31 بلدا ينتقد أوضاع مصر الحقوقية.. فبماذا ردت أجهزة السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال مؤتمر صحفي رفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بباريس، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، قال رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي: "حقوق الإنسان ليست سياسية فقط، لماذا لا تسألوني عن حقوق الإنسان في التعليم والعلاج في مصر".

تصريح السيسي، أثار وقتها موجة من السخرية والانتقادات في آن واحد، لما تبناه السيسي من ربط مخل، ردا على التنديدات الموجهة لنظامه بسبب الأوضاع الحقوقية المنتهكة، وعلاقة ذلك بالأوضاع الصحية والتعليمية للمواطن المقهور.

لكن يبدو أن لامنطق السيسي، صار معتمدا لدى مؤسسات نظامه الدبلوماسية والإعلامية، وهو ما ظهر مؤخرا عندما ردت الخارجية المصرية وأذرع السيسي الإعلامية، على انتقاد 31 دولة ضمن مجلس حقوق الإنسان الأممي، للأوضاع الحقوقية في مصر.

بدأت بعدها موجة من الهجوم المضاد من أجهزة السيسي على هذه الدول، وعلى الجمعيات والمنظمات الحقوقية عموما، وصوروا الأمر وكأنه مؤامرة عالمية تستهدف الدولة المصرية ومشاريع السيسي التنموية والنهضوية!

كان "المشروع القومي لتطوير الريف" الذي أعلن عنه السيسي مؤخرا، هو كلمة السر والخطاب الموجه من صاحب "جهاز السامسونج" القابع في مقر المخابرات الحربية في تحريك الأذرع الإعلامية لمهاجمة بيان الـ 31 دولة.

انتقادات أممية 

خلال بيان مشترك، في إطار جلسات الدورة رقم (46) لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المنعقدة منذ 22 فبراير/ شباط 2021، إلى 23 مارس/ آذار 2021، انتقدت 31 دولة أوضاع حقوق الإنسان المتردية في مصر، وطالبوا القاهرة بإطلاق سراح سياسيين ومعارضين، أوقفتهم السلطات بموجب قوانين الإرهاب.

وعلى رأس الدول المشاركة في البيان، جاءت بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وبلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا، بينما قدمت فنلندا البيان نيابة عن 30 دولة إلى المجلس الأممي لحقوق الإنسان. 

أعربت تلك الدول عن "قلقها العميق بشأن مسار حقوق الإنسان في مصر، خاصة القيود المفروضة على حرية التعبير، وتطبيق تشريعات الإرهاب ضد المعارضين السياسيين والصحفيين والمحامين".

ودعا البيان "مصر إلى رفع القيود المفروضة على الحريات الإعلامية، والإفراج عن جميع الصحفيين الموقوفين بسبب مزاولة المهنة، والتوقف عن استخدام قائمة الكيانات الإرهابية لمعاقبة الأفراد على ممارسة الحق في التعبير".

كما طلب البيان من "السلطات المصرية منح الحريات للمجتمع المدني لضمان عمل المدافعين عن حقوق الإنسان دون ترهيب أو اعتقال، بما يشمل رفع حظر السفر وتجميد الأصول ضد المدافعين عن حقوق الإنسان".

ردة الفعل 

البيان الأممي أحدث ردة فعل غاضبة داخل نظام السيسي وأذرعه الإعلامية، وسرعان ما تحركت وزارة الخارجية يوم 12 مارس/ آذار 2021، وأصدرت بيانا وصفت فيه البيان السابق بأنه مجرد "أحاديث مرسلة تستند إلى معلومات غير دقيقة".

الخارجية المصرية توعدت الدول الـ 31، قائلة: "من المقرر أن تلقي مصر من خلال بعثتها في جنيف بيانا أمام مجلس حقوق الإنسان، وستسلط الضوء على أوجه القصور داخل تلك الدول صاحبة البيان المشترك، بما في ذلك الممارسات التي تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان".

أشرف أبوالهول مدير تحرير صحيفة الأهرام (حكومية)، قال فى تعليقه عبر قناة "دويتشه فيله" الألمانية، "انتهاك حقوق الإنسان بمصر جزء من ثقافة العالم العربى والإسلامى"، مبررا أسباب انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام المصري، بقوله "الدولة المصرية بعد 2013، فى الريف والأطراف كانت تخضع لرجال الدين".

الرد الهستيري من الإعلام المصري بلغ مبلغه على يد نشأت الديهي الذي شن هجوما حادا على مجلس حقوق الإنسان، وقال في حلقته على قناة "TeN" يوم 13 مارس/ آذار 2021، "المصريون يرفضون نداء منظمات حقوق الإنسان وبعض الدول لإعادة مسار قوم لوط ولن يسمحوا به!". 

