"فاسدون في السلطة".. لماذا اتهمت المعارضة رئيس موريتانيا بالازدواجية؟

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور عام تقريبا على تشكيل البرلمان الموريتاني لجنة للتحقيق في ملفات الفساد التي شابت فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009- 2019)، إلا أن الملف ما زال قيد التحقيق حتى الآن.

الأدهى من ذلك وفق مراقبين، هو أن الرئيس الجديد محمد ولد الغزواني استعان ببعض من وردت أسماؤهم في قضايا الفساد ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة، وعندما احتجت المعارضة تخلص من بعضهم وأبقى على البعض الآخر، ما أثار الشكوك تجاه جديته في محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين.

تعديل حكومي

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت رئاسة الجمهورية في موريتانيا عن تعديل حكومي جزئي، في حكومة محمد ولد بلال، بعد 4 أشهر فقط من تعيينها، وأفادت الرئاسة بأن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني أراد بالتعديل الذي أقره، "تنفيذ تعهداته".

وقتها، أراد الغزواني إغلاق الطريق أمام المعارضة، التي اتهمته بالإبقاء على متهمين بالفساد في مواقعهم بالسلطة، ويبدو أن النظام الجديد أراد إبعاد شبهة التواطؤ مع المتهمين عن نفسه.

وقتها، أفادت الرئاسة في بيان أنها أقدمت على "إقالة جميع الوزراء والمسؤولين الذين وردت أسماؤهم في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المكلفة بالتحقيق في قضايا فساد عشرية الرئيس السابق "محمد ولد عبد العزيز" (2009- 2019)"، لكن يبدو أن هذه الرواية لم تكن سليمة.

وفي الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول 2020، احتج البرلمان على إعادة الثقة في بعض المتهمين في قضايا فساد، والذين تجري بحقهم التحقيقات، وتعيينهم في مناصب بارزة، والإبقاء على آخرين في مناصبهم.

برلمان منقسم

أحمد تيجاني تيام الأمين العام للحكومة، كان أحد المستبعدين من منصبه خلال التعديل، لكن خلفه "جا مختار ملل"، الذي شغل في السابق منصب وزير العدل ووزير الوظيفة العمومية، وكان الاسم الأكثر إثارة للجدل بسبب شموله في تحقيقات الفساد.

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2020، انسحب نواب المعارضة من جلسة خاصة عقدتها اللجنة المالية في البرلمان احتجاجا على حضور الأمين العام للحكومة جا مختار ملل، بوصفه أحد المشمولين في ملفات فساد بيد القضاء.

وتحدث النائب محمد الأمين ولد سيدي مولود قبل انطلاق الجلسة، واصفا حضور الأمين العام للحكومة أمام النواب بأنه "يمثل إهانة للبرلمان ولجنة التحقيق والشعب الموريتاني وله شخصيا".

وقال ولد سيدي مولود: "السلطة التنفيذية مارست الازدواجية في تعاطيها مع الشخصيات المشمولة في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المحال إلى القضاء بإقالة بعضهم ثم إعادة الثقة في آخرين".

واعتبر النائب ومقرر الميزانية في البرلمان، أنه يجب على المطالبين بالإنصاف رفض هذه الازدواجية، ليستجيب نواب المعارضة لدعوته ويغادرون قاعة الجلسة.

لكن نائب رئيس حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، يحيى ولد الوقف، نفى أن يكون هناك تباطؤ في الملف. وأضاف، في تصريحات سابقة لصحيفة محلية، أن "مثل هذه الملفات تحتاج إلى وقت لاستكمال التحقيقات. المهم أن لا يظلم أي شخص".

وبخصوص تعيين مشمولين في الملف بمناصب حكومية، قال: "هؤلاء الأشخاص موظفون بالدولة، ويمكن أن يتم تعيينهم في أي منصب حكومي ما لم تتم إدانتهم".

سيناريو التحقيق

تشكيل البرلمان لجنة تحقيق في قضايا الفساد خلال فترة حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كان أبرز ما شغل الرأي العام في موريتانيا خلال عام 2020.

افتتح البرلمان أعماله في يناير/كانون الثاني 2020، بتشكيل اللجنة والتحقيق في ملفات الفساد، وفي يونيو/حزيران 2020 انتهت اللجنة من إعداد تقريرها الذي أحيل بعدها إلى القضاء.

خلال فترة عملها استمعت اللجنة، إلى مسؤولين بينهم وزراء في عهد ولد عبد العزيز، وتضمنت تحقيقات اللجنة أنشطة خارجة عن القانون تخص صندوق العائدات النفطية (حكومي)، وبيع عقارات مملوكة للدولة، إضافة إلى صفقات بنية تحتية غير شرعية.

ومنذ ذلك التاريخ، تُجري شرطة الجرائم الاقتصادية بحثا حول ملفات الفساد التي اتهم فيها الرئيس السابق، وعدد من المقربين منه ووزراء سابقون، لكن لم يتم إدانة أي منهم حتى الآن.

وكشفت مصادر على علاقة بالتحقيق الذي تجريه شرطة الجرائم الاقتصادية فيما بات يعرف بـ"ملفات فساد العشرية"، لوكالة "الأخبار" المستقلة، عن اكتمال محاضر التحقيق مع المشمولين في الملف، وتوقعت إحالته قريبا إلى النيابة العامة.

وأفادت الوكالة، استنادا إلى مصادرها، بأن شرطة الجرائم الاقتصادية بدأت منذ الثلاثاء 5 يناير/كانون الثاني 2020، استدعاء المشمولين في الملف لتوقيع المحاضر النهائية في خطوة أخيرة قبل تسليم الملف إلى النيابة العامة لتوجيه الاتهامات الرسمية إلى المشمولين فيه أو تبرئتهم.

فساد بالملايين

في تحقيق ميداني، نشره موقع "العربي الجديد"، ظهر أن شركة "سوكوجيم"  شهدت "مخالفات مالية" خلال ترؤس سيدي ولد سالم للشركة، وفق تقرير محكمة الحسابات الصادر في أبريل/نيسان 2017.

ويشغل ولد سالم إلى الآن، منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الاتصال والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة.

ومن بين المخالفات: "منح مبالغ غير مبررة لصالح البنك الموريتاني للتجارة الدولية (BMCI) بمبلغ 381.5 مليون أوقية (10 ملايين و95 ألف دولار) على شكل وثائق احتساب مستحقة وغير مسددة، لكن بعد التثبت من الوثائق تم التأكد من عدم وجود هذا الاحتساب المستحق وغير مسدد".

ويعد تقرير محكمة الحسابات، بحسب التحقيق، أن هذه المبالغ غير المبررة من شأنها أن تشكل "اختلاسا" وفقا للمادة 379 من المدونة الجنائية الصادرة في 9 يوليو/تموز 1983.

ولضمان حق الرد تواصل معدّ التحقيق مع الوزير ولد سالم من خلال تعبئة "استمارة طلب مقابلة" تضمنت الغرض من اللقاء، فضلا عن التواصل "تليفونيا" لكنه لم يتجاوب، وفق التحقيق الصحفي المنشور مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وشغل المسؤول الثاني الذي يجري التحقيق معه في قضايا الفساد، الناني ولد الشروقة، منصب وزير الصيد والاقتصاد البحري خلال الفترة من 12 فبراير/شباط 2014، حتى 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

كما عين وزيرا لـ"لإسكان والعمران والاستصلاح الترابي" من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حتى إعادة تعيينه وزيرا للصيد في الحكومة السابقة التي تم تشكيلها في 22 أغسطس/آب 2019. وقدمت استقالتها في 6 أغسطس/آب 2020. 

ووثقت التقارير، بحسب التحقيق، مسؤولية الوزير عن غياب الإطار القانوني المنظم لتسعيرة الولوج إلى الثروة، وسوء ضبط سجلات ترقيم سفن الصيد، وغياب وثائق المنافسة، وغياب الوثائق المتعلقة بتنفيذ الصفقات.

