"لواء القدس".. مليشيا تجند شبانا فلسطينيين للدفاع عن النظام السوري

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اندلاع الثورة السورية في 2011 وتحولها إلى صدام مسلح بين المعارضة ونظام بشار الأسد، أسس الأخير تشكيلات عسكرية تضم تركيبات فكرية وعقائدية مختلفة، منها ما تأسس بدافع الفكر القومي كميليشيا "لواء القدس".

الميليشيا الموالية للنظام السوري، والتي تضم عناصر من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بسوريا، أعلنت في 9 يناير/ كانون الثاني 2021، وللمرة الثانية عن فتح باب التطوع ضمن قواتها الموجودة في بادية ريف حمص الشرقي.

تعويض الخسائر

في 9 يناير/ كانون الثاني 2021 دعت "لواء القدس" الراغبين بالتطوع التقدم لتسجيل أسمائهم من أجل إلحاقهم بالخدمة في نقاط أمنية جديدة لها ببادية "السخنة" بريف حمص الشرقي، بمرتّب شهري قدره 100 ألف ليرة سورية (نحو 2000 دولار).

وفي السياق، كشفت مواقع معارضة أنه لا يوجد عدد محدد للمتطوعين، فباب الانتساب للميليشيا مفتوح بشكلٍ دائم، وأن "مدّة العقد 6 أشهر غير ملزمة للاستمرارية إذا بقي المتطوع فيها على قيد الحياة، مع التزام اللواء بدفع تعويض مادي بسيط لذوي القتلى أو المصابين".

وكشفت تقارير أنّ المنتسبين الجدد كانوا يخضعون في السابق لمعسكرات تدريبية شكلية في مناطق وجود اللواء، فعلى سبيل المثال كان هناك مركز للتدريب في إحدى مدارس مخيم "النيرب" للاجئين الفلسطينيين جنوب شرقي مدينة حلب.

وتعد هذه المرة الثانية التي يُفتح فيها باب التطوع لميليشيا "لواء القدس" خلال عام، حيث أعلنت القيادة العسكرية للميليشيا منتصف يناير/ كانون الثاني 2020، عن فتح باب التطويع لصالحها في جميع التخصصات العسكرية وفي مختلف المناطق السورية.

وخلال تصريحات صحفية في 9 يناير/ كانون الثاني 2021، كشف فايز أبو عيد مسؤول الإعلام في "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، أنّ الإعلان الأخير الصادر عن "لواء القدس" أمرٌ روتيني يتكرر مرتين في كل عام على أقل تقدير.

مضيفا أن "الميليشيا تعلن بين الحين والآخر عن حاجتها لمزيد من المتطوعين مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة وانعدام الموارد المالية وانتشار البطالة بين الشباب الفلسطينيين المقيمين في سوريا".

ولا يقتصر التطوع في هذه الميليشيا على الشباب الفلسطينيين فحسب، بل هو مفتوحٌ أمام السوريين أيضا، لكن "الكثير من الشباب الفلسطيني فضلوا الهجرة وركوب قوارب الموت على أن يتطوعوا في (لواء القدس) الذي بات يضغط عليهم لإجبارهم على الانتساب لصفوفه، وذلك إمّا عن طريق ملاحقتهم بأداء الخدمة الإلزامية أو التدقيق الأمني عليهم ومضايقتهم بشكل دائم"، وفقا لأبو عيد.

وتؤكد تقارير أن فتح "لواء القدس" لباب التطوع في صفوفها السبب الأساسي وراءه هو تعويض النقص الحاصل في صفوفها، جراء العمليات العسكرية التي تخوضها، والكمائن التي تتعرض لها بين الحين والآخر، إضافة إلى زجها في جبهات جديدة من قبل الجانب الروسي.

مرحلة التأسيس

الميليشيا المكونة من الفلسطينيين المؤيدين للنظام السوري، تأسست في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، على يد المهندس محمد السعيد، الذي يعتبر القائد الرئيس، وهي تتكون بشكل كبير من فلسطيني المخيمات بحلب، خصوصا مخيم النيرب، بالتنسيق مع "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة".

ومحمد أحمد السعيد، فلسطيني من مواليد مخيم النيرب، لكنّه ترعرع في مدينة حلب وعمل مهندسا في مجال المقاولات والبناء، ومع اندلاع الثورة السورية، تمكن من بناء شبكة علاقات واسعة مع مسؤولي النظام خاصة فرع "المخابرات الجوية" بالمنطقة الشمالية.

ضمّ السعيد إلى ميليشيا "لواء القدس" عددا كبيرا من الشباب الفلسطيني من سكان مخيمي النيرب وحندرات، من بينهم محكومون بقضايا جنائية أطلق النظام سراحهم، كما جنّد السعيد أيضا شبانا سوريين، ممن يطلق عليهم تسمية "الشبيحة".

