إسرائيل تواصل ضرب أهداف بسوريا.. هل يستمر التعاون في عهد بايدن؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم توقف إسرائيل من هجماتها العسكرية على الأراضي السورية، لكن الجديد في الهجوم على دير الزور والبوكمال في 13 يناير/كانون الثاني 2021، كان بتعاون من واشنطن، إذ أنها زوّدت جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" بمعلومات عن الأماكن التي طالتها الضربات.

الهجوم استهدف مخازن أسلحة ومواقع عسكرية في مدينة دير الزور وبادية البوكمال شرق سوريا على الحدود مع العراق، ما أدى إلى مقتل لا يقل عن 7 عسكريين سوريين و16 من فصائل موالية لإيران، حسبما أفاد به بيان المرصد السوري لحقوق الإنسان.

الضربات الإسرائيلية أثارت تساؤلات عن أسباب التعاون الأميركي مع إسرائيل في تنفيذها، وإلى أي مدى إمكانية استمراره في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، أم أن توقيت الهجوم الإسرائيلي كان متعمّدا، كونه جرى تنفيذه قبل أسبوع واحد فقط من رحيل إدارة ترامب؟.

حالة نادرة

في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، نقلت وكالة "أسوشيتدبرس" عن مسؤول استخباراتي أميركي (لم تكشف اسمه) أن "الغارات الإسرائيلية الأخيرة، نفذت بناء على معلومات استخباراتية قدمتها واشنطن".

المسؤول الأميركي أكد خلال حديثه أن وزير الخارجية مايك بومبيو، بحث القصف الذي طال محافظة دير الزور، مع رئيس "الموساد" يوسي كوهين.

وأفاد المصدر ذاته، بأن لقاء جمع المسؤولين الإسرائيلي والأميركي في مطعم بواشنطن 11 يناير/ كانون الثاني 2021، مشيرا إلى أن القصف استهدف سلسلة مستودعات، استخدمت لتخزين أسلحة إيرانية ومكونات مخصصة لدعم برنامج طهران النووي.

ووفقا لما نشرته وكالة "أسوشيتدبرس"، فإن تصريحات المسؤول في الاستخبارات الأميركية، تمثل حالة نادرة للتعاون العلني بين إسرائيل والولايات المتحدة في اختيار أهداف لعملياتهما في سوريا.

وفي السياق ذاته، ذكرت قناة "الميادين" الموالية لنظام بشار الأسد، في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، أن القوات الأميركية أمّنت عملية الاستطلاع من مواقعها في العراق للطائرات الإسرائيلية لتنفيذ الغارات على دير الزور والبوكمال شرق سوريا.

ما يميّز هذه العملية العسكرية الإسرائيلية عن سابقاتها، هو أنها لأول مرة تشهد هذه المنطقة استهدافا بهذا الكم، فقد استغرقت الهجمات نحو 40 دقيقة في صورة مشابهة لما حصل سابقا أثناء استهداف طائرات التحالف لمواقع تنظيم الدولة في مدينة الرقة، حسبما أفادت مواقع محلية.

وأشارت إلى أن الميليشيات الإيرانية تشغل جزءا من هذه المباني المستهدفة أو تتشارك مع النظام السوري بها، والمقصود هنا هو الطابق الثاني في مبنى الأمن العسكري الذي يحوي مكاتب المعلومات المشتركة الذي طالته الهجمات، ما يؤكد أن ميليشيات إيران في دائرة الاستهداف أينما كانوا داخل سوريا.

وتسبّبت غارات مماثلة على البوكمال في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بمقتل 19 مسلحا مواليا لإيران، حيث تخضع المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال والميادين في ريف دير الزور الشرقي إلى نفوذ إيراني، عبر مجموعات موالية لها تقاتل إلى جانب قوات النظام.

وفي تقرير نادر، قال الجيش الإسرائيلي مطلع عام 2021 إنّه قصف خلال العام 2020 نحو 50 هدفا في سوريا، ولم يقدم التقرير السنوي للجيش الإسرائيلي تفاصيل عن الأهداف التي قصفت.

لكنّ إسرائيل شنّت منذ اندلاع الحرب في سوريا 2011 مئات الضربات استهدفت القوات النظامية السورية وقوات إيرانية تدعمها ومقاتلين من حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب قوات بشار.

هجوم استثنائي

وتعليقا على أسباب التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة، والكشف عن ذلك، قال المحلل السياسي السوري سعد الشارع لـ"الاستقلال": "التعاون بين واشنطن وتل أبيب ضد ميليشيات إيران في سوريا والعراق ليس جديدا، فهناك تعاون إستخباراتي وحتى عملياتي بين الطرفين، ليس فقط في هذه العمليات بل منذ بدأت الهجمات ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا".

وأضاف: "أن القوات الأميركية موجودة على الأراضي السورية، وبالتالي لديها معلومات دقيقة عن تحركات هذه الميليشيات، فدائما تزوّد بها الطيران الإسرائيلي، وسبق أن جرى التنسيق في قصف الميليشيات الإيرانية شرق مدينة حلب".

ورأى الشارع أنه "في هذه العملية بالذات، كان أحد أسباب إظهار التعاون الأول، هو حجم العملية فهي الأبرز والأكبر التي توجه ضد مواقع للميليشيات الإيرانية في الضفة الغربية من نهر الفرات بدير الزور".

وأوضح المحلل السياسي السوري أن "العملية استهدفت أكثر من 32 موقعا ووقوع عدد قتلى كبير جدا، ودمار هائل حصل في المواقع المستهدفة وبالتالي كان لزاما وجود تعاون وإظهار هذا التعاون نظرا لحجم العملية، كونها كانت تتطلب رصدا معلوماتيا وطائرات استطلاع، وربما حتى طائرات التزود بالوقود سواء في الأجواء  السورية أو العراقية".

من جهته، رأى الكاتب الإسرائيلي يوآف ليمور، خلال مقال نشره موقع "إسرائيل اليوم" في 15 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "للهجوم الاستثنائي في حجمه نسبيا، والذي نُسب لسلاح الجو (الإسرائيلي)، في سوريا، كان أحد عناوينه أنه محدد للميليشيات التي تعمل في سوريا بتكليف من إيران".

وأوضح أن "هذه هي المرة الرابعة في الشهر الأخير والتي يعزى فيها لإسرائيل هجوم في سوريا، فيما الهجوم الحالي هو الأكثر تعقيبا واتساعا، فبينما نفذت الهجمات الثلاث الأخرى في دمشق وفي محيطها، كان الهجوم هذه المرة، على مسافة مئات الكيلومترات عن الأراضي الإسرائيلية".

وأشار الكاتب إلى أنه "يدور الحديث عن تحدٍ أكثر تعقيدا بكثير من ناحية استخبارية وعملياتية، وإذا استندنا إلى التقارير المختلفة فإن الهجمات في جبهة دمشق ينفذها سلاح الجو من الأراضي اللبنانية، وأحيانا من الأراضي الإسرائيلية".

وتابع: "أما الهجوم في عمق سوريا – على حدودها مع العراق – فيوجب طيرانا طويلا نسبيا، في الليل، فوق دول أجنبية، ومن المعقول أن يوجب أيضا تنسيقا مع قوات أخرى تعمل في المنطقة وعلى رأسها الأميركيون الذين يسيطرون جويا في هذه الجبهة".

ورجح الكاتب إلى أنه "يحتمل أن يكون هذا أيضا هو السبب في أن محافل مجهولة في واشنطن ادعت، بأن الولايات المتحدة هي التي وفرت المعلومات الاستخبارية للهجوم".

رسائل إسرائيلية

وبخصوص استمرار التنسيق الإسرائيلي الأميركي لتنفيذ عمليات عسكرية في عهد الرئيس الجديد جو بايدن، قال الشارع: "هناك إصرارا من تل أبيب أن الحرب ضد ميليشيات إيران خاصة في سوريا، هو نهج متبع في المنطقة، أي هذه رسالة إلى إدارة بايدن أن هذه العمليات يجب أن تستمر وألا تتوقف مهما كانت السياسة التي ستتبعها واشنطن تجاه إيران أو أذرعها في المنطقة".

وأعرب الشارع عن اعتقاده بأن "التعاون بين الطرفين سيستمر بشكل كبير، كون أن نفوذ إسرائيل بصورة لوبيات داخل الحزب الديمقراطي كبير جدا، وحتى بعض الشخصيات التي جرى تعيينها في إدارة الرئيس بايدن معظمها يعود إلى أصول يهودية وهم من المؤيدين تماما لإسرائيل".

ورأى المحلل السياسي أن "أولى الضغوطات التي ستواجه إدارة بايدن ستأتي من إسرائيل، والتي لن ترتضي وجودا خطرا لميليشيات إيران في سوريا، بمعنى أنها ليس لديها مشكلة في وجود إيران، وإنما المشكلة في شكله وتموضعه".

وأوضح أن إسرائيل تخشى أن يكون الطريق البري الذي تسيطر عليه إيران في مناطق وجودها بين سوريا والعراق، ممرا لنقل صواريخ تهددها أو يجري استخدامه من جماعات تستهدف الكيان الإسرائيلي.

وعلى نحو مماثل، رأى الكاتب الإسرائيلي يوآف ليمور، أن العملية العسكرية الأخيرة تحمل معنى لدى تل أبيب أن النشاط الهجومي في سوريا يجب أن يتواصل في المستقبل أيضا.

وتابع: "غير أنه بدءا من الأسبوع القادم، فإن من سيجلس في البيت الأبيض لن يكون ترامب – الذي أعطى لإسرائيل ضوءا أخضر لكل نشاط، وبسط فوقها مظلة حماية ودية واسعة – بل جو بايدن".

مضيفا: "صحيح أنه صديق قديم لإسرائيل، لكنه رئيس جديد لم تتصمم العلاقات معه بعد، خيرا كان أم شرا، مع التشديد على الخلاف المرتقب حول نيته العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران".

وبشأن الهجمات الأخيرة، يضيف الكاتب، "يبدو أن إسرائيل سعت لأن توضح له أيضا أنه عن سوريا لا يوجد ما يمكن الحديث فيه: إسرائيل ستواصل العمل كما في الماضي، مع العلم أن من لا يحبط الإرهاب على الحدود السورية – العراقية، سيتلقاه لاحقا على الحدود السورية – الإسرائيلية".

وفي السياق ذاته، قال رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي اللواء (احتياط) عاموس يادلين في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، إن تل أبيب أرادت من وراء قصفها مدينة البوكمال السورية نقل رسالة إلى إيران.

وأضاف يادلين في تصريح لقناة "كان" الإسرائيلية الرسمية أن الهجوم الذي نفذته إسرائيل بمحافظة دير الزور شرقي سوريا "مهم والرسالة لإيران هي أن إسرائيل لن تكف عن العمل (ضد إيران وسوريا) حتى في عهد (الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن)".

وأشار المعلق العبري في حديثه، وهو الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) إلى أن "إسرائيل عازمة على الاستمرار في التعامل مع القدرات العسكرية التي تبنيها إيران في المنطقة السورية ومع البنى التحتية لنقل الأسلحة".