كيانات وشخصيات.. ما مدى تأثر نظام الأسد بعقوبات واشنطن الاقتصادية؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال الولايات المتحدة تفرض عقوباتها بموجب قانون "قيصر" على شخصيات وكيانات سورية، في إطار مساع متواصلة لإيقاف تمويل نظام بشار الأسد، ودفعه للعودة إلى المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الدائرة منذ اندلاع الثورة في عام 2011.

وقيصر، هو الاسم المستعار لمصور سابق في جيش النظام السوري خاطر بالفرار عام 2014. من البلاد، وبحوزته 55 ألف صورة مسربة لأعمال وحشية وتعذيب حتى الموت، ارتكبت في سجون النظام السوري.

ودخل قانون "قيصر" حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2020. بهدف زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الأسد، ومحاصرة ومعاقبة حلفائه بغية إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن (2254).

خنق النظام

وبخصوص مدى نجاح العقوبات الأميركية في تحقيق أهدافها وتأثيرها على نظام بشار الأسد، قال الخبير السياسي السوري، ياسر النجار، لـ"الاستقلال": إن "العقوبات نقرؤها في مسارين، الأول: أنها كرست عدم مشروعية النظام، والاعتراف بأنه مسؤول عما يجري في سوريا من جرائم".

وأضاف النجار: أن "توصيف النظام بأنه مستهدف أمام القانون الأميركي، يعني أنه قد يدفع دولا أخرى للسير في الاتجاه ذاته"، لافتا إلى أن "الكتاب الذي وجهته شخصيات معارضة سورية قبل مدة إلى بريطانيا، كان غايته تفعيل دور العقوبات على شخصيات محسوبة على النظام وتحمل جنسيات بريطانية، ولا سيما زوجة رئيس النظام وعائلتها، فالكل متورط بعمليات تبييض الأموال ودعم النظام في قتل السوريين".

أما السياق الآخر، فهو أن "مثل هذه العقوبات حدّت بشكل جازم من سياسة روسيا الساعية لفك الحصار السياسي على النظام، وإعادة تدويره وتفعيله على مستوى العلاقات مع دول كثيرة، وفي مقدمتها دول عربية، إضافة إلى دول غربية كان لديها توجه متساهل بالتعامل مع النظام عام 2019".

وفي الجانب الاقتصادي، قال النجار: "النظام يجيد التلاعب وتبييض الأموال والسير على الحبال وتجاوز مثل هذه العقوبات، سواء في عهد حافظ الأسد أو بشار، إضافة إلى حليفيه "روسيا - إيران" المشمولتين بهذه العقوبات كونهم شركاء بجرائم النظام، لذلك هم يدعمونه بشكل نسبي لتجاوز هذه العقوبات".

ورأى أن "العقوبات على المدى الطويل ستكرس حالة العجز الكامل لدى النظام في الجانب الاقتصادي، وسيكون هناك تبعات لذلك، ولكن مثل هذه العقوبات على المدى القصير لن تؤدي إلى إسقاط النظام، إذ تسعى واشنطن إلى تطويعه واستنزاف جميع الدول المتدخلة في الواقع السوري".

ولفت إلى أن "الشارع السوري لا يعول على نجاح مثل هذه العقوبات من أجل التوصل إلى حل سياسي في سوريا، لأن ذلك يجب أن يبنى على إدارة دولية وأميركية واضحة".

وأشار إلى أن "الشعب السوري أحوج ما يكون إلى حل سياسي وعملية تغيير في السلطة الحاكمة، من أجل الانتقال بسوريا إلى حالة الاستقرار وإيقاف نزف دماء وثروات السوريين".

وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي، "محمود عثمان" خلال تصريحات صحفية في 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن العقوبات، جزء من إستراتيجية أميركية لإضعاف النظام دون إسقاطه، وجاءت متدرجة وتؤثر بشكل كبير على استهداف بنيته، لكنها بالتأكيد لن تجعله ينهار اقتصاديا.

وشدد على أن العقوبات موجهة لحلفاء النظام وليس له مباشرة، وهم الروس والإيرانيون تحديدا، لأنهما تمنعان سقوطه، ولذلك هو استهداف أميركي ضد هاتين الدولتين.

ولفت إلى أن الروس والإيرانيين سيتداركان العقوبات ويمدان النظام بكل سبل البقاء على قيد الحياة، لكن المواطن في مناطق النظام سيتحمل عبء العقوبات، وهي بالتأكيد مسار أميركي يستنزف حلفاء النظام بطريقة أو بأخرى.

وأكد "عثمان" أن خطوة كهذه تجر الآخرين لطاولة المفاوضات، لكن بحالة ضعف، وتجعلهم يذعنون للأمم المتحدة، وتجبر كافة الأطراف على قبول الحلول المطروحة، وسط حالة الرفض الجماعي من الجلوس سوية.