وأضاف: "حد من الـ 31 دولة، مد إيده وساعدني في العشوائيات ونقل أهلينا من العشوائيات (9 ساكنين في أوضه)، حد منهم مد إيده وساعدني في بناء مستشفى، حد منهم ساعدنا في محاربة الإرهاب أو لقاح كورونا أو علاج فيرس سي، هذا بينما تعمل الدولة المصرية على المشروع القومي لتطوير الريف لأن أهلنا هناك ليسوا في حاجة لجمعيات حقوق الإنسان". 

حزب الحركة الوطنية المصرية، المؤيد للسيسي برئاسة رؤوف السيد، وصف ما تضمنه التقرير الأممي بـ"الأكاذيب والافتراءات التي تمارس ضد الدولة المصرية.

مضيفا في بيان أن "كل ما جاء فيه كلمات مشبوهة تفوح منها روائح الخيانة والتآمر. البيان صدر في وقت تشهد فيه مصر انطلاقة تنموية كبرى تركز على الإنسان وحقوقه في أن يحيا حياة آدمية تليق بإنسانيته وكرامته ولعل المشروع القومي لتطوير الريف والذي يمس حياة ملايين الأسر خير دليل". 

كذلك قامت النائبة مرثا محروس عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بالتعبير عن استنكارها ورفضها لبيان المجلس الدولي لحقوق الإنسان، التي وصفته بـ"غير المبرر حول حالة حقوق الإنسان في مصر".

محروس قالت إن "المزاعم المزيفة الموجودة بالبيان ماهي إلا رغبة في التدخل السياسي للشؤون الداخلية المصرية، ومحاولة ساذجة لإحراج مصر عالميا، لعرقلة جهود مصر التنموية".

لجنة حقوق الإنسان في البرلمان اعتبرت في بيانها 12 مارس/ آذار 2021، أن بيان الـ 31 دولة "مجرد رغبة في التدخل السياسي للشؤون الداخلية المصرية، والاستجابة لضغوط مجموعات ممولة تعمل بشكل عدائي ضد مصر، انطلاقا من وجودها في جنيف وبروكسل، ويهمها في المقام الأول إحراج الدولة المصرية، وتعبئة المجتمع الدولي لعرقلة جهود مصر التنموية ودورها في تعزيز الاستقرار والسلم الإقليمي والداخلي".

عباءة واسعة 

الحقوقي المصري مصطفى عزالدين فؤاد، وصف ردود القاهرة على بيان الـ 31 بـ "الهزلية والمضحكة وغير المجدية"، وقال لـ"الاستقلال": "هناك مشهد لابد من استحضاره في موقف نظام السيسي ضد مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية عموما، وهو عندما ذهب إلى روسيا بعد الانقلاب العسكري، قلده الرئيس فلاديمير بوتين (جاكيت) عليه النجمة الروسية الحمراء".

مضيفا: "يبدو أن السيسي منذ ذلك الوقت حاول أن يسير على نفس خطى بوتين تجاه انتقادات الغرب لحقوق الإنسان في روسيا، لكن هذه المرة العباءة واسعة على رئيس النظام المصري".

وأضاف عزالدين: "يعتمد بوتين دائما إستراتيجية انتقاد المنتقد، والهجوم على من يهاجمونه بنفس المنطق، فتارة يهاجم الأوضاع الحقوقية في الغرب، وتارة ينتقد أنظمتهم السياسية، والسؤال هنا هل السيسي مثل بوتين؟ ومصر كروسيا؟ وتمتلك نفس الأدوات لمهاجمة الغرب والمنظمات الحقوقية، ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة".

وأردف: "عندما تعلن روسيا انتقادات لهذه الدول فإنها تأخذها بشكل جدي، أو حتى على سبيل التكافؤ والصراع التاريخي بين الكتلتين، أما مصر فإن الأمر يبدو هزليا وغير منطقي، ويتم التعامل معه من باب العبث ولا يأبه له تماما كما يتم التعامل مع بشار الأسد وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون". 

وتابع الحقوقي المصري: "المثير للتعجب أن أدوات نظام السيسي التي يستخدمها في الدفاع عن نفسه مثل البرلمان والإعلام والمجلس المصري لحقوق الإنسان، كلها متورطة في الانتهاكات، وعليها 1000 علامة استفهام، وحرضت على العنف والاعتقال والقتل أحيانا بحق مدنيين، وهو مذكور ضمن مئات الملفات والشكاوى الدولية ضد النظام". 

وختم عز الدين قائلا: "الخطاب الموجه من الجهات الرسمية المصرية وكذلك الإعلام ضد مجلس حقوق الإنسان، بهذه الطريقة الساخرة، يطرح تساؤلات عن المقصد، هل هو موجه للخارج؟ أم للداخل؟ للحكومات والأنظمة؟ أم للشعب المصري؟ وقطعا في جميع الحالات لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد".