"الأطراف الخارجية".. خطر يحدق بالجزائر أم "شماعة" للفشل الحكومي؟

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في أول ظهور علني بعد غياب "صحي" دام شهرين، قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في كلمة للشعب عبر مقطع فيديو مصور نشر على حسابه في تويتر: إن "الجزائر قوية، وأقوى من كل ما يظنه البعض، والأوضاع السياسية التي تجري في المنطقة كنا ننتظرها".

ووجه الرئيس الذي ظهر في 13 ديسمبر/كانون الثاني 2020. من ألمانيا لطمأنة مواطنيه على حالته الصحية، رسالة واضحة للخارج، لكن رسالته لم تكن الوحيدة، فقد سبقتها وتلتها رسائل أخرى من مسؤولين جزائريين لـ"أطراف خارجية". 

وإن لم يحدد كل المسؤولين هذه الأطرف، إلا أن المتابع للأحداث يمكنه أن يدرك بأن "محيط الجزائر يغلي"، فقد دارت أزمة في الجوار بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، وتلتها تطورات موازية، حيث أجمع مراقبون جزائريون أن وجود الإمارات -التي فتحت قنصلية في إقليم الصحراء- يمس بأمن بلادهم. 

التحديات الخارجية تزامنت مع أخرى داخلية، تسببت فيها تبعات الأزمة الصحية للرئيس تبون، وتأجيل المصادقة على قانون الميزانية، وتفعيل الدستور الجديد، جعلت التساؤلات تطرح حول ما إذا كانت تصريحات المسؤولين نابعة فعلا عن خطر يحدق بالجزائر، أم فشل حكومي في تدبير المرحلة.

رصّ الصف

رئيس الوزراء الجزائري "عبد العزيز جراد"، انتقد ما وصفه بـ"المناورات الأجنبية" الهادفة إلى زعزعة استقرار البلاد، مشيرا إلى رغبة إسرائيل في الاقتراب من الحدود الجزائرية.

وقال "جراد" في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في أول رد فعل للجزائر على القرار الأميركي للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية: "هناك مناورات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر، إننا نشهد اليوم على حدودنا حروبا وعدم استقرار".

وأضاف "جراد"، في إشارة إلى إسرائيل: "هناك الآن رغبة لدى الكيان الصهيوني في الاقتراب من حدودنا"، مشددا على "ضرورة تكاتف كل الجزائريين وحل المشاكل الداخلية".

وتأتي هذه التصريحات بعد يومين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما.

وفي 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، شدد رئيس البرلمان، "سليمان شنين"، في كلمته بالبرلمان، على أن ”‏الأمواج العاتية تحيط بالجزائر من كل جهة، وتحتاج من كل القوى السياسية والمجتمع المدني رص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية “.

وأشار شنين، إلى أن ”المرحلة لا تحتاج المقايضة ولا الاشتراطات الزائدة، ومعركتنا معركة وجود"، قبل أن يضيف: ”رسالتنا واضحة نريد لبلدنا أن يبقى قويا مثلما قال الرئيس وكل الفاعلين في البلد، وتبقى لحمة شعبنا متراصة".

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول، انتقد المتحدث باسم الحكومة، "عمار بلحيمر"، المواقف والقرارات الصادرة عن البرلمان الأوروبي، بشأن قضايا حقوق الإنسان في الجزائر.

واعتبر الوزير الجزائري في حوار صحفي، أن "هدف هذه المواقف واضح ومعلوم، وهو أنها تحمل في ثناياها دعوة إلى التدخل في شأننا الداخلي، وخدمة لمصالح أطراف معينة".

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذهب رئيس أركان الجيش، "السعيد شنقريحة"، إلى القول: إن "حملات مسعورة من قبل دوائر معادية معروفة، لم يعجبها الخط الوطني الصادق والشجاع، الذي تم تبنيه من قبل السلطات العليا للبلاد".

ورأى أن "إفشال هذه المحاولات الخبيثة، يتطلب بذل الجهود الكفيلة بتوحيد الصف الداخلي، من خلال تعبئة الرأي العام الوطني، وتوعيته بالأهداف الخفية لهذه الجهات المعادية، وتجنيد كافة الفاعلين على الساحة الوطنية".

وحث "شنقريحة"، في كلمته خلال نشاط عسكري، على "الالتفاف حول قيادة البلاد، وإفشال كافة المخططات الخبيثة"، مؤكدا: "إننا على ثقة كاملة في وعي شعبنا وإدراكه العميق، لكافة التحديات، التي يتعين رفعها، والرهانات الواجب كسبها في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، التي تعيشها بلادنا".

