بطء وعراقيل وانتحار.. لمصلحة من عدم استكمال ميناء الفاو في العراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعادت حادثة "انتحار" بارك تشول هوبا، مدير شركة "دايو" الكورية المشرفة على تنفيذ ميناء "الفاو الكبير" في محافظة البصرة جنوبي العراق، الجدل حول أسباب تأخر إنجاز المشروع الذي وضع حجر الأساس لإنشائه عام 2010، لكنه لم يكتمل طيلة هذه السنوات.

حادثة "الانتحار" التي أعلنت السلطات العراقية عنها في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أثارت شكوكا كثيرة في الأوساط السياسية والشعبية، كونها جاءت بعد 3 أيام فقط من توقيع الشركة الكورية عقدا مع بغداد للمباشرة في تنