أزمة الصحراء أم جائحة كورونا.. ما سر تأجيل القمة المغربية الإسبانية؟

12

طباعة

مشاركة

في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، كان من المقرر عقد اجتماع رفيع المستوى بين زعيمي المغرب وإسبانيا في العاصمة الرباط، لكن تقرر تأجيله قبل أيام من انعقاده.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن بيان مشترك لوزارتي الخارجية المغربية ونظيرتها الإسبانية، تأجيل الاجتماع "بسبب الوضعية الوبائية" لكورونا، وهو ما أثار الكثير من التكهنات، خاصة في ظل عدم تغير وضعية جائحة كورونا بين شهري نوفمبر وديسمبر.

اللقاء المؤجل

في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تلقى رئيس الحكومة المغربية، "سعد الدين العثماني"، اتصالا هاتفيا من رئيس الحكومة الإسبانية "بيدرو سانشيز"، تباحث خلاله الجانبان التحضير للاجتماع الرفيع المستوى المغربي - الإسباني الـ12، الذي كان من المقرر عقده في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2020 بالرباط.

وقتها، شدد بيان رئاسة الحكومة المغربية، على أن الجانبين "حرصا على انعقاد الاجتماع، رغم ظروف الجائحة، لأهميته وبالنظر للنتائج المرجوة منه للبلدين".

ومن جهتها، أكدت "ماريا خيسوس مونتيرو"، الناطقة الرسمية باسم الحكومة الإسبانية، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن الحكومتين الإسبانية والمغربية توليان "اهتماما كبيرا" للاجتماع رفيع المستوى.

وقالت خيسوس مونتيرو في مؤتمر صحفي عقدته في ختام أشغال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء: "الاجتماع رفيع المستوى يحظى باهتمام كبير بالنسبة لحكومتي البلدين، بالنظر لأهمية القضايا والمواضيع التي ستتم مناقشتها، مثل دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية وحضور الشركات والمقاولات على جانبي الضفتين، وكذا التدبير المنظم للهجرة".

وأضافت المسؤولة الإسبانية: أن "الحكومتين حريصتان على هذا اللقاء"، من أجل بحث ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، مشيرة إلى أن الاجتماع رفيع المستوى المقبل الذي يعد الأول من نوعه منذ 5 سنوات، يتم التحضير له "بعناية واهتمام كبيرين".

5 سنوات

كانت بداية اللقاء رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في عام 1993، بعد سنتين من توقيع معاهدة الصداقة، وحسن الجوار والتعاون، واعتاد الملك على استقبال القادة الإسبان في القصر الملكي تتويجا لهذه القمم الثنائية، حيث فعل ذلك مع "خوسيه ماريا أزنار، وخوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، وماريانو راخوي".

آخر 3 رؤساء في إسبانيا، قبل بيدرو سانشيز، تم استقبالهم في المغرب في مناسبات مختلفة، وفي أوقات شهدت توترا في العلاقات بين البلدين.

كان من المقرر أن تأتي القمة، بعد مرور أكثر من 5 سنوات على آخر اجتماع احتضنته "مدريد"، جمع رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، ونظيره الإسباني، مريانو راخوي، على أن تناقش سبل تعزيز التعاون بين البلدين اقتصاديا، وأمنيا، وسياسيا.

ويبقى أبرز هذه الملفات، ملف الهجرة غير النظامية، والضغط المتزايد، الذي بات يفرضه وصول أفواج كبيرة من المهاجرين لجزر الكناري، انطلاقا من الشواطئ الجنوبية للمغرب.

بعد إعلان تأجيل الاجتماع بسبب "جائحة كورونا"، أكد بيدرو سانشيز، أن إسبانيا والمغرب تربطهما علاقات "متميزة" ويتقاسمان مصالح مشتركة.

وأوضح سانشيز في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسبانية "لدينا علاقة جيدة للغاية مع المغرب، وهي علاقة متميزة تأخذ في الاعتبار المصلحة المشتركة للبلدين".

وقال رئيس الحكومة الإسبانية: إن البلدين يعكفان على دراسة ومناقشة العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل تدبير تدفقات الهجرة، والتعافي والانتعاشة الاقتصادية لما بعد جائحة فيروس "كوفيدـ19"، وكذا قضايا الطاقات المتجددة في ضوء التزام المغرب في هذا المجال والصناعة والتجارة والسياحة.

