قتل وفقر واعتقال.. شهادات تروي معاناة صيادي غزة في ظل الحصار

محمد النعامي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تفلح صرخات ودموع الحاجّة نوال الزعزوع (65 عاما) بإقناع السلطات المصرية بالإفراج عن ابنها ياسر المعتقل لديها، والذي أصابه الجيش المصري بجراح وقتل شقيقيه.

جرت هذه الحادثة، عندما كان قارب صيد الأسماك الذي كان يقلهم يبحر قبالة ساحل مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة في 26 سبتمبر/أيلول 2020.  

فقدت هذه الأم المكلومة أولادها الثلاثة بعد أن خرجوا طلبا للرزق ولم يعودوا، حالهم كحال العديد من صيادي غزة الذين كان مصيرهم الاعتقال أو الإصابة أو القتل برصاص الجيشين المصري والإسرائيلي.

دماء كثيرة سالت في بحر غزة لكنها لم تمنع الصيادين الفلسطينيين من المغامرة، ليجلبوا قوت أطفالهم وذويهم، حيث إن 50 ألف شخص (الصيادون وعوائلهم)، يعتاشون من هذه المهنة القاسية، حسب معطيات نقابة الصيادين في قطاع غزة.

ويتضاعف الخطر المحيط بالصيادين الفلسطينيين على الشواطئ الجنوبية لقطاع غزة، حيث تشترك البحرية الإسرائيلية والمصرية في إدارة حدود تلك المنطقة. 

فقد شهدت المنطقة البحرية قبالة مدينة رفح الفلسطينية العديد من حوادث إطلاق النار من البحرية المصرية تجاه الصيادين الفلسطينيين الذين جنحت قواربهم على الحدود المصرية البحرية مع غزة، ما تسبب بقتل عدد من الصيادين، لحظة اقترابهم من الحدود.

ومنذ العام 2015، قتلت البحرية المصرية خمسة صيادين واعتقلت 20 آخرين، كما صادرت العديد من المراكب ومستلزمات الصيد، حسب إحصائيات نقابة الصيادين.

كان آخر تلك الاعتداءات قتل الجيش المصري الأشقاء حسن (26 عاما)، ومحمود (22 عاما) الزعزوع نهاية الشهر الماضي، في حين أصيب ياسر (19 عاما) بجروح ثم اعتقل قرب الحدود الفلسطينية المصرية في مدينة رفح (جنوب قطاع غزة) في سبتمبر/أيلول 2020.

وحسب الصيادين فإن القوات المصرية بدأت إطلاق النار على الفور دون أن تحاول إبعادهم أو تحذيرهم.

رحلة الموت

ولا يكاد يمر يوم دون أن تطلق زوارق الاحتلال الحربية النار من مدافعها الرشاشة على قوارب الصيادين في غزة وبالقرب منها، على الرغم من التزامهم بعدم تجاوز مساحة الصيد التي حددها الاحتلال بـ 6 أميال فقط، وهو ما تسبب خلال الخمس سنوات الأخيرة باستشهاد 3 صيادين واعتقال 120 آخرين، حسب نقابة الصيادين.

ووفق معطيات "مركز الميزان لحقوق الإنسان" الفلسطيني، فقد تم تسجيل خلال النصف الأول من العام 2020، 172 انتهاكا لقوات الاحتلال الإسرائيلي بحق ممتهني صيد الأسماك في قطاع غزة.

تتركز هذه الانتهاكات في تقييد مساحة الصيد المسموح بالعمل فيها للصيادين الفلسطينيين، وإطلاق النار تجاههم وهم في عرض البحر، وإيقاع القتلى والجرحى في صفوفهم، وملاحقة الصيادين ومراكبهم في عرض البحر، واعتقالهم، وأخيرا الاستيلاء على مراكبهم والمعدات الموجودة على متنها، وتخريب شباك الصيد والمولدات الكهربائية والإشارات الضوئية، حسب بيان صادر عن المركز.

وقال عضو نقابة الصيادين علي العمودي: إن الاحتلال يستهدفنا بالرصاص ويغرق مراكبنا ويرتكب ممارسات غير أخلاقية لإهانتنا ويجبرنا على التفتيش بدون ملابس والنزول للمياه في ليالي الشتاء الباردة.

وأضاف الصياد العمودي لـ"الاستقلال": "شهدنا جرائم قتل لزملائنا في البحر، وأتذكر أن الاحتلال الإسرائيلي قتل الصياد محمد الهسي عن طريق تدمير مركبه بواسطة الزورق الحربي ولم يعثر على جثته حتى الآن تاركا ثلاثة أطفال دون معيل، وكذلك لا أنسى مطاردة الصياد محمد بكر وقتله بدم بارد"، على حد تعبيره.

