صحف فرنسية: كيف ستؤثر الأحداث في السودان والجزائر على السيسي؟

12

طباعة

مشاركة

ثلاث أزمات تقلق القاهرة، التي تتابع آخر تطورات الوضع في السودان، الذي يعتبر امتدادًا طبيعيًا لها منذ عهد الفراعنة. بعد إطاحة الجيش بالرئيس عمر البشير، في ظل أزمات متزامنة ومتشابهة في كل من الجزائر وليبيا؛ ما يمثل تحديات مختلفة لمصر.

وسلطت عدد من الصحف الفرنسية الضوء على رد فعل المصريين ونظام عبد الفتاح السيسي على ما شهده السودان والجزائر وليبيا في الأيام الأخيرة، معتبرة أنّ الحركات المناهضة للبشير وللرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة، تشير إلى أنّ شرارة التغيير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي انطلقت عام 2011 مستمرة.

تجربة المصريين

وقالت صحيفة "لوموند"، إنّ المصريين الذين يحنّون إلى انتفاضة ميدان التحرير، بؤرة ثورة 2011، لم يناموا براحة في الأيام الأخيرة، إذ يجلسون أمام شبكات التواصل الاجتماعي، يتابعون كل دقيقة تمر من تمرد جيرانهم السودانيين، ويقدمون لهم المشورة والتشجيع.

وزاد التقرير، بما أن عمر البشير جرت الإطاحة به في 11 أبريل/ نيسان الجاري من قبل الجنرالات، الذين يبدو أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لنقل السلطة إلى المدنيين، فإنهم يحثونهم على مواصلة الضغط على الجيش والاستمرار في الثورة أمام مقره الرئيسي في العاصمة الخرطوم.

وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عوض بن عوف،  أعلن يوم الجمعة الماضي، في خطاب ألقاه أنه استقال من منصبه، وعيّن المفتش العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان عبد الرحمن خلفا له، واستقبل هذا البيان بمشاهد الابتهاج في العاصمة السودانية.

ونقلت "لوموند" عن الحقوقي المصري، جمال عيد، قوله عبر موقع "فيسبوك" مخاطبا الشعب السوداني: "لا تدعوا الجيش يصادر ثمار معركتكم، تذكروا أن نصف ثورة هو انتحار كامل".

ورأى التقرير أن هذه الكلمات ناتجة عن تجربة حزينة للمصريين، فبعد أن أعمتهم ثقتهم في جيشهم، الذي ساهم في سقوط حسني مبارك في فبراير/ شباط 2011، تخلى ثوار التحرير عن المكان، ما مهد الطريق لعودة النظام القديم بعد عامين ونصف في شخص عبدالفتاح السيسي، رئيس النظام المصري الحالي، الذي يحكم البلاد بقبضة حديدية.

وبينت "لوموند" أن هذا الحوار عبر الزمان والمكان، بين الثوار السابقين في القاهرة والمتظاهرين الحاليين في الخرطوم، يسلط الضوء على الخيط الذي يربط الانتفاضة في السودان وكذلك في الجزائر، بالتسلسل الثوري لعام 2011.

التسلسل الثوري

من جهته، أشار موقع إذاعة "راديو فرانس إنترناسيونال" إلى مخاوف السلطات المصرية مما يجري حولها، وقال: أسوأ كابوس في مصر هو أن يغرق السودان في الفوضى، إذ سيكون ذلك بمثابة تهديد أمني في الجنوب، يضاف إلى تهديد ليبيا في الغرب، وسيناء في الشرق، ثلاثة مناطق يمكنها تصدير الإرهابيين إلى مصر.

وأوضح موقع الإذاعة أن التهديد الأهم الذي يقلق السلطات المصرية هو تأثر نهر النيل الحيوي لمصر، والذي يمر عبر السودان بأية فوضى يغرق فيها الأخير، فبسبب مياه النيل حافظت الحكومة المصرية على علاقات جيدة مع الرئيس عمر البشير، الذي كان حليفًا لجماعة الإخوان المسلمين وهي الجماعة التي يعتبرها النظام المصري "منظمة إرهابية".

وأخيرا، أشار التقرير إلى تهديد الهجرة الذي سيعرض السودان لأزمة اقتصادية حادة، وهو احتمال يمكن أن يؤدي إلى عبور ملايين السودانيين الحدود بين البلدين بطول أكثر من ألف كيلومتر ليأتوا إلى مصر.

ديمقراطية الجوار

أما صحيفة "لوريون لوجور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، فقالت: "في مواجهة عدم الاستقرار المتزايد من الجزائر إلى الخرطوم مرورا بطرابلس، القاهرة تخشى من رؤية الاضطرابات التي تهز جيرانها تفيض على حدودها".