كما أشارت التقارير إلى إبرام عقود مجاملة خلال عمله في الوزارة خلال الفترة من 12 فبراير/شباط 2014، حتى 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وفق تقرير محكمة الحسابات (2016 /2017) الصادر في يوليو/تموز 2019.

طي الملف

الكاتب والصحفي الموريتاني، محمد ولد الندى، رأى أن ما وقع في البرلمان كان من نواب معارضين أساسا، أما الموالون فقد التزموا الصمت، سواء تجاه التعيينات أصلا، أو بخصوص زيارة المشمولين في ملف الفساد للبرلمان لنقاش ميزانيات قطاعاتهم بمشروع ميزانية 2021.

وتابع ولد الندى في حديثه مع "الاستقلال": "هذا مؤشر جليّ على انفراط عقد الإجماع البرلماني، الذي ساير ملف التحقيق من بدايته بالتصويت على إنشاء اللجنة، وحتى التصويت على التقرير وإحالته للقضاء".

ويفهم من تعيين السلطات لبعض المشمولين في ملف الفساد، وفق المتحدث، وإبقائها لآخرين في مناصبهم بأنها "محاولة لتقسيط ردة الفعل من طي هذا الملف، أو قصره على أشخاص محدودين، وملفات محدودة، وذلك عبر تعيين المشمولين فيه بشكل تدريجي، واستغلال عامل الزمن في ذلك".

ويجد الصحفي، أن المفارقة، في أن تتحدث السلطة في بيان صدر عقب التعديل الحكومي، وإخراج الوزراء المشمولين في ملف الفساد من التشكيل الحكومي بأن هدف ذلك هو تفريغهم للدفاع عن أنفسهم أمام القضاء.

فيما أكدت الرئاسة أن الثقة ستعاد في أي شخص تثبت براءته، كما تحدث الوزير الأول الجديد (وكان للغرابة أحد المشاركين في أحد ملفات الفساد محل التحقيق) عن التزامه بإقالة أي مسؤول يثبت عليه الفساد.

ويعتقد ولد الندى، أنه "لا يمكن للحكومة أن تتحدث عن عدم حساسية المناصب التي أبقي فيها المشمولون في هذا الملف، أو عُينوا فيها من جديد، فأحدهم عين وزيرا أمينا عاما للحكومة، وآخر أبقي مديرا عاما للشركة الوطنية للصناعة والمناجم "سنيم" والتي توصف بأنها شريان الاقتصاد الموريتاني، وثالث اختير أمينا عاما لوزارة المياه".

أصابع الإمارات

شدد الصحفي على أنه "من الواضح، أن تعيين هؤلاء ليس سوى خطوة نحو إغلاق الملف، أو تحجيمه بإخراج العديد من المشمولين فيه، ويدعم ذلك اقتصار الاحتجاج والاعتراض على نواب المعارضة دون غيرهم من نواب الموالاة الذين يشكلون أغلبية داخل البرلمان.

وفق متابعين، فإن الحرب على الفساد في موريتانيا كانت مجرد أداة في يد الرئيس الجديد "ولد الغزواني" وفريقه ضد صديقه "اللدود"، ورفيق دربه لعقود في المؤسسة العسكرية وفي الحكم، الرئيس السابق "ولد عبد العزيز"، حسبما يقول ولد الندى.

وقال المتحدث لـ"لاستقلال"، إنه يجري الحديث عن ضغوط خارجية على النظام الموريتاني لتوقيف الملف، وخصوصا من الإمارات، والتي جرى الحديث عن التزامها للرئيس السابق بعدم المتابعة القضائية أو مصادرة الأموال، ضمن تسويات رعتها معه قبل مغادرته للسلطة.

وختم الصحفي والكاتب بالقول: "كان لعامل الزمن دوره في إحباط العديد من المتابعين، فالملف يقترب من إكمال عامه الأول بداية من التحقيق البرلماني الذي أخذ نصف عامه الأول، فيما أخذ التحقيق القضائي النصف الآخر".