العالم يشكو انخفاض النمو ومصر تزعم ارتفاعه.. كيف تلاعبت بالأرقام؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم ما شهده العالم من تراجع كبير في المؤشرات الرئيسية الاقتصادية، خاصة الكبرى منها بسبب أزمة كورونا "كوفيد 19"، وما ترتب عليها من آثار، إلا أن مصر تزعم أنها حققت نموا إيجابيا خلال هذه الفترة على رغم من الصعوبات التي فرضها هذا الوباء.

رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، قال خلال كلمة ألقاها في 11 من أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن مصر من الدول القليلة جدا التي تعد على أصابع اليد الواحدة على مستوى العالم، التي نجحت في تحقيق نسبة نمو إيجابي خلال هذه الفترة، في الوقت الذي حققت أغلب اقتصاديات العالم نموا سالبا.

إلا أنه لفت إلى أن أزمة كورونا ألقت بظلالها على معدل البطالة الذي وصل إلى نحو 9.5 %، والذي سجل في عام 2018/2019 نسبة أقل من 8%.

تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو" في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كشف أن أداء الصناعات المصرية تراجع بنسبة 25.4 % منذ بداية جائحة كورونا. حيث تأثرت بشكل بالغ بانخفاض المبيعات المحلية وتراجع الصادرات، كما تأثرت سلبا القوى العاملة والتمويل والسيولة وخطوط الإنتاج ومدفوعات الضرائب.

وأدى تراجع المبيعات المحلية وتراجع الصادرات، إلى حدوث أزمة فى السيولة لدى شركات التصنيع، والتي اضطرت بدورها إلى تسريح العمالة وتقليص نشاطها الإنتاجي، كما تأثرت قدرة تلك الشركات على الوفاء بالتزاماتها الضريبية جراء تداعيات الفيروس.

وأشارت بيانات جهاز الإحصاء في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى تراجع قيمة الصادرات المصرية، خلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالى إلى 16 مليار دولار، مقابل 18.2 مليار دولار بنفس الشهور من العام الماضي بنقص 2.2 مليار دولار أي تراجع بنسبة 12%.

وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قالت وزيرة التخطيط، هالة السعيد: إنه في ضوء أزمة كورونا، والتي ظهر تأثيرها واضحا في الربع الرابع من العام، الذي شهد انكماشا لعدد من القطاعات الاقتصادية، أهمها قطاع السياحة والصناعة والخدمات، ما دفع في اتجاه انخفاض معدل النمو خلال العام 19/2020، وتقدر الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في 19/2020 بنحو 206 مليارات جنيه.

مؤشرات حقيقية

ورغم تضارب التصريحات الرسمية، إلا أن المؤشرات الحقيقية تأتي لتكشف مدى تدني عوامل الاقتصاد الرئيسية الداعمة للتنمية، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والتي بلغت نحو 60% من الشعب المصري وفقا للبنك الدولي.

وكشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في بيانه الجديد الصادر في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2020، مدى تدني المستوى المعيشي للأسر المصرية، حيث قال: إن "50% من الأسر تلجأ إلى الاستلاف من الآخرين لسد نفقاتها واحتياجاتها، وتلجأ إلى الاعتماد على أرخص أنواع الأغذية، وتخفيض استهلاكها من اللحوم والطيور والأسماك" في مواجهة آثار أزمة كورونا.

وحسب الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أنه في حال سلمنا بأن الأرقام الخاصه بزيادة معدلات النمو صحيحة فإننا أمام مجموعة من الظواهر التي توضح أن هذه الزيادة ليست لها مردود على المجتمع المصري ولا أداء الحكومة التي لا زالت تخضع للتبعية الخارجية للاقتصاد العالمي.

وأضاف الصاوي، لـ"الاستقلال: "لم نر أيضا تحسنا في مستويات التعليم أو الرعاية الصحية، أو زيادة في أداء الحكومة في مواجهة أزمة كورونا مما يعني أن ما تنشره الحكومة يعد بلا دلالة إيجابية سواء على مستوى الدولة أو الفرد".

وتوقع تقرير لصندوق النقد الدولي أن تتجاوز الخسائر في إيرادات السياحة نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الكبرى المصدرة للسياحة مثل مصر هذا العام بسبب انتشار فيروس كورونا.

وذكر صندوق النقد الدولي في 11 أغسطس/ آب 2020، أن النشاط المحلى عرضة للانكماش خلال الربعين الثاني والثالث من العام الميلادي 2020، على أن يشهد القليل من التعافي في الربع الرابع، وتحسنا أكبر محتملا في 2021، بالتزامن مع التعافي البطيء للقطاع السياحي.

وذكر تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن خسائر مصر من تراجع الحركة السياحية الوافدة في ظل انتشار أزمة كورونا تقترب من 26 مليار جنيه أو ما يوازي 1.5 مليار دولار شهريا أي بنسبة تتراوح بين 65% إلى 75%.

من جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، أحمد ذكر الله، أنه عند النظر إلى حقيقة النمو في مصر يجب مراعاة أمرين أساسيين: الأمر الأول، أن بيانات النمو بيانات محلية وليست عالمية، ما يعني أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية ليس لديهم القدرة على جمع البيانات التي تتعلق بالناتج المحلي الإجمالي حتى تتوصل إلى معدل النمو من الداخل المصري أو من أي دولة.

واستدرك ذكر الله، خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن بيانات الدولة المصرية في مجملها عرضه للتقديرات وأن الأجهزة الاحصائية في مصر غير دقيقة، قائلا: "الأمر الثاني، يتمثل في أن معدل النمو خلال عام 2019 كان يشكل فيه الشق الاستخراجي وشق التشييد والبناء وتجارة التجزئة الأجزاء الأكبر بدلا من مؤشرات القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة".

مضيفا: "وبالتالي في حال افتراض أن هذا المعدل صحيح وأن معدل النمو يقتصر على تلك الأجزاء، فإن هذا النمو يعود إلى أن السلطة المصرية من الدول القليلة التي لم تغلق إغلاق تاما منذ بداية انتشار وباء كوفيد 19، وكان هناك حظر تجوال جزئي وليس كليا يبدأ بعد انتهاء ساعات العمل وليس أثناء العمل وبالتالي لم تتوقف عجلة الإنتاج في مصر مطلقا".
 

عدم الشفافية

وفي 9 يونيو/ حزيران 2020، أفاد وزير المالية محمد معيط، أن الإيرادات العامة الضريبية وغير الضريبية انخفضت بمقدار 124 مليار جنيه (8.26 مليارات دولار) تحت ضغط أزمة كورونا خلال العام المالي 2019/2020، مشيرا إلى تراجع الناتج المحلي بمقدار 130 مليار جنيه (8.66 مليارات دولار).

إلا أن معيط أشار في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن "مصر الوحيدة بين الدول الناشئة تحقق نموا إيجابيا بشهادة من صندوق النقد في العام المالي 2019-2020".

الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، عبر تدوينة على صفحته بفيسبوك علق على تصريح وزير المالية الأخير قائلا: "بالعودة إلى تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي الذي استند إليه الوزير في تصريحه، تبين وجود 24 دولة نامية توقع لها الصندوق تحقيق نمو موجب خلال العام الحالى، بل إن منها دولا زادت نسبة النمو المتوقع بها عن النسبة المتوقعة لمصر".

أما ذكر الله فقال: "مصر تصر على عدم الشفافية في كل شيء، ليس في معدل النمو فقط"، مضيفا: "لا توجد شفافية في البيانات والمعلومات والأرقام، ولا توجد قوانين تمنع الطعن على الحكومة وعدم مراجعتها وبالتالي يمكننا القول بأن الدولة هي من قننت عدم الشفافية.

وتابع: "الأموال تذهب إلى الجيش ووزارة الخارجية ومجلس النواب والقضاء، وأصبحنا نسير في إطار موازنة السطر الواحد الذي لا تتضمن أي تفاصيل، وكأن الدولة أصبحت مخازن أسرار".

الأواني المستطرقة

احتلت مصر المرتبة الـ 106 عالميا في مؤشر الفساد لعام 2019، والمرتبة الـ 11 عربيا على نفس المؤشر، بحسب تقرير منظمة الشفافية السنوي.

ويعد الفساد وعدم الشفافية معوقا من أكبر معوقات التنمية، ويعتبر المسؤول الأول عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى أنه يؤثر بشكل مباشر على العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية، نظرا لارتباطه بإعادة توزيع أو تخصيص بعض السلع والخدمات لصالح الجماعات الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة والنفوذ.

ذكر الله، أكد أن كل يوم يخرج من الإنتاج المصري والموازنات المتوقعة أمور تذهب في بنود خفيه، فعلى سبيل المثال، تم نقل قطاع المناجم والمحاجر مؤخرا بالكامل إلى القوات المسلحة لإدارته لمدة 30 سنة مما يعني أنه ينقل جزءا كبيرا من موارد الدولة إلى أماكن الخفاء.

وتابع: "بالإضافة إلى الشركات القطاع العام كثيفة الطاقة التي لا أحد يعرف حتى الآن لماذا أسعار الطاقة في مصر أعلى من غيرها في كل دول العالم والتي تنعكس بالسلب على المستهلك والصانع المحلي".

وأصدر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، القانون رقم 193 لسنة 2020، بالترخيص لوزراء البترول والثروة المعدنية، والتنمية المحلية، والإسكان والمرافق، في التعاقد مع الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات، المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع بدوره لوزارة الدفاع (الجيش)، في شأن استغلال المحاجر والملاحات في الأراضي التي تقع في دائرة اختصاص كل المحافظات، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

واختتم ذكر الله، بأن "الاستمرار على عدم الشفافية سيؤدي إلى معاناة مباشرة وسريعة على كل المستويات وعلى كل الملفات مثل قطاع الصناعه وغيره من القطاعات الكبرى ومن ثم تنتقل إلى الاقتصاد المصري ككل عبر ما يسمى بنظرية الأواني المستطرقة".