بنسبة 136 بالمئة.. لماذا زادت مصر وارداتها من السلاح في عهد السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"سواء كانت شعوبهم تعاني الجوع والفقر أو جائحة كورونا، فحكام العرب لا يتوقفون عن التسلح".. هذه خلاصة التقرير الأخير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI"، الصادر في 15 مارس/آذار 2021.

في التسلح 3 فوائد: "رشاوى" للقوى الكبرى كي لا تضغط بورقة حقوق الإنسان، و"عمولات" للأنظمة من الصفقات، و"مغامرات عسكرية" لحماية كراسي الحكم.

بحسب التقرير، لم يؤثر انهيار أسعار النفط ولا الأزمة المالية وانهيار الاقتصاد الناتجة عن جائحة كورونا في وقف نهم الحكام العرب لشراء الأسلحة، فجاءت 5 دول عربية ضمن أكبر 10 دول اشترت أسلحة بين عامي 2016 و2020.

فقائمة أكبر 10 دول مستوردة للسلاح في العالم، هناك 5 دولة عربية هي: السعودية (المرتبة الأولى)، ومصر (3)، والجزائر (6)، وقطر (8)، والإمارات (9).

بالمقابل، أفاد التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولي أن صادرات تركيا من الأسلحة المصنعة محليا نمت بنسبة 30 بالمئة في السنوات الخمس الماضية المنتهية في 2020.

فيما انخفضت وارداتها من الأسلحة بنسبة 59 بالمئة في السنوات الخمس الماضية (2016-2020)، بسبب سياسة التصنيع المحلي التركية للأسلحة، وتحتل المرتبة الثالثة عشر في قائمة الدولة الصدرة. 

والمفارقة هي الزيادة الكبيرة في صادرات السلاح من الدول الغربية للأنظمة القمعية العربية، رغم تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، ورفض أوروبا حظر تصدير الأسلحة لهذه الدول المنتهكة للحريات.

خلاصة التقرير

أهم ما أكده تقرير معهد ستوكهولم لعام 2021، هو زيادة واردات الشرق الأوسط من الأسلحة بمقدار الربع حتى عام 2020، رغم أن مبيعات الأسلحة على مستوى العالم ظلت مستقرة خلال نفس الفترة.

دول الشرق الأوسط وحدها استحوذت على أكبر زيادة في واردات الأسلحة، بارتفاع قدره 25 بالمئة في 2016-2020 مقارنة بالفترة من 2011 إلى 2015.

مبيعات الأسلحة الدولية عموما لم تزد وظلت ثابتة في الفترة من 2016 إلى 2020، وعلى نفس مستواها من 2011 إلى 2020، وهو ما أكده التقرير في عنوانه: "استقرار عمليات بيع الأسلحة دوليا بعد سنوات من النمو الحاد، بينما واردات الشرق الأوسط تزداد أكثر"!.

جائحة كورونا، والأزمة المالية التي ترتبت عليها أثرت على شراء الدول للأسلحة، إلا أن غالبية الدول العربية والشرق الأوسط شكلت استثناء من ذلك، ومع هذا، "وقعت العديد من الدول عقود أسلحة كبيرة في ذروة الجائحة والآثار الاقتصادية للوباء"، حسبما يقول بيتر وايزمان كبير الباحثين في معهد ستوكهولم، لكن عام كورونا 2020 شهد عموما انخفاضا بنسبة 16 بالمئة على أساس سنوي في قيمة عمليات نقل الأسلحة العالمية.

مشتريات ضخمة

يقول تقرير معهد ستوكهولم مارس/آذار 2021، إن مصر زادت وارداتها من السلاح، الممول في معظمه بالقروض والديون، في السنوات الخمس الماضية بنسبة 136 بالمئة، مقارنة بالفترة بين عامي 2011 و2015.

هذه هي ثاني زيادة ضخمة في مشتريات مصر من السلاح بعد الزيادة الأضخم في الفترة من 2013-2017 بنسبة 225 بالمئة، حسب تقرير ستوكهولم مارس 2019.

واردات مصر من السلاح شكلت 5.8 بالمئة من حجم واردات السلاح العالمية، وكانت روسيا هي أكبر مزود لها بنسبة 41 بالمئة، تلتها فرنسا (28 بالمئة)، ثم أميركا (8.7 بالمئة).

