مشاركة "بوديموس" في الحكومة الإسبانية.. لماذا انزعجت المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

في 7 يناير/ كانون الثاني الجاري، ترأس الاشتراكي الإسباني بيدرو سانشيز الحكومة بـ 167 صوتا فيما صوّت 165 نائبا ضده، وامتنع 18 نائبا عن التصويت. وفشل بذلك في الحصول على أغلبية مريحة والتي تبلغ 176 نائبا من 350.

فبعد 8 أشهر من الشلل السياسي، تمكن سانشيز من تشكيل حكومة أقلية متحالفا مع حزب "بوديموس" الذي بدأ كحركة تنسيقية تعمل ببرنامج اليسار الاجتماعي الراديكالي ضد الفساد السياسي والاقتصادي في إسبانيا، تحولت إلى حزب سياسي في يناير /كانون الثاني 2014.

القراءات في النتائج تنبأت لسانشيز بولاية صعبة بوجود 155 نائبا اشتراكيا وبوديموس، إذ سيضطر رئيس الوزراء إلى خوض مفاوضات صعبة مع قوى سياسية أخرى لإقرار القوانين وأولها قانون الموازنة.

هذا الوضع الصعب لا يخشاه الإسبان فقط، بل جيرانهم الجنوبيون أيضا، وتحديدا بمشاركة "بوديموس" بقوة في الولاية الحالية.

يعلن حزب بوديموس تأييده المطلق لجبهة البوليساريو، ويذهب إلى حد دعم مقترح عودة إسبانيا إلى لعب دور رئيسي في دعم موقفها في ملف الصحراء المتنازع عليها.

ويرى بعض أعضاء الحزب الراديكالي أن الاعتراف بـ"جمهورية مستقلة في الصحراء" ضرورة، ويتبنى بوديموس مواقف في الزراعة والصيد البحري والتعاون السياسي ستسبب للمغرب الكثير من المتاعب في الولاية الحالية للحكومة الإسبانية.

إنكار القلق

جرى الحديث عن تخوف المغرب من تأثير مواقف "بوديموس"، على العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد، حتى وإن صرح رسميا بأن الحزب لن يستطيع التأثير على القرارات الإستراتيجية بين البلدين، خصوصا أن للمغرب أوراق ضغط قوية، أبرزها ملفات الهجرة والتعاون الأمني والصيد البحري.

وعبرت الحكومة المغربية عن عدم تخوفها من تغير الخريطة السياسية في المشهد السياسي الإسباني ومشاركة اليسار الراديكالي في الحكومة الائتلافية الجديدة.

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في لقاء صحفي: "ما يقع في الجارة إسبانيا هو حوار داخلي ديمقراطي، وما يهمنا نحن هي المواقف الرسمية لهذا البلد الأوروبي".

المغرب أوضح أن "علاقات المغرب مع إسبانيا قوية وإستراتيجية، ولا يمكن أن تتأثر بأي حوار داخلي تشهده"، وزاد: "المغرب كدولة متوسطية وعربية لا يمكن إلا أن يكون جارا مفيدا لإسبانيا ولنفسه. وعلاقتنا ستبقى قوية ولن تتأثر بأي أحداث أخرى".

وتنبأ متابعون بوجود أزمة على الأبواب ستكشف مدى متانة العلاقات بين الجارتين، إذ يتوقع أن يترافع بقوة "بوديموس" ضد ترسيم المغرب لمياهه البحرية، وهو القرار الذي تصر عليه الرباط.

في صف البوليساريو

استقبل الحزب اليساري الراديكالي أكثر من مرة قيادات جبهة البوليساريو داخل البرلمان الإسباني، وذهب بابلو إيغليسياس، إلى حد الدعوة إلى تعيين "مبعوث أوروبي إلى الصحراء"، وهي خطوة يرفضها الرباط بشدة مؤكدا أن الأمم المتحدة هي الراعي الرسمي لحل هذا النزاع الإقليمي.

يقترب الموقف الرسمي الإسباني من الحياد، وتساند أحزاب اليسار المغرب بشكل ضمني والحزب الاشتراكي لكن اليسار الراديكالي المتمثل في حزب "بوديموس" لا يخفي مساندته للبوليساريو.

يبني الحزب موقفه من ملف الصحراء على الإيديولوجيا التي تعود إلى فترة الحرب الباردة، وفي أحد تصريحاته للصحافة، قال أستاذ العلوم السياسية، محمد زين الدين: إن ما يقع في إسبانيا بتغلغل جمعيات المجتمع المدني داخل اليسار الإسباني. 

وأوضح أن "الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية دعمت في وقت سابق ومبكر هذه المسألة، ولازلت إلى حدود الساعة تفعل الأمر ذاته. الدبلوماسية المغربية بدأت تنتبه إلى الأمر، وخلقت نوعا من التوازن مع شريك إستراتيجي".

دعم المهاجرين

الحزب الذي أكد في وقت سابق إصراره على الفوز في الانتخابات التشريعية، ورفع شعار "طرد المافيا" من الحكم، نظرا لارتفاع الفساد وسط الطبقة السياسية الكلاسيكية الإسبانية، فالرأي العام بدأ يسميها بالمافيا، يلقى ترحيبا كبيرا من طرف الجالية المغربية، 

يحظى الحزب بشعبية واسعة بين الجالية المغربية، التي تعتبر قوة انتخابية بإسبانيا، بسبب مواقفه الجريئة من الهجرة سواء دعم الاندماج السياسي والاجتماعي أو التقليل من الإجراءات الإدارية التعسفية المتضمنة في قانون الأجانب.

