يرافقه العشرات.. ماذا وراء زيارة قائد مخابرات إسرائيل إلى شرم الشيخ؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 9 مارس/ آذار 2021، زار وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين مدينة شرم الشيخ في مصر، لأول مرة منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بصحبة وفد أمني واقتصادي ضخم.

ورغم الحديث عن أهداف اقتصادية، وحضور 20 رجل أعمال إسرائيلي بكافة المجالات الزراعية والصناعية والتجارية تبقى أسباب الزيارة الحقيقية مجهولة.

تعتيم إعلام نظام عبدالفتاح السيسي على الزيارة وعدم نشر أي خبر عنها، واستقبال نائب رئيس المخابرات المصرية اللواء ناصر فهمي لـ"كوهين" يشير لأسباب أخرى للزيارة، بخلاف الاقتصادية.

فهل كانت الزيارة أمنية لحماية سياح إسرائيل في شرم الشيخ؟ أم استخبارية وعسكرية لتنسيق الجهود في سيناء ضد تنظيم الدولة؟ وهل حضر كوهين للتمهيد وتأمين زيارة نتنياهو المرتقبة إلى مصر؟ ولماذا رفض إعلام نظام السيسي الموجه نشر أي شيء عنها في الصحف أو الفضائيات؟

بعثة رسمية

الباحث الإسرائيلي رامي عزيز علق ساخرا: "بالطبع هذه الزيارة الكبيرة لن تسمع عنها أي شيء من أحمد موسى، ونشأت الديهي ومحمد الباز، فهم لا يعرفون إلا ممارسة الأكاذيب على عقول الشعب المصري!!.

"الحديث يدور عن أكبر بعثة رسمية إسرائيلية تزور مصر منذ أكثر من 20 عاما بهدف رفع الحواجز وخلق تعاون اقتصادي لفتح الاقتصاد المصري بصورة كاملة أمام الاسرائيلي"، بحسب صحيفة "معاريف" 10 مارس/ آذار 2021.

"سيؤدي لقاء شرم الشيخ لاتفاقيات وتعاون اقتصادي وأمني بين البلدين، وسنصل في عام 2022 إلى حجم مبيعات لا يقل عن مليار دولار"، كما أكد "كوهين"، وأضاف: "هذه الزيارة التاريخية تم تحقيقها بفضل المحادثات التي أجريناها سرا بين الحكومتين الإسرائيلية والمصرية لمدة عامين".

وأعرب كوهين (كان وزير الاقتصاد السابق)، عن أمله في أن تؤدي هذه الاجتماعات إلى "مزيد من الاتفاقيات والتعاون في التجارة، وليس مجرد المخابرات".

"بعد نجاح زيارته للسودان، ها هو وزير الاستخبارات الإسرائيلية ذي الأصول المصرية، إيلي كوهين، يزور مصر على رأس وفد أمني/اقتصادي كبير، للترتيب لانطلاقة اقتصادية أمنية كبيرة بين البلدين"، بحسب معلقين إسرائيليين.

خبير اقتصادي، يعمل في شركة أحد المستثمرين المصريين الذين شاركوا في لقاء شرم الشيخ، كشف أن رجال الأعمال الإسرائيليين التقوا بعدد من رؤساء الشركات المصرية وبحثوا معهم دخول السوق المصري بكثافة.

الخبير، الذي رفض ذكر اسمه، أكد لـ"الاستقلال" أن اللقاءات الاقتصادية التي استمرت يومين في شرم الشيخ جمعت قرابة 60 من رجال الأعمال المصريين والإسرائليين.

اللقاء ضم 20 إسرائيليا على الأقل، أبرزهم "رامي ليفي"، مالك شركة "شيفوك هشيكما"، التي تقاطعها أوروبا، لتمويله بناء المستوطنات، وفق صحيفة "يسرائيل هيوم" 10 مارس/ آذار 2021.

تعاون استخباري

وفق صحف إسرائيل، أجرى كوهين اجتماعا مع كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات في مصر، والتقطت له صور ترحيب وهو يلامس بذراعه، ذراع اللواء ناصر فهمي نائب مدير المخابرات العامة المصرية.

"ناقشا حربهما المشتركة ضد الإرهاب الراديكالي، مع التركيز على تأمين منطقة سيناء والبحر الأحمر"، وفق جيروزاليم بوست 9 مارس/ آذار 2021.

بحثوا قضايا أمنية تركزت على التعاون الاستخباري بين القاهرة وتل أبيب خصوصا فيما يخص "الإرهاب" في سيناء وغيرها، بحسب المحلل السياسي لقناة "كان" الإسرائيلية 9 مارس/ شباط 2021.

"شمعون آران" كتب علي تويتر يؤكد: "بحث الجانبان، في لقاء فريد من نوعه، محاربة الإرهاب خاصة في سيناء وتأمين الملاحة في البحر الأحمر".

ونقل "أران" عن اللواء ناصر فهمي قوله: "مصر معنية بدفع التعاون مع إسرائيل في جميع المجالات وستعمل لتعزيز التعاون الاقتصادي والمجالات الأخرى مع إسرائيل".

اللواء فهمي كان ضمن "المجلس القومي لمكافحة الإرهاب" الذي شكله عبد الفتاح السيسي في يوليو/ تموز 2017، ما يعني أنه جرت تفاهمات بينه وبين كوهين حول تنسيق استخباري ضد التيارات الإسلامية عموما، و"تنظيم الدولة" في سيناء خاصة.

سياح إسرائيل

كان ملفتا أن يزور وزير الإستخبارات الإسرائيلية جدار أو سور شرم الشيخ الذي أنهت السلطات المصرية بناءه لحماية السياح، ومنع دخول أهالي سيناء سوى من 4 أبواب أمنية محصنة بعد تفتيش دقيق.

"شرح فهمي لكوهين النظام الأمني ​​المطبق في شرم الشيخ، والذي يتضمن سياجًا بطول 43 كيلومترًا تم الانتهاء منه في عام 2020"، بحسب صحيفة "يإسرائيل هيوم" 10 مارس/ آذار 2021.

صحيفة جيروزاليم بوست نقلت عن كوهين 9 مارس/ آذار 2021 قوله إن "مسؤولي المخابرات في البلدين يعملون على تأمين مدينة شرم الشيخ السياحية في سيناء للسماح بفتحها أمام السياح الإسرائيليين".

واعتبر أن "مصر تفعل كل شيء لجلب السياح الإسرائيليين كما فعلوا في الماضي"، مشيرا إلى أنه "يخطط لاستثناء شرم الشيخ من التحذير الأمني" الذي تصدره هيئة الأمن القومي الإسرائيلي لسياحها المتجهين لمصر.

كذلك أكد الصحفي ايدي كوهين في تغريدة أن "الوزير كوهين بحث مع المسؤولين المصريين السبل لحماية السياح الإسرائيليين في المستقبل".

الزيارة بدت كخطوة أخيرة ضمن اتفاق لزيادة أعداد السياح الإسرائيليين للمدينة ومنتجعات البحر الأحمر وسيناء تعويضا للسياحة الروسية والغربية المتراجعة لأسباب أمنية وكورونا.

ويهدف جدار شرم الشيخ إلى "تعويض الدخل السياحي المفقود" منذ إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ومقتل 224، وهرب السياح بحسب الغارديان 19 فبراير/ شباط 2019.

ففي أعقاب تأكيد مصر 22 فبراير/ شباط الماضي 2021، قرب عودة السياحة الروسية لمصر، نفت وكالة النقل الجوي الفيدرالية في موسكو ذلك ببيان رسمي.

تنسيق عسكري

في تغريدة علي حسابه عبر تويتر، أكد "كوهين"، أنه التقى خلال الزيارة "بقادة قوات الدفاع المصرية في شرم الشيخ"، ما يطرح تساؤلات حول هدف اللقاء؟.

تصريح وزير الإستخبارات الإسرائيلية يكشف ضمنا التعاون بين جيشي البلدين منذ انقلاب السيسي، ومشاركتهما في أعمال عسكرية مشتركة بسيناء ضد داعش في ظل استمرار هجمات التنظيم رغم الحملات المصرية المستمرة.

إذاعة "كان" الإسرائيلية كشفت أن إيلي كوهين، "بحث مع نائب المخابرات المصرية، ناصر فهمي، بشكل خاص التعاون في مجال محاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف، في سيناء وتأمين حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر".

وفي برنامج 60 دقيقة 60Minutes على قناة CBS 6 يناير/ كانون الثاني 2019، اعترف السيسي بسماحه لتل أبيب بقصف سيناء جوا وخرق السيادة المصرية.

خلال اللقاء قال السيسي "إن إسرائيل رجعت إلى سيناء مرة أخرى بكامل قوتها وإن الجيش الإسرائيلي موجود في سيناء لمحاربة الإرهاب"، زاعما أن الجيشين المصري والإسرائيلي يحاربان سويا 1000 إرهابي في سيناء، قائلا: "نعمل مع إسرائيل للقضاء عليهم، فعدونا واحد".