ركزت واردات مصر من الأسلحة على القوات البحرية بسبب النزاع في البحر المتوسط مع تركيا بشأن التنقيب عن الغاز والمياه الاقتصادية.

الملفت أن هذا التوسع المصري في شراء السلاح لم يعد موجها ضد إسرائيل كما كان الحال في الماضي، بل وتباركه تل أبيب، نظرا لتقاطع أهدافها مع بعض أهداف نظام عبد الفتاح السيسي، في شرق المتوسط والبحر الأحمر.

سبق أن لام "موشيه يعالون" وزير الدفاع الأسبق الحكومة الأمريكية عام 2015 على تقصيرها في مد جيش مصر بما يحتاجه من معدات "ما دفع المصريين للبحث عن شركاء خارجيين آخرين"، على حد قوله.

في 26 مارس/ آذار 2019، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية موافقة نتنياهو الشخصية على حصول مصر على غواصات ألمانية متطورة، ومن مفارقات التقرير أن صحف وإعلام مصر تناولته، لكن دون ذكر حجم مبيعات السلاح المصرية، أو تفاصيل الغموض حول الصفقات ومصادر الإنفاق عليها.

منذ عام 2013، أبرمت مصر العديد من صفقات التسلح أبرزها مع روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، حيث حصلت روسيا على مقاتلات "ميغ-29" ومروحيات "كا-52" التمساح، ومروحيات "مي-24" الهجومية، وطائرات "إيل-76" العملاقة، ومنظومات الدفاع الجوي "إس-300" و"بوك إم2" و"تور إم2".

بالإضافة إلى الحديث عن حصولها على منظومات "باستيون" الساحلية، و20 مقاتلة "سوخوي-35"، وتسليم 5 منها بالفعل فبراير/ شباط 2021.

وعقدت مع فرنسا صفقات غير مسبوقة شملت مقاتلات "رافال" وفرقاطات "غوويند"، وحاملات المروحيات "ميسترال"، ومع ألمانيا، أبرمت صفقة غواصات "تايب" التي أدت لجدل واسع في إسرائيل بسبب حصول مصر عليها.

كانت الصفقة (الكبرى) الأخيرة مع إيطاليا، لشراء 4 فرقاطات "فريم" و20 سفينة مهام متعددة ساحلية، و24 مقاتلة يوروفايتر تايفون و24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال الخفيف والتدريب وقمر صناعي للاستطلاع والتصوير الراداري.

3 فوائد

زيادة واردات مصر من السلاح تدخل بحسب معلقين، ضمن 3 بنود: أولها في صورة "رشاوى" لدول غربية للتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان.

وثانيها، "عمولات" يتقاضاها السيسي وكبار المسؤولين العسكريين، في صورة نسب مئوية من كل صفقة، مثلما تم الكشف عنه في صفقات الرئيس الراحل حسني مبارك.

وثالثها، هو القيام بمغامرات عسكرية مثل ضرب أهداف في ليبيا بدعاوى ضرب عناصر تنظيم الدولة الذين ذبحوا 21 قبطيا، أو مواجهة تحديات إقليمية أخرى، رغم عدم المشاركة في أي حروب فعلية منذ 2011.

ويرى خبراء أن من أسباب تعاظم وتزايد شراء نظام السيسي للعديد من صفقات السلاح دون البحث عن الأفضل لحماية مصر هو عمولات السلاح.

ويعتبرون بعض هذه الصفقات "رشوة" لدول أوروبية لدعم السيسي والتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان، مثل الصفقة الإيطالية لعدم إثارة قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.

وخلال زيارته لمصر 29 يناير/ كانون الثاني 2019، سأل الحقوقي محمد زارع الرئيس الفرنسي ماكرون عن أسباب تزويدهم نظام السيسي "بأسلحة تستخدم في قمع المتظاهرين وأجهزة تنصت تسمح له بالتجسس على المصريين وحجب المواقع الإلكترونية".

وقبل اعتقاله، قال الدكتور يحيى القزاز، أستاذ العلوم السياسية، إن "الهدف من صفقة الأسلحة شراء شرعية دولية بمليارات الدولارات من الدول الكبرى إضافة إلى زيادة رصيد السيسي في البنوك الدولية".

وأضاف لموقع "رصد" 13 مارس/ آذار 2018: "الصفقات تضمن للسيسي علاقة جيدة مع الغرب، فالمال يجعلهم يتجاهلون انتهاكات حقوق الإنسان".

عمولات السلاح

وفقا للقانون المصري لا يوجد شيء يسمى "عمولات رسمية"، لكن هذه الأمور سرية ومعروفة في الأوساط الاقتصادية وأسواق السلاح في العالم كله.

وأثناء التحقيقات مع الرئيس الراحل مبارك تم الكشف أنه كان يحصل على نسبة تقدر بـ 5 بالمئة عن كل صفقة سلاح، ونسبة قريبة من ذلك لوزير الدفاع والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يقومون بالتعاقد مع شركات السلاح.

وكشف مورجان سترونج، مستشار شبكة سى بى أس نيوز الأميركية في برنامج "90 دقيقة" أن مبارك استلم ملايين الدولارات من العمولات مع صديقه حسين سالم عبر شركة "ايتسكو" لنقل أسلحة المعونة الأميركية لمصر، وعنصرين بالمخابرات الأميركية.

وحسب جريدة الأهرام 15 مارس/ آذار 2011، استضاف مورجان سترونج فى البرنامج هذين العنصرين وهما توماس كلاينز وأدوين ويلسون، حيث قال "كلاينز" كنت أتقابل مع مبارك فى منزله بالقاهرة وأقوم بتسليمه حقائب بها ملايين الدولارات.

الضابط ويلسون والذي كان يعمل فى المخابرات الأميركية سابقا، قال إن البيت الأبيض كان على علم بصفقات مبارك من عمولات نقل الأسلحة الأميركية وأنه تغاضى عن هذا الأمر.

لاحقا، قدم السيسي بصفته مديرا للمخابرات الحربية، خطابا من النائب العام أكد فيه أن مبارك بريء ولم يحصل على عمولات من صفقات السلاح، بحسب فريد الديب 3 أغسطس/ آب 2014 وفق صحيفة "الوطن".

يعتقد وفق مراقبين، أن شهادة السيسي جاءت لأن تثبيت تهمة تلقي مبارك عمولات سلاح معناها تلقي أعضاء المجلس العسكري أيضا عمولات بمن فيهم السيسي، وأن أحد أسباب رفض السيسي إعلان ذمته المالية علانية، والاكتفاء بتقديمها سرية إلى القضاء (كإجراء شكلي) في الانتخابات الرئاسية، هو ما يحصل عليه من عمولات السلاح.

السلاح والقمع

تؤكد دراسة لمعهد كارنيجي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن نظام السيسي يتعمد ربط الدعم الدولي له بزيادة الديون وصفقات السلاح، حيث أدى إنفاق النظام مبالغ طائلة على الأسلحة، ومضاعفة حجم واردات السلاح 3 مرات بين 2014 و2018 دورا أساسيا في ترسيخ شبكته للأمان الدولي.

ويترتب على تحول النظام إلى مستورد كبير للأسلحة، بحسب كارنيجي، توريط الدول الغربية وصناعتها الدفاعية، في قمع الاحتجاجات الشعبية، وتعطيل إدانة انتهاكات حقوق الإنسان.

في 16 يونيو/ حزيران 2020، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش إيطاليا بوقف مبيعات الأسلحة لمصر، مؤكدة أنه: "يساهم في تسهيل السلوكيات الاستبدادية، والقمع الشديد والحد من آفاق الدمقرطة".

ورأت المنظمة استمرار إيطاليا في تصدير السلاح لمصر "يوجه رسالة، مفادها أن لا محاسبة على حملة القمع الوحشية التي تشنها السلطة ضد حقوق الإنسان".

وقال بيان "هيومن رايتس" إن وزراء خارجية أوروبا تعهدوا، عقب "مذبحة رابعة" عام 2013، بتعليق تراخيص تصدير أي معدات للقمع الداخلي لمصر، لكن 12 دولة منها إيطاليا، خالفت هذا التعهد.

وفي 7 ديسمبر/ كانون أول 2020، صرح الرئيس الفرنسي ماكرون أن بلاده لن تربط الدعم العسكري لمصر بملف حقوق الإنسان، بدعوى أن "ذلك قد يؤثر على جهود القاهرة في ملف مكافحة الإرهاب".

وردت الخارجية الأميركية 18 فبراير/ شباط 2021 على الانتقادات التي وجهت لإبرامها صفقة صواريخ مع مصر بتأكيد "أن مبيعات الأسلحة لمصر لا تعوق مواصلة أميركا التركيز على سجل حقوق الإنسان".