وأكد سانشيز أن إسبانيا والمغرب يتقاسمان "نفس الاهتمام لعقد الاجتماع رفيع المستوى الذي تم تأجيله إلى غاية فبراير/شباط 2021، بسبب الوضعية الوبائية الراهنة".

وكان بيان مشترك قد أكد، أن الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا يعد لقاء بالغ الأهمية، لتطوير علاقات الصداقة والتعاون العميقة والمكثفة القائمة بين الشريكين الإستراتيجيين.

وأوضح، أن المغرب وإسبانيا لاحظا أن الوضع الوبائي الحالي يحول دون تنظيم الاجتماع رفيع المستوى في الموعد المحدد بكافة ضمانات السلامة الصحية الملائمة للوفدين.

قضية الصحراء

مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020، نشرت صحيفة "ايل-إسبانيول"، تقريرا قالت فيه: "إن الحكومة بدأت تتخوف من عدم تمكن رئيسها، بيدرو سانشيز، من لقاء الملك محمد السادس، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020".

وأوضحت الصحيفة، أن هناك تخوفات جدية من أن يكون سانشيز أول رئيس حكومة إسباني لن يُستقبل في القصر الملكي في الرباط، بعد أشغال اللجنة العليا المشتركة.

الصحيفة كشفت عن أسباب هذه التخوفات، والتي لم تكن سوى موقف حزب "بوديموس"، المشارك في الائتلاف الحكومي الإسباني، من تطورات قضية الصحراء، بالإضافة إلى موقف زعيم الحزب، النائب الثاني لرئيس الحكومة بابلو إغليسياس توريون، المخالف للموقف الرسمي الإسباني من تطورات القضية.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، علق زعيم حزب بوديموس، على أزمة الكركرات بالانحياز لجبهة البوليساريو، ودعا لإجراء استفتاء في الصحراء الغربية.

غضب الحكومة الإسبانية من تصريحات إغليسياس يكمن بسبب وجوده في الحكومة الائتلافية، كما أنه يشغل منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء، وقد تجنبت الحكومات الإسبانية المتعاقبة منذ عام 2004 اتخاذ أي موقف معاد للمغرب في نزاع الصحراء.

وقالت وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية، أرانتشا غونزاليس: "إن زعيم حزب "بوديموس" وهو رابع أكبر حزب سياسي في إسبانيا، "يضع العصيّ في الدولاب" بإعلان موقفه المؤيد للبوليساريو منذ تأسيسه في عام 2014".

وكانت تصريحات "بابلو إغليسياس" حول الصحراء، قد أثارت غضب المغرب، ما دفع الحكومة الإسبانية إلى التبرؤ منها، إذ قالت وزيرة خارجيتها قبل أيام، على هامش لقاء أوروبي: "إن الموقف الرسمي لإسبانيا من قضية الصحراء هو ما يعبر عنه رئيس حكومتها، ووزارة الخارجية، بينما تبقى أي تصريحات صادرة عن أي طرف آخر من الحكومة لا تتجاوز كونها آراء شخصية".

انفصاليو الداخل

الصحافة الإسبانية، نقلت  خبر استبعاد رئيس الوزراء الإسباني "بيدرو سانشيز"، لزعيم حزب بوديموس، بابلو إغليسياس، من الزيارة الرسمية إلى المغرب، بعد أن عبر عن موقفه الداعم للبوليساريو، وذلك حفاظا على مصالح وسياسات مدريد الخارجية.

وقالت مدريد: "إن الزيارة التي سيؤديها سانشيز لحضور القمة الإسبانية المغربية، سيرافقه فيها الوزراء الذين لديهم مذكرة تفاهم مع نظرائهم المغاربة ليغيب بذلك نائب رئيس الحكومة".

وبررت وزيرة الخارجية الإسبانية أراشنا غونزاليس، "أن الوضع الصحي في المغرب مع إغلاق الحدود بسبب تفشي كورونا دفع إلى تقليص عدد الحاضرين"، مضيفة: "أن لا علاقة للأمر بمواقف بابلو إغليسياس".

وشددت غونزاليس على أن "الموقف الرسمي من نزاع الصحراء هو موقف إسبانيا والذي يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة".

