أميركا وأوروبا وتنظيم الدولة.. هكذا حولوا "العمال الكردستاني" لفاعل دولي

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ اليوم الأول لتنصيب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، برزت مقولة: "بدأت فترة باراك أوباما الثالثة"، إذ كان ساكن البيت الأبيض الحالي نائبا له.

"هذه الجملة تعبر بشكل جيد عن محتواها، خاصة أن تركيا ترتبط ارتباطا مباشرا ببعض التعيينات (في الإدارة الجديدة)"، وفق ما تقول صحيفة "يني شفق" التركية.

وشرح الكاتب في الصحيفة حسن أوزتورك ذلك بالقول: "من الملاحظ أن أميركا لم تغير خطتها الإستراتيجية طويلة المدى بشأن منطقتنا (الشرق الأوسط) على الرغم من مضي أربع سنوات على عهد أوباما، والتي مرت خلالها المنطقة وتركيا بتغييرات مهمة للغاية".

مفتاح الربط

ويرى أوزتورك أن أميركا لا تريد دولا متحدة قوية في منطقتنا، فهذا مشروع يهدف إلى تفكيك سوريا والعراق وإيران وتركيا وتأسيس دويلات صغيرة وضعيفة بدلا منها وتدويل حزب العمال الكردستاني.

وأضاف: "واشنطن التي رفعت رايتها مرة أخرى في المناطق التي يحتلها حزب الاتحاد الديمقراطي، وفرعه العسكري وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، نشرت رسالة تبارك فيها التنظيم الإرهابي بمناسبة الذكرى السنوية لـ "تحرير كوباني (معروفة باسم عين العرب وتقع على الحدود السورية مع تركيا) من تنظيم الدولة".

وفي إشارة إلى أكبر الفاعلين في هذا تابع الكاتب: لقد تم تعيين رجل أوباما، (بريت) ماكغورك، مرة أخرى في منطقتنا.  وعين الرئيس جو بايدن ماكغورك، منسقا للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقال الكاتب: "إن ماكغورك هو الشخص الذي درّب حزب العمال الكردستاني و(فرعه السوري) حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وأسس قوات سوريا الديمقراطية، وأعد الأرضية لإضفاء الشرعية على التنظيمات الإرهابية بقوله إنها تحارب تنظيم الدولة.

ورأى تنظيم الدولة ساهم في ضمان شرعية تلك الأحزاب الكردية المسلحة لدى أميركا، "فلكي تكتسب هذه الأحزاب الشرعية، هناك حاجة إلى هيكل آخر لمحاربته".

ويضيف: لقد كاد تنظيم الدولة الذي ظهر لأول مرة في العراق ثم انتشر بسرعة في المنطقة، أن ينتهي خلال عهد دونالد ترامب، وكانت عملية درع الفرات التي أطلقتها تركيا في صيف 2016 فعالة للغاية بهذا الشأن.

 وبينما كان التنظيم يعرف كـ"أكثر المنظمات دموية على الإطلاق"، كان يطلق عليه أيضا مصطلح "مفتاح الربط"، وفق الكاتب.

وبحسب أوزتورك فقد تم تعزيز صورة "التنظيم الإجرامي الدموي" من خلال صور ومشاهد قطع الرؤوس. فيما كان السبب في إطلاق مصطلح "مفتاح الربط" على تنظيم الدولة يعود إلى أنه كان يدخل كل منطقة يراد احتلالها فيما بعد. 

هل سيتم احتلال مكان؟ حينها يدخل تنظيم الدولة إليه أولا، ثم يبدأ عملية الاحتلال بحجة إنقاذ المنطقة، وهذا بالضبط ما حدث في العراق وفي سوريا. 

ويتساءل الكاتب: "هل يعتقدون أننا نسينا كيف تم احتلال الموصل، وكيف تغيرت التركيبة السكانية في سوريا؟".

وأردف: "طبعا لم ننس كيف سقطت كوباني أيضا، أميركا وشركاؤها في التحالف لم يحركوا ساكنا حتى أثناء استهداف تنظيم الدولة. كانوا فاعلين دوليين يتظاهرون بمحاربة التنظيم لاحتلال منطقتنا مرة أخرى". 

وأشار الكاتب إلى حديث ترامب في 11 أغسطس/آب 2016 بهذا السياق عندما قال: "لقد أسس أوباما تنظيم الدولة بمساعدة الخاسرة (أمامه في الانتخابات) هيلاري كلينتون". 

