زليخة نشناشي.. "ابنة بوتفليقة السرية" التي خدعت نظام الجزائر لسنوات

وهران - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يتمكن أي من خصوم الرجل الذي حكم الجزائر لأطول مدة في تاريخها من مجابهته ولا الوقوف في وجه نظامه الدكتاتوري، لكن زليخة نشناشي، استخدمت دهاء المرأة وتمكنت من ذلك عبر تسللها داخل دواليب الحكم.

ادعت سيدة الأعمال التي استخدمت اسم "مدام مايا" لإخفاء هويتها، أنها ابنة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي عرفه الجزائريون طيلة فترة توليه للحكم رجلا أعزبا بلا زوجة ولا أولاد.

حاكت نشناشي كذبتها وأوهمت بها دوائر الحكم لسنوات، دخلت خلالها المرأة إلى مربع الحكم مستهدفة رجالات الدولة والمسؤولين الرفيعين مستغلة نفوذها المختلق للاستفادة من الامتيازات.

بدأت خيوط لعبة "مدام مايا" تنكشف في يوليو/ تموز 2019، أي بعد 3 أشهر من استقالة بوتفليقة، عندما ضبط الأمن مبلغا ضخما في منزلها الكائن غرب العاصمة بجوار محل إقامات الوزراء والمسؤولين الكبار في الدولة.

وبعد أن أصبح المقربون من بوتفليقة هدفا للمتابعات في قضايا فساد، ضبط المحققون في منزل مدام مايا أكثر من مليون يورو بين الدينار الجزائري والعملات الأجنبية و17 كيلوغراما من المجوهرات.

ابنة الرئيس

اشتهرت نشناشي في أوساط المسؤولين الرفيعين بلقب "المعلم (أي المسيطر باللهجات المغاربية)" بعدما أقنعت الجميع بأنها ابنة الرئيس السرية.

وأفادت وسائل إعلام جزائرية أن المتهمة البالغة من العمر 65 سنة، امتهنت الخياطة وتاجرت في الأقمشة قبل أن تفتح في وجهها أبواب الاغتناء.

تحدثت "مدام مايا" خلال المحاكمة عن علاقة "وطيدة جدا" كانت تربط والدها المتوفي ببوتفليقة قبل أن يصبح رئيسا في 1999.

واعترفت أن "التسهيلات التي حصلت عليها من أجل إنجاز مشاريع استثمارية قد تمت بتدخل رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة" ما سمح لها بجمع ثروة ضخمة.

من جهته نفى الوزير السابق محمد الغازي التهم الموجهة إليه واعتبرها باطلة، مؤكدا أنه تعرف على "مايا" عن طريق  محمد روقاب السكرتير الخاص للرئيس السابق بوتفليقة. وقال الأخير: إنه تدخل مرة واحدة فقط لصالحها بطلب من الرئيس.

كشف الغازي أن روقاب طلب منه أن يساعد عائلة هذه السيدة بصفتها من أقرباء الرئيس السابق، وتم على هذا الأساس منحها مشروع ترميم حديقة بولاية الشلف.

ومن بين الامتيازات التي تحصلت عليها أيضا المتهمة الرئيسية، قطعة أرض بالمنطقة المسماة "أم الدروع" بنفس الولاية. وفي سنة 2017 توسط الغازي بطلب من نشناشي لتسوية ملفات استثمار لأقربائها في وهران.

استطاعت "مدام مايا" عن طريق شبكة العلاقات التي كونتها من جمع ثروة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، فضلا عن بناية وشقق في عدد من المدن الجزائرية، إضافة إلى شقتين ومنتجع في إسبانيا.

أكد أحد المسؤولين السابقين المتهمين في الملف أن الشك راوده في أحد تعاملاته مع زليخة نشناشي، ما دفعه للاتصال مباشرة بمستشار الرئيس السابق وشقيقه، السعيد بوتفليقة، الذي نفى أن يكون قد أصدر تعليمات للتكفل بأي ملف للمتهمة.

أظهرت الاعترافات أمام هيئة المحكمة، أن العاملين في منزل مدام مايا كانوا يتلقون رواتبهم من وزارة العمل، فيما كان رجال الشرطة الذين تم اختيارهم لتأمين الحراسة للمنزل يتلقون أجورهم من خزينة الدولة أيضا، كأنهم في مهمة رسمية.

قصة الصعود

بدأت "مدام مايا" صعودها نحو النفوذ والثروة في عام 2001 بعد اجتماع مع بوتفليقة، بحسب صحيفة "القدس"، عندما "قدمت له نفسها على أنها ابنة صديق قديم محارب في حرب التحرير. لكن هذه المحادثة لم تتجاوز المبادلات الودية البسيطة".

استخدمت زليخة نشناشي دهاءها لتجعل من حديث ودي لمدة دقائق، سلّما أوصلها إلى أجهزة الدولة وأتاح لها تجميع ثروة كبيرة بطرق غير مشروعة.

تقارير صحفية أشارت إلى أن "مدام مايا" هي أحد أوجه الفساد للنظام السابق في الجزائر، بل إنها أحد أيديه التي كان يمدها إلى جيوب المواطنين لسلب خيرات البلد.

اختراق النظام العسكري في الجزائر لمواطنيه، ورفع سقف القمع يعزز هذه الرواية، إذ يصعب اختراق نظام كالنظام الجزائري وخداع مسؤوليه والتمكن من الاحتيال عليهم طيلة سنوات. 

تتهم "مايا" السعيد شقيق بوتفليقة ونائبه بأنه "نصب لها فخا، لأنه كان يكرهها لقربها من شقيقه الأكبر". وأثارت قصة "مدام مايا" الكثير من الجدل والاستغراب في أوساط الجزائريين، وعبروا عن استنكارهم للرواية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

منعت هيئة المحكمة الصحفيين الذين قاموا بتغطية أطوار المحاكمة من إدخال هواتفهم أو حواسيبهم إلى قاعة المحاكمة، والتشديد على تدوين المعلومات عبر الورقة والقلم.

ورغم نشر تفاصيل المحاكمة والقضية واعترافات الشهود، إلا أن المعلومات الشخصية عن مدام مايا ظلت غامضة، بل إن صورتها لم تنشر في أي وسيلة إعلامية، ما زاد القصة غموضا، ووسع هامش الشك لدى المتابعين.

المحاكمة الأغرب

بدأت خيوط لعبة "مدام مايا" تنكشف نهاية 2018 عندما ضبطت قوات الأمن مبالغ ضخمة وكميات كبيرة من الذهب تخص "مدام مايا" في إحدى فيلات إقامة الدولة "موريتي"، وهي الإقامة التي تضم سكنات كبار المسؤولين.

وفي يوليو/تموز 2019، أوقفت السلطات الأمنية في هذه القضية المتهمة الرئيسية "مدام مايا" وابنتيها، وهي تتحضر للهروب من الجزائر نحو الخارج وبحوزتها هويات مزورة، وتمت محاكمتها وابنتيها في قضية أولى تتعلق بتزوير جوازات سفر وحكم عليهن بالسجن 18 شهرا.

وبعد عدة جلسات، قضت محكمة الشراقة بالجزائر العاصمة، في 14 من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بعقوبة 12 سنة سجنا بحق المتهمة، وبدفع غرامة مالية قدرها 600 مليون دينار جزائري (نحو 40 ألف يورو) ومثلها كتعويض للخزينة العامة، كما قررت المحكمة مصادرة جميع أملاكها وأملاك ابنتيها العقارية والمنقولة، مع سحب جوازات سفرهن.

وأدانت المحكمة ابنتي نشناشي بالسجن 5 سنوات لكل واحدة منهما وغرامة مالية قدرها 3 ملايين دينار (2000 يورو) مع مصادرة ممتلكاتهما.

رزمة من التهم توبعت بها "مدام مايا" مع ابنتيها ومسؤولين آخرين: "تبييض الأموال واستغلال النفوذ ومنح امتيازات غير مستحقة وتبديد المال العام، وتحريض أعوان عموميين على منح امتيازات غير مستحقة، وتحويل العملة الصعبة بشكل غير قانوني للخارج".

وأدانت المحكمة في القضية ذاتها، المدير العام السابق للأمن الوطني، هامل عبد الغني، بالسجن 10 سنوات وبدفع غرامة مالية بقيمة مليون دينار جزائري، ومثلها لكل من الوالي والوزير السابق غازي محمد، وزعلان عبد الغني الوالي والوزير السابق ومدير حملة بوتفليقة.

بيزنس لا سياسة

نفت المتهمة تقديمها لنفسها للمسؤولين السابقين بالحكومة على أنها ابنة بوتفليقة، مبررة بأنها "كانت خارج عالم السياسة، وتعاملت معهم علی أساس البزنس".

اعترفت نشناشي بأن مستشار الرئيس بوتفليقة أرسلها للوزير السابق محمد الغازي، للتوسط من أجل الحصول على أرض استثمار في حديقة التسلية بولاية الشلف، مضيفة: "الرئيس بوتفليقة أرسلني إلى المستشار مرة واحدة".

وعن المحجوزات التي صادرتها عناصر الأمن بعد مداهمتها إلى منزلها، قالت المتهمة: "تم حجز 9.5 مليارات سنتيم و270 ألف يورو و30 ألف دولار وكمية من الذهب، في 16 فبراير/ شباط الماضي".

ادعت "مدام مايا" أمام المحكمة أنها لم تكن لها حراسة شخصية أو معاملة خاصة، وقالت: إن كاميرات المراقبة بمنزلها مركبة بسبب تعرض منزلها للسرقة، وأضافت: "اللواء الهامل كان يرسل لها شرطيا لتدريب كلب الحراسة الذي تملكه".

حاولت المرأة التي تمكنت من خداع نظام عسكري دكتاتوري، أن تخدع المحكمة وتتنصل بوسائل كان أغربها، بحسب صحف محلية، أنها لا تفهم ولا تتحدث لا العربية ولا اللهجة الجزائرية، وأنها لا تتمكن من التواصل سوى بالفرنسية. 

ادعت زليخة نشناشي أنها مصابة بالزهايمر ولا تتذكر شيئا من التهم التي واجهتها بها هيئة المحكمة، لكن عندما واجهها القاضي بأرقام عن ثروتها وممتلكاتها، شعرت بدوار وطلبت شربة ماء ما أظهر أنها كانت تتهرب.