معركة صادرات الفوسفات لأميركا.. ما الذي يقلق المغرب من "اجتماع مارس"؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في يوليو/تموز 2020، أوقف المكتب الشريف للفوسفات (OCP) عملاق الأسمدة الفوسفاتية بالمغرب صادراته إلى سوق أميركا الشمالية ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى إثر اتهامه من قبل شركة "موزاييك" الأميركية بـ"المنافسة غير العادلة".

وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية قالت إنها "تعويضية" على صادرات الأسمدة الفوسفاتية المغربية، بعد شكاية وجهتها "موزاييك"، إلى وزارة التجارة الأميركية، داعية إلى فتح تحقيق حول ما تعتبره "ممارسات تجارية تعرضها للضرر".

وتعد هذه المواجهة الأولى في تاريخ المؤسسة المغربية، الممتد لقرن من الزمان حدثا نادرا في صناعة الفوسفات، كاشفة عن حدة المنافسة في سوق الأسمدة بين أكبر 5 منتجين عالميين: "المكتب الشريف" وشركة "موزاييك"، و"فوس أرجو" الروسية واثنان من اللاعبين الصينيين (GPCG وYTH).

مُصدر رئيس

يحتفل المكتب الشريف للفوسفات (OCP) هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيسه،  وهو شركة حكومية معنية بالاستثمار في الفوسفات والأسمدة بالمملكة المغربية.

نهاية يونيو/حزيران 2020، أعلنت مجموعة "موزاييك الأميركية"، إحدى منافسيه الرئيسين في سوق الأسمدة العالمي، أنها قدمت طلبا مزدوجا إلى وزارة التجارة ولجنة التجارة الدولية الأميركيتين، للمطالبة بفتح تحقيق في واردات المغرب من الأسمدة الفوسفاتية إلى البلاد بتهمة المنافسة غير العادلة.

وقالت المجموعة في بيان: "لقد اتخذت موزاييك هذا الإجراء لأن الكميات الكبيرة من الواردات المدعومة من المغرب وروسيا تتسبب في أضرار كبيرة لعملياتنا". 

ورغم الحجج التي قدمتها المغرب ضد طلب فرض الضريبة، كانت نتيجة التحقيق الأولي غير مرضية للمكتب الشريف للفوسفات، حيث أصدرت لجنة التجارة الأميركية قرارا برفع الضريبة على الأسمدة المغربية.

الضريبة التي كانت أقل من 1 بالمئة، ارتفعت إلى 23.46 بالمئة، فيما يصعب التنبؤ بنتيجة التحقيق المتوقع في 25 مارس/ آذار 2021، حيث يرى المراقبون أن هناك خطرا حقيقيا من تأكيد فرض الرسوم الجمركية على صادرات الفوسفات المغربي.

وبمجرد بدء التحقيقات، علّقت المؤسسة المغربية شحنات منتجاتها إلى الولايات المتحدة، إثر زعم الشركة الأميركية أن المغرب يوفر للمكتب الشريف للفوسفات، دعما يتيح له تنافسية أكبر عبر الأسعار.

ولوّح مكتب OCP بأميركا الشمالية بإرسال عريضة إلى الكونغرس، وذهب إلى أنه قد ينسحب بشكل نهائي من أميركا في حال فرض الضريبة باعتبار أن اتفاقية تبادل حر تجمع بين البلدين.

وفي عام 2016، تم إطلاق OCP Africa، وأيضا إنشاء فرع في الولايات المتحدة، وركزت هذه الوحدة في الأصل على تحليل السوق والشراكات، ونمت بمرور الوقت، حيث دمجت أنشطة التوزيع والتسويق، وارتفعت حصة أميركا الشمالية من مبيعات OCP من 12 بالمئة في 2016 إلى 16 بالمئة في 2018.

وفي العام التالي، شكلت المنطقة 21 بالمئة من صادرات المجموعة، خلف أميركا الجنوبية التي تصدرت بـ 30 بالمئة، لكن الأرقام الإجمالية للصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة أكثر دلالة: 1.3 مليون طن في 2017، 1.8 مليون في 2018 وأكثر من 2 مليون في 2019، أو حوالي 1.9 مليار دولار على مدى 3 سنوات.

