رهان السلطة لإضعاف الإسلاميين في المغرب.. هل ينجح "أخنوش"؟

12

طباعة

مشاركة

"100 يوم 100 مدينة" واحدة من بين تحركات ميدانية كثيرة يقوم بها وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات المغربي ورئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار"، عزيز أخنوش، الذي لا يخفي طموحه بتصدر انتخابات 2021 التشريعية التي تقبل عليها المملكة.

التحركات التي يقوم بها أخنوش كانت ستكون مشروعة ضمن تسخينات انتخابية بدأت بها باقي الأحزاب أيضا، لكن رئيس حزب "الحمامة" لاعب من نوع مختلف لا تحركه السياسة، بل جهات تمسك بخيوطها، حسب مراقبين. 

منذ تقلده منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في 2007 ظل أخنوش سياسيا عاديا ورجل اقتصاد قوي، مقل في الظهور والتصريحات للإعلام، إلى أن أصبح الحصان الأسود في تشكيل حكومة 2017، إذ ربطت أحزاب مشاركتها في الحكومة بوجوده، وأخرى كانت تنتظر الضوء الأخضر منه، ورئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران يحاول استمالته لتخطي عقبة التشكيل..

وصف بـ "الجوكر" الذي قدم نفسه بديلا، قادرا على حمل طموحات المواطنين، ومنافسة الإسلاميين على صدارة انتخابات 2021 التشريعية. فهل يكون فعلا البديل عن الإسلاميين وينجح فيما فشل فيه آخرون سخرتهم السلطة لهذا الغرض؟

حصانة ملكية

بدأ بالمال والأعمال - وهو مجال تخصصه الدراسي- عندما ورث عن والده  مجموعة "أكوا" القابضة، التي تضم عشرات الشركات المتخصصة في توزيع البنزين والاتصالات والخدمات ويصل عددها الى نحو 50 شركة تنشط في مجالات اقتصادية عدة في مقدمتها توزيع الغاز.

في 2007 تقلد منصب وزير الفلاحة بقبعة حزب التجمع الوطني للأحرار - ليبرالي من يمين الوسط صنعته السلطة - واستمر في تقلد المنصب نفسه لكن كتكنوقراط في 2011 - أول حكومة يشكلها ويرأسها الإسلاميون- بعد أن ترك الحزب الذي اصطف في المعارضة. 

استمرار أخنوش في المنصب سواء شارك حزبه في الحكومة أم لم يشارك لا تحكمه الأهواء بل يعود السبب فيه إلى مدى أهمية قطاع الفلاحة والصيد البحري في المغرب اللذين يشكلان محركا الاقتصاد.

تعد الوزارة كيانا رئيسيا وفاعلا ضمن أجهزة الدولة، فهي تلعب دورا بارزا في العلاقات التي تجمع المغرب مع كل من إسبانيا والاتحاد الأوروبي. 

يجمع أخنوش بين المال والسلطة، فقد صنفته "مجلة فوربس" الأمريكية، كثالث أغنى رجل في المغرب، حيث قدرت ثروته بحوالي 1400 مليون يورو. ويعد أخنوش الصديق الوحيد من بين السياسيين للملك محمد السادس، إذ يجمع بينهما الشغف بعالم المال والأعمال.

استقبل أخنوش الملك وزوجته  أكثر من مرة في منزله بمدينة الدار البيضاء، لتناول وجبة الإفطار خلال شهر رمضان، مع الحرص على تسريب الخبر للصحافة الذي يعتبر بمثابة رسائل سياسية قوية لخصوم أخنوش تكسبه نوعا من الحصانة.

بلا كاريزما

وصفت صحيفة إلباييس الاسبانية عزيز أخنوش أنه سياسي "بلا كاريزما" وقالت نقلا عن مجلة "تيل كيل" المغربية الناطقة بالفرنسية: أنه "لا يتحدث بتاتا، ولا يكلف نفسه عناء مخاطبة الرأي العام. كما اعتاد أخنوش دائما حماية نفسه من خلال الاختباء وراء مساعديه".

وهي الصورة التي يحاول أخنوش جاهدا تغييرها عبر المؤتمرات الانتخابية التي يعقدها في مختلف المدن المغربية ومحاورة ساكنيها، وهو تقليد استحدثه في عالم السياسة الأمين العام ورئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران تمكن من خلاله من حصد شهرة وشعبية منقطعة النظير انزعجت منها بعض التيارات في الدولة العميقة.

الصحيفة الإسبانية أفادت بأن بنكيران هو الزعيم الوحيد الذي تمكن من حشد حوالي 20 ألف مناصر في مؤتمراته الانتخابية. وهو ما يسعى أخنوش جاهدا لتحقيقه، حتى أن البعض قال إنه يقلد طريقة بنكيران في الكلام ومخاطبة الجماهير. وذهبت إلباييس إلى حد وصف الوضع بأن وزير الفلاحة "يحاول مكافحة ميسي الإسلاميين"، في إشارة للاعب برشلونة الشهير الأرجنتيني ليون ميسي.

الكاتب والباحث في العلوم السياسية، بلال التليدي، قال لـ "الاستقلال": "الرهان على أخنوش هو رهان منقوص لأن السلطة تدرك أن خلفيته السياسية والقانونية وحتى الدستورية محدودة جدا".

مظلة هوائية

في 2016 عقب الانتخابات التي حصد فيها العدالة والتنمية المركز الأول للمرة الثانية على التوالي، بدأ أخنوش بالتفاوض مع بنكيران من أجل الانضمام إلى التشكيلة الحكومية الجديدة.

لكن السياسي الذي نزل على "التجمع الوطني للأحرار" من جديد بمظلة هوائية جعلته في منصب الرئيس فرض شروطا مقابل المشاركة في الحكومة منها إخراج حزب الاستقلال- وطني يمزج بين المحافظة والليبرالية- من التحالف. وهو ما رفضه بنكيران بقوة مبررا ذلك بأن حزب الاستقلال كان له موقف متميز عقب الانتخابات برفضه محاصرة العدالة والتنمية ومنعه من تشكيل الحكومة.

وعلى ضوء الامتيازات التي منحها له الدستور أقال الملك بنكيران لفشله في تشكيل الحكومة وعين سعد الدين العثماني رئيسا جديدا للحكومة الجديدة حيث استجاب الأخير إلى كل الشروط التي رفضها بنكيران طيلة 5 أشهر.

تشكلت حكومة ائتلاف تتكون من 6 أحزاب تراجعت فيها قوة الإسلاميين، إذ حصلوا على 11 حقيبة من بين 36. في المقابل، أضاف أخنوش إلى صلب وزارته صلاحيات جديدة تتمثل في التنمية الريفية والمياه والغابات، التي تحظى بأهمية بالغة في مشاريع البنية التحتية الكبيرة المخطط لها من قبل الحكومة المغربية. ونجح حزبه في السيطرة على الوزارات الاقتصادية الرئيسية داخل البلاد.

وعن تلك الفترة قال المحلل السياسي بلال التليدي: "ورقة أخنوش تم استخدامها منذ عرقلة تشكيل حكومة بنكيران ولكن الذي يبدو واضحا من تلك الفترة أن السلطة كان لها تقدير بأن الرجل لا يستطيع لوحده أن يقوم بمهمة عرقلة بنكيران، لذلك كان هناك حرص على أن يتم التفاوض معه ككتلة ومن ثمة كان هناك رهان كبير على إدخال حزب الاتحاد الاشتراكي - يساري- لاعتباره يمتلك خلفية قانونية ودستورية وسياسية تستطيع أن تقدم الدعم لأخنوش".

ورقة محروقة

يرى التليدي أن التقييم لم يتغير، لكن بالمقابل هناك خطوات أو مؤشرات أخرى يمكن أن يلتمس منها بأن الرهان على أخنوش لازال مستمرا.

والمؤشر الثاني هو إطلاقه مشروع "مسار الثقة" واللقاءات الجهوية التي كان قد عقدها في عدد من المدن خصوصا الجنوب. لكن هذه الدينامية، بحسب المتحدث للصحيفة "تم إفشالها من خلال المقاطعة الشعبية لمنتوجات اقتصادية خصوصا المحروقات وتحديدا الشركة التي يملكها أخنوش".

كان عدد كبير من المغاربة قاطعوا مجموعة من المنتجات الغذائية احتجاجا على غلائها وأيضا شركة المحروقات التي يملكها أخنوش، وقاموا بمشاركة صوره على مواقع التواصل تحت حملة بعنوان "المقاطعة".

وفي الوقت الذي ظن فيه البعض أن ورقة الوزير في الحكومة الحالية وكأنها احترقت بشكل كامل، يعاد إخراجها من جديد من خلال مؤشر ثالث وهو برنامج 100 يوم لزيارة المدن والأقاليم والجهات، على حد تعبير المحلل السياسي.

لكن السلطة لازالت تدرك أن ورقة أخنوش ليست ناجحة بدليل أن هناك أفكارا كثيرة تطرح تحت الطاولة منها إعادة إحياء حزب الاتحاد الاشتراكي وتسليط الضوء على بعض قياداته السابقة.

تكتيكات السلطة

فكرة أخرى طرحت على الطاولة، يزيد التليدي موضحا، "وهي وحدة اليسار وتكوين جبهة لليسار وهي فكرة تلاقي مشكلة بسبب أن حزب الاتحاد الاشتراكي يوجد على رأسه إدريس لشكر الذي لا يتمتع بأدنى مصداقية لدى قوى اليسار التي لا ترى أي إمكانية لتحقيق هذا المسعى في ظل وجود هذه القيادة".

واعتبر الباحث السياسي أن "هناك أفكار كثيرة وكلها تدل على أن السلطة ليست مقتنعة بعزيز أخنوش، ولكن ريثما تنضج فكرة أخرى أكثر فعالية لإضعاف الإسلاميين وإخراجهم من مربع قيادة الحكومة". 

واستعرض المتحدث الأزمات التي تواجهها كل الاتجاهات التي تحاول فيها السلطة، قائلا: "حزب الاتحاد الاشتراكي يعاني أزمة كبيرة بسبب ضعف القيادة ومساهمتها في إضعاف الحزب، فيما حزب الأصالة والمعاصرة يعيش انشقاقا، وبدأت السلطة تتيقن بأن غرضه انتهى واستنفد مهمته ولم يعد قادرا على أن يحقق ما خلق لأجله".

أما حزب الاستقلال، ورغم تجديد قيادته ديناميته لا تزال ضعيفة، ومن ثم اليوم يبدو بأن كل التكتيكات التي أنتجت من أجل إضعاف حزب العدالة والتنمية أثبتت محدوديتها.

واعتبر بلال التليدي أنه "لا يتم التفكير في إخراج العدالة والتنمية من مربع التدبير الحكومي بقدر ما يتم التفكير في إضعاف بعض قوته حتى لا يصل إلى المستوى الذي كان يتمتع به في السابق".

واستدل المتحدث للاستقلال عن رأيه بالقول: "ليست هناك أجندة قوية وفعالة بسبب أزمة داخل النسق السياسي، فضلا عن أن التحولات التي يعيشها المغرب وهي لا تدعم نجاح أي مشروع سلطوي لأن المؤشرات الاقتصادية لا تبشر بالخير ومؤشرات الاحتجاج الاجتماعي تتنامى وتتعاظم والأوضاع الدولية لا تساعد المغرب".

وأوضح التليدي أن "هناك حراكا في الجزائر شرق المغرب وعدم استقرار في العالم العربي وأزمة لدى الشركاء الأوروبيين، أظن أن هذه الاعتبارات كلها تجعل السلطة لا تغامر بإحراق مسار الاستقرار السياسي، وأن كل ما يجري من دعم لأخنوش أو غيره هي تكتيكات لإضعاف الحزب الإسلامي أكثر من أي شيء آخر".