التطبيع والخليج.. "الأناضول" ترصد سياسة أوروبا وأميركا بالشرق الأوسط

12

طباعة

مشاركة

أوضحت وكالة "الأناضول" التركية أن الدول الأوروبية "تميل إلى العمل" جنبا إلى جنب مع واشنطن في الشرق الأوسط، حتى أنها تسلم القيادة في ذلك للولايات المتحدة، رغم الاختلاف الكبير بينهما في طبيعة علاقاتهما مع الصين وروسيا. 

وأكدت الوكالة الرسمية، في مقال للكاتبة سراء جان، أن "العودة إلى طاولة المفاوضات النووية مع إيران والتوصل إلى اتفاق دائم يعتبر من أهم المواضيع في أجندة دول أوروبا وواشنطن في الشرق الأوسط، خاصة وأن منع طهران من امتلاك السلاح النووي ومنع سباق نووي محتمل في المنطقة، هو ما يصبو إليه البلدان على ضفتي المحيط الأطلسي".

صراع إقليمي

وأشارت جان إلى أن "تأجيل إدارة الرئيس الأميركي بايدن للمفاوضات مع إيران حتى هذا الوقت أدى إلى خيبة أمل الأوروبيين الذين لديهم ممثلون في (مجموعة 5+1) للمفاوضات النووية وزيادة بيئة المخاطر في الشرق الأوسط".

وذكرت أن "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قامت بدبلوماسية مكثفة بين طهران وواشنطن معتقدة بأن فتح نافذة فرصة سيكون مهما بالنسبة لإيران، بسبب الاختناق الاقتصادي واقتراب الانتخابات المقبلة"، وفقا للكاتبة.

وتابعت: "وقد جاءت النتيجة الأولى لهذا الجهد على شكل اتفاق أطراف المفاوضين الدوليين على الاجتماع مرة أخرى في فيينا؛ لمناقشة العودة إلى الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015 (رغم عدم توقع إجراء محادثات ثنائية بين الولايات المتحدة وإيران في الوقت الحالي)".

وأضافت: "أما العامل الآخر الذي جعل هذا التقدم ممكنا فيتمثل في كون بايدن لا يرغب في الانسياق إلى صراع إقليمي مع إيران وميليشياتها للحفاظ على رئاسته الحالية وترشيحه عام 2024، وكونه لا يريد أن يقف متفرجا فقط بينما تتابع إيران تخصيب اليورانيوم وتقترب من صنع السلاح النووي".

وتابعت: "وقد يكون لهذا دور أيضا في كون طهران تسوق اتفاقية عام 2015 كحد أدنى للاتفاق من جديد، ورفضها المطالب الإضافية التي تستهدف دورها الإقليمي".

واستدركت جان قائلة: "هناك مسألة أخرى يجب أخذها في الاعتبار عند الدخول في فترة مفاوضات جديدة، وهي تهدئة الكتلة المناهضة لإيران في الشرق الأوسط حتى لا يتم إفساد العملية ويكون الاتفاق المراد تحقيقه مستداما، خاصة وأن دول الخليج وإسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، تخشى أن تكتسب إيران المزيد من القوة في الشرق الأوسط".

وبالمثل، فإن القلق من أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ودورها الإقليمي (المستبعد من الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2015) لن يكون جزءا من المفاوضات الحالية يعزز من اعتراضات هذه الدول التي تعادي إيران، بحسب الكاتبة التركية.

وقالت: "من ناحية أخرى، يقترح الجانبان الأوروبي والأميركي اللذان يشتركان في هذه المخاوف ولكنهما يقولان بضرورة الاتفاق النووي، مناقشة القضايا الأخرى التي تثير القلق بشكل منفصل بعد تحقيق هذه الاتفاقية التي ستكون بداية المفاوضات الإستراتيجية مع إيران في جهودهما لإقناع الحلفاء في المنطقة". 

وأوضحت: "فمثلا قدمت إدارة بايدن رسالة ضمان أمني ضد التهديد الإيراني بإعلانها أنها ستستمر في تقديم الدعم لأمن السعودية رغم رفع الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية".

لكن حجم التهديد وأولويات السياسة الخارجية لواشنطن هما ما سيحددان مدى واقعية هذه الضمانات، في فترة تقلص فيها أميركا مشاركتها في الشرق الأوسط وتوجه مواردها واهتمامها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

التطبيع مع إسرائيل

وعلى كل حال، من المتوقع أن تكون إدارة بايدن أكثر حذرا في استخدام عناصر القوة الصارمة التي تم استخدامها خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (كما حدث في اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني) في حماية حلفائها الإقليميين وتحقيق التوازن مع إيران.

وقد دخلت إسرائيل ودول الخليج وشمال إفريقيا، في عملية تطبيع رسمية، لمواجهة التهديد الإيراني بسبب هذه التوقعات وتضاؤل ​​دور الولايات المتحدة في المنطقة، بحسب ما تراه الكاتبة.

وبحسب جان "فقد لقي التطبيع الذي قاده ترامب بين إسرائيل والحكومات العربية وإضفاء الطابع الرسمي عليه بموجب اتفاقيات أبراهام، ترحيبا كبيرا من قبل الدول الأوروبية أيضا، حيث تقيم أوروبا هذا على أنه تقارب تاريخي من شأنه أن يسهم في إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط". 

