"الزوامل".. تراث يمني سخره الحوثيون في التحشيد لجبهات القتال

سام أبو المجد | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في معارك اليمن، لا تكفي البندقية لدفع المقاتلين الحوثيين لمواجهة أعدائهم في الجبهات والمعارك، فهناك شيء آخر اسمه "الزوامل" أصبح من عدة الحرب لدى عناصر الجماعة الشيعية في اليمن.

ليس في الأمر مبالغة، بل هو ما يحصل فعلا، و"الزوامل" لمن لا يعرفها هي جمع كلمة "زامل"، وتعني القصيدة الشعبية المغناة بلحن تراثي، أو لحن من ألحان الحرب.

تعد "الزوامل" في الأساس جزءا من التقليد اليمني، وكانت أبياتها الملحّنة تُلقى للترحيب بالضيوف أو لمديحهم، أو لاسترضاء الخصوم في مواقف التراضي خصوصا بين القبائل.

تطورت "الزوامل" لدى جماعة الحوثي، حتى أصبحت تؤدي دورا كبيرا وجوهريا في التحشيد لجبهات القتال، ودفع المقاتلين في المعارك، وتشكيل وعي المواطنين، واستمالة القبائل، وتمجيد الحركة الحوثية، وحتى الحركات خارج اليمن كحزب الله في لبنان، والحرس الثوري في إيران.

في الجبهات والمتارس يمتلك كل المقاتلين الحوثيين مشغلات "إم بي ثري" أو هواتف ببطاريات طويلة الأجل، يسمعون من خلالها تلك "الزوامل"، لبث الحماسة في نفوسهم، وسماع كلمات تتغنى بهم كمقاتلين شجعان يخافهم العدو ويخشى إقدامهم.

الباب الخلفي

في كتابه "اليمن من الباب الخلفي" أشار المستشرق الألماني "هانز هولفرتيز"، إلى أن أهل اليمن (عموما) يعتقدون بأن مجرد إنشاد هذا النشيد الذي يسمى "زامل" كفيل ببث الفزع في قلوب الأعداء.

يقول أحد الشباب المراهقين، الذين كانوا يقاتلون في صفوف الحوثي، وتم أسرهم من قبل قوات الجيش اليمني في مأرب: "كانت الزوامل تمنحنا الإقدام والشجاعة، كنا لا نستطيع أن نقاتل إلا بعد سماع زوامل عيسى الليث (منشد حوثي)، وكان لدينا جهاز "إم بي ثري" نقوم بشحنه ببطارية سيارة كانت لدينا في المترس، ونسمع باستمرار كل الزوامل".

يضيف الشاب في مقابلة له مع قناة "بلقيس" الفضائية في برنامج "لست وحدك" الحقوقي: "لقد كان المشرف يمر علينا باستمرار، ويعطينا التغذية، وينسخ لنا الزوامل الجديدة التي أصدرها عيسى الليث، وكنا نتناقلها بشغف كبير، حيث كانت تمنحنا الطاقة والعزم للقتال".

ويعد "عيسى الليث" أحد أشهر المنشدين والملحّنين الحوثيين، وقد كوّن ثنائيا مع المنشد والملحن الحوثي الشهير "لطف القحوم"، الذي قتل في معركة جبل هيلان في فبراير/شباط 2016.

مثّل مقتل القحوم خسارة كبيرة في صفوف الحوثيين، الأمر الذي دفع عبد الملك الحوثي لمنع رفيقه المنشد عيسى الليث من المشاركة في أي قتال، لأن دوره في الإنشاد أهم من دوره في المعركة بالنسبة لهم.

في واقع الأمر، فإن تلك "الزوامل" مثّلت استخداما ذكيا من قبل الحوثيين، فهي فن تقليدي يمثل الشخصية اليمنية بما تحمله من هوية، ويستجيب لذائقتها الفنية ونوازعها الوجدانية، وتم ربطها بأداء رقصة "البرع" الشهيرة، لتعزز مكانتها في نفوس اليمنيين، وتجعلها أشبه بالعلامة المسجلة.

ولأن أغلب المقاتلين عاطلون عن العمل والدراسة وبلا إنجازات أو طموح، فإن الزوامل تلك تمنحهم امتيازات، وتسد النقص الذي يشعرون به، لتحل مفردات مثل "الشجاعة والصمود والإقدام" مكان النجاح في العمل، والتفوق في الدراسة والطموح، حسب مراقبين.

أصبح المقاتل الحوثي في اليمن، إذا سئل عن مهنته أو تخصصه الدراسي يجيب بأنه "مجاهد"، ليكون هذا الوصف كافيا وغنيا عن العمل والدراسة، وفق متابعين.

إثبات ولاء

تلك "الزوامل" لم يعد سماعها حصرا على الجبهات والمعارك، بل أصبحت جزءا من المشهد اليومي في المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فلا تكاد تجد مكانا أو شارعا في صنعاء إلا وصوت "الزامل" يصدح من إحدى جنباته وزواياه.

المدارس، المحلات، السيارات، الدراجات النارية، كلها تقوم بتشغيل الزوامل، وبأصوات عالية، من غير أن يجرأ أحد على اعتراضهم أو الطلب منهم بتخفيض مستوى الصوت.

لم يعد تشغيل الزوامل فقط من أجل المتعة بسماع القصائد والألحان، بل صار يمارسه بعض المواطنين، للإشارة إلى تقديم الولاء لجماعة الحوثي، وهو أمر قد يحتاجه البعض للحصول على بعض التسهيلات كالمرور من نقاط التفتيش بدون تشديد أو تسجيل مخالفات.

"آل البيت"

أدت "الزوامل" ببعديها الديني والسياسي دورها في خلق وعي العامة، فهي تمجد النبي محمدا عليه الصلاة والسلام، ثم تقوم بإسقاط تلك الصفات على آل بيت النبي، حيث يدعي عبد الملك الحوثي وجماعته، الانتماء لآل البيت وسلالته الهاشمية، وفق متابعين.

في إحدى زوامل الحوثيين تقول القصيدة عن النبي محمد عليه السلام، وهي باللهجة المحلية: 

ميلادك أشرق في الزمان الجاهلي والمضطرب: وبدد الظلمات وأخرجنا من الحال التعيب 
والكل بالمولد طرِب والقلب بالهاجس طرب: بالرحمة المهداة للعالم في العصر الكئيب
لبيك رغم البيت الأبيض والكيان المغتصِب: لبيك يا نور الهدى يا صاحب العقل اللبيب
ثم تعطف بأبيات تهدف إلى حشد الناس في مظاهرات بدعوة نصرة النبي في تاريخ مولده فتقول:
يا سيدي يا شبل عبد الله عبد المطلب: يا ابن هاشم يا رسول الله يا طه الحبيب
هذا هو الشعب الموالي والمناصر والمحب: هذا اليمن ذي بالرسالة جاك مؤمن مستجيب
وبمولدك بنحيي الذكرى ويغضب من غضب: وبنجعل المولد رسالة للبعيد وللقريب
وتسترسل القصيدة في مديح النبي حتى تصل لتمجيد الحوثيين لتقول فيهم: 
لله في منهج محمد وآله اسجد واقترب: يا شعبنا.. ابرأ من أميركا وعبّاد الصليب
اللي يعادي آل طه في السعير الملتهب: ومن تولى آل طه له في الجنة نصيب.

"شرك ذهني"

في حديث "للاستقلال" يقول الكاتب والإعلامي اليمني عبد الله الحرازي: "يأتي الجانب الفني للموروث القبلي والعشائري اليمني على الإثارة الحماسية للغرض التحشيدي لمقاتلي القبيلة، وهو أمر يعود لزمن الصراعات القبلية البينية، في مراحل ما قبل الدولة، واستمر كموروث للقبيلة اليمنية".

مضيفا: "ويتجلى ذلك في الإيقاع الحربي لرقصة البرع، التي تعد بمثابة النشيد الوطني لكل قبيلة، حيث لكل قبيلة إيقاع خاص بها، وبالتالي رقصة مختلفة لرجالها، رغم تطابق الملامح العامة لهذه الرقصة باستخدام ذات الأدوات (الطبول) وذات التكنيك في الرقص المصاحب للسلاح".

يضيف الكاتب اليمني المقيم في هولندا: "وإلى جانب إيقاع ورقصة البرع هناك فن الزامل، المرتكز على أهم جنس أدبي لدى العرب، وهو الشعر الذي يوصف بأنه ديوان العرب بطبيعة الحال، والزامل عبارة عن أهازيج بألحان محددة تستخدمها كل القبائل دون تخصيص للحن دون آخر كما هو حال إيقاع البرع".

وتابع: "لكن ما يختلف في كل مرة هي الكلمات الشعرية المستخدمة، والتي لا بد أن تكون صياغتها الشعرية غاية في البلاغة والقوة، وتتنوع في كل حدث أو مناسبة، وقد يخلد بعضها في الذاكرة لعدة أجيال بين مختلف القبائل".

يتابع الإعلامي اليمني: "لا تخرج مواضيع الزامل في الحروب عن تمجيد الذات وتحقير الخصم، وتختتم بمزيج من التهديد والتحدي، وفي السلم يكون موضوعها الغالب، هو حل الإشكاليات، والصلح والتراضي بين المتنازعين، أو تبادل التحايا بين القبائل والترحيب بالضيف في المناسبات الاجتماعية".

تراث محلي

يضيف الحرازي: "هذا النوع الفني القبلي (الزامل) بألحانه الراقصة والقلقة، المشعلة للحماسة، هو ما ركزت عليه الميليشيا الحوثية بشكل لافت ومدروس ومبالغ فيه كأحد أهم أدواتها للتحشيد، لما لمسته من أثر ذلك في نفوس شباب القبائل البسطاء والمتحفزين على الدوام، نتيجة طرق تربيتهم العشائرية للبحث عن أمجاد للذات والقبيلة".

ويقول الحرازي: زادت عليها الخلطة الميليشياوية الحوثية بتوابل الدين والدفاع عنه مقابل بقية اليمنيين (الكفرة أو المنافقين بالمقاييس الحوثية) فاكتملت أركان "الشَرَك الذهني" المغذي لوعي المقاتل القبلي، فيسهل توجيهه تماما عبر هذه الأهازيج".

ويضيف: "يصبح تكرار هذه الزوامل على مسامع المقاتلين وردا يوميا يحافظ على جذوة الرغبة في القتال لأطول فترة ممكنة، ولا يكاد يمر أسبوع دون إنتاج زامل جديد من قبل عدة مؤسسات حوثية أصبحت متخصصة في هذا النوع من الإنتاج السمعي".

الكاتب اليمني ختم حديثه بالقول: "بطبيعة الحال هذه آلية الإنتاج المسموع لتحفيز المقاتلين، هي ذاتها التي تستخدمها جماعات الإرهاب كالقاعدة وتنظيم الدولة عبر ما يعرف بالأناشيد الدينية".

موضحا: "لكن ذائقة الشعب اليمني الذي يمتلك موروثا فنيا باذخا في تنوعه وثرائه لا تنتعش إلا بالمنتج المحلي، والذي يفوق في جودته الفنية تلك الأناشيد الحماسية بمراحل، توصل من ينتشي بها إلى مرحلة الشراسة وتقبل فكرة التضحية والموت ببساطة".