سلاح فعال.. هكذا يحارب المغاربة خصومهم دون الاصطدام بالسلطة

الرباط ــ الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار خطاب وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي عزيز أخنوش، في العاصمة الإيطالية روما قبل أيام، غضبا شديدا في بلاده، بعد أن قال: إن "بعض المغاربة يحتاجون إلى إعادة تربية".

وفي خطاب لحزبه "التجمع الوطني للأحرار"، دعا أخنوش في 10 ديسمبر/كانون الأول إلى مواجهة كل من لا يحترم مؤسسات الدولة، ليس عبر جره إلى القضاء بل عبر "تربيته بأنفسنا".

ويُلقي أخنوش، ثالث أغنى رجل في المغرب وصديق ملكه، الخطابات من إيطاليا للترويج لحزبه في انتخابات 2021 المقبلة، وقدر عدد المغاربة هناك في نهاية 2016 بـ430 ألف (المقيمين بشكل قانوني) وهم أكبر جالية أجنبية من خارج أوروبا. 

واعتبر المغاربة أن تصريحات أخنوش تمثل إهانة لهم، فيما قال آخرون إنها دعوة صريحة للعنف والفتنة. ففي الوقت الذي يسارع فيه الرجل الزمن لضمان أكبر عدد من الأصوات لصالح حزبه في انتخابات 2021 التي يقبل عليها المغرب، يقع في كثير من الورطات.

والسبب يرجعه الكاتب والباحث في العلوم السياسية، بلال التليدي، إلى أن "خلفيته السياسية والقانونية وحتى الدستورية محدودة جدا".

ويقول التليدي في تصريح سابق لـ"الاستقلال": إن "السلطة التي تراهن عليه لإخفات نجم الإسلاميين تدرك ذلك جيدا، بدليل طرحها إعادة إحياء حزب "الاتحاد الاشتراكي" (وسط اليسار) وتسليط الضوء على بعض قياداته السابقة للقيام بالمهمة".

تصريحات أخنوش هذه المرة لن تكلفه سياسيا فقط، بل واقتصاديا أيضا، بعد أن قرر عدد من المغاربة مقاطعة خدمات مجموعة "أكوا" القابضة، المملوكة للوزير، وهو ما أعلنوا ودعوا له عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتضم المجموعة عشرات الشركات المتخصصة في توزيع البنزين والاتصالات والخدمات، ويصل عددها إلى نحو 50 شركة تنشط في مجالات اقتصادية عدة في مقدمتها الغاز.

سلاح المقاطعة

واعتبر الناشط الحقوقي، محمد المساوي، أن أنجع رد على أخنوش هو "إعادة إحياء مقاطعة منتوجات الملياردير الذي يسف (يمتص) دماء المغاربة قطرة قطرة، وفي إعادة إحياء مقاطعة منتوجات أخنوش، سنعيد تربية من أراد إعادة تربية المغاربة".

ولجأ المغاربة في عام 2018 إلى مقاطعة محطات توزيع الوقود ”أفريقيا“ المملوكة لأخنوش، ومياه ”سيدي علي“ المعدنية من شركة "أولماس" المملوكة للرئيسة السابقة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، مريم بنصالح شقرون، ومنتجات ”سنطرال دانون“، من أجل الضغط على هذه الشركات المستحوذة على حصة الأسد من السوق كي تخفض أسعارها.

على إثر هذه المقاطعة أعلنت شركة "سنطرال دانون" للحليب ومشتقاته أن خسائرها المالية في نهاية 2018 وصلت إلى 500 مليون درهم.

وقالت "سنطرال دانون"، التابعة للشركة الأم الفرنسية، والمملوكة في المغرب لمجموعة "المدى" القابضة للأسرة الملكية: إن أنشطتها "شهدت انخفاضا كبيرا منذ بداية حملة المقاطعة، التي بدأت عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

ووصل معدل انخفاض رقم معاملات الشركة في السنة إلى 30 في المائة، وهو ما سينتج "نتيجة صافية سلبية بناقص 500 مليون درهم، مقارنة مع السنة الماضية التي حققت فيها ربحا صافيا ناهز 115 مليون درهم".

حملة المقاطعة أتت أكلها وجعلت الشركة ترضخ لمطالب المواطنين، وقادت حملة تواصُلية مكثفة عبر مختلف المدن المغربية قبل أن تقرِّر تخفيض ثمن الحليب وجعله في حدود 6 دراهم و40 سنتيما للتر الواحد بل 7 دراهم (0.75 دولار).

وكشفت تداولات البورصة، في الأسبوع الثاني من المقاطعة أن أكبر الانخفاضات من قيمة الأسهم، حازتها شركة "أفريقيا غاز" التي فقدت 5.97 بالمائة من قيمة السهم.

وأفادت تقارير صحيفة بأن الخسائر في رقم المعاملات في الأسبوع الثاني، بلغت 31 في المائة في المعدل العام، وخسرت، بالتالي، ما مجموعه 146 مليون سنتيم يوميا (150 ألف دولار يوميا).

ذو فعالية

وكشفت دراسة للمعهد المغربي لتحليل السياسات في المغرب، من خلال استطلاع رأي أجراه قبل أشهر قليلة حول مؤشر الثقة وجودة المؤسسات السياسية والاقتصادية، أنه رغم ضعف المشاركة السياسية عموما، فإن حوالي 58 % من المغاربة شاركوا في مقاطعة عدد من المنتجات الاقتصادية في 2018. 

وعن مصدر اكتساب المغاربة للوعي باستخدام هذا السلاح بدل النزول إلى الشارع والاصطدام مع السلطة، قال المحلل السياسي عبدالإله السطي: إن أسلوب المقاطعة هو خيار لجأ إليه المغاربة كنوع من الاحتجاج، على غلاء بعض المواد الغذائية والطاقية خلال السنة الماضية، عبر حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتابع السطي في حديث لـ"الاستقلال": أن "هذه الحملة أدت إلى تراجع مبيعات العديد من الشركات مما أثر على مردودية دخلها، وهو ما اعتبر نجاحا لهذا الأسلوب من الاحتجاج". 

وعلى ما يبدو، فإن الأثر الذي خلفته هذه الحملة أدى بالمغاربة لاكتساب آلية للاحتجاج يتم اللجوء إليها كلما اقتضت الضرورة، و"لهذا بدأنا بسماع أصوات تنادي بنهج نفس الأسلوب خلال الأيام القليلة الماضية، وهو ما يؤشر على عودة الاحتقان الذي خلفه أثر المقاطعة خلال الحملة الماضية"، بحسب المحلل السياسي.

صوب النظام

ربط بعض الداعين إلى المقاطعة بين تصريح عزيز أخنوش وبين صداقته بالملك محمد السادس، ودعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة كل منتوجات الهولدينغ الملكي، لافتين إلى أن النظام والمقربين منه يستنزفون الشعب ويحكمون قبضتهم على كل خيوط الاقتصاد.

ففي عام 2010، أسس محمد السادس نيابة عن العائلة الملكية صندوقا استثماريا يحوي كل استثمارات العائلة، لتندمج فيه الشركات التي تنشط عملياتها التجارية داخل المغرب وخارجه، عبر كيان تجاري أطلق عليه "الشركة الوطنية للاستثمار القابضة".

يعرف الصندوق باسم "الهولدينغ الملكي"، وقد تحول لعملاق مالي وصناعي وخدمي يحتكر كل قطاعات الاقتصاد المغربي، عبر شركات تتبعه تنوعت استثماراتها، وناهزت الحصة الصافية للمجموعة 4.6 مليارات درهم مغربي في عام 2018.

غيرت المجموعة اسمها إلى "المدى القابضة"، وراهنت التسمية على مواصلة النشاط على المستويين الوطني والقاري، توجد استثمارات مجموعة "المدى" في 27 بلدا، أغلبها في القارة الإفريقية، وبلغت استثماراتها في إفريقيا خارج المغرب حوالي 600 مليون يورو سنة 2017. وتستثمر في مجالات عدة، منها الخدمات المالية ومواد البناء والتوزيع والاتصالات والمناجم والطاقة والعقار والسياحة.

لكن رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي، عبدالسلام البلاجي، قال: إنه على عكس حملة المقاطعة الأولى التي كان لها تأثير قوي، لن تلقى دعوات المقاطعة صدى واسعا هذه المرة، وأرجع السبب إلى ارتباط الحملة الأولى بعوامل أقوى من مجرد احتجاج لثلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتطرق البلاجي إلى شرط لنجاح الحملة، يتمثل بوقوف جهات قوية وراء هذه المقاطعة، لتكون سببا أساسيا في نجاحها، وفق تقديره. 

وأفاد الكاتب والمفكر في المالية الإسلامية في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، أن ما ساهم في نجاح الحملة الأولى هو وجود جهات سياسية واقتصادية وأجهزة قوية وراءها، وهي العوامل التي تغيب عن الحملة الحالية.

واعتبر البلاجي أن تداخل السلطات السياسية والاقتصادية دائما ما يكون ضد المصلحة، وتكون له تأثير على المستويين.

ورفض المتحدث ربط ذلك بحزب أو شخص معين، معتبرا أنها مسألة كونية واستدل على ذلك بمثال جورج بوش الابن الذي استغل نفوذه السياسي كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية في نجاح متاجرته في السلاح. 

سلاح سلمي

تعترف الأمم المتحدة والبنك الدولي بحركات المقاطعة وتقر أن لها أثرا اقتصاديا، وهي أحد الأساليب التي تُوظف للضغط على الشركات أو المؤسسات ذات الأنشطة الاقتصادية.

وصُنفت المقاطعة الاقتصادية "سلاحا رادعا" في مواجهة الآخر وتطويع إرادته، لما تستطيع إلحاقه من أضرار اقتصادية، كتراجع حجم المبيعات والصادرات، وما يترتب على ذلك من آثار سياسية واجتماعية، نظرا لأهمية سلاحي المال والاقتصاد بالغ الأثر في العالم المعاصر.

وهذان السلاحان استخدما في أكثر من حركة احتجاجية عبر العالم، أشهرها حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس"، المبنية على المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل وتطوير حملات فعّالة ضد الشركات التي تشارك في الاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين.

ولا تضر المقاطعة الاقتصادية المشغلين فقط ولكنها تصل إلى العمال، لذلك هناك من يعارضها بشدة ويدعي بأنها تشبه في تأثيرها العقاب الجماعي، ولذلك فهي غير منصفة وغير ديمقراطية. 

وهو ما حصل في المغرب عندما انتقل عمال شركة "سنطرال" إلى خطوة الاحتجاج الميداني لإيقاف حملة المقاطعة، لحث المواطنين على مراعاة ظروفهم الاجتماعية، بعد أن أدت الحملة إلى فصل العديد من المستخدمين، وخفض كمية إنتاج الحليب بنسبة 30 في المائة.