معارك "خصوصية المستخدمين".. ما الذي تخفيه آبل ومواقع التواصل؟

12

طباعة

مشاركة

في عام 2019 عرضت شركة "آبل" مكافأة قدرها مليون دولار مقابل اختراق هاتف "آيفون" في اختبار جريء لأنظمة الأمان الخاصة بها.

وقال رئيس الأمن في الشركة إيفان كرستيتش: "سيكون لدى قراصنة الإنترنت فرصة رائعة للفوز بأعلى مكافأة تقدمها أي شركة تقنية كبرى"، دون أنباء لاحقة عن تمكن أحد من فعل ذلك.

فيما وصف الرئيس التنفيذي لشركة "آبل" تيم كوك، الخصوصية، بأنها جزء من حقوق الإنسان، وسط مخاوف أمنية متزايدة في العالم. وقال إن "الشركة جادة في عدم جمع المعلومات الشخصية والحفاظ على عملائها العالميين، البالغ عددهم  ملياري مستخدم في مأمن من القراصنة".

في هذا الوقت، قررت الشركة تبني قضية ضمان الخصوصية لمستخدميها، وأرغمت مطوّري التطبيقات على إظهار شفافية في جمع أو استخدام البيانات الشخصية للمستخدمين.

ومن خلال آخر تحديث لنظام تشغيلها "آي أو أس"، تطلب أجهزة آبل إذن المستخدمين لتتبع أثرهم عبر الشبكة، وهي خاصية أساسية للاستهداف الإعلاني. 

فور إعلانها عن التحديث الجديد، علّقت شركة "فيسبوك"، وهي الأكثر اختراقا للخصوصية في السوق من بوابة الإعلانات، على لسان الناطق باسمها لوكالة "فرانس برس": نظن أن آبل تتصرف بطريقة مانعة للمنافسة، عبر استخدام سيطرتها على متجر التطبيقات آب ستور، لزيادة أرباحها على حساب صغار المطورين والشركات.

وذهب عملاق التواصل الاجتماعي، إلى حد إطلاق ملاحقات قضائية لـ"آبل"، بسبب ما يراه ممارسات مانعة للمنافسة، متهما إياها بـ"استغلال سلطتها في سوق الهواتف الذكية لإرغام مطوري التطبيقات على اتباع قواعد متجرها الإلكتروني للتطبيقات آب ستور، من دون أن تسري على تطبيقات آبل".

انحياز للخصوصية

قدمت آبل لسنوات أداة تسمى المُعرّف للمعلنين أو (IDFA)، سمحت لفيسبوك والآخرين بالمشاركة في مثل هذا التتبع للمستخدمين عبر التطبيقات.

ولكن في يونيو/حزيران 2020، قالت آبل إن مثل هذا النشاط سيتطلب إشعارا منبثقا يفيد بأن التطبيق "يرغب في الحصول على إذن لتتبعك عبر التطبيقات والمواقع المملوكة لشركات أخرى"، ويتوقع خبراء الإعلان الرقمي أن معظم المستخدمين سيرفضون منح هذا الإذن.

فيما رأى آخرون، أنه لا خيار أمام التطبيقات سوى الالتزام بقوانين آبل الجديدة، البالغ عدد مستخدميها أزيد من ملياري مستخدم.

 وفيما تتهم "فيسبوك" شركة "آبل" باستغلال هيمنتها في السوق، اتهم رئيس الأخيرة، تيم كوك، في تصريحات نقلتها "فرنس بريس"، بعدم احترام سرية البيانات، منددا بـ"نظريات المؤامرة التي تؤججها الخوارزميات".

وقال كوك "لا يمكننا التغاضي عن النظرية التي تفيد بأن كل التفاعلات الإلكترونية جيدة ويجب أن تستمر لأطول وقت"، مضيفا أنه "إذا ما بنت شركة أسسها على قدرتها في غش المستخدمين واستغلال البيانات وعلى خيارات لا تمنح حقيقة أي خيار، فهي لا تستحق منا الثناء بل الازدراء".

ترى الشركة أن التطبيقات تأخذ معلومات عنك أكثر مما تحتاجه لإنجاز مهامها، وستلاحظ هذا عند قراءة معلومات الخصوصية للتطبيقات التي تقوم بالمهمة نفسها.

إذ يمكنك أن ترى -على سبيل المثال- أن تطبيق مؤتمرات الفيديو "زووم"، يقول إنه يأخذ 6 أنواع من البيانات المرتبطة بهويتك، في حين يقول تطبيق "سيسكو ويبكس" المنافس إنه لا يجمع أي بيانات تتجاوز ما هو مطلوب لتشغيل التطبيق.

بالنسبة لمعظم الأشخاص، يحتوي هذا القسم على أكثر ما يدعو للقلق، فهو يعني أن أحد التطبيقات يجمع معلومات مثل عنوان بريدك الإلكتروني الذي يستخدمه لأغراض التعرف على هويتك، بحيث يمكن للشركات أن تربط بين ما تفعله في التطبيقات والمواقع الإلكترونية المختلفة، وحتى ما تشتريه في المتاجر الفعلية.

ووفقا لتعريف آبل، يشمل "التتبع" استهداف المستخدم بالإعلانات، أو قياس فعاليتها من خلاله، أو المساهمة في وسيط البيانات الذي ربما يحتفظ بملف عنك.

على أكثر من جبهة

ليست "فيسبوك" وحدها في مواجهة مع "آبل"، إذ تأخذ شركات عدة على هذه الأخيرة منذ سنوات استيفاءها عمولة كبيرة تصل إلى 30 في المائة على العمليات المالية التي يجريها مستخدموها عبر متجر التطبيقات "آب ستور".

وتتهم السلطات الأميركية أكثرية المجموعات العملاقة في مجال التكنولوجيا باستغلال موقعها المهيمن في قطاعات عدة، وثمة ملاحقات قضائية دائرة حاليا في حق "غوغل" و"فيسبوك".

تكثف آبل جهودها لاستبدال بحث غوغل على أجهزتها، وبالطبع لن يكون المحرك الخاص بآبل مثل محركات البحث التقليدية، بل سيتم تضمينه في كافة منتجات الشركة وسوف يكون بمثابة مركز بحث مخصص.

في أحدث إصدار من نظام تشغيل آيفون "آي أو إس 14"، بدأت شركة آبل في عرض نتائج من محرك البحث الخاص بها، ما يعد تقدما مهما في التطوير الداخلي للشركة، ودخول حلبة المنافسة الشرسة مع غوغل.

كان غوغل محرك البحث الافتراضي لآيفون لأكثر من عقد من الزمان، وأفادت تقارير أن غوغل تدفع لشركة آبل ما بين 8 مليارات و12 مليار دولار سنويا مقابل صفقة محرك البحث المعرضة للحظر من قبل وزارة العدل الأميركية.

ففي 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أقامت وزارة العدل الأميركية دعوى ضد غوغل المملوكة لـ"ألفابت" (شركة أميركية تأسست في أغسطس/آب 2015 وتقع في كاليفورنيا، وتعد الشركة القابضة لغوغل ومجموعة من الشركات الأخرى)"، معتبرة أن الشركة البالغ قيمتها تريليون دولار تستخدم قوتها السوقية لردع المنافسين.

دعوى وزارة العدل لمكافحة الاحتكار طال انتظارها ضد غوغل، بسبب هيمنتها على البحث، زاعمة أن غوغل "حافظت بشكل غير قانوني على الاحتكارات من خلال ممارسات مانعة للمنافسة وإقصائية في أسواق إعلانات البحث، والبحث".

تشكل الدعوى التي شاركت فيها 11 ولاية، أكبر قضية لمكافحة الاحتكار في 3 عقود، إذ لا تضاهيها إلا الدعوى القضائية التي أقيمت ضد شركة مايكروسوفت في 1998 وقضية في عام 1974 ضد "إي.تي.آند.تي".

يأتي هذا في وقت تستحوذ فيه الشركة على ما لا يقل عن 75 بالمئة من سوق الإعلانات عبر الإنترنت. وتقول فايننشال تايمز: إن دعوى مكافحة الاحتكار تلك دفعت شركة آبل إلى بدء العمل على محرك البحث الخاص بها بشكل أكثر إلحاحا.

"تسجيل النقاط"

طرح المراقبون تساؤلات حول إن كانت شركة "أبل" بالخيارات الجديدة التي طرحتها للمستخدم تسعى لضمان خصوصيته بالفعل، أم أنها مجرد خطة ترويجية لزيادة عدد المستخدمين. 

خبير الإعلام الجديد، هيثم سعد، قال إنه "لا يمكن الجزم بأن آبل يهمها خصوصية المستخدمين بالفعل"، موضحا أنها إستراتيجية تسويقية الغرض منها تسجيل النقاط على حساب "فيسبوك" و"واتس آب" من ناحية، ومن ناحية أخرى توسيع قاعدة العملاء الجدد، عبر التلويح بأن آبل أشد حرصا على خصوصية المستخدمين.

وعن ما إذا كان لتحديثاتها الأخيرة، علاقة بمحرك البحث الذي تنوي إطلاقه، وتفيد أنه أيضا يضمن خصوصية عكس غوغل، قال سعد لصحيفة "الاستقلال"، إن "كل شيء تفعله آبل متصل، هذه قاعدة، حتى وإن بدا في ظاهر الأمر عدم ارتباط الأمور ببعضها".

وزاد خبير الإعلام الجديد: فكرة إطلاق محرك بحث آمن لا يتعقب بيانات المستخدمين موجودة ومتوفرة، بل إن الأمر يتعدى محركات البحث، لمرحلة المتصفحات من الأساس. مثال على ذلك "متصفح TOR" فهو مفتوح المصدر 100 بالمئة.

دخول آبل في صراع مع أكثر من جهة، استشف منه البعض رغبتها في اكتساح السوق، وهو ما أكده المتحدث، قائلا: طبعا هدفها هو ضمان نسبة مبيعات أكثر وهو ما يساوي أرباح أكثر.

أما عن دخولها في صراعات، استطرد الخبير، "توقعي أنها لا تفعل ذلك إلا إذا كان لديها الحد الأدنى من التوقعات بالفوز".

وتحدث خبير الإعلام الجديد، عن الخيارات أمام فيسبوك، إذا علمنا أنها لا يمكن أن تسحب تطبيقاتها من أجهزة آبل بسبب عدد المستخدمين الكبير، قائلا إن عملاق التواصل الاجتماعي بدأ بالفعل بشن هجمة مضادة.

ورجّح سعد أن تحصل تفاهمات بين آبل وفيسبوك، مضيفا أن، معركة "واتس آب" الأخيرة أثبتت أنه يمكن إيذاء المدير التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ ومنصاته، بعد الهجرة الجماعية الكبيرة لتطبيقات مثل تليجرام وسيجنال وغيرهم، بعد محاولة واتس آب تعديل اتفاقية خصوصية المستخدمين.

وهذا الأمر دفع واتس آب إلى التراجع خطوة للخلف، وتأخير العمل بالاتفاقية الجديدة لشهر مايو/أيار 2021، بدلا من تطبيقها في فبراير/شباط من ذات العام.