أزمة معقدة.. هل يتحول إقليم "قره باغ" إلى سوريا جديدة؟

12

طباعة

مشاركة

بعد بضعة أسابيع من التوتر، جاء دور الحراك الدبلوماسي في نزاع "قره باغ"، على واشنطن، بعد عدم تحقيق موسكو اختراقات كبيرة فيما يخص القتال بشأن الإقليم الحدودي بين أذربيجان وأرمينيا.

ونشرت صحيفة "صباح" التركية مقالا للكاتب برهان الدين دوران قال فيه: "لم ينتج عن استضافة موسكو وزيري خارجية أذربيجان وأرمينيا بإضفاء ثقلها، سوى وقفين مؤقتين لإطلاق النار، ولا يُتوقع أن يؤدي اجتماع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع وزيري خارجية الطرفين إلى نتائج دائمة أيضا".

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول، دعا بومبيو، إلى وقف التدخلات الخارجية في الاشتباكات الدائرة بالإقليم، مضيفا في تصريحات صحفية بمقر وزارته في واشنطن، أن محاولات التوصل لوقف إطلاق النار في "قره باغ" باءت بالفشل لأن الأزمة "معقدة دبلوماسيا".

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول، التقى بومبيو بشكل منفصل نظيره الأذربيجاني جيهون بَيْرَموف ثم الأرميني زُهراب مناتساكانيان في مقر وزارة الخارجية بواشنطن. ولم يحدث لقاء ثلاثي. وقالت الخارجية الأميركية: إن بومبيو "شدد على ضرورة إنهاء أعمال العنف وحماية المدنيين".

وعقب تفكك الاتحاد السوفييتي، احتلت أرمينيا أراض أذربيجانية، ليوجه مجلس الأمن الدولي 4 دعوات إلى أرمينيا لإنهاء الاحتلال، إلا أن الأخيرة لم تستجب.

وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2020 أطلق الجيش الأذربيجاني عملية في إقليم "قره باغ" المحتل، ردا على هجوم أرميني استهدف مناطق مدنية. وتمكن الجيش خلال العمليات من تحرير مدن جبرائيل وفضولي وزنغلان، وأكثر من 100 منطقة سكنية.

ضغط غير مباشر

يعتبر الكاتب أنه من الواضح "بينما يقوم الجيش الأذربيجاني بتحرير القرى المحتلة جديدا في النزاع، يستنفد رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان جميع الوسائل ويأخذ مكانه في المسرح محتجا بحرب الحضارات". 

وقال: إنه "يستخدم الورقة الأميركية بقوله إنه يائس من روسيا، أملا في دعم الجالية الأرمنية في الولايات المتحدة من خلال تأثيرها في الانتخابات. كما يجادل من ناحية أخرى، بأن الدبلوماسية لا يمكن أن تسفر عن نتائج وأن قره باغ ستصبح سوريا جديدة".

ويتابع الكاتب: من الواضح أن تحذير باشينيان بقوله "سوريا الجديدة" يهدف بالدرجة الأولى إلى إثارة مخاوف روسيا وإيران وأوروبا. فهو يهدد "بحرب ستستمر لسنوات" لأنه لا يستطيع تحويل نزاع قره باغ إلى حرب شاملة بين أرمينيا وأذربيجان.

ويرى الكاتب أن موسكو لا تريد إطالة أمد الصراع بطريقة تقوض نفوذها في القوقاز وتتسبب بقدوم الولايات المتحدة أو حلف الناتو إلى المنطقة. 

أما طهران، فهي العاصمة الأكثر قلقا بشأن طول الصراع وانتشاره، حيث إنها قلقة من تنفيذ الولايات المتحدة وإسرائيل عمليات في إيران من خلال المقاتلين الأجانب.

من ناحية أخرى فإن أوروبا التي لم تكن فاعلة في العديد من الأزمات بما في ذلك أزمة سوريا، لا يمكنها أن تفعل أكثر من الاكتفاء بتصريحات فرنسا الرمزية وجهودها. وبالنظر إلى مسار الصراع على الجبهة، لا يمكن أن يخوض باشينيان مثل هذه الحرب، وفقا للكاتب. 

ويعتقد أن القوى العالمية والإقليمية تتمتع بخبرة كبيرة بحيث لا يمكن جرها إلى صراع مثل سوريا، لكن الشاغل الرئيسي لباشينيان يتمثل في وضع القوى الدولية لقوتها العسكرية في قره باغ الجبلية، وبالتالي منع فقدان ممرات جديدة، حيث يأمل في خلق بيئة دبلوماسية ـ من خلال هذه العملية ـ تمنح الإقليم استقلاليته".

الدور التركي

ويستطرد دوران قائلا: بالنظر إلى النفوذ الروسي في القوقاز، يبدو أن موسكو أعطت يريفان الفرصة لاستنفاد كل الخيارات (..) إنها تواجه العواقب الملموسة لرفضها الانسحاب من 5 ممرات، وقد فشلت أرمينيا في الميدان. وعلى الرغم من أن موسكو زودت أرمينيا بالأسلحة الثقيلة، إلا أن الوضع لم يتغير".

ويتابع: "يبدو أن باكو كانت مستعدة جيدا بعد هجوم توفوز في يوليو/تموز. علاوة على ذلك، فإن الخسائر التي سببتها الطائرات بدون طيار المسلحة التركية للجيش الأرمني تضر في الواقع بسمعة صناعة الدفاع الروسية. لذلك، سيعود باشينيان، الذي لم يجد ما كان يتوقعه من الولايات المتحدة والناتو، إلى موسكو مرة أخرى".

ويلفت الكاتب إلى أن تذكير باشينيان بـ "سوريا الجديدة" لا يعكس اليأس الأرمني فحسب، بل يوضح أنه لا ينبغي لروسيا أن تدخل في اشتباك عسكري جديد مكلف.

ويرى أن "موسكو ليست في مكان يجعلها تؤيد إصرار يريفان على عدم الانسحاب من أي من الأراضي المحتلة، حيث إن لديها مصلحة مشتركة مع باكو لا ينبغي أن تضيعها أيضا. لذا الوضع مختلف تماما في القوقاز".

وينوه قائلا: إن تركيا تملك القدرة على تغيير ميزان القوى في دعم المنطقة لأذربيجان، فيما فقدت سياسة موسكو في حكم باكو ويريفان معا معناها القديم. 

وواصل: "فقد تكونت تقييمات جديدة في حسابات القوة الإستراتيجية في باكو وتوسعت مساحة مناورات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، حيث تتمتع أذربيجان الآن بدور أقوى على عكس ما كانت عليه في عام 1992 أو 2016".

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن قبول موسكو ويريفان وباكو للقضية يوضح أنه يمكن لتركيا أن تأخذ دورا فاعلا، أما طهران فإنها تقترح تكوين آلية ثلاثية الأطراف متكونة من تركيا وروسيا وإيران مماثلة لنموذج أستانة (محادثات سوريا).

 وبالنسبة لواشنطن فليس من الواضح بعد كيف ستشارك في المعادلة تحت ضغط حالة عدم الوضوح بشأن الانتخابات الأميركية (نوفمبر/تشرين الثاني) وما بعدها.

وقال: "ستكون مفاجأة كبيرة إذا توقف الصراع الموجود داخل مجال النفوذ الروسي بتأثير من الولايات المتحدة. لذا من المتوقع أن تفضل موسكو الجلوس مع أنقرة بدلا من واشنطن وأن تضغط على يريفان من أجل ذلك".