أوقفت استيراد آلاف السلع.. هل يقاضي الاتحاد الأوروبي الجزائر دوليا؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مرة أخرى، أعلنت السلطات الجزائرية عزمها وقف استيراد 2600 منتج من الخارج، بعد ما كانت تضم القائمة السابقة 998 منتجا.

وزير التجارة كمال رزيق أعلن مؤخرا الشروع في إعادة تحديث القائمة والتي وضعت منذ مايو/أيار 2019، وسيتم الكشف عن القائمة الجديدة بعد المصادقة عليها من طرف رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون.

ولجأت السلطات الجزائرية إلى التضييق على التجارة الخارجية للتقليص من فاتورة الاستيراد إلى حدودها الدنيا، بعد تآكل احتياطي الصرف الأجنبي إثر تراجع أسعار النفط منذ نهاية 2014.

ويأتي الرفع الجديد لقائمة المواد الخاضعة للضريبة الإضافية، والذي يعني عمليا أنها صارت "ممنوعة" من الاستيراد وفق قواعد السوق التنافسية، ضمن تداعيات جائحة كورونا، التي أدت إلى انخفاض أكبر لسعر برميل النفط، كمصدر رئيس في الميزانية العامة للدولة.

وتعيش الجزائر منذ فترة على اتخاذ إجراءات مشابهة لتدعيم اقتصادها الوطني والحفاظ على صناعتها المحلية، في المقابل لا يبدو أن الدول التي تتخذ من الجزائر سوقا ملائمة لمنتوجاتها راضية عن مثل هذه الإجراءات. 

 الشراكة الأوروبية

كان من المفترض أن يدخل اتفاق منطقة التجارة الحرة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ مطلع سبتمبر/أيلول 2020، لكن في ظل الاعتراضات الواسعة النطاق في الجزائر، بات الاتفاق الذي أبرم عام 2002 معلقا.

العديد من السياسيين والخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال في الجزائر يشجبون العجز الواضح في الميزان التجاري لصالح الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر للجزائر، على حساب رابع أكبر اقتصاد في إفريقيا.

في أغسطس/آب 2020، وجه الرئيس تبون تعليمات إلى وزير التجارة كمال رزيق "من أجل الشروع في تقييم الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف، ولا سيما اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يكون محل عناية خاصة تسمح بترقية مصالح بلده من أجل علاقات متوازنة مع الاتحاد الأوروبي.

كما وعد رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد "بمراجعة قواعد الدفاع التجاري" من خلال "إعادة النظر" في الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية "التي لا تخدم مصالح الجزائر"، وإعادة توجيه الجهاز الدبلوماسي لخدمة المصالح الاقتصادية للبلاد، في إشارة لاتفاق الشراكة الموقعة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في أبريل/نيسان 2002، وإن لم يذكره بالاسم.

مراجعة الاتفاق

شهدت الجزائر تغييرا سياسيا بعد استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان 2020، إثر الحراك الشعبي الذي اندلع في 22 فبراير/شباط 2019، واعتقال عدد من المسؤولين السابقين بتهم فساد.

هذا التغيير ألقى بظلاله على الاتفاقيات التي أبرمت في عهد بوتفليقة وتشوبها بعض عمليات الفساد، ووفق كثيرين فإنه من حق الشعب الجزائري رفض هذه الاتفاقيات الموقعة.

كانت الفترة الانتقالية المتفق عليها مدتها 12 عاما، تلغى خلالها الرسوم الجمركية على منتجات صناعية وتطبق الجزائر تحريرا انتقائيا للمنتجات الزراعية.

انتهت الفترة الانتقالية في 2017، لكن الطرفين وافقا على تمديدها لثلاث سنوات حتى سبتمبر/أيلول 2020 على أن تشمل الاستثناءات، وحل الموعد دون أن يتّفق الطرفان على تمديدها مجددا.

الجزائر أعلنت أنها تتجه لـ"إعادة تقييم" الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي خاصة أنها طالبت مرارا بإعادة التفاوض على النص، بعد أن تبين أن الاتفاق غير موات بالنسبة لها، في ظل عدم تمتع اقتصادها بقدرة تنافسية كبرى ولا تصدر سلعا كثيرة باستثناء المشتقات النفطية.

وتتألف صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر خصوصا من معدات صناعية ومعدات نقل مواد زراعية. والجزائر هي المصدر الثالث للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، بعد روسيا والنرويج.

علي باي نصري رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين قال لصحف محلية بداية 2020، إن الجزائر استوردت ما يساوي 283 مليار دولار من السلع من الاتحاد الأوروبي بين 2005 و 2017، فيما لم تتخط قيمة صادراتها 12 مليار دولار في المقابل، غالبيتها مشتقات نفطية.

ورأى باي نصري أن اتفاق التبادل الحر بمثابة "كارثة" على الاقتصاد الوطني. وبالإضافة إلى عدم التوازن التجاري بين الطرفين، ترى الجزائر أن الاتحاد الأوروبي لم يحترم الجزء المتعلق بنقل التكنولوجيا وحرية تنقل الأشخاص في الاتفاق.

