حد قول الموقع.
يشرح "إنسايد أوفر" أن إيران باتت تدرك أن الوجود العسكري في سوريا لا يكفي لتحقيق أهدافها، خصوصا وأن نظام الأسد استعاد السيطرة على عديد المناطق تدريجيا بعد مضي عشر سنوات من اندلاع الثورة.
وألمح إلى أنه بمجرد انتهاء الصراع سيتقرر مستقبل البلاد على طاولة المفاوضات بين النظام والمعارضة، لذلك يتعين على طهران أن تكون مستعدة في حال تغيير النظام، معتبرا أن الاعتماد وحده على عائلة الأسد قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
وبحسب الموقع الإيطالي، لا يتعلق الأمر بالمصير المجهول للنظام الحالي، وإنما أيضا لاضطرار إيران مرة أخرى على الاعتماد على عائلة الأسد.
لذلك يكمن الحل بالنسبة لطهران في تحويل أكبر عدد من السنة إلى المذهب الشيعي أو على الأقل التخفيف من عداء الأغلبية السنية له.
إغراءات متنوعة
أعاد الموقع التذكير بأن إيران عرضت في البداية على السوريين فرصة الانضمام إلى مليشياتها، مقابل الحصول على رواتب لحماية المقامات الشيعية التي أعادت ترميمها أو تشييدها لإحياء ذكرى شخصيات شيعية مهمة لقت مصرعها على الأراضي السورية.
لفت الموقع إلى أن قيمة الرواتب التي تحصل عليها المقاتلون السنة تبلغ نصف ما يدفع إلى المقاتلين الشيعة، مستدركا أن الحافز الاقتصادي وحده في عدة حالات كان كافيا لإقناع السوريين بالتشيع.
ونقل الموقع قول بعض المتحولين السوريين إلى المذهب الشيعي لمجلة فورين بوليسي الأميركية، بأنهم قاموا بهذه التضحية الضرورية لتوفير ظروف عيش كريمة لأسرهم التي تعاني من الجوع داخل أسوار بلد مدمر.
وبمرور الوقت، أفاد الموقع بأن إيران وسعت أيضا من وجودها من خلال تقديم المساعدات الغذائية والأموال، بالإضافة إلى توفير الخدمات الصحية المجانية للسوريين وأيضا بناء المدارس وتقديم المنح الدراسية لمن يرغب في مواصلة دراسته الأكاديمية بالجامعات الإيرانية.
في هذا الإطار، اعتبر الموقع خطوة طهران حملة قوة ناعمة حقيقية بمقدورها أن تساعدها في ترسيخ وجودها بسوريا، كما تركز أيضا في خطتها على ترميم وبناء الأضرحة الشيعية لزيادة ثقل هذا المذهب في بلد ذي أغلبية سنية.
أردف "إنسايد أوفر" بالقول إن التغيير الديموغرافي الذي تحاول إيران إحداثه سيسمح لها باستعادة نفوذ أكبر في الديناميكيات الداخلية في سوريا بمجرد انتهاء الصراع.
ويرى أنه من المؤكد أن الشيعة سيظلون أقلية أيضا في المستقبل، لكن الزيادة الكبيرة في عددهم ستمنح إيران وسيلة للمطالبة بمزيد من الحماية والضمانات لهم.
ويتوقع الموقع الإيطالي أن تذهب إيران إلى أبعد من ذلك بالمطالبة على أن ينص الدستور الجديد بتقسيم السلطات على أساس طائفي على غرار لبنان، وبالتالي زيادة قبضتها على سوريا على المستوى السياسي أيضا.
في الختام، أكد الموقع أن طهران ستدعي في كل الحالات الدفاع عن الشيعة الموجودين على الأراضي السورية، وستتدخل في الشؤون الداخلية لجارتها كلما رأت أن هناك تهديدا للأقلية غير السنية.
كما سيكتسي وجود المليشيات الإيرانية في سوريا أهمية كبيرة أيضا خصوصا وأن البعض من عناصرها انتقل إلى دمشق مع عائلاتهم، وإذا ما قرروا الاستقرار في البلاد بعد نهاية الصراع، قد يمنح ذلك ورقة إضافية لإيران.