ويقول الصياد محمد حرز الله (31 عاما): إنه يبحر يوميا مع شقيقه مع حلول المساء وهو يعلم أنه من الممكن أن يصاب أو يقتل أو يعتقل كغيره من الصيادين.

وأضاف لـ"الاستقلال": "فور وصولنا لمنطقة الصيد المناسبة، نرمي شباكنا وعندها تبدأ معاناتنا مع الزوارق الإسرائيلية، فتارة يطلقون الرصاص الحي والمطاطي علينا دون أي سبب وتارة يجبروننا على ترك الشباك ومغادرة البحر فورا وفي أي لحظة من الممكن أن تتم إصابتك أو اعتقالك".

وأكد أن أسباب هذه الممارسات ليست أمنية كما يزعم الاحتلال، بل فقط لقطع أرزاق الصيادين والضغط عليهم "إذ تقوم الزوارق برشق الماء بالتحديد على الجزء العلوي لمحرك القارب من أجل إتلافه. ونظرا لسعره الباهظ مقارنة بالدخل المحدود جدا للصياد فإنه غالبا ما يقوده للتوقف عن العمل".

وأردف: "تعمل الزوارق على تتبع شباك الصيد وتسير فوقها لتقطيعها وإتلافها وهذه الحادثة تكررت كثيرا خصوصا في قبالة ساحل شمال قطاع غزة، ومن الممكن عموما خياطة الثغرات الصغيرة في الشباك ولكن ما تفعله الزوارق يتلف الشباك كليا".

اضطهاد وإفقار

ومن جانبه، قال نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عياش في حديث لـ "الاستقلال": إن الاحتلال الإسرائيلي يمارس اعتداءات يومية ضد صيادي قطاع غزة، مبينا أنه "على مدار السنوات الماضية ارتكب العديد من الجرائم البشعة بحق الصيادين منها ما أدى لارتقاء شهداء، وإصابات خطيرة بجانب المعتقلين".

وأضاف: "الزوارق الحربية الإسرائيلية تطارد الصيادين وتضيق عليهم، كما أن الاحتلال أغلق البحر في العديد من المرات بشكل كامل أمام الصيادين في ذروة موسم الصيد".

وسبق أن قلص الاحتلال مساحة الصيد لـ 3 أميال في الموسم وبعد انتهائه يعيد المساحة الأصلية وهو ما يوضح نيته وسياسته ضد الصيادين الفلسطينيين، وفق النقيب.

 ويواصل الاحتلال  الإسرائيلي حتى الآن احتجاز 30 قارب صيد، و60 محركا ومعدات صيد لعشرات الصيادين، حسب ما أفادت به نقابة الصيادين الفلسطينيين.

وتنص اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في 13 سبتمبر/أيلول 1993، على السماح للصيادين بالإبحار مسافة 20 ميلا بحريا على طول شواطئ قطاع غزة، إلا أن الاحتلال قلص المسافة إلى 6 أميال بحرية فقط، وفي بعض الأحيان يمنعها تماما.

إلى جانب الخطر الكبير الذي يعيشه الصياد الفلسطيني أثناء ممارسة مهنته فإن معظم صيادي القطاع مصنفين كفقراء، بنسبة 80% بفعل الانتهاكات الإسرائيلية، والحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 13 عاما، وهو ما أثر سلبا على كافة مناحي الحياة، حسب نقابة الصيادين.

وبدوره قال الصياد أحمد أبو سويرك: إن الفقر أضحى سمة معظم الصيادين، حيث إن هذه المهنة، فضلا عن خطورتها أصبحت غير مجدية ماديا ولا تمكن الصياد من توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته، وإن أي عطل في المركب تكون تكلفته على حساب قوت أطفاله.

وأضاف أبو سويرك لـ"الاستقلال": "ما أجنيه أسبوعيا من مهنة الصيد لا يتعدى الـ100 شيكل (30 دولارا) وهذا المبلغ لا يلبي متطلبات العائلة، لذلك أعمل في الفترة الصباحية في مجال الزراعة حين تتوفر لي الفرصة".

وأكد الصياد أبو سويرك "أن الظروف الاقتصادية لأهالي القطاع انعكست على حركة بيع الأسماك كذلك، حيث باتت الأسواق راكدة والحركة مقتصرة على الأنواع الرخيصة من الأسماك ومن ضمنها أسماك البرك الصناعية وهو ما يفاقم من أزمة الصيادين".