تذيل "مؤشر الشفافية".. كيف ضاعف فساد نظام السيسي تأثير كورونا في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كشف مؤشر مدركات الفساد لعام 2020، تراجع مصر 11 مركزا في ترتيب الدول الأكثر فسادا خلال عام واحد، مسلطا الأضواء على الفساد الاقتصادي لنظام عبد الفتاح السيسي، وآخر حلقاته في التعامل مع أزمة كورونا.

التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، في 28 يناير/ كانون الثاني 2021، أظهر تراجع مصر للمركز 117 بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد، بعدما كانت في المركز 106 عام 2019. 

الجديد في تقرير 2021، أنه يرصد نوعا جديدا من الفساد في مجال الصحة، كاشفا بصورة معمقة الفساد الاقتصادي الخاص بالتعامل مع أزمة كورونا في العالم بشكل عام، ومصر خاصة.

"الشفافية الدولية"

تقرير الشفافية الدولية 2021 أكد أن عام 2020 هو "عام الفساد العالمي" حيث غذت جائحة كورونا موجة الفساد في العالم حتى في أكثر الدول تقدما، مؤكدا أن "الفساد والوباء متلازمان"، وأن جائحة فيروس كورونا ليست أزمة صحية واقتصادية فحسب، بل هي أزمة فساد أيضا "فشلنا في التعامل معها".

"كلما كانت المجتمعات أكثر ديمقراطية وانفتاحاً وشفافية، زادت قدرتها على مكافحة الفساد، وبعض الدول تقوض حرية التعبير وتتجاهل حقوق الإنسان، ما يضر أيضاً بقدرتها على مكافحة الفساد"، بحسب التقرير.

مضيفا: "قطاع الصحة أكثر القطاعات تضرراً من زيادة الفساد خلال العام الماضي، والحصول على الرعاية كان يتطلب أحياناً دفع بعض الرشاوى".

بشكل عام، ترتيب مصر تراجع 23 مركزا منذ تولي السيسي رئاسة مصر عام 2014، وحتى عام 2020، حيث كان ترتيب مصر 94 عالميا في 2014.

ورغم ما عاشته مصر في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك من فساد قاد إلى ثورة يناير 2011، سجلت مصر المركز 70 بمؤشرات الفساد عام 2006، والمركز 98 عام 2009، إلا أنها تتذيل مؤشرات الشفافية في عهد السيسي حاليا.

من مفارقات الفساد أنه في حين يتراجع ترتيب مصر للمركز 117 بمؤشر الفساد في 2020، تستعد القاهرة خلال العام 2021، لاستضافة مؤتمر لمكافحة الفساد.

الوزيرة السابقة الدكتورة غادة والي، والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، حاليا، قالت إن مصر ستستضيف في 2021 "أكبر مؤتمر دولي لمكافحة الفساد".

سبق هذا، انعقاد "مؤتمر مكافحة الفساد" بمشاركة رئيس الوزراء بجهاز "الرقابة الإدارية" 9 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تزامنًا مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد.

من مفارقات هذا المؤتمر أنه بدأ بماراثون للدراجات الهوائية، ثم فيلم تسجيلي حول التنمية كأحد ضمانات حقوق الإنسان، وفيلم آخر عن مكافحة هيئة الرقابة الإدارية للفساد.

القطاع الطبي

حين كشف القاضي هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات السابق (المسجون حاليا) عام 2015، أن الفساد في الجهاز الحكومي للدولة تجاوز 600 مليار جنيه مصري (نحو 67.58 مليار دولار) في 3 سنوات، كان يضع يده على أحد مكامن الفساد الاقتصادي بعد عامين فقط من انقلاب السيسي.

في نفس العام، تم تشكيل ما يسمى "لجنة الشراء الموحد لتوفير كافة احتياجات الجهات الحكومية من مستلزمات وأجهزة طبية"، التي رسخت هيمنة عسكرية على واردات الدواء لمصر.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بدأت معالم هذا الفساد في القطاع الطبي، حين أعلن الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة آنذاك، عن اتفاق مثير للجدل مع وزارة الدفاع، تتولى بموجبه إدارة الخدمات الطبية العسكرية شراء جميع احتياجات مصر الطبية والدوائية.

وفي أغسطس/ آب 2019، صدق نظام عبد الفتاح السيسي، على القانون رقم 151 لسنة 2019، الخاص بتأسيس "هيئة الشراء الموحد"، والتي بدأت عملها في مارس 2020.

هذه الهيئة كانت بداية تقنين الفساد الاقتصادي في قطاع الصحة، وفساد التعامل مع أزمة كورونا، بعدما استحوذت على عمليات استيراد الدواء واللقاحات لكل مصر بدون أي رقابة مدنية، والشراء بالأمر المباشر.

ويرأس هذه الهيئة اللواء بهاء الدين زيدان، وهو مدير مجمع الجلاء الطبي التابع للجيش المصري، ورئيس "الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية".

بهذه السيطرة على المجال الطبي، سيطر الجيش على قطاع الأدوية الذي قُدر حجم ما يستورده عام 2019 بـ 71 مليار جنيه، بحسب علي عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، لصحيفة "المال" 22 يناير/ كانون الثاني 2020.

تقرير منظمة الشفافية لعام 2018، انتقد غياب الشفافية عن ميزانية الدفاع المصرية، والتي بلغت نحو 4.5 مليار دولار في 2016، وعدم توفر تفاصيل الإنفاق بشأنها.

في تصنيف التقرير للدول التي تواجه مخاطر الفساد في قطاع الدفاع، جاءت مصر ضمن تصنيف "حرج"، وهو التصنيف الأسوأ في المؤشر.

وحينما حاولت صحيفة "الوطن" – قبل سيطرة الشؤون المعنوية للجيش عليها – نشر تقرير يوم 11 مارس/ آذار 2015 بعنوان: "تهرب ضريبي لـ 13 جهة سيادية بما يقرب 8 مليار جنيه" وهي: مؤسسة الرئاسة ووزارتا الدفاع والداخلية، إضافة إلى جهاز المخابرات، تمت مصادرة الجريدة وعدم توزيعها.

تلاعب "كورونا"

يبدو الفساد الاقتصادي المتعلق بكورونا في مصر واضحا في المبالغ المخصصة لمواجهة الجائحة في صورة 100 مليار جنيه، أضيف لها 200 مليون جنيه أخرى مارس/ آذار 2020، لا يُعرف أين تم إنفاقها بدقة.

كما يظهر هذا الفساد في البناء العشوائي لما سمي معازل صحية في استاد القاهرة ومناطق أخرى مفتوحة ومستشفيات عسكرية دون استغلالها، ودون أن يدخلها مصري مصاب واحد، وقصر بعضها على العسكريين والشرطة.

الفساد الأكبر يبدو واضحا في بيع لقاحات كورونا للمصريين بدلا من مجانيتها، وتضارب الأنواع التي يتم استيرادها، رغم استقطاع الحكومة 1 بالمئة من رواتب الموظفين ونصف في المائة من أصحاب المعاشات لصندوق مواجهة كورونا، بمليارات الجنيهات.

إعلان وزيرة الصحة بيع اللقاح للمصريين بمبلغ رمزي (200 جنيه للفرد)، لتصبح مصر الدولة الوحيدة في العالم التي تبيع اللقاح لمواطنيها، دفع المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، لرفع دعوى قضائية في 31 يناير/ كانون الثاني 2021 لإلزام الحكومة بإتاحة تطعيمات كورونا "مجانا" لجميع المصريين.

ووفق الدعوى "لا يمكن الادعاء بأن حصول المواطنين المصريين على التطعيم بالمجان يمثل عبء على الموازنة العامة أو خزانة الدولة، لأن المواطن هو قاطرة التنمية، وضمان حقه فى الحياة هي أهم أولويات الدولة" كما تقول الدعوى.

كما أن حماية ملايين المصريين "هو حق دستوري لهم وواجب على الدولة"، والقضاء على هذا الوباء بتطعيم الكافة "سيؤدي لتعافي الاقتصاد"، بحسب الدعوى أيضا.

 

اقتصاد هش

أزمة كورونا أو جائحة كوفيد-19 لم تكشف فقط الفساد الاقتصادي في القطاع الصحي المصري، لكنها كشفت أيضا هشاشة الاقتصاد نفسه، الذي بُني على أسس ضعيفة.

الأزمة كشفت تشابه وضع مصر حاليا مع ما كانت عليه قبل ثورة 2011: مستقرة في الظاهر، ومشكلات بنيوية عميقة ومظالم اجتماعية محتدمة في الواقع، حسبما تشير دراسة صادرة عن "مبادرة الإصلاح العربي" في 26 أغسطس/ آب 2020. 

وحسب الدراسة، فإن أزمة "كورونا" ضربت جميع مصادر النقد الأجنبي مثل: السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين، والاستثمار الأجنبي وصادرات الغاز.

ووفق آخر تقرير للبنك المركزي في 31 يناير/ كان الثاني 2021، هوت إيرادات قطاع السياحة لتبلغ نحو 800 مليون دولار من يوليو/تموز وحتى سبتمبر/أيلول 2020، مقارنة بـ 4.2 مليارات دولار خلال الفترة ذاتها من 2019.

وتراجعت إيرادات قناة السويس في الربع الأول من 2021/2020 إلى 1.38 مليار دولار، مقابل 1.5 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام المالي السابق. 

فيما انخفضت تحويلات المصريين في الخارج، خلال الربع الأخير من 2020/2019 نحو 6.21 مليارات دولار، بانخفاض قدره 10 بالمئة عن 6.94 مليارات دولار في نفس الربع قبل عام.