زيارة مرتقبة

منذ أواخر ديسمبر/ كانون أول 2020، يدور حديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أول زيارة رسمية من نوعها لنتنياهو لمصر منذ 10 سنوات، عندما التقى الرئيس الراحل حسني مبارك في يناير/كانون الأول 2011.

صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو نقلت عن "مصادر مصرية رفيعة" 10 ديسمبر/ تشرين أول 2020، أن السيسي وجه دعوة لنتنياهو وأنه يجري ترتيب الزيارة.

مصدر دبلوماسي مصري أكد لـ "الاستقلال" أن لقاء مسئولي مخابرات البلدين في شرم الشيخ، والذي حضره دبلوماسيون مصريون، تضمن ترتيبات لزيارة نتنياهو لمصر.

المصدر نفي تحديد موعد محدد لها، لكنه قال: "في الأيام المقبلة"، ولم يستبعد أن تُعقد في شرم الشيخ، في ظل الترتيب الأمنية الأخيرة بها وإنشاء جدار عازل يحيطها.

مصدر حكومي مصري مطلع أكد أيضا لـصحيفة "العربي الجديد" 10 مارس/ آذار 2021 أن اجتماع شرم الشيخ "بحث زيارة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى مصر قريباً".

وفي 3 فبراير/ شباط 2021 أفاد موقع "Walla" الإخباري العبري أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ينوي زيارة مصر قبل الانتخابات.

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قالت 10 ديسمبر/ تشرين أول 2020 أن الزيارة سيكون هدفها التنسيق من أجل دفاع تل أبيب عن مصر في مواجهة ضغوط إدارة بايدن الأميركية الجديدة، والتهديد الإيراني.

مسؤول بوزارة الخارجية المصرية قال لصحيفة "يسرائيل هيوم" إنه في حال تمت الزيارة، سيرحب السيسي شخصيا بنتنياهو في المطار في استقبال رسمي، مع وضع العلمين الإسرائيلي والمصري جبنا إلى جنب.

في يوليو/ تموز 2016، أوفد السيسي وزير خارجيته سامح شكري إلى القدس للقاء نتنياهو، حيث اجتمع الاثنان لمدة طويلة وشاهدا سويا نهائي كأس الأمم الأوروبية.

أما اللقاء المعلن الوحيد بين السيسي ونتنياهو كان في نيويورك عام 2017 خلال مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث زار نتنياهو السيسي في مقر إقامته وكان علم مصر فقط وراءهما.

وفي أغسطس/آب 2018 نشرت الصحف الإسرائيلية أن نتنياهو سافر سراً إلى مصر في مايو/ آيار 2018 والتقى السيسي وتشاركا في مأدبة إفطار رمضانية بحضور مستشارين من الجانبين.

وخلال احتفال السفارة المصرية في تل أبيب بذكرى ثورة 23 يوليو/ تموز 1952،  وصف نتنياهو السيسي بـ"الصديق العزيز" وقال: "في لقاءاتي معه فوجئت بحكمته وذكائه وشجاعته".

وكانت آخر زيارة معلنة لوزير مصري لإسرائيل، لطارق الملا وزير البترول في 21 فبراير/ شباط 2021، لتوقيع اتفاقيات استيراد الغاز الصهيوني لمصر.

من الواضح أن "اتفاقات إبراهيم" الموقعة العام الماضي بين تل أبيب و4 دول عربية (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان) دفعت السيسي لنقل السلام المصري الإسرائيلي "البارد" إلى مرحلة أكثر دفئا.

ويبدو أن السيسي كان ينتظر "الاتفاقيات الإبراهيمية" التطبيعية كي ينطلق في موجة تطبيع جديدة مع الاحتلال مستفيدا من تكالب الأنظمة العربية على التطبيع. 

الموجة الجديدة للتطبيع، بحسب تصريحات "كوهين" و"فهمي" لن تقتصر علي التعاون الاقتصادي والتجاري، وإنما أيضا الاستخباري، والعسكري، لذا يسعي السيسي لتغيير مناهج التعليم، وفرض التطبيع بغسيل مخ الطلاب للقبول بإسرائيل.

وضمن هذا يجري التفكير في إدخال تدريس "اليهودية" للطلاب ضمن منهج جديد يسمى "القيم المشتركة" بحسب "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية 9 مارس/ آذار 2021.