إجراءات متتالية

الغموض الذي يشوب الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، كان من أبرز أسبابه إجراءات متتالية متخذة من قبل الحكومات المتعاقبة في الجزائر، والتي تحاول في كل مناسبة أن تعالج العجز الحاصل في الميزان التجاري للبلد المغاربي. 

وزير التجارة كمال رزيق أوضح في رده على أسئلة أعضاء لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى بالبرلمان) في 5 نوفمبر /تشرين الثاني 2020، أن المنتجات المتضمنة في القائمة التي تضاعف عددها 3 مرات، تثير جدلا مع الإتحاد الأوروبي الذي يرفض فرض رسم إضافي على منتجاته.

 في وقت تبرر السلطات الجزائرية على رأسها وزارة التجارة بأن الغرض من القرار حماية ميزان المدفوعات الذي يجابه عجزا من الاختلالات، في حين أن الهدف الخفي والضمني لهذا القرار يكمن في حماية المنتج الجزائري والمواد الصناعية والفلاحية المحلية، وفق خبراء.

وسبق وأن منعت الحكومة الجزائرية يوم 14 يوليو /تموز 2020، استيراد 15 صنفا من الفواكه الموسمية والفصلية، بهدف حماية الإنتاج المحلي وكبح فاتورة الواردات.

وتمتد مدة تجميد الاستيراد بالنسبة لبعض الأصناف إلى غاية 31 يناير/ كانون الثاني 2021، مع الأخذ بالاعتبار المخزون العام الموجود في غرف التبريد، وذلك قصد السماح للفلاحين تسويق محاصيلهم.

وتأتي هذه الخطوة امتثالا لتعليمات الرئيس تبون لحكومته الأولى، في يناير/كانون الثاني 2020، التي تقضي بمنع استيراد الفواكه في مواسم إنتاجها وجنيها، حفاظا على الإنتاج الوطني.

وفي صيف 2020، أعلن تبون أن بلاده باتت قادرة على إنشاء سكن جزائري بنسبة 100%، بعد منع استيراد مواد البناء. وأوضح أن بعض الأطراف كانت تريد استيراد بعض مواد البناء، خدمة لمصالح ضيقة، لكن بعد منع استيرادها انتعشت هذه الصناعة في الجزائر ما أوصلنا إلى اكتفاء ذاتي.

وأشار الرئيس الجزائري إلى أن هناك أطرافا كانت تستورد مثلا مادة السيراميك، رغم أن لدى الجزائر 2 مليون متر مربع من هذه المادة.

التحكيم الدولي

الخبير الاقتصادي الجزائري عبدالرحمان عيّة يرى أنه في حال دخول الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ بشكل كامل فهذا يعني تفكيك كلي لكل الضرائب الجمركية بما تخسر معه الجزائر قرابة 2 مليار دولار سنويا.

وقال عيّة في حديثه مع لـ"الاستقلال" أن اتفاق الشراكة يخص السلع الصناعية وعددا من السلع الغذائية الصناعية ولا يشمل الخدمات، وبالتالي فالسلع الأوروبية التي تم الاتفاق على إلغاء الرسوم الجمركية عليها هي السلع المنافسة للسلع الجزائرية محليا، وهي نفس السلع التي تعفى بالمقابل من الضرائب الجمركية".

مضيفا: "إلا أن 97% من صادرات الجزائر هي النفط ومشتقاته وهي التي لا تحتاج إلى أي اتفاقات أو إعفاءات بسبب قدرته على الرواج ذاتيا، فالطلب على الغاز والبترول طلب مستمر وضروري خاصّة من قبل الدول الصناعية". 

وأكد الخبير الاقتصادي أنه لا يوجد إطار قانوني مخصص لرسم العلاقات بين الدول، لكن هناك عقود يصادق عليها من قبل الأطراف المشاركة، ويقتضي الاتفاق بين الجزائر والاتحاد الأوروبي التفكيك التدريجي للرسوم الجمركية على السلع، إلا أن الجزائر أجلت ذلك لمرات عديدة".

وحسب الخبير الاقتصادي فإن "الاتفاق يقر بأن الطرف المتضرر من مخالفة أحد بنود الاتفاق يمتلك الحق في اللجوء إلى التحكيم الدولي وهو ما يبدو مستبعدا من قبل الاتحاد الأوروبي خاصّة خلال هذه المرحلة".

عية أوضح أن "الطرف الأوروبي يمتلك أوراقا للضغط على الجزائر التي لا يمكنها التراجع عن الاتفاق، فالاتحاد الأوروبي قد يتخذ بعض السياسات التي تضر الاقتصاد الجزائري مثل تخفيض استيراد الغاز من الجزائر على الرغم من وجود عقود طويلة المدى".

مضيفا: "كذلك حرية تنقل الأشخاص إلى أوروبا وهي إجراءات ذات بعد سياسي اجتماعي لمحاولة إبراز رفضه لأي قرار تتخذه الجزائر في علاقة باتفاق الشراكة، كما أن الجزائر لا تغامر بخسارة هذا الاتفاق لما له من ربط علاقات قوية باقتصادات تساهم في خلق استثمارات في الجزائر، في نفس الوقت قد تكون هناك مفاوضات لتغيير بعض البنود المحدودة والتي لا تغير جوهر الاتفاق".