وترى أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين سيواصلون تشجيع العديد من دول الشرق الأوسط وإفريقيا وخاصة السعودية، على المشاركة في تيار التطبيع مع إسرائيل.

وبطبيعة الحال فإن هذا يعيد وضع الفلسطينيين للأذهان، فإلى جانب كون هذا التطبيع لا يعني أي تحسن بالنسبة لفلسطين، فهو يعزز الوضع الحالي الذي يتعارض مع القانون الدولي، تؤكد جان.

ومن المتوقع أن تتناول إدارة بايدن، التي شددت على الأعراف الدولية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، التطبيع الإسرائيلي مع العالم العربي والإسلامي منفصلا عن القضية الفلسطينية، وتبتعد عن المبادرات التي لا تتضمن الشعب الفلسطيني، مثل "صفقة القرن" الذي طرحه صهر ترامب، جاريد كوشنر، تقول الكاتبة التركية.

وتضيف: "كما أنه من المتوقع أيضا أن يتخذ بايدن الذي اقترح فتح قنصلية أميركية في القدس الشرقية خلال حملته الانتخابية، بعض الخطوات الرمزية التي تحمل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة والغرب لا تتجاهلان الفلسطينيين".

ولذا من المحتمل أن يزيد بايدن من تركيزه على التعددية الدولية والمؤسساتية وأن يقوم ببعض المساعدات المالية والإنسانية للفلسطينيين، ويمكن قراءة استئناف مساعدة الفلسطينيين التي جمدها ترامب كإشارة على ذلك.

العلاقات مع الخليج

وأشارت جان إلى أن "هناك رأيا سائدا بأن التعاون سيزداد في منطقة الخليج التي تحتل مكانة مهمة في إستراتيجية الأمن عبر الناتو، حيث يهدف مجلس التعاون الخليجي إلى خلق توازن أقوى تجاه إيران بشكل خاص، بالتزامن مع رفع الحصار عن قطر بعد 3 سنوات ونصف خاصة وأنه من المتوقع أن تفلت إيران من قبضة العقوبات".

وتشرح ذلك بالقول: "يمكن للتحالف عبر الأطلسي بقيادة بايدن أن يكون بمثابة حافز لهذا التوازن ودافعا لتنسيق وتقاسم أكبر للمهام في مجال الأمن، ويعتبر تقليل الصراعات داخل الخليج أحد أهداف زيادة عدد الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل داخل دول مجلس التعاون الخليجي".

وبالمثل، فإن إنهاء الحرب في اليمن كقضية تهم بايدن وحلفاءه الأوروبيين في الدبلوماسية مع إيران، سيغلق "شرخا مهما" بين دول مجلس التعاون الخليجي.

إضافة إلى أن هناك اعتقادا بأن "الوحدة الخالصة" والاستقرار اللذين سيتم تحقيقهما في الخليج سيسهمان أيضا في أمن حدود أوروبا وسيكون مفيدا بشكل خاص في منع المشاكل التي تمتد من العراق وسوريا ولبنان وليبيا حتى الحدود الأوروبية، وفقا للكاتبة.

ولفتت جان قائلة: "جدير بالذكر أنه يتم تشكيل اتحاد مصالح بين دول الخليج التي جعلت من أولوياتها الحيلولة دون انقلاب الوضع ضدها في الشرق الأوسط منذ عام 2011، ويتمثل آخر مثال على ذلك في التقارب الإستراتيجي بين أبو ظبي وباريس، التي أعلنت صراعا شاملا ضد الإسلام السياسي متجاهلة كل الاختلاف والتنوع الذي يشمله الإسلام.

وأضافت: "بينما يتوقع المزيد من التعاون في مكافحة الإرهاب بين واشنطن ولندن وبرلين وباريس وأبو ظبي والرياض، فإن مراقبة التنافس بين تركيا والإمارات سيحمل أهمية كبيرة خاصة بالنسبة لأوروبا، وقد تلعب القضايا في السياسة الداخلية مثل انتهاكات حقوق الإنسان كما حدث في اغتيال جمال خاشقجي، دورا ثانويا في العلاقات الثنائية إلى جانب الإطار الإقليمي". 

وكما تشير زيادة الناتو الأخيرة لعدد أفرادها من 500 إلى 4000 في العراق، فإن التوقعات بأن يزيد تحالف شمال الأطلسي من تقاسم المهام والأثمان المدفوعة في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.

ورغم إظهار منع تنظيم الدولة من استعادة قوته في العراق سببا رسميا لهذه الزيادة، إلا أن وجود الناتو يهدف أيضا إلى الحد من نفوذ إيران السياسي على العراق الذي تزايد بعد الغزو الأميركي عام 2003، بحسب الكاتبة التركية.

وختمت جان مقالها قائلة: "وكنتيجة لكل هذا سيتم إضافة عناوين مثل مصادر الطاقة البديلة والاتفاقية الخضراء والرقمنة في المراحل القادمة إلى مجالات التعاون التقليدية مع دول الخليج، مثل استقرار أسواق النفط والأمن العسكري وأمن طرق التجارة التي سلطت حادثة قناة السويس الأضواء على أهميتها في الأسابيع الماضية".