هذه الشعبية وصلت إلى حد انضمام عدد من المهاجرين المغاربة إلى "بوديموس" بعدما أغلقت الأحزاب التقليدية الأبواب في وجهه. 

أما من جهتها، فقد اعتادت التعامل مع الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي منذ السبعينيات، والآن تجد أمامها قوة سياسية تتبنى مواقف مقلقة للأحزاب التقليدية نفسها.

ضبط الإيقاع

من خلال تركيبة الحكومة ظهر للمختص في الشأن الإسباني والعلاقات المغربية - الإسبانية، نبيل دريوش، بجلاء أن بوديموس سينكب على الملفات الاجتماعية، واستدل على رأيه بتعيين بابلو إيغليسياس، زعيم الحزب والوجه الأبرز له منذ البداية، في منصب نائب رئيس الحكومة المكلف بالشق الاجتماعي.

وفي تحليله لخطاب رئيس الحكومة للإعلان عن حكومته خلال الندوة الرسمية قال شانسيز جملة رأها دريوش مهمة: "حكومة متعددة بخطاب واحد"، وهو ما قرأته جريدة "ايل موندو" الإسبانية "تحذيرا موجها لبوديموس، بمعنى أن لا يحاول  معارضة خطاب الحكومة ورئيسها".

أوضح المختص في الشأن الإسباني في حديثه لصحيفة "الاستقلال"، أن هذا التحذير ينسحب على المغرب أيضا، الذي يبدو أن سانشيث متفق على ضرورة تجاوز أي خلاف حقيقي معه خصوصا بعد زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة واللقاء الذي جمعهما عقب الانتخابات التشريعية في 10 نوفمبر الماضي.

أكد دريوش أن الإسبان يريدون علاقات جيدة مع المغرب بحكم النافذة الاقتصادية التي يوفرها لحوالي 800 مقاولة إسبانية، فمدريد منذ عام 2013 هي الشريك التجاري الأول للمغرب، إضافة إلى تعاونهما الكبير في ملفي الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب.

لفت المتحدث للصحيفة إلى وجود "قناعات إيديولوجية راسخة لدى بوديموس بخصوص دعم الجبهة الانفصالية وأطروحتها"، وشدد بالمقابل على أن الخط الرسمي للسياسة الخارجية لإسبانيا لا يصنعه الحزب.

تولت المحامية أرنتشا غونزاليث منصب وزيرة الخارجية، بعد أن شغلت منذ 2013 منصب المدير التنفيذي لمركز التجارة الدولية، ويرى خبير الشأن الإسباني، أن تخصص الوزيرة الجديدة في التجارة الدولية وإلمامها بالملفات الاقتصادية، يجعلها مدركة للأهمية الاقتصادية للتعاون مع المغرب.

ويعتقد دريوش أنه سيكون لإسبانيا في الغالب موقف رسمي محايد وستترك الأمر بيد الأمم المتحدة، دون أن ينفي احتمالية وجود تشويش من بوديموس، ليبيّن أنه ملتزم مع الأطراف التي يدعمها، لكن بالمقابل سيحرص رئيس الحكومة على ضبط إيقاع حكومته التي لها الكثير من التحديات الداخلية تجعلها تبتعد عن أي أمور قد تزيد من تعقيد وضعها.

وختم المتحدث بالقول: بيدرو سانشيث خلال تمرينه الأول في السلطة عقب ملتمس الرقابة الذي أطاح بماريانو راخوي في يونيو/حزيران 2018 أدرك أهمية المغرب في جميع الملفات المذكورة.

5 حقائب

في يناير/ كانون الثاني 2014، تقدم أستاذ العلوم السياسية وعلم الاجتماع في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، بابلو إيغليسياس، بمبادرة "بوديموس" أي (إننا نستطيع).

تشكلت الحركة في بدايتها من 7 أعضاء، لكن خطابها كان جديدا فأضافت مساحات جديدة إلى الساحة السياسية الإسبانية حتى لو بموارد قليلة، وفي الانتخابات البرلمانية الأوروبية جاءت برؤية واضحة: على السلطة أن تكون مسؤولة أمام الشعب.

في أيار/ مايو فاجأت "بوديموس" إسبانيا وأوروبا من خلال كسر الثنائية الحزبية بين الحزب الشعبي الإسباني اليميني وحزب العمال الاشتراكي الإسباني اللذين كانا يحتكران الساحة السياسية الإسبانية منذ نهاية عام 1977 وبداية الانتقال الديمقراطي الإسباني. 

وكان هذا السقوط نتيجة طبيعية لما حصل في عام 2008، عندما اشتعلت الأزمة المالية العالمية وولّدت تأثيرات لا يمكن السيطرة عليها على صعيد الثقافة الأيديولوجية في إسبانيا.

صباح الاثنين 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، أدت الحكومة الجديدة اليمين الدستوري أمام الملك فليبي السادس بالعاصمة مدريد، ويشارك بوديموس في هذه الحكومة بخمسة وزراء في ائتلاف "أونيداس بوديموس" بين الحزب واليسار المتحد، وتولى رئيسه بابلو إيغليسياس، منصب نائب رئيس الحكومة المكلف بالشؤون الاجتماعية وخطة عام 2030. 

وتولت إيرين مونتيرو، العضو في الحزب ذاته، حقيبة المساواة، وشغل المنسق العام لحزب اليسار المتحد، ألبرتو غارثون، وزارة الاستهلاك، ليكون بذلك أول عضو في الحزب الشيوعي بإسبانيا يشغل مقعدا في مجلس الوزراء، فيما شغلت النائبة في الحزب ذاته، يولاندا دياث منصب وزيرة العمل، ومانويل كاستليز وزارة الجامعات.