دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية.. ماذا عن فرص نجاحها في المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

تتزايد في المغرب دعوات نشطاء لمقاطعة المنتجات الفرنسية عقب نشر رسوم مسيئة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، على واجهات بعض المباني في فرنسا.

تفاعل مع الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي الآلاف، بينهم مثقفون ومفكرون وأكاديميون، وأضاف آلاف النشطاء على صورهم الشخصية بموقعي تويتر وفيسبوك عبارة "محمد رسول الله".

عبّرت أحزاب مغربية رئيسية عن إدانتها الشديدة للإساءة للإسلام في فرنسا سواء عبر نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد، أو تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون التي أكد فيها على تمسكه بهذه الرسوم.

وشددت حركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي)، على أن محاولات الإساءة المتكررة في فرنسا للدين الإسلامي، "مرفوضة".

وقال بيان لحزب "الاستقلال" (ثاني أكبر أحزاب المعارضة): "الحزب يتابع بقلق شديد التطورات الأخيرة التي تشهدها فرنسا، والمنحى الخطير التي اتخذته ردود الفعل ضد الإسلام والمسلمين وتصاعد موجة الإسلاموفوبيا".

أثارت الرسوم وتصريحات ماكرون موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي، وأُطلقت في معظم الدول الإسلامية والعربية حملات لمقاطعة المنتجات والبضائع الفرنسية.

سوق رئيسة

تظهر فرنسا في قائمة مؤشر "كاك" الاقتصادي، أفضل مستثمر في المغرب في 2018، ولا تزال المستثمر الأول في الأسهم.

تتمتع فرنسا أيضا بحضور اقتصادي قوي في المغرب، كما عززت مكانتها من خلال المشاركة في تحقيق مشاريع الهيكلة مثل الترامواي والقطار الفائق السرعة المغربي، قطاع السيارات، قطاع الطيران وفي مجال الطاقات المتجددة.

من عام 2012 إلى 2018، كانت فرنسا المستثمر الأول في المغرب بحصة 28٪ في المتوسط، متقدمة على الإمارات العربية المتحدة (12.5٪) والولايات المتحدة (6.9٪) والمملكة العربية السعودية (2٪)، بريطانيا العظمى (5.2٪)، إسبانيا (4.7٪) وسويسرا (4.1٪)، وفقا للأرقام الصادرة عن إدارة الدراسات والتنبؤات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري.

في 2018-2019 أصبحت فرنسا المستثمر الثاني في المغرب، إذ بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من فرنسا 8.1 مليارات درهم، مسجلة زيادة قدرها 4.9٪ بعد انخفاضها بنسبة 30٪ في عام 2017. 

تراجعت حصة فرنسا من الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب في اتجاه ليقف عند حوالي 17٪ في 2018 مقابل 22.5٪ في 2017 و31٪ في 2016 وذروة 58٪ في 2010.

ومن حيث التعاون المالي، فإن المغرب هو المستفيد الأول من قروض مجموعة وكالة التنمية الفرنسية (AFD)، فمنذ عام 1992، بلغ إجمالي التزامات المجموعة حوالي 6 مليارات يورو.

أما ما يتعلق بتجارة المغرب مع فرنسا، فقد زادت بنسبة 7.1٪ في 2018 لتصل إلى 117.1 مليار درهم بعد زيادة بنسبة 6.6٪ في 2017.

واردات الرباط من فرنسا بلغت 57.3 مليار درهم خلال سنة 2018، بارتفاع بلغ 9.1 في المائة، ما يمثل 11.9 في المائة من إجمالي واردات المملكة. وتضم المنتجات الخاصة بالتجهيز الصناعي والمنتجات الاستهلاكية والتغذية والتبغ والمشروبات.

في الأشهر التسعة الأولى من 2019، انتعشت الواردات من فرنسا بنسبة 11.5٪ على أساس سنوي لتصل إلى 44.5 مليار درهم.

وزادت الصادرات إلى فرنسا بنسبة 2.4٪ لتصل إلى 45 مليار درهم، ولا يزال الميزان التجاري فائضا (443 مليون درهم) مع تغطية الصادرات للواردات بنحو 101٪.

أصبحت فرنسا ثاني أكبر شريك تجاري للمغرب بعد إسبانيا (18.7٪ في 2018)، كما أنها ثاني زبون للمملكة وثاني مورد لها بنسبة 21.7٪ و 11.9٪ على التوالي في 2018.

وأتت محطات التوتر التي عاشتها فرنسا والمغرب لصالح إسبانيا، وفي ظل تراجع واضح لنفوذها لصالح قوى دولية مثل الصين.

شريك اقتصادي

يعرف الموقع الرسمي للدبلوماسية الفرنسية بلده بـ"الشريك الاقتصادي الأساسي للمغرب"، على الرغم من اشتداد المنافسة في مجالي التجارة والاستثمارات.

ويفيد بأن الصادرات الفرنسية إلى المغرب شهدت تراجعا طفيفا بنسبة 2 بالمائة في عام 2017، في حين ارتفعت الصادرات المغربية إلى فرنسا بنسبة 52 بالمائة بين عامي 2012 و2017.

وأوضحت الدبلوماسية الفرنسية أن هذا الارتفاع شمل، على وجه الخصوص، منتجات النسيج والقطع الكهربائية والإلكترونية ومنتجات الأغذية الزراعية. وتثبت هذه الزيادات عامة تحسن جودة الصادرات المغربية التي تزداد هيمنة المنتجات الصناعية عليها.

وتحافظ فرنسا على تصدرها قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب، بحسب المصدر ذاته، إذ بلغت حصة فرنسا 31.4 في المائة (737 مليون يورو) من مجموع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب في عام 2017، التي تتركز معظمها في القطاع الصناعي.

ويتصدر المغرب قائمة وجهات الاستثمارات الفرنسية في القارة الإفريقية، إذ ثمة ما يزيد عن 900 فرع للمنشآت الفرنسية في المغرب. وتجدر الإشارة إلى أن 33 منشأة من بين المنشآت الأربعين المدرجة في مؤشر "كاك 40" حاضرة في المغرب.

في 2019 استورد المغرب من فرنسا محركات تيربو ومضخات وماكينات وتوربينات غاز، ودوائر كهربائية وقطع غيار سيارات ومنتجات صناعات جوية، وقمح وشعير، إذ بلغت قيمة واردات المغرب من فرنسا 5.3 مليارات دولار.

واستوردت فرنسا من المغرب سيارات وكابلات ومنتجات توصيل كهربائي وخضروات وفواكه وملابس بقيمة 6.3 مليارات دولار.

يربط الكثير من المراقبين التشنج والجفاء الدبلوماسي بين البلدين بانزعاج فرنسا من توارد أخبار تفيد رجحان كفة الصين، في نيل صفقة مشروع القطار السريع المرتقب بين مدينتي مراكش وأكادير.

قدمت بكين عرضا منخفض التكلفة، بحوالي 50 في المائة، عن عرض باريس، علاوة على القلق من الاهتمام المتزايد للصين بصفقة الشطر الثاني لتمديد القطار الفائق السرعة (TGV)، بين مدينتي الدار البيضاء ومراكش. ويمثل هذا تهديدا مباشرا لكعكة سوق السكك الحديدية، الذي ظل تاريخيا من نصيب فرنسا.

تعزز هذا الاحتكار سنة 2007، بعد إسناد مهام تنفيذ الشطر الأول من المشروع (طنجة – الدار البيضاء)، لشركة "ألستوم" الفرنسية، بتكلفة بلغت 4 مليارات دولار، تعويضا لباريس على تراجع المملكة عن صفقة طائرات حربية فرنسية، لفائدة طائرات أميركية بديلة.

سلاح المقاطعة

ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى سلاح المقاطعة، فقد كشفت دراسة للمعهد المغربي لتحليل السياسات في المغرب، من خلال استطلاع رأي أجراه حول مؤشر الثقة وجودة المؤسسات السياسية والاقتصادية، أنه رغم ضعف المشاركة السياسية عموما، فإن حوالي 58 % من المغاربة شاركوا في مقاطعة عدد من المنتجات الاقتصادية في 2018. 

وعن مصدر اكتساب المغاربة للوعي باستخدام هذا السلاح بدل النزول إلى الشارع والاصطدام مع السلطة، قال المحلل السياسي عبد الإله السطي: "أسلوب المقاطعة هو خيار لجأ إليه المغاربة كنوع من الاحتجاج، على غلاء بعض المواد الغذائية والطاقية خلال السنة الماضية، عبر حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

وأضاف السطي في حديث لـ"الاستقلال": "هذه الحملة أدت إلى تراجع مبيعات العديد من الشركات ما أثر على مردودية دخلها، وهو ما اعتبر نجاحا لهذا الأسلوب من الاحتجاج". 

وعلى ما يبدو، فإن الأثر الذي خلفته هذه الحملة أدى بالمغاربة لاكتساب آلية للاحتجاج يتم اللجوء إليها كلما اقتضت الضرورة، و"لهذا بدأنا بسماع أصوات تنادي بنهج نفس الأسلوب خلال الأيام القليلة الماضية، وهو ما يؤشر على عودة الاحتقان الذي خلفه أثر المقاطعة خلال الحملة الماضية"، بحسب المحلل السياسي.

مسألة وقت

المحلل الاقتصادي المغربي عبد النبي أبو العرب جزم، بأنه لا بد من ظهور أثر لهذه المقاطعة على المدى القريب، لكن يبقى التساؤل، إلى أي حد ستستمر هذه المقاطعة  وإلى أي حد يمكن أن تصبح حركة شعبية واسعة تضر فعلا بالاقتصاد الفرنسي؟.

يفيد دكتور الاقتصاد في حديث مع صحيفة "الاستقلال": "يصعب التكهن بهذا الأمر وتقييم المقاطعة وحجمها التجاري والمالي، لأن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت والانتظار حتى ننظر في تطور الأمور، وننظر أيضا في مواقف الأطراف، خاصة الجانب الفرنسي الذي عاد وأوضح مواقفه وأصدر بيانات متعددة تصب كلها في اتجاه رفع اللبس في الموقف الفرنسي".

وأوضح أبو العرب، أن "العلاقات التجارية المغربية-الفرنسية هي علاقات متينة تحكمها شراكات واتفاقيات وعلاقات بين الشركات التي تشتغل بمنطق السوق والالتزامات المتوسطة والبعيدة الأمد، وهذه الالتزامات ستبقى سارية والشركات ستستمر في استيراد المنتجات وتوزيعها".

وزاد المتحدث قائلا: "خاصة وأن إيجاد البدائل قد يكون صعبا ويتطلب وقتا، وقد يحمل خسارة للشركات المغربية التي قد ترفض بدورها تغيير الموردين الفرنسيين بآخرين، فالأمر يتعلق بمنطق الربح والخسارة، والشركات لديها مواقف خاصة بها في هذا الأمر".

اعتبر دكتور الاقتصاد أنه "على المستوى المتوسط والبعيد لن تتأثر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب وفرنسا بهذه المواقف، إلا إذا تطور الموقف الرسمي الفرنسي والحزبي بكل الأطياف إلى موقف أكثر معاداة للإسلام والمسلمين، وتم اتخاذ إجراءات وقوانين وتشريعات عنصرية ضد المسلمين المقيمين بفرنسا".

أبو العرب استطرد قائلا: "حينها سيتأثر الموقف المغربي بطبيعة الحال ويمكن أن تكون هناك تطورات تتجه في منحى إعادة النظر في العلاقات، كما سيكون الحال بالنسبة لكل الدول العربية والإسلامية".

يرى أبو العرب أن "هناك توجها عالميا غير مطَمئن أساسه صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الغربية وهذا اليمين المتطرف بالفعل له مواقف متعصبة ومعادية للعرب والمسلمين".

وختم بالقول: "أتوقع حدوث هذا الأمر في العقد المقبل، قد يكون له أثر قوي على مستوى العلاقات العربية الإسلامية والغربية وأيضا المغربية بطبيعة الحال".