ونوّه إلى أن جلب الأطراف للطاولة، سيولّد حزمة تفاهمات، تتضمن إنهاء هذه العقوبات خاصة على المؤسسات السيادية بالدولة، لكن في حال استمر الوضع على ما هو عليه، "أعتقد أننا مقبلون على عقوبات جديدة". 

خريطة العقوبات

رصدت صحيفة "الاستقلال" خريطة العقوبات الأميركية في سوريا، على مدار ستة أشهر، إذ طالت منذ إطلاقها في يونيو/حزيران 2020، نحو 109 كيانات وشخصيات عسكرية وأخرى سياسية واقتصادية، من ضمنهم رئيس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء، وشقيقه ماهر، ونجله حافظ.

في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، أطلقت واشنطن الحزمة السادسة من العقوبات التي فرضتها على النظام السوري بموجب "قانون قيصر"، مؤكدة أنها ستواصل استهداف من يطيلون أمد الصراع بسوريا.

وقال وزير الخارجية الأميركي، "مايك بومبيو"، في بيان: إن وزارته فرضت عقوبات على أسماء الأسد المولودة في بريطانيا، متهمة إياها بعرقلة الجهود الرامية إلى حل سياسي للحرب، إلى جانب عدد من أفراد أسرتها. وهي المرة الثانية التي تفرض فيها واشنطن عقوبات على زوجة الأسد، بعد عقوبات سابقة صدرت عليها في يونيو/حزيران 2020.

في الوقت نفسه، أعلنت واشنطن أيضا فرض عقوبات على مسؤولين، و10 مؤسسات مرتبطة بالنظام السوري، بينها المصرف المركزي، وفق بيان صادر عن وزارة "الخزانة الأميركية".

وأفادت بأن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، فرض عقوبات على مسؤولة رفيعة المستوى، وزوجها عضو البرلمان، ومؤسسات تجارية تابعة لهما.

واستهدفت الوزارة أيضا "مصرف سوريا المركزي"، حيث جرى إدراجه على القائمة، إضافة إلى إدراج واشنطن شخصيتين قريبتين من رئيس النظام، على قائمة العقوبات، هما: لينا محمد نذير الكناية، مديرة مكتب المتابعة في رئاسة النظام السوري، وزوجها محمد همام محمد عدنان المسوتي، وهو عضو في مجلس الشعب.

وبحسب البيان، فإن إجمالي المستهدفين في (الحزمة السادسة) هم شخصان، و9 مؤسسات تجارية، ومصرف سوريا المركزي، الذي قالت وزارة الخزانة: إنه يتمتع بعلاقات عميقة مع إيران.

بحسب وزارة الخزانة، فقد أجرت "لينا الكناية" مجموعة من الأنشطة التجارية والشخصية نيابة عن أسماء الأسد، وترأست سابقا مكتبها. كما أفادت بأن صلات المسوتي، من خلال زوجته، فضلا عن أعماله وممتلكاته المالية الضخمة، تجعل منه برلمانيا مؤثرا بشكل غير عادي.

عناصر تمكينية

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، طالت الحزمة الخامسة من العقوبات الأميركية، مسؤولين عسكريين سوريين، وأعضاء في البرلمان وكيانات تابعة للنظام السوري، فضلا عن أفراد سوريين ولبنانيين تتهمهم بدعم إنتاج النفط السوري لتمويل نظام الأسد.

وأدرجت وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتان على قائمتهما السوداء (19) فردا وكيانا جديدا، أبرزهم: شركتا الصناعة النفطية "أرفدا بتروليوم برايفت جوينت ستوك كومباني" و"ساليزار شيبينغ" ومقرهما في لبنان وسوريا، إضافة إلى المسؤولين عنهما.

وبين الأفراد المستهدفين، مدير المخابرات الجوية "غسان جودت إسماعيل"، ومسؤول في فرع آخر للمخابرات هو "نصر العلي". وبموجب هذه العقوبات تجمد أي أصول محتملة للأفراد المستهدفين في الولايات المتحدة، ويمنع عليهم دخول النظام المالي الأميركي والأراضي الأميركية.

وفي الأول من أكتوبر/تشرين الثاني 2020، أطلقت الولايات المتحدة حزمة رابعة من العقوبات ضد شخصيات وكيانات تابعة للنظام.

فقد ذكرت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها: أن العقوبات موجهة "ضد العناصر التمكينية الرئيسة لنظام الأسد المرتبطة بالفرقة الرابعة من العرب السوريين. الجيش ومديرية المخابرات العامة السورية ومصرف سوريا المركزي".

ومن رجل الأعمال والعسكريين الذين طالتهم العقوبات، "خضر بن علي طاهر"، و"نسرين ورنا" ابنتا حسين إبراهيم، واللواء "ميلاد جديد" قائد الفرقة الخامسة، و"حازم يونس قرفول" حاكم مصرف سوريا المركزي، واللواء "حسام محمد لوقا" مدير المخابرات العامة.

أما الشركات فهي: "العلي والحمزة، القلعة للحماية والحراسة والخدمات، إيلا للخدمات الإعلامية، إيلا للسياحة، إيما، إيما تيل للاتصالات، إيما تيل بلاس، الياسمين للتعهدات، النجم الذهبي التجارية، السورية للمعادن والاستثمار، والسورية للإدارة الفندقية"، وجميعها مملوكة لرجل الأعمال خضر طاهر.

وشملت العقوبات الأميركية في حزمتها الرابعة، أيضا وزارة السياحة السورية، والشركة السورية للنقل والسياحة، التابعة للوزارة رسميا.

مساعدون مقربون

وفي 20 أغسطس/آب 2020، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية في حزمة العقوبات الثالثة، ست شخصيات عسكرية وحزبية تابعة للنظام السوري، وعلى رأسهم "يسار حسن إبراهيم" المسؤول لدى القصر الجمهوري، مساعد رئيس النظام.

وشملت العقوبات أيضا، المستشارة الإعلامية في المكتب الرئاسي، "لونا الشبل"، وأحد كبار مسؤولي "حزب البعث" الحاكم، الرئيس الأسبق لاتحاد طلبة سوريا، المتهم بقيادة "منظمة سهلت دخول طلاب الجامعات إلى الميليشيات التي يدعمها الأسد" وهو "محمد عمار الساعاتي".

وضمت الحزمة الثالثة أيضا، ثلاثة مسؤولين عسكريين، تدعم إيران اثنين منهم وهما قائد قوات "الدفاع الوطني" فادي صقر، وقائد فوج "الحيدر" في قوات العميد سهيل الحسن سامر إسماعيل، إضافة إلى قيادي كبير في الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وهو العميد "غياث دلة".

وفي السياق، أكد بيان صادر عن وزير الخارجية الأميركي، "مايك بومبيو"، أن "العقوبات الأميركية الحالية تنفذ ضد مجموعة من قيادات الجيش القائمين على أعمالهم والمتقاعدين، كاللواء علي أيوب، والفريق علي مملوك، والعميد بسام الحسن، والفريق جميل حسن، والفريق محمد ديب زيتون، والعميد سهيل الحسن، والفريق رفيق شحادة، والفريق عبد الفتاح قدسية".

وفي الحزمة الثانية من العقوبات التي أطلقتها واشنطن في 29 يوليو/تموز 2020، أدرجت اسم حافظ الأسد، ابن رأس النظام السوري، ضمن العقوبات بموجب "قيصر"، إلى جانب زهير الأسد ابن توفيق الأسد، عم بشار، والأخ غير الشقيق لحافظ الأسد، وهو القائد السابق للفرقة الأولى، ورئيس أركان الفيلق الثاني حاليا في جيش النظام.

وتشمل العقوبات كذلك كرم ابن زهير الأسد، والفرقة الأولى التي كان يقودها والده، والمتهمة بارتكاب جرائم حرب ومجازر ضد المدنيين السوريين، كما ستشمل العقوبات من الناحية الاقتصادية رجل الأعمال السوري "وسيم أنور القطان"، مالك شركة "مروج الشام للاستثمار والسياحة".

وحملت الحزمة هذه من العقوبات أسماء (14) شخصا وكيانا من النظام أو مرتبطين به بشكل مباشر، أدرجت منهم وزارة الخارجية الأميركية ثلاثة أسماء، إضافة إلى الفرقة الأولى في جيش النظام، إضافة إلى اسم (القطان) وتسعة كيانات، وشركات تم إدراجها من وزارة الخزانة.

أما الحزمة الأولى من العقوبات، والتي بدأت في 19 يونيو/تموز 2020، فقد شملت أسماء 39 شخصية وكيانا مرتبطا بالنظام السوري، من بينهم رئيس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء.

وشملت أيضا إدراج "الفرقة الرابعة" وقائدها "ماهر الأسد" واثنين من ضباط الفرقة المهمين في العقوبات، إضافة إلى رجل الأعمال السوري البارز "محمد حمشو". وكذلك شملت ميليشيا "فاطميون" الأفغانية، التي أسسها "الحرس الثوري الإيراني" وتمولها إيران مباشرة.

وبدا واضحا أن من أهداف العقوبات، تقويض الآلة العسكرية للنظام من خلال الفرقة، وخصوصا العميد "غسان بلال"، ضابط أمن الفرقة ومدير مكتب ماهر الأسد، وقائد اللواء 41 مدرعات، العميد "سامر الدانا".

وشملت العقوبات الأميركية الشركات المنخرطة في مشاريع كبرى لحقبة ما بعد الحرب في سوريا، بما فيها مجمع "ماروتا سيتي"، السكني الفخم ومدينة "غراند تاون" السياحية، وهو مشروع تطويري قرب مطار دمشق، من المقرر أن يشمل فندقا فخما وملعب غولف.