وفي نهاية عام 2013، ظهر "لواء القدس" بعد أن جُمعت كل المجموعات المشكّلة من فلسطينيين وسوريين في ميليشيا واحدة، تتلقّى تمويلا مباشرا من الحرس الثوري الإيراني، الذي اعتبر هذا اللواء من ضمن الميليشيات الطائفية التي شكّلها أو دعمها في سوريا.

وتتألف ميليشيا "لواء القدس" من كتائب عدة أبرزها: "الشبح الأسود، القمصان السود، أسود القدس، الردع، أسود الشهباء، وأسود حمص".

ويقدر عدد المتطوعين فيها حاليا بنحو 7 آلاف، بينهم قرابة 800 فلسطيني، وخسرت الميليشيا أكثر من 600 عنصر منذ عام 2013 وحتى 2021، بينهم نحو 90 فلسطينيا.

من التهم التي توجه إلى ميليشيا "لواء القدس" أنها تجند صغار السن (نحو 16 عاما) من أبناء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وترسلهم إلى جبهات القتال في مناطق متفرقة من البادية السورية.

وفي النصف الثاني من عام 2019، أرسلت الميليشيا عناصر من أبناء المخيمات إلى إدلب حيث قتل عدد منهم هناك ونعتهم مواقع غير رسمية موالية للواء باسم "الفدائيين".

فدائيو الأسد

"لواء القدس" مرّت بمراحل تنظيمية عديدة، إذ تأسست في عام 2013 بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني، حتى أصبحت من بين الميليشيات التابعة لـ"الدفاع الوطني" الموالية لإيران في مدينة حلب، وتسمية الميليشيا لم يكن عفويا، إنما جرى بالتنسيق مع "فيلق القدس" الإيراني.

ومع تطور الصراع وتشعّبه في سوريا، أوكلت إلى "لواء القدس" مهام عدة، ضمن الجغرافيا السورية، فشارك في حصار مواقع كثيرة، ومنها مخيم اليرموك جنوبي دمشق، أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، فضلا عن غوطة دمشق الشرقية لسنوات عدة.

تحمل الميليشيا شعار "فدائية الجيش العربي السوري"، ويلقب مقاتلوه بالفدائيين، بحسب صفحة الفصيل عبر موقع فيسبوك، الأمر الذي اعتبره ناشطون سوريون "شيطنة" للقضية الفلسطينية وحرفها عن مسارها، وبدلا من أن يكون مقاتلوه فدائيين في سبيل تحرير الأقصى، أضحوا فدائيين من أجل الأسد ونظامه بامتياز.

شاركت "لواء القدس" مع ميليشيات إيرانية، في معارك طاحنة شهدها ريف حلب الجنوبي خلال عامي 2014 و2015، ومع نهاية عام 2015 بدأ التدخل الروسي في سوريا، فباشرت الميليشيا مرحلة التعاون مع موسكو، التي اعتمدت عليها في معارك عدة بحلب وشمال غربي سوريا.

وفي أغسطس/آب 2016، كرّم قائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر زورافليوف، ما يُسمّى بـ"قائد العمليات العسكرية في لواء القدس"، بعد مشاركته في معارك شرقي حلب، وانتهت بخروج فصائل المعارضة من هناك.

ومنذ عام 2017، وجّه الجانب الروسي "لواء القدس" لقتال تنظيم الدولة في البادية، فتكبّد خسائر جسيمة في أرواح مسلحيه.

وحسب دراسة صدرت عن "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" في عام 2019، فإن بنية "لواء القدس"، تحديدا قيادته، مشكّلة من البلطجية وتجار ومروجي المخدرات: "فكان من السهل عليه ارتكاب انتهاكات كثيرة بحق المدنيين".

وعن مصادر تمويل "لواء القدس"، أشارت الدراسة إلى مصادر متعددة، فقد "باعوا المناطق التي سيطروا عليها لتجار أو لصوص، ونهبوا المصانع، إضافة إلى تلقيهم أموالا لقاء تمكين أشخاص في مواقعهم، أو إخراج آخرين من السجن أو السؤال عن السجين، أو ترخيص مشاريع أو تسهيل قضايا تجارية أو توقيع معاملة".

وقّلدت وزارة الدفاع الروسية زعيم "لواء القدس" محمد السعيد "وسام النصر"، إثر انتزاع السيطرة على مخيم اليرموك من تنظيم الدولة في أيار/ مايو 2018، عقب صفقة مع التنظيم سمحت له بنقل عناصره إلى البادية السورية.

وفي عام 2019 تحولت "لواء القدس" من الميليشيات التي تتلقى الدعم الإيراني وتتحرك وفق توجيهاتها، لتصبح واحدة من أبرز الميليشيات المنظمة التي تدعمها روسيا في سوريا.

ومع بداية 2020 وبدء العمليات العسكرية التي دعمتها روسيا ضد "تنظيم الدولة" في البادية، ازداد حضور "لواء القدس" بصورة أكبر بالقرب من أهم مواقع الاستثمارات الروسية الموجودة في دير الزور وشرقي حمص، كما شكلت الميليشيا عامل ثقل وتوازن روسي لمواجهة نمو انتشار الميليشيات الإيرانية.