وفي الفترة الأخيرة لأوباما خاصة في عام 2016، شن تنظيم الدولة العديد من الهجمات الدموية في تركيا، أما بعد مغادرته للبيت الأبيض، لم يكن هناك تحرك يستحق الذكر.

أما جون باس الذي كان سفيرا في عهد أوباما لدى أنقرة، فقد قال قبيل مغادرة تركيا: "ليس هناك إرهاب منذ 9 أشهر ونصف. هذا ليس بسبب استسلام تنظيم الدولة بل نتيجة تعاوننا". لقد قال ضمنيا: "إننا نمنع التنظيم من تنفيذ عمليات"، بحسب الكاتب.

ويضيف: والآن، عادت الجهات الفاعلة القديمة إلى نشاطها من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية المتصورة لمنطقتنا، كما تم إعادة المنظمات الإرهابية إلى المسرح. أما تركيا والمنطقة فتنتظرهما مرحلة صعبة".

بداية القصة

بدوره، ذكر الكاتب والباحث رياض دومازيتي في مقال له نشره مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية التركي "إنسامر" أن المجرمين والمشتبه بهم بالإرهاب الذين أفرج عنهم من سجون العراق، اكتسبوا تأثيرا كبيرا في الساحة السورية مستغلين الحرب الأهلية السورية.

ووصل بهم الأمر إلى إنهاء الثورة التي بدأت في البلاد للمطالبة بالحرية والتغيير بتجريمها وتسببوا في انتشار موجة الرعب إلى جميع أنحاء العالم، وفق قوله.

واستدرك قائلا: لقد تلقت المنظمة ضربة قوية كما تم القبض على العديد من أعضائها بفضل التحالف الدولي والعمليات التي أطلقتها تركيا لمنع توسع تنظيم الدولة في العراق وسوريا منذ عام 2014. 

واليوم فإن أعضاء المنظمة التي تقف على شفا حفرة من الانتهاء فإما تم اغتيالهم أو تم جمعهم في مخيمات تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب بشكل يثير السخرية، فهي منظمة إرهابية أخرى ويدعمها التحالف الدولي.

وعلى الرغم من أن غالبية المحتجزين في المخيمات هم من الأطفال دون سن 18 عاما والنساء، فإن تلك الأحزاب الكردية تصورهم كمتورطين في الإرهاب.

ويُلاحظ أن حزب الاتحاد الديمقراطي يستخدم هؤلاء الأشخاص لفرض وجوده السياسي وإقامة "اتصالات رسمية" و "علاقات دبلوماسية" مع دول مختلفة، أي كورقة رابحة، يقول الباحث.

وأوضح أنه "من المعروف أن مشكلة تنظيم الدولة ليست قضية تقتصر على سوريا أو المنطقة فقط، بل هي مشكلة أمنية دولية تهم آسيا وأوروبا والشرق الأوسط أيضا".

ويبدو أن أحد الدوافع خلف اعتبار التحالف الدولي حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية هو استهدافه الوحدة الوطنية لدولة ذات سيادة مثل تركيا"، يلفت الكاتب. 

وعلى الرغم من انفراط عقد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، فإنه لا يزال مسموحا له بالعمل في منطقة محدودة ومسيطر عليها في الصحاري الجنوبية لدير الزور والرقة. 

خاصة أن وجود مجموعة صغيرة من التنظيم في هذه المناطق، يعطي تلك الأحزاب الكردية الفرصة لكسب دعم التحالف الدولي العسكري والسياسي والدبلوماسي، وفقا للكاتب.

ويضيف: "أعلن المجلس العالمي للآراميين أن تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب الإرهابي يطلق سراح السجناء من تنظيم الدولة بما لا يقل عن 1800 دولار للسوريين، وما لا يقل عن 10000 دولار أو أكثر للأجانب، من أجل تحقيق دخل مالي".

وينوه الكاتب أن الهدف الرئيس لتلك الأحزاب، ليس تحقيق الدخل بل الحفاظ على التصور بأن تنظيم الدولة لا يزال يشكل خطرا أمنيا كبيرا للمجتمع الدولي.