وفي تموز/يوليو 2020، قالت وكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني: "كان المغرب المُصدِّر الرئيس للأسمدة الفوسفاتية إلى الولايات المتحدة في 2019، بنسبة 60 بالمئة من الواردات، تليها روسيا بنسبة 25 بالمئة".

 

مناورات "موزاييك"

وفق خبراء، فإن شكوى "موزاييك" تستهدف المغرب وشركتين روسيتين أيضا طالبت في حقهما بضريبة تزيد عن 70 بالمئة، حيث ترغب واشنطن في الاتجاه إلى المملكة العربية السعودية وأستراليا والمكسيك لاستيراد الفوسفات.

مناورات "موزاييك" نجحت في رفع سعر الفوسفات عالميا في الربع الثالث من عام 2020، أي بعد إطلاق التحقيقات، وكان سعر المنتج الأميركي أعلى بمقدار 20 دولارا و40 دولارا على التوالي، من الهند والبرازيل، بعد أن كانت تبيع قبل عام بأقل منهم بـ20 دولارا.

ورغم ذلك ما زال الوضع المالي للشركة الأميركية هشا، حيث انخفض التدفق النقدي من الأنشطة التشغيلية إلى النصف تقريبا في 4 سنوات، حتى عادلت عائدات 2019 عام 2015.

في المقابل استطاعت المجموعة المغربية تعويض خسائر توقف الصادرات إلى الولايات المتحدة، بزيادة تلك الصادرات إلى دول أخرى، بما في ذلك البرازيل والهند.

وتعد البرازيل قاعدة رئيسة لشركة "موزاييك" التي استثمرت في الإنتاج والبنية التحتية للموانئ، وحتى بعد إخراج OCP من منطقتها الأميركية، سيظل على الشركة أن تواجه المجمع المغربي في مكان آخر.

وأجمع محللون استندت إليهم مجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية، في ملف نشرته، على أن "إغلاق السوق الأميركية ليس بالأمر الجيد أبدا، لكن OCP، التي تعد من بين المنتجين الأكثر تنافسية في العالم، لديها العديد من الخيارات الأخرى.

ويتوفر عملاق الفوسفات المغربي، على البصمة الدولية والمكانة باعتباره أكبر منتج للفوسفات في العالم، كما أن تكاليف إنتاجه منخفضة، وكلها تجعل وكالة "فيتش"، تقول إن فرض الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة، إذا تم تأكيده، سيكون له تأثير محدود على أداء المجموعة ولن يكون له تأثير على تصنيفها. 

ويمتلك المغرب أكبر مخزون من الفوسفات في العالم، ويعتبر ثاني منتج لمادة الفوسفات، وأول مصدر لها على الصعيد العالمي، ويقدر إنتاجه السنوي بنحو 30 مليون طن، يوجه معظمه نحو التصدير، وتمتلك المملكة 85 بالمائة من الاحتياطي العالمي للفوسفات.

وبلغت قيمة صادرات المغرب إلى العالم من الأسمدة في 2019، نحو 3 مليارات دولار، حسب بيانات مكتب الصرف الذي أوضح أن المبيعات إلى الاتحاد الأوروبي استقرت في حدود 430 مليون دولار.

بينما وصلت قيمتها باتجاه البرازيل إلى 660 مليون دولار من 530 مليون دولار، وتراجعت للولايات المتحدة من 800 مليون دولار إلى 570 مليونا.

اعتبارات سياسية

وصفت مجلة "جون أفريك"، المعركة بالاقتصادية التي تشوبها اعتبارات سياسية، ومن المقرر أن تضع أوزارها في آذار/ مارس 2021.

تقارير صحفية تساءلت عن تأثير هذه المعركة على التقارب الدبلوماسي الأخير بين الولايات المتحدة والمغرب، فيما أشار متخصصون إلى أن هذا النوع من التحقيقات إداري بحت.

علاقة شركة "موزاييك" بـ"براين بالارد"، أحد كبار ممولي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد تكون لعبت دورا كبيرا في تحريك هذه التحقيقات، لكن تولي إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، قد توحي بمتغيرات جديدة في المعادلة الأميركية الصعبة للمكتب الشريف للفوسفات.

وتأمل المجموعة الأميركية، التي تشغل 13 ألف شخص، وتتركز عملياتها بشكل أساسي في الولايات المتحدة (فلوريدا ولويزيانا) وكندا والبرازيل، في الحصول على تعويضات، وهي ضريبة على الواردات المعنية، دون التبليغ عن أي تفاصيل عن حجم الضرر.

لكن في الوقت نفسه أكدت تقارير أجنبية، أن إدارة بايدن تنتصر للشركات الأميركية، وأنها تفكر في فرض ضرائب على واردات الأسمدة المغربية، لكن العملاق الإفريقي ما زال يراهن على بعض الأوراق.

المجمع المغربي الذي يرأسه مصطفى التراب، استمر في رفض التهم الموجهة إليه، مشددا رفضه لتفعيل الضريبة إلا إذا أكدت المفوضية الأميركية للتجارة الدولية وجود ضرر على الصناعة الأميركية، في حين أكد منافسه أنه إذا تم تأكيد الضريبة في 25 مارس/آذار 2021، فسوف تطبق لمدة 5 سنوات على الأقل.

وقالت إدارة OCP، التي حققت 4.9 مليارات يورو في حجم المبيعات في 2019، والتي توظف 21 ألف موظف: "نعمل في امتثال كامل للقوانين واللوائح المتعلقة بمبيعات منتجاتنا في السوق الأميركية".

أسعار الأسمدة

يأتي اندلاع هذه المواجهة على خلفية انخفاض أسعار الأسمدة، مما يزيد حدة المنافسة بين مختلف اللاعبين والسباق لخفض التكاليف، ووفق محللين فإن أسعار الفوسفات سجلت في 2019 أدنى مستوى لها منذ 10 سنوات.

وفي استجابة لظروف السوق غير المواتية، تبنت "موزاييك" والمكتب الشريف للفوسفات إستراتيجيتين مختلفتين، إذ خفضت الأولى إنتاجها عام 2019، وأعلنت أوائل عام 2020، إغلاق منجم البوتاس الذي تديره في كندا، ومع ذلك لم تكن هذه الجهود كافية لتحسين أدائها المالي.

في المقابل، استمرت الثانية في الاستثمار وتطوير أنشطتها لزيادة إنتاجها، نتيجة لذلك، وفي عام 2019، حققت OCP معدل دوران انخفض بشكل واضح بنسبة 3.2 بالمئة خلال عام واحد مع الحفاظ على هامش صافي يبلغ حوالي 30 بالمئة، أي الربحية "فوق متوسط ​​القطاع" و"نتائج تشغيلية قوية".

لكن مع ذلك، فإن هذا لم يمنع "فيتش" من خفض التصنيف الائتماني لـ OCP طويل الأجل في مايو/أيار 2020، (من BBB- مع نظرة مستقبلية مستقرة إلى BB + مع نظرة مستقبلية سلبية) بسبب الأداء دون التوقعات، بمستوى استثمار أعلى من المتوقع، ووضعها المالي المنخفض مقارنة باللاعبين الآخرين في القطاع.

أما فيما يتعلق بمسألة التنافسية، فأشارت "موزاييك" في تقاريرها الثلاثة الأخيرة عن الأنشطة، إلى وجود صعوبة في البلدان التي يعمل فيها منافسوها، الصين والهند ودول الاتحاد السوفيتي السابق أو المغرب.

وينتظر الطرفان الآن صدور تقرير واشنطن، وما إذا كان هناك سبب لاتخاذ إجراءات تعويضية في نهاية التحقيق الأولي، بحيث تقرر السلطتان تطبيق رسوم جمركية للتعويض عن فرق السعر بين السلع المستوردة وتلك المنتجة محليا.