الصفقات العربية

ذكر تقرير معهد ستوكهولم أنه بسبب صفقات السلاح العربية، سجلت واردات دول الشرق الأوسط، ثاني أكبر زيادة في العالم بنسبة 25 بالمئة، وجاءت خلف منطقة آسيا وأوقيانوسيا.

ورغم أن المنطقة العربية والخليج خصوصا، هي الأكثر تضررا اقتصاديا من جائحة كورونا جراء انهيار النفط، فقد استحوذ الشرق الأوسط على 25 بالمئة من مبيعات الفترة من 2016 إلى 2020.

قفز شراء السلاح الخليجي إلى 100 مليار دولار، أي بزيادة 5.4 بالمئة في عام 2020 عن العام السابق، وقد ينخفض إلى 90.6 مليار دولار 2020، ثم 89.4 مليارا عام 2022.

زادت واردات السعودية من السلاح بنسبة 61 بالمئة، واستحوذت على 11 بالمئة من حجم مبيعات الأسلحة العالمية خلال هذه الفترة، لتتفوق على الهند.

وتصدرت أميركا قائمة مزودي المملكة بالسلاح بنسبة 79 بالمئة، تلتها بريطانيا (9.3 بالمئة)، ثم فرنسا (4 بالمئة).

زادت قطر وارداتها من السلاح في الفترة بين عامي 2016 و2020 بنسبة 361 بالمئة وشكلت 3.8 بالمئة من مجموع واردات العالم، وكانت أميركا هي أكبر مزود لها بالسلاح بنسبة 47 بالمئة، ثم فرنسا (31 بالمئة)، فألمانيا (7.5 بالمئة)

انخفضت واردات الإمارات 37 بالمئة ولكنها أبرمت صفقة بقيمة 23 مليار دولار مع الرئيس السابق ترامب لشراء طائرات إف 35 (تم تعليقها من قبل إدارة بايدن).

واستوردت الجزائر 4.3 بالمئة من الإجمالي العالمي، وزادت مشترياتها بنسبة 64 بالمئة في السنوات الخمس الأخيرة مقارنة بالفترة بين عامي 2011 و2015، وكانت روسيا هي أكبر مزود للجزائر بالسلاح (69 بالمئة)، ثم ألمانيا (12 بالمئة)، فالصين (9.9 بالمئة).

"حروب اليمن وليبيا، والمنافسات بين دول منطقة الخليج، وتهديدات إيران، والتوترات المتزايدة بشأن احتياطيات النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، عززت الطلب على الأسلحة في المنطقة"، بحسب "بيتر وايزمان".

بائعو الموت

بحسب تقرير 2021، زاد نصيب الولايات المتحدة من كعكة الدمار، وكانت هي أكبر بائعي تجارة الموت ومصدري السلاح خلال الأعوام الخمسة الماضية.

نصيب أمريكا يتراوح بين 32 إلى 37 بالمئة من مبيعات سلاح العالم، نصفها (47 بالمئة) ذهب لدول الشرق الأوسط، وزادت صادرتها 15 بالمئة، وعدد زبائنها 96 دولة. 

روسيا في المركز الثاني كأكبر مصدر في العالم، وباعت خمس شحنات الأسلحة العالمية، لكن مبيعاتها تراجعت بنسبة 22 بالمئة مقارنة بالفترة من 2011 إلى 2015.

وقفزت صادرات فرنسا من الأسلحة بنسبة 44 بالمئة في الفترة ما بين 2016 و2020، وجاءت كثالث أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم، بنسبة 8 بالمئة، بعد صفقات كبيرة مع الهند ومصر وقطر.

ألمانيا والصين في المركزين الرابع والخامس من قائمة أكبر خمس دول مصدرة، بينما انخفضت صادرات بريطانيا من الأسلحة بنسبة 27 بالمئة.

شكلت صادرات الأسلحة الإسرائيلية 3.0 بالمئة من الإجمالي العالمي في نفس الفترة وكانت أعلى بنسبة 59 بالمئة مما كانت عليه في 2011-2015.

وكانت آسيا وأوقيانوسيا (الهند وباكستان وأستراليا والصين وكوريا الجنوبية) أكبر المناطق استيرادا للأسلحة واستحوذت على 42 بالمئة من المبيعات العالمية.