كيف يعمل النظام؟ 

ويستطرد دومازيتي قائلا: "المشاركون في تنظيم الدولة ليسوا فقط من الشرق الأوسط، بل هناك العديد منهم من مناطق جغرافية مختلفة مثل آسيا الوسطى وأوروبا الغربية والقوقاز والبلقان، لدرجة أن العديد من الدول أصدرت قوانين خاصة لمحاكمة مواطنيها الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق للمحاربة في صفوف المنظمات الإرهابية".

ويشدد على أنه لا بد من التسليم بأن لهذه القضية أبعادا أمنية وسياسية واجتماعية ونفسية عديدة. لذلك، فإن بيئة الاضطراب في القانون الدولي والعلاقات بين الدول تخلق البيئة التي ترغب بها الأحزاب الانفصالية الكردية.

ويوضح ذلك بالقول: تواجه العديد من المبادرات التي تريد محاكمة أعضاء تنظيم الدولة الإرهابي في بلدانهم الأصلية، وإعادة تأهيل أسرهم، وتقديم الدعم النفسي لهم، عقبات من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي. 

كما أن الدول التي ترغب في استعادة مواطنيها وعائلاتهم في سوريا، التي لا توجد فيها سلطة مركزية، تخضع أيضا لابتزاز الحزب.

ويرى الكاتب أن الحزب الذي يفرض إجراء "مفاوضات" وتحضير "وثيقة رسمية" وشروط توقيع لتسليم المواطنين الأجانب المحتجزين في المخيمات، يستغل هذا الوضع من أجل إضفاء الشرعية على نفسه.

ويضيف: "بغض النظر عن البعد الأخلاقي والإنساني للدخل الذي يوفره حزب الاتحاد الديمقراطي من خلال تجارة الإرهاب، فإن التسامح الذي يظهره الفاعلون العالميون من هذه التجارة لا يخفى على أحد".

كما يرى العديد من المعلقين السياسيين أنه من الطبيعي أن يدخل الغرب صمتا عميقا على ابتزازات حزب الاتحاد الديمقراطي للدول الأوروبية ودول البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى.

فبالنسبة للعالم الغربي الذي يحاول تحويل حزب الاتحاد الديمقراطي إلى فاعل دولي، يُنظر إلى صفقات تنظيم الدولة على أنها فرصة مهمة للغاية.

ويستدرك موضحا: في الواقع، من الواضح أن سبب تسامح الغرب وروسيا بشأن حزب الاتحاد الديمقراطي مرتبط بمستقبلهم السياسي في المنطقة، على الرغم من اهتمامهم الواضح بانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الحزب في العديد من الأخبار والتقارير المنشورة في وسائل الإعلام الغربية.

ويتابع: كما يلاحظ أن الدول الغربية تتجاهل لعبة حزب الاتحاد الديمقراطي هذه لسببين رئيسين: أولهما، القلق من مواجهة ومحاكمة الذين نشؤوا في أراضيها وأصبحوا متطرفين نتيجة التمييز الذي عانوه، ولذلك يريدون من الحزب أن يقوم بهذا العمل نيابة عنهم.

ثانيهما، يريدون إضفاء الشرعية على حزب الاتحاد الديمقراطي كممثل لجميع الأكراد في المنطقة، لأنهم يتوقعون أن أقصر وسيلة لإشراك الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وهو منظمة إرهابية دموية، في مفاوضات جنيف، هو السيطرة على مسلحي تنظيم الدولة، يقول الكاتب.

ويختم دومازيتي مقاله بالقول: "ومن وقت لآخر، ترد أنباء عن هروب عناصر تنظيم الدولة من المخيمات، ويبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي يسمح بهروب العناصر لتوجيه إدراك الغرب بما يتعلق بالتنظيم".

وشرح ذلك قائلا: "ذكرت مصادر من المجلس العالمي للآراميين أنه لا يمكن الهروب من المعسكرات دون معرفة أو موافقة حزب الاتحاد الديمقراطي / وحدات حماية الشعب"، كما أكدت بي بي سي على الأنباء التي تقول بتفاوض تلك الأطراف الكردية على "اتفاقيات سرية" مع تنظيم الدولة. 

وباختصار، من الواضح أن القوى الإقليمية والعالمية التي تقول إنها تحارب الإرهاب تستخدم تنظيم الدولة كأداة لإضفاء الشرعية ضمن أجنداتها الخاصة وتتجاهل اللعبة القائمة في المنطقة، يقول الكاتب.