وأوضحت أنه بينما أدى الاحتجاج الجزائري ضد ولاية جديدة لبوتفليقة إلى إسقاط الرجل الذي أمسك بزمام البلاد لمدة عشرين عامًا في أقل من ستة أسابيع، أطاح الجيش السوداني بعمر البشير بعد أن أصبحت البلاد مسرحًا للاحتجاجات التي اندلعت قبل أربعة أشهر بسبب زيادة أسعار الخبز.

وأكدت أنه من ناحية أخرى غرقت ليبيا في الفوضى منذ سقوط معمر القذافي، وهي الآن في قلب الصراع العنيف على السلطة بين قوات الحكومة الوطنية الليبية، بقيادة فايز السراج، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.

وقالت الصحيفة إن الثلاث أزمات المتزامنة تمثل ثلاثة تحديات مختلفة للدولة المصرية، ونقلت عن الباحثة في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، ميشيل دن، التي تتركّز أبحاثها على التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، قولها: إن "انسحاب بوتفليقة من الجزائر يقدم خطوطا متوازية مع ما حدث في مصر عام 2011، وربما تأمل الحكومة المصرية أن يحافظ الجيش الجزائري على قبضته، وأن لا يسمح بانتقال سياسي حقيقي".

وأوضحت الصحيفة أنه بعد ثمان سنوات من عاصفة "الربيع العربي" التي انفجرت في ميدان التحرير في القاهرة، تخشى الحكومة المصرية من أن تعيد الرغبة في الديمقراطية لدى الجزائريين إحياء الخلاف حول الاستبداد المصري.

هل تساعده الإمارات والسعودية؟

وأشار الباحث في مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أولج جيوسيبي دينتيس، إلى أن "موجة جديدة من الانتفاضات في مصر، كما حدث في 2011 أو 2013، يمكن أن تضعف النظام وتجعله عرضة لأزمة جديدة ذات تداعيات وترتبط بالتوترات الإقليمية الأخرى، كما في ليبيا أو مالي".

وذكرت ميشيل دن أن "السيسي لن يرغب في رؤية حكومات ديمقراطية تظهر في أي من هذه الدول الثلاث؛ لأن هذا من شأنه أن يتناقض مع سياسته ويحرمه من الحلفاء الإقليميين، في وقت تستعد فيه البلاد لإجراء استفتاء على تعديلات دستورية تتيح له بالاستمرار في منصبه حتى عام  2034".

وعن الأوضاع في ليبيا قال جيوسيبي دينتيس: إن هذا البلد "يمثل حصة مهمة لاستقرار البلاد وللشرعية السياسية للرئيس السيسي"، فيما توضح ميشيل دن أن رئيس النظام المصري "قادر على تجاهل تونس، وهي دولة صغيرة، لكن تجربة ديمقراطية في السودان أو ليبيا أو الجزائر ستكون تحديًا".

وأضافت: "يمكنه، بمساعدة حلفائه في الخليج (الإمارات والسعودية)، استخدام قوتهم الاقتصادية والعسكرية لمحاولة منع حدوث ذلك، وفي الواقع، هم يفعلون ذلك الآن من خلال محاولة تثبيت رجل عسكري آخر قوي في ليبيا، حيث لم تتردد القاهرة في إرسال قوات وطائرات لدعم قوات خليفة حفتر، إلى جانب الإمارات وروسيا".

خليفة حفتر.. الحصن

وقالت المتحدثة للصحيفة، إن خليفة حفتر الملقب بـ"سيسي ليبيا"، هو حصن ضد الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين بالنسبة للقاهرة، إذ أن الأخيرة عدو مشترك و"وحش أسود" للزعيم المصري، الذي تولى السلطة في عام 2014 بعد انقلاب ضد محمد مرسي، التابع لهذه الجماعة.

ويقول دينتيس، إن الحدود الشرقية لليبيا أصبحت ملاذاً آمناً نسبياً للميليشيات، حيث يمكن للأسلحة والمسلحين غير الشرعيين الانتقال بحرية من ليبيا إلى شبه جزيرة سيناء، ومن خلال السيطرة على شرق ليبيا، فإن قوات حفتر ستحقق بعض الاستقرار على الحدود مع مصر.

وبحسب الصحيفة، سيطرة حفتر على طرابلس، الذي شن هجوما عليها قبل نحو أسبوع، يصب في مصلحة القاهرة، إذ سيمكنها من السيطرة على غالبية البلاد ويمهد الطريق لإقامة نظام استبدادي.

ونوهت بأنه في العام الماضي، قال خليفة حفتر لصحيفة "جون أفريك": "ليبيا اليوم ليست ناضجة بعد للديمقراطية"، وهو مطابق لما ذكره عبدالفتاح السيسي في عام 2014 حيث صرح بأن "إقامة ديمقراطية حقيقية في مصر سيستغرق من 20 إلى 25 عاما".