بعد الإعلان عن إلغاء اللقاء، ذهبت صحف إسبانية إلى التأكيد بأن السبب هو اتصالات أجراها أعضاء من "حزب بوديموس"، من أجل التنسيق للقاء يجمع بين زعيمهم بابلو إغليسياس والموالين للبوليساريو بالمغرب، في إطار أجندة موازية لفعاليات القمة.

وأفادت تقارير إسبانية، نقلا عن مصادر رسمية، أن الخبر خلق حالة استنفار داخل السلطة التنفيذية الإسبانية، ما اضطر سانشيز إلى تقليص عدد مرافقيه قبل إلغاء الزيارة.

بوادر قديمة

في 7 يناير/كانون الثاني 2020، ترأس الاشتراكي الإسباني "بيدرو سانشيز" الحكومة بـ 167 صوتا فيما صوت 165 نائبا ضده، وامتنع 18 نائبا عن التصويت، وفشل بذلك في الحصول على أغلبية مريحة، والتي تبلغ 176 نائبا من 350.

وبعد 8 أشهر من الشلل السياسي، تمكن "سانشيز" من تشكيل حكومة أقلية متحالفا مع حزب "بوديموس" الذي بدأ كحركة تنسيقية، تعمل ببرنامج اليسار الاجتماعي الراديكالي ضد الفساد السياسي والاقتصادي في إسبانيا، تحولت إلى حزب سياسي في يناير/كانون الثاني 2014.

مباشرة بعد فوزه، جرى الحديث عن تخوف المغرب من تأثير مواقف "بوديموس"، على العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد، حتى وإن صرح رسميا بأن الحزب لن يستطيع التأثير على القرارات الإستراتيجية بين البلدين، خصوصا أن للمغرب أوراق ضغط قوية، أبرزها ملفات الهجرة والتعاون الأمني والصيد البحري.

وعبرت الحكومة المغربية عن عدم تخوفها من تغير الخريطة السياسية في المشهد السياسي الإسباني، ومشاركة اليسار الراديكالي في الحكومة الائتلافية الجديدة.

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في لقاء صحفي: "ما يقع في الجارة إسبانيا هو حوار داخلي ديمقراطي، وما يهمنا نحن هي المواقف الرسمية لهذا البلد الأوروبي".

واستقبل الحزب اليساري الراديكالي أكثر من مرة قيادات جبهة البوليساريو داخل البرلمان الإسباني، وذهب بابلو إغليسياس، إلى حد الدعوة إلى تعيين "مبعوث أوروبي إلى الصحراء"، وهي خطوة يرفضها الرباط بشدة مؤكدا أن الأمم المتحدة هي الراعي الرسمي لحل هذا النزاع الإقليمي.

الموقف الرسمي الإسباني يقترب من الحياد، وتساند أحزاب اليسار المغرب بشكل ضمني، وأيضا الحزب الاشتراكي، أما اليسار الراديكالي المتمثل في حزب "بوديموس" فلا يخفي مساندته للبوليساريو.

في خطابه للإعلان عن حكومته في يناير/كانون الثاني 2020، قال سانشيز: "حكومة متعددة بخطاب واحد"، وهو ما قرأته جريدة "ايل موندو" الإسبانية "تحذيرا موجها لبوديموس، بمعنى ألا يحاول معارضة خطاب الحكومة ورئيسها.

التحذير ينسحب على المغرب أيضا، الذي يبدو أن سانشيز متفق على ضرورة تجاوز أي خلاف حقيقي معه، إذ يريد الإسبان علاقات جيدة مع المغرب، بحكم النافذة الاقتصادية التي يوفرها لحوالي 800 شركة إسبانية.

فمنذ عام 2013، ومدريد هي الشريك التجاري الأول للمغرب، إضافة إلى تعاونهما الكبير في ملفي الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب.

فيما توجد قناعات أيديولوجية راسخة لدى بوديموس بخصوص دعم الجبهة وأطروحتها، إلا أن متابعين يرجحون أن الخط الرسمي للسياسة الخارجية لإسبانيا لا يصنعه الحزب.

هذا التوازن الذي تحرص عليه "مدريد" يؤكده تولي المحامية أرنتشا غونزاليث منصب وزيرة الخارجية، بعد أن شغلت منذ 2013 منصب المدير التنفيذي لمركز التجارة الدولية، وتخصص الوزيرة الجديدة في التجارة الدولية، وإلمامها بالملفات الاقتصادية، يجعلها مدركة للأهمية الاقتصادية للتعاون مع المغرب.