غلق الحدود بين أوغندا ورواندا هل يفجر شرق إفريقيا الصاعد؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الخامس من مارس/ آذار الماضي فوجئت الشاحنات الأوغندية التي وقفت أمام معابر كاتونا البري مع رواندا، بقرار من سلطات الأخيرة يمنع عبورها إلى أراضيها، وأجبروا الشاحنات، للتوجه لنقطة حدودية أخرى تبعد عن كاتونا بأكثر من 100 كيلو متر، كما اتخذت رواندا قرارا آخر بمنع عبور مواطنيها للأراضي الأوغندية.

وبعد ساعات قليلة أعلنت السلطات الرواندية السبب وراء قرارها بأن جارتها تقوم بدعم المتمردين الروانديين، الذين حددهم وزير خارجية رواندا ريتشارد سيزيبرا، بجماعتي، "مؤتمر رواندا الوطني" و"القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، وهو ما نفاه وزير خارجية أوغندا سام كوتيسا، مؤكدا أنها "اتهامات كاذبة؛ لأن بلاده لا يمكنها أن تسمح لمن يهدد جيرانها"، على حد وصفه.

هذا التوتر بين الجارتين، يعكس شكل العلاقات التي أصبحت تجمع بين الصديقين القديمين الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، والرئيس الرواندي بول كاغامي، كما أنها تشير لأزمة أخرى تعيشها منطقة شرق أفريقيا الناهضة والصاعدة، والتي أصبحت تتسابق في ارتفاع معدلات النمو وجذب الاستثمارات الأجنبية.

صواريخ متبادلة

وتشير دراسة للباحث المختص بالشؤون الأفريقية حكيم نجم الدين، نشرها في دورية "قراءات أفريقية"، إلى أن هذا الخلاف الذي لم يخرج عن الإطار حتى الآن، وضع العلاقة بين البلدين في أدنى مستوياتها، وسيكون له تأثيرات سلبية على المحيط الإقليمي لكل من رواندا وأوغندا، خاصة وأن ما جرى مطلع مارس/ آذار الماضي، لم يكن إلا نتيجة لما يدور تحت السطح بين الجارتين طوال العامين الماضيين.

وحسب الدراسة نفسها، فإن القضية ليست في غلق الحدود، وإنما في أن هناك صداما بات واضحا بين الصديقين القديمين، موسيفيني وكاغامي، اللذان حاربا جنبا إلى جنب في حرب الكونغو الأولى، ثم تناحرا في الثانية، رغم أن كل منهما وصل للحكم بانقلاب دعمه الآخر بالمال والسلاح والأفراد.

وفيما يتعلق بالمؤتمر الوطني الرواندي (RNC)، الذي اتهمت الحكومة الرواندية أوغندا بدعمه، فهو جماعة يقودها بعض المنشقين البارزين عن الحكومة الرواندية، بينما يؤكد مؤسسها الجنرال فوستين كايومبا نيامواسا (رئيس أركان الجيش الرواندي السابق) بأنهم حزب سياسي معارض للحكومة، وممنوع من العمل في بلاده.

بينما تتكون جماعة التمرد الثانية والتي تمثلها الجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا، من مجموعة من الجنود الروانديين السابقين وميليشيات الهوتو الذين فرّوا لجمهورية الكونغو الديمقراطية بعد اتهامهم بقتل نحو 800 ألف شخص من التوتسي والهوتو المعتدلين خلال الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. ولم تُخْفِ هذه الجماعة منذ ذلك الحين نيّتها للإطاحة بحكومة الرئيس "كاغامي".

وقد اتهم وزير الخارجية الرواندي كلاً من المؤتمر الوطني الرواندي والقوى الديمقراطية لتحرير رواندا، بأنهما يمارسان أنشطتَهما في أوغندا بدعم من السلطات هناك، بالإضافة لاتهامات أخرى تتمثل في سوء معاملة أوغندا للمواطنين الروانديين المقيمين على أراضيها.

شبكات تجسس

وفي المقابل اتهمت أوغندا جارتها، بأنها تقوم بالتجسس على النظام الحاكم في كامبالا، وفي هذا الإطار اعتقلت السلطات الأوغندية مجموعة من الروانديين المتواجدين في أراضيها، من بينهم  قائد الشرطة الرواندي السابق الجنرال "كايل كاييهورا" بتهمة التجسس على المواطنين الروانديين، والقيام بعمليات تصفيات، وخطف ومراقبة للمعارضين والمنشقين السياسيين الروانديين المقيمين بأوغندا.

وفي 22 من يناير / كانون الثاني الماضي أعلنت الشرطة الأوغندية، أنها قامت بترحيل فرنسي ورواندي، لاتهامهما بتهديد الأمن القومي، وقالت الشرطة في بيان إن المرحّلين كانا "يستغلان وظيفتيهما، من أجل تحقيق دوافعهما السيئة"، إلا أنها لم تشر إلى تفاصيل الأعمال، التي قاما بارتكابها.

أضرار متشابكة

وبالعودة للدراسة التي أجراها حكيم نجم الدين، فإن أكثر المتضررين من هذا التصعيد هم المواطنون في كل من أوغندا ورواند، نتيجة توقف أنشطة المرور بالمعابر، وطلب رواندا من مواطنيها بعدم السفر إلى أوغندا لأسباب تتعلق بالسلامة، وهو ما يمثل أزمة كبيرة للمواطنين في البلدين نتيجة التشابك القبلي والاجتماعي والاقتصادي بينهم.

ويضاف لما سبق أن الأزمة ربما تكون أكثر حدة لمواطني رواندا تحديدا، حيث يعتمد عدد كبير منهم على الغذاء والدواء القادم من أوغندا، ما دفعهم إلى استخدام الأنهار في الوصول للحدود الأوغندية من أجل توفير احتياجاتهم.

وفي محاولة لحل الأزمة زار الرئيس الكيني "أوهورو كينياتا" البلدين في محاولة لتهدئة التوتر، وتجنب سياسة العين بالعين، التي تتبناها الحكومتان هناك، وهو ما يمكن أن يؤثر بالسلب على أمن المنطقة، بما يعيد النشاط مرة أخرى للنزاعات الأهلية والقبلية السابقة، بالإضافة للانهيار الاقتصادي، وتأثيراته على السوق المشتركة لدول شرق أفريقيا.

اتفاقية غير معلنة

وتشير تحليلات المراقبين إلى أن الإجراءات التصعيدية من رواندا ضد جارتها، لم تكن لتحدث، إلا بعد أن خطت الأولى خطوات جيدة في سبيل التطور والنمو، وأصبحت واحدة من دول أفريقيا والعالم الناشئة، بعد أن استطاعت تجاوز التأثيرات السلبية لحروب الإبادة الجماعية التي كان للنظام الأوغندي دور فيها، قبل أن يتدخل العالم لوقفها.

وتشير دراسة عن النهضة التي شهدتها رواندا خلال السنوات الماضية أعدتها الباحثة رشا السيد عشري، ونشرها مركز البيان للدراسات والتخطيط، إلى أنه بعد فوز الرئيس الرواندي بول كاغامي، بولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، فإن رواندا باتت تختلف عن غيرها من دول الإقليم الأفريقي التي تعاني أزمات اقتصادية شديدة ومواجهات عدة ضد أنظمتها نتيجة توتر الأوضاع السياسية والأمنية، حيث أصبح الوضع في رواندا أشبه باتفاق غير معلن بين الشعب والنظام الحاكم، يتيح على إثرها الأخير ضمان الأمن والاستقرار لدولة عانت من انهيار الأوضاع الأمنية وتفشي المجازر والابادة الجماعية، في مقابل تفرده بالسلطة والحكم في البلاد وعدم وجود معارضة حقيقية.

وبناء على هذا الاتفاق كان رد الفعل الصارم من النظام في رواندا حول الدعم الذي تقدمه أوغندا لحركات التمرد هناك، في ظل قناعة الرجل بأن أي هزة أمنية داخلية، يمكن أن تقضي على الاتفاق الواقعي الذي توصل إليه مع شعبه، والذي منحه في الانتخابات الأخيرة أكثر من 98% من أصواته.

وحسب دراسة الباحثة رشا عشري فإن مخاوف الرئيس الرواندي تنحصر في الآتي:

  • الخوف من رجوع سنوات الإبادة الجماعية والانهيار الأمني، وهو ما يعيد البلاد لسنوات الفوضى مرة أخرى.

  • المحافظة على التقدم الاقتصادي الذي شهدته رواندا في السنوات الأخيرة، وهو ما يعطي كاغامي مبررا أمام الشعب للقضاء على أي معارضة حقيقية يمكن أن تنافسه، كما كان ذلك سببا في غض الطرف عن الانتهاكات التي مارسها نظامه ضد حقوق الإنسان.

  • الحفاظ على قوة مبادرات تعزيز السلم والاستقرار، وهي المبادرات التي كان لها دور في إعادة بناء الدولة سياسيًا بما يعزز المواطنة ويخفي أي بوادر لرجوع أزمة الاقتتال العرقي مرة أخرى، وهي المبادرات التي كان لها دور كذلك في وضع الدستور الرواندي الذي ينص على المصالحة الوطنية، وإعادة تأهيل المتورطين في الإبادة من خلال البرامج التعليمية والتثقيفية، والقوانين الصارمة التي جعلت التلفظ بأي خطاب عنصري جريمة لا يُتهاون فيها.

  • جني ثمار النمو والذي وصل لمعدل بلغ 7.4%، بسبب تطوير ثروات البلاد الزراعية والسياحية والاستفادة منها وتوجيه الاستثمار إليها حتى أصبحت تمثل 70% من القوة الاقتصادية، فضلاً عن تحقيق إجمالي ناتج محلي بقيمة 1.7 مليار دولار في الأعوام الستة الأخيرة، ما جعل رواندا في النهاية واحدة من الدول الاقتصادية الرائدة في أفريقيا بسبب اعتمادها على الزراعة بشكل كبير، كما أشارت تقييمات السوق الأفريقية المشتركة «الكوميسا».

ماذا تريد أوغندا؟

وفي ضوء ما أشارت إليه الدراسات السابقة، فإن التساؤل عن هدف أوغندا من إثارة البلبلة مع جيرانها يبدو منطقيا، وهو السؤال الذي أجاب عليه بحث مفصل لمركز الجزيرة للدراسات للباحث المتخصص في القرن الأفريقي رشيد عبدي عام 2014، ورغم مرور عدة سنوات عليه إلا أنه رصد تدخلات نظام يوري موسيفيني في شؤون غيره من دول القارة، وحسب وصف البحث، فإن النظام الأوغندي دكتاتوري غير متسامح، سواء مع المعارضة الأوغندية، أو مع جيرانه المحيطين.

وأرجع البحث أسباب دعم موسيفني لحركات التمرد في رواندا وجنوب السودان، قبل وبعد الانفصال، وبوروندي وكينيا، والسودان، والصومال وأفريقيا الوسطى، إلى أن الرجل الذي يحكم بلاده منذ يناير/كانون الثاني 1986، دون مشاكل داخلية، يرفع سياسة تصدير الأزمات للغير، حتى لا يقوم هذا الغير بتصدير الأزمات للداخل الأوغندي، وبالتالي ينهار استقرار الحكم في هذا البلد الذي خالف معظم جيرانه في هذا الإطار طوال أكثر من 30 عاما.

ويضاف لذلك سبب آخر وهو أن أوغندا تحت قيادة موسيفني، أصبحت لاعبًا إقليميًّا ودوليًّا واثقًا وفاعلاً، تريد استخدام النمو في نفوذها السياسي والعسكري للتأثير على المجريات خارج حدودها، خاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والصومال وجارتها التي كانت صديقة رواندا.

كما أن موسيفيني يستخدم الدعم الدولي الذي حصل عليه مقابل مواجهة الحركات الإسلامية في أفريقيا، كغطاء يسمح له بالتدخل في شؤون الغير، مقابل استمرار هذا الدعم الدولي ليقوم بالدور الذي يعتبره الغرب هاما، من رجل استطاع أن يحافظ على حكمه وبلده طوال 30 عاما من الصراعات العرقية، على عكس معظم دول شرق أفريقيا.