ملفات عالقة

بعد أن أنهت الجزائر كافة استعداداتها للاستفتاء على التعديلات الدستورية، الذي أجري في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تفاجأ الجزائريون بالإعلان عن نقل الرئيس "تبون" إلى أحد مستشفيات ألمانيا، لإجراء فحوصات طبية، حسبما ذكر بيان رئاسة الجمهورية في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

قبلها دخل "تبون" في عزل صحي لمدة 5 أيام بناء على نصيحة أطبائه بعد أن ثبتت إصابة العديد من مساعديه والمسؤولين الحكوميين بفيروس كورونا.

صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قالت: "غياب تبون منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد إصابته بكورونا، يُذكّر بغياب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويشكل مصدر قلق في البلاد، خاصة في ظل صمت السلطات الذي يثير التساؤلات، ويغذي الشائعات أكثر، وينزع المصداقية عن بياناتها الرسمية".

سياسيا، استكمل مشروع التعديل الدستوري، كامل الخطوات الضرورية لاعتماده، ولم يبق له سوى توقيع رئيس الجمهورية حتى يُنشر النص في الجريدة الرسمية، ويصبح ساري المفعول، ويمهد لحل البرلمان الحالي، والبدء في إجراء انتخابات تشريعية، وفق الدستور الجديد.

ولا يزال مشروع ميزانية البلاد معلقا دون توقيع رئيس الدولة من أجل إنفاذه، منذ مصادقة نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2021. خلال جلسة علنية ترأسها رئيس المجلس "شنين"، وحضرها وزير المالية "أيمن بن عبد الرحمن" وعدد من الوزراء.

وتأتي هذه الميزانية في ظرف صعب واستثنائي، تشهده البلاد جراء تراجع أسعار النفط وأزمة كورونا، حيث يتوقع أن يرتفع عجز الميزانية خلال 2021. إلى 57.13 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 4.10 بالمائة في قانون المالية التكميلي لـ2020، كما يتوقع تسجيل ارتفاع في نسبة التضخم ليبلغ 50.4 %.

من جهة أخرى، تزامن غياب "تبون"، في وقت شهدت فيه الساحة الليبية تطورات سريعة، بدأت بإقرار وقف شامل لإطلاق النار، مهد لحوار "ليبي ليبي" مباشر في تونس، اختتم بالاتفاق حول موعد الانتخابات نهاية العام 2021.

وعلى الحدود الأخرى، ارتفع منسوب التوتر بين الرباط وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر، حيث شهد "معبر الكركرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا توترا خلال الأيام الماضية.

تحديات داخلية

وستشهد الجزائر، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، انكماشا بنسبة 5.2% في 2020، وعجزا في الميزانية هو الأعلى في المنطقة؛ بسبب انهيار أسعار المحروقات، بالتزامن مع تداعيات الأزمة الصحية.

وتبقى القوة الاقتصادية الرابعة في القارة الإفريقية، عرضة لتقلبات أسعار النفط، بفعل تبعيتها للعائدات النفطية التي تمثل أكثر من 90% من إيراداتها الخارجية.

وكان وزير المالية الجزائري، "أيمن بن عبد الرحمن"، قدّر في يوليو/تموز الماضي، حجم خسائر الشركات العامة جراء أزمة "كورونا" بنحو مليار يورو.

وتتوقع الحكومة في قانون المالية 2021. عجزا هائلا يقارب 2700 مليار دينار (17,6 مليار يورو)، ما يمثل حوالي 14% من إجمالي الناتج الداخلي، بالمقارنة مع 2380 مليار دينار (13 مليار يورو) عام 2020.

وفي مطلع أيار/مايو الماضي، استبعد الرئيس تبون، بشكل قاطع باسم "السيادة الوطنية"،  اقتراض أموال من صندوق النقد الدولي، وهيئات مالية دولية.

لكن الحكومة الجزائرية أعدت خطة للانتعاش الاقتصادي، وقررت في بداية أيار/مايو، خفض ميزانية تسيير الدولة إلى النصف.

وفي قانون المالية التكميلي لسنة 2020. تم إقرار انخفاض إيرادات الميزانية إلى حوالي (38 مليار يورو)، مقابل (44 مليار يورو) كانت متوقعة في الميزانية الأصلية. 

استهداف خارجي

قد يسعى المسؤولون الجزائريون إلى تعليق فشل تدبير المرحلة على "شماعة" الاستهداف الخارجي، لكن هذا لا يمنع وجود بعض المضايقات.

عندما افتتحت الإمارات قنصلية لها في مدينة "العيون" بإقليم الصحراء، دعما لفرض المغرب سيادته على الإقليم، قال مدير معهد الدراسات الإستراتيجية الشاملة (حكومي)، عبد العزيز مجاهد: "خطوة الإمارات بفتح قنصلية لها في منطقة العيون أمر غير معقول، لأن المنطقة لا يوجد فيها أي مواطن إماراتي".

وأشار إلى أن "الأزمة الأخيرة كشفت المستور، وأظهرت لنا الطرف الذي يمكن الاعتماد عليه، ومن هو الحليف والشريك ومن هو خلاف ذلك". 

وربط "مجاهد"، في تصريحاته للإذاعة الجزائرية الرسمية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بين المواقف الإماراتية والموقف الجزائري المعلن من قبل الرئيس تبون، والذي اعترض فيه على موجة التطبيع الأخيرة في المنطقة العربية بقيادة الإمارات، ووصفها بـ"الهرولة".

مجاهد قال: "الجزائر هي من أدخلت فلسطين إلى الأمم المتحدة. كنا نعلم أننا سندفع الثمن لبعض مواقفنا، لكن للحرية ثمن وللاستقلال ثمن، إما أن نكون أحرارا وأصحاب سيادة وإما نخضع ونركع". 

وكانت الإمارات من الداعمين للنظام المستقيل في الجزائر، الذي كان يخدم مصالحها، لكن قواعد اللعبة تغيرت مع تولي السلطة الجديدة للحكم، والتي تتجنب أي احتكاك بالشارع، وقد أظهر الأخير عداء للإمارات خلال الحراك.

مظاهر التغيير بدت واضحة عندما قال الرئيس تبون: إن بلاده "لن تشارك أو تبارك اتفاقات تطبيع العلاقات مع إسرائيل"، في معرض تعليقه على اتفاقي الإمارات والبحرين مع إسرائيل، في 15 سبتمبر/أيلول 2020.

ووصف "تبون" توقيع الاتفاقية بـ"الهرولة للتطبيع"، وشدد على أن القضية الفلسطينية مقدسة للشعب الجزائري برُمته".

محاولة قلب الموازين

قال الأستاذ بقسم العلوم السياسية "جامعة عنابة" بالجزائر، "مراد بن قيطة": إن "المتمعّن في خارطة انتشار الاضطرابات والأزمات في دول الجوار، وتنامي حجم الضغوطات الدبلوماسية، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية، يدرك بوضوح أن هناك إرادة جادة للضغط والتضييق على الجزائر ومحاولة إنهاكها واستنزافها إستراتيجيا في المنطقة".

وأوضح المتخصص في العلاقات الدولية، في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، أن "الأمر أكثر من مجرد تضييق مرحلي يهدف لمحاولة الضغط على الجزائر للتراجع عن بعض مواقفها في المنطقة، بل يتجاوزه لمحاولة قلب موازين القوى الإقليمية، واستهداف كيان الدولة الجزائرية وأدوارها ومواقفها الراسخة".

وعن أسباب تصاعد وتيرة هذا التضييق واتساع دائرته، والذي يتوقع له أن يزداد حدة في المستقبل المنظور، حددها أستاذ العلوم السياسية، في أن منطقة شمال إفريقيا، بدأت تدخل بدورها بقوة ضمن دائرة التنافس، ما بين القوى الدولية حول مناطق النفوذ في العالم وخاصة في حوض المتوسط.

واعتبر "ابن قيطة" أن "مواقف الجزائر الرافضة لسياسات المحاور، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، هي أيضا سبب في هذا التضييق، إلى جانب التقارب الجزائري- التركي، الذي يبدو أنه استثار بشدة بعض الأطراف الإقليمية الرافضة له".

وزاد أستاذ العلوم السياسية، قائلا: إن "احتواء عودة الجزائر كقوة محورية في المنطقة، ومنعها من استعادة أدوارها بفاعلية، خاصة في حلحلة أزمات الجوار"، هو أيضا أحد الأسباب.   

بدوره، قال المحل السياسي الجزائري، "حمزة حسام": "نسبيا، بل ولحد كبير، تعتبر هذه المواقف صحيحة بالنظر إلى حركية الإكراهات والضغوط الإقليمية المتاصعدة في الجوار الإقليمي للجزائر".

واستطرد حسام، في تصريح لـ"الاستقلال": "سواء تعلق الأمر بمسألة الصحراء الغربية أو بمسألة دفع الفديات للجماعات الإرهابية في الساحل، أو بمسارات تسوية النزاع الداخلي في ليبيا، أو حتى بمسألة التطبيع، فإن مواقف الجزائر الرسمية إزاء هذه التطورات، تتعارض مع مواقف ومصالح فاعلين إقليميين، وفوق-إقليميين، وتضعها في مواجهة مباشرة معها".

ولا يستبعد المحلل الساسي، أن "يتحرك هؤلاء الفاعلون بطريقة مباشرة، أو عبر توظيف وكلائهم، من أجل استهداف الجزائر، واستهداف مصالحها وأمنها أيضا، في سياق لعبة جيوسياسية".

غير أن حسام، لفت إلى أن "هذا الاستهداف لا يعني بأن صانع القرار الجزائري لا يوظف المعطى الإقليمي الخارجي، من أجل إبعاد الانتباه عن الإخفاقات السياسية والاقتصادية الداخلية التي تضع الحكومة في مأزق أمام الشعب".