بدافع نزاع الصحراء.. هكذا يتسابق المغرب والجزائر على الدعم الإفريقي

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

جولة بالقارة السمراء قادت وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، خلال يناير/كانون الثاني 2021، إلى كل من جنوب إفريقيا، ومملكة ليسوتو، وأنغولا.

الجولة التي بدأت في 12 يناير، جاءت بعد أيام قليلة من زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ديفيد شينكر، إلى كل من الجزائر والمغرب، شملت مدينة الداخلة بإقليم الصحراء.

وفق مراقبين، فإن جولة بوقادوم تأتي في إطار البحث عن الدعم الدولي في قضية الصحراء التي تشهد مواجهة بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة جزائريا.

وبينما كان المغرب سباقا إلى جمع الاعتراف الإفريقي، مقابل تعاون اقتصادي قوي وعلاقات دبلوماسية نسجتها المملكة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، ظلت دبلوماسية الجزائر طيلة 30 عاما من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة تعاني الركود.

سباق الاستقطاب

كانت ملفات التعاون الثنائي والأزمات التي تعيشها القارة، خاصة قضية الصحراء الغربية، وتطور الوضع في ليبيا والساحل، في قلب النقاشات التي جمعت بوقادم مع قادة هذه الدول، وصاحبت هذه الجولة العديد من التساؤلات حول توقيت الزيارة وأهدافها.

نقل بوقادوم تأكيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لنظيره الكيني أوهورو مينياتا "إرادته القوية في تعزيز الشراكة بين البلدين وإعطاء دفع جديد للتعاون الثنائي".

من جهته الرئيس أوهورو كينياتا ذكر "بالروابط التاريخية العميقة بين البلدين والشعبين الشقيقين والمتجذرة في كفاحهما من أجل تصفية الاستعمار والتحرر والتي يميزها استقرار العلاقات الثنائية المتميزة في مجال التضامن والصداقة  الدعم المتبادل".

وأشاد بوقادوم من ناحيته "بدور كينيا في تحقيق الاستقرار في منطقة شرق إفريقيا وبتجسيدها لآمال القارة السمراء بصفتها عضوا غير دائم ضمن مجلس الأمن".

وفي اجتماع مع نظيرته الكينية ريتشيل أومامو، أكد بوقادوم على "ضرورة احترام القانون الدولي في معالجة القضايا الإقليمية، وكذا التمسك بالحل السياسي كمخرج لبؤر التوتر في القارة".

كانت محطة بوقادم الأولى في جولته، جنوب إفريقيا، واتفق بوقادوم مع نظيرته ناليدي باندور، على "تعميق وتقوية التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والتجارية بهدف الارتقاء به إلى مستوى العلاقات السياسية الممتازة وتلبية تطلعات وتطلعات الشعبين الشقيقين من أجل السلام".

وأشاد الرئيس الجنوب إفريقي، سيريل رامافوزا، الذي يرأس الاتحاد الإفريقي، بـ"جودة روابط التضامن التاريخية والاستثنائية والصداقة التي لطالما تميزت بها العلاقات بين الشعبين الشقيقين"، وأعرب عن "رغبته في العمل مع شقيقه الرئيس تبون لتطوير التعاون الثنائي في أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية". 

يومان بعد استقبال رامافوزا لبوقادوم، أعلن المغرب أن جنوب إفريقيا استجابت لطلبه بتعيين سفير لها بالرباط، بعد الإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي كانت قد توقفت قبل سنوات بسبب مواقف جنوب إفريقيا "الداعمة للانفصال".

واستقبل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، السفير الجديد لجنوب إفريقيا في الرباط إبراهيم إدريس، والذي قدم أوراق اعتماده.

وفي 2004 استدعى المغرب سفيره من جنوب إفريقيا، بعد أن اعترف رئيسها الأسبق ثابو مبيكي، بالجمهورية الصحراوية، قبل أن تفتح صفحة جديدة بعد لقاء جمع الملك محمد السادس بالرئيس السابق جاكوب زوما، وتم الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بدأها المغرب بتعيين وزير الخارحية الأسبق يوسف العمراني، سفيرا له في بريتوريا.

وفي 18 يناير/كانون الثاني 2021، أكدت جنوب إفريقيا، أن أي اعتراف بـ"الصحراء الغربية كجزء من المغرب هو بمثابة اعتراف بعدم الشرعية الدولية"، في إشارة إلى إعلان ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.

وقال شوليسا مابهونغو، سفير جنوب إفريقيا، خلال لقاء افتراضي للاحتفال بالذكرى الـ60 للإعلان بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، بأن "جنوب إفريقيا ساهمت في الكثير مما أنجزته الأمم المتحدة فيما يخص إنهاء الاستعمار".

وأضاف أن بلاده "تتطلع إلى آراء ووجهات نظر جميع الدول حول الكيفية الممكنة للعمل معا للمضي قدما في تنفيذ هذا الإعلان التاريخي".

انسداد في العلاقات

خلال ترؤسه اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن، لبحث الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، أكد الرئيس الجزائري على ضرورة "إبقاء اليقظة والحذر على جميع المستويات".

دعوة تبون أتت في أعقاب استئناف المغرب علاقاته مع إسرائيل، والاعتراف الأميركي بسيادة الرباط على إقليم الصحراء.

وتابع أن ذلك يهدف إلى "تمكين الجزائر من ولوج المراحل المهمة المقبلة، بما يتكيف وتحديات العام 2021، مع التطورات غير المسبوقة التي عرفتها المنطقة في الآونة الأخيرة، وخاصة ضمن المجال الإقليمي المجاور".

وبعد أن رحلت إدارة ترامب في 20 يناير/كانون الثاني 2021، تأمل الجزائر في أن تتمكن من إقناع خليفته جو بايدن بالعودة إلى "الحياد" في ملف إقليم الصحراء.

وبينما تصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تؤوي لاجئين من الإقليم.

ومنذ عقود، تشهد العلاقات الجزائرية المغربية انسدادا على خلفية ملفي إقليم الصحراء والحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وفي ذلك العام، فرضت الرباط تأشيرة دخول على مواطني الجزائر، فردت الأخيرة بالمثل، وتم إغلاق الحدود بين البلدين، بعد اتهام الجزائر بالوقوف وراء هجوم مسلح داخل المغرب.

وعلى أمل إقناع واشنطن مستقبلا بالتراجع عن قرار الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، لا تترك الجزائر فرصة إلا ويحاول استثمارها، حتى لو كانت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر قبل أيام من رحيل إدارة ترامب.

شينكر كان أول مسؤول أميركي يصل إلى المنطقة، بعد إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب، عن صفقة ثلاثية طبع من خلالها المغرب علاقاته مع الاحتلال الإسرائيلي، مقابل اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

الجزائر انتقدت اعتراف ترامب واعتبرته دون قيمة قانونية، ودعت إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة بخصوص النزاع في الصحراء الغربية من خلال تنظيم استفتاء تقرير المصير.

وفي محادثات، وصفتها الخارجية الجزائرية في بيان بـ"الصريحة"، تحدث وزير الخارجية، صبري بوقادوم، مع شينكر عن "طبيعة الدور المنتظر من الولايات المتحدة لإعادة دفعة السلام في المنطقة والعالم، في إطار الحيادية التي تقتضيها التحديات الراهنة".

كما شدد "بوقادوم"، خلال اللقاء، على أن إعلان ترامب بشأن سيادة الرباط على إقليم الصحراء لا يحقق الإجماع في الداخل الأميركي، بل ولا حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، الذي ينتمي إليه.

ومعلقا على تقارير صحفية مغربية، نفي شينكر ما يتردد عن عزم واشنطن إنشاء قاعدة عسكرية في الصحراء أو نقل مقر القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) إلى الإقليم.

ورفضا لقرار ترامب، رأت الخارجية الجزائرية، في بيان سابق، أنه "ليس له أي أثر قانوني، لأنه يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء".

وبموافقة 13 دولة من أصل 15، تبنى أعضاء مجلس الأمن الدولي، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قرارا بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في إقليم الصحراء (مينورسو) لمدة عام، حتى 31 أكتوبر 2021.

القرار الذي صوتت الولايات المتحدة لصالحه، حث جميع الأطراف على العمل معا لمساعدة الأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي واقعي ومقبول لطرفي النزاع.

ومنذ توقيع المغرب و"البوليساريو"، في 1991، وقفا لإطلاق النار، تشرف الأمم المتحدة على مفاوضات بينهما، بحثا عن حل نهائي للنزاع، الذي بدأ عام 1975 مع إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.

استعادة العضوية

شكّل تصويت الاتحاد الأفريقي في 30 يناير/كانون الثاني 2017 على قبول المغرب من جديد عضواً في الاتحاد، قرارا تاريخيا في سياق العلاقات العاصفة بين المغرب والدول الإفريقية الأخرى.

جاء التصويت بعد حملة دبلوماسية واقتصادية غير مسبوقة شنّتها المملكة على امتداد عام من أجل حشد الدعم لمسعاها الهادف إلى الانضمام إلى الاتحاد من جديد.

وتُحوِّل هذه الخطوة بصورة مؤقتة التركيز في قضية الصحراء الغربية من المفاوضات المتعثرة في الأمم المتحدة إلى المشاحنات الدبلوماسية في الاتحاد الإفريقي حول جبهة البوليساريو، الساعية إلى الاستقلال ودولتها المدعومة من الجزائر المعروفة بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".

الخلاف حول الصحراء الغربية هو ما دفع بالمغرب إلى الانسحاب عام 1984 من منظمة الوحدة الإفريقية (تحولت لاحقاً إلى الاتحاد الإفريقي)، بعد اعتراف الأخيرة بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية عضواً كاملاً فيها في خطوة مشوبة بالغموض القانوني.

يأمل المغرب في أن يساهم استرداد عضويته بالاتحاد الإفريقي في جعل الأخير أكثر حيادا تجاه مسألة الصحراء الغربية، فيمتلك القدرة على ممارسة نفوذ إضافي لدى الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للخلاف.

محفل جديد

أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العسكرية الأميركية جاك روسيلييه، ربط في مقال تحليلي لمركز "كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط"، بين رحيل نكوسازانا دلاميني-زوما، وزيرة خارجية جنوب إفريقيا سابقا، من رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، والسياسة الداخلية التي أحاطت بتعيين خلف لها بعد فترة من التأخير، وبين سعي الرباط إلى إعادة الانضمام إلى الاتحاد.

وفي اليوم نفسه الذي أعيد فيه قبول المغرب عضوا في الاتحاد الإفريقي، انتخَبت الرباط الدبلوماسي التشادي موسى فكي محمد رئيسا للمفوضية، علما بأن تشاد سحبت اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية عام 2006.

ورأى روسيلييه أن الرباط قد تتمكّن من الضغط لتعليق عضوية "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" عبر إدخال تعديلات دستورية إلى الاتحاد الإفريقي (تتطلب غالبية الثلثَين)، رغم أنها قد تواجه معركة ضارية مع دول شديدة الدعم لجبهة البوليساريو، مثل الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا والعديد من دول إفريقيا الجنوبية.

وإلى جانب المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، فإنّ التوقيت الزمني لعوامل عدة دفعَ بالمغرب إلى الانضمام من جديد إلى الاتحاد الإفريقي.

وتشمل هذه العوامل عدم إحراز الأمم المتحدة تقدما أساسيا في موضوع الصحراء، وحاجة المغرب إلى الحد من الضغوط الدولية الهادفة إلى إدراج حقوق الإنسان في إطار التفويض الموكَل إلى بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو).

كما أن نقل ساحة المعركة الدبلوماسية حول الصحراء الغربية من نيويورك إلى أديس أبابا يتيح للرباط الإفادة من الانتقال في قيادة الاتحاد الإفريقي، من أجل انتزاع شروط أكثر تلائم الأهداف المغربية في مسألة الصحراء، بما في ذلك تعليق عضوية "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".

وتتيح وفاة محمد عبد العزيز، رئيس البوليساريو المثير للجدل، في أيار/مايو 2016، للرباط اختبار القيادة الجديدة للجبهة التي يُتوقَّع أن تتحلى بمرونة أكبر في موضوع التوصل إلى تسوية لوضع الصحراء عن طريق التفاوض.

ورحّبت كل من الجزائر والبوليساريو بإعادة قبول المغرب في الاتحاد الإفريقي معتبرين أنها تشكّل اعترافاً ضمنياً من المملكة بحدودها الدولية عند نيلها الاستقلال (أي من دون الصحراء الغربية) وأنها تُرتّب عليها، بصفتها عضوا في الاتحاد، الاعتراف بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".

الشاهد تاريخيا أن الاتحاد الإفريقي كان له تأثير محدود على خلاف الصحراء، ما وضع مجلس الأمن الدولي في المقعد الأمامي في هذا الخلاف، واستُبعِدت المسألة أيضا من المداولات المشتركة التي يجريها الاتحاد بصورة منتظمة.

لكن انضمام المغرب من جديد إلى الاتحاد الإفريقي، وفق مراقبين، قد يخفف الضغوط على مجلس الأمن من أجل التوصل إلى تسوية، وذلك عبر تأمين محفل جديد للتداول في النزاع. 

ويرى بعض الخبراء أن انضمام المغرب من جديد إلى الاتحاد الإفريقي قد يصب في مصلحة إستراتيجيتها القائمة على ترشيد مسألة الصحراء، ووضعها جانبا، كي لا يقف الخلاف عائقاً أمام المصالح الإقليمية في المدى الطويل.