انتشار مليشيا الصدر في بغداد.. ما علاقته بقرب الانتخابات العراقية؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب الانتخابات التشريعية العراقية، تتصاعد الاتهامات بين القوى الشيعية النافذة في البلاد، بصورة تعكس طبيعة الصراعات المبكرة على رئاسة الحكومة المقبلة، حيث أكدت بعض الأطراف أنها ستطعن بنزاهة الانتخابات إذا لم تكن منسجمة مع طموحاتها.

وقررت الحكومة العراقية تأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية إلى 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، على خلفية أسباب فنية اقترحت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (رسمية) استكمالها، وذلك بعدما كان موعدها السابق في 6 يونيو/ حزيران من العام نفسه.

مخطط مزعوم

في خطوة مفاجئة، انتشرت في 8 فبراير/ شباط 2021، مليشيا "سرايا السلام" التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بالعاصمة بغداد، وكربلاء والنجف، بعد تحذيرات أطلقها صالح محمد العراقي، المعروف إعلاميا بـ"وزير الصدر" من مخطط "داعشي- بعثي"، نسبة إلى تنظيم الدولة وحزب البعث.

وكتب "وزير الصدر" على حسابه في "تويتر" قائلا: "اللهم بردا وسلاما وأمنا على العراق وشعبه. وصلتنا معلومات شبه مؤكدة بأن هناك اتفاقا بعثيا داعشيا وبعض المندسين معهم للهجوم على بعض المقدسات في النجف وكربلاء والعاصمة بغداد".

وأضاف أن "الاستهداف لا يخص المراقد الشيعية إن جاز التعبير لنشر الفتنة والفوضى، لذلك نسترعي انتباهكم"، لكن الجهات الرسمية العراقية لم تصدر بيانا بخصوص المعلومات التي حذر منها التيار الصدري، حتى يوم 10 فبراير/ شباط 2021.

أما زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، فقد خرج بمؤتمر صحفي في 10 فبراير/ شباط 2021، وأشاد باستجابة "سرايا السلام" للانتشار و"تنظيمهم العالي"، وأنه "لا يقلل من هيبة الدولة"، مشيرا إلى أن "القوات الأمنية في حالة انهيار وضعف".

ما تحدث عنه التيار الصدري، أثار استغراب وتساؤلات الكثيرين حول حقيقة المخطط "الداعشي البعثي"، ولا سيما في ظل صمت الحكومة، والتي من المفترض أن تكون أجهزتها الأمنية على علم وتحرك مسبق على كل ما من شأنه أن يستهدف أمن البلد.

وتعليقا على ذلك، رأى المحلل السياسي، غالب الشابندر، خلال تصريحات صحفية في 9 نوفمبر/ شباط 2021 أن "ما حصل حسب المعلومات المسربة هو صراع داخلي بين التيار الصدري وقوى موالية لإيران في الحشد الشعبي، وذلك بسبب مماحكات بين القوتين، ما دفع الأول للمبادرة في إثبات الوجود وإيصال رسالة للآخرين بمدى قوتهم".

الشابندر أكد أن "ما حصل يعد تجاوزا على هيبة الدولة وخرقا للأمن، وفشلا لحكومة مصطفى الكاظمي في فرض سلطة القانون"، لافتا إلى أن "الجيش العراقي هو من يجب أن يتسلم كل زمام الأمور، وأن يأخذ مواقع وأدوار جميع القوى المسلحة، سواء كانت الحشد الشعبي أو أيا من الفصائل الأخرى".

من جهته، قال الباحث السياسي يحيى الكبيسي، خلال تصريحات صحفية في 9 فبراير/ شباط، إنه "لا يمكن وصف تحركات سرايا السلام إلا على أنها محاولة لمصادرة الدولة، وإرسال رسائل تهديد وابتزاز إلى جميع الأطراف الشيعية بالدرجة الأساس".

وأشار الكبيسي إلى أنه "قد ثبت للجميع أن سرايا السلام تمثل سلاحا موازيا، ودولة موازية، على مستوى القرار والحركة، وهذا يطيح بكل مقولات مقتدى الصدر عن الدولة والمليشيات، والتي كان يستخدمها لوصف الآخرين".

صراع "البطة"

لكن الانتشار العسكري لـ"سرايا السلام"، سبقته مماحكات وتبادل اتهامات بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي بعد حديث الأخير عن سيارة تسمى "البطة" (صالون نوع تويوتا)، كانت تستخدم في الاغتيالات إبان سنوات الحرب الطائفية (2006 - 2008).

بداية الحديث عن "البطة" عاد إلى الواجهة على إثر تصريحات للنائب السني السابق مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 30 يناير/ كانون الثاني 2021، ردا على رغبة تيار الصدر في تسلم رئاسة الوزراء بعد الانتخابات المقبلة، قال فيها إن السُّنة لا يرغبون في أن يكون "سائق البطة" رئيسا للوزراء، في إشارة إلى ضلوعهم بالاقتتال الطائفي.

من جهته، أكد المالكي خلال مقابلة تلفزيونية في 4 فبراير/ شباط 2021، عزمه تولي منصب رئاسة الوزراء فيما لو جرى تكليفه، وتعهد بملاحقة "البطة"، التي كانت تستهدف العراقيين على الأساس الطائفي، مذكرا بملاحقته لكل من كان يقوم بهذه العمليات.

لكن "وزير الصدر" نشر في اليوم نفسه تغريدة ردّ فيها على المالكي، قائلا: "البطة هي الحل الوحيد للفاسدين، ولمن باعوا ثلث العراق لـ(تنظيم الدولة)"، في إشارة إلى اتهامات وُجِّهت للمالكي بالتسبب في سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد التنظيم حين كان رئيسا للحكومة عام 2014.

أما القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، فقد قال خلال تصريحات صحفية في 5 فبراير/ شباط 2021، إن "بعض السياسيين خسروا وجودهم الشعبي والجماهيري، وأصبحوا يعيدون التصريحات المتشنجة والإساءة إلى التاريخ الجهادي لأبناء التيار الصدري"، عادا هذه التصريحات بأنها "لا تجدي".

الزاملي أضاف أن "كل واحد يعرف حجمه الانتخابي، ومع الانتخابات تبدأ التصريحات المتشنجة"، مبينا أن "عداءهم للتيار الصدري يجعلهم يحاولون بهكذا تصريحات التأثير على الانتخابات المقبلة".

وأوضح القيادي بالتيار الصدري أنه "لولا المجاهدين والبطة منذ عام 2005 لاحتل تنظيم القاعدة بغداد، في ظل وجود الضعف بوزارتي الدفاع والداخلية"، مشيرا إلى أن "مقاتلي التيار الصدري قاتلوا ودافعوا عن العراق التنظيمات الإرهابية المتطرفة".

مرحلة خطيرة

لم يكن تحالف "الفتح" القريب من إيران، بزعامة هادي العامري، بعيدا عن الصراعات الشيعية، حول منصب رئيس الحكومة المقبلة، إذ صرح النائب العراقي، والمتحدث باسم التحالف نعيم العبودي، أن تحالفه سيرشح الأخير لرئاسة الوزراء خلال الدورة المقبلة "إذا رغب العامري بذلك".

وقال العبودي خلال تصريح تلفزيوني في 7 فبراير/ شباط 2021 إن "تحالف الفتح (القريب من إيران) سيحصل على 50 - 60 مقعدا في الانتخابات المقبلة، كما سيحصل على 5 مقاعد في الناصرية". وأضاف: "إننا نطمح لرئاسة الوزراء، ومن حق الجميع أن يطمح لذلك".

وعلى ذلك التنافس المحموم بين القوى الشيعية، أفادت تقارير صحفية في 10 فبراير/ شباط 2021، بخطورة المرحلة المقبلة على العراق، لأن "جميع الأطراف الشيعية المسلحة هي اليوم في أوج قوتها وسطوتها، وأن أي احتكاك بينهم على رئاسة الحكومة قد يدخل البلد في دوامة عنف خطيرة".

تلك المخاوف التي أثيرت حول مستقبل العراق بعد الانتخابات المقبلة، يؤيدها مراقبون، إذ يشير البعض إلى غياب ما يوحد الصف الشيعي ويضبط إيقاعهم وتوصلهم لاتفاق حول اختيار رئيس الحكومة، بعد غياب قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني الذي كان يلعب هذا الدور.

وأفاد المراقبون بأن الانتخابات المقبلة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، هي الأولى من نوعها التي تجري في ظل غياب سليماني الذي اغتيل بغارة نفذتها طائرة أميركية مسيرة قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

ومما يفسر خطورة الأوضاع في العراق أيضا، تصريحات للقيادي الصدري، حاكم الزاملي، خلال مقابلة تلفزيونية في 9 فبراير/ شباط 2021، قال فيها إن "ذهاب كرسي رئاسة الوزراء إلى جهة أخرى غير التيار الصدري، فهذا يعني أن الانتخابات مزورة".

وأضاف أن "قاعدة التيار الصدري ملتزمة ومطيعة، وإن التيار سبق أن قبل بحزب الدعوة (بقيادة نوري المالكي) وغيره لشغل منصب رئاسة الوزراء، وأن هذا المنصب (هذه المرة) هو استحقاق للتيار" متسائلا: "هل هو حكر على تلك الأحزاب وشخصياتها؟".  

وتوقع حصول التيار الصدري على 100 مقعد في البرلمان خلال الانتخابات المقبلة، فيما استبعد حدوث صدامات مسلحة بين الفصائل المسلحة الشيعية بسبب الصراع على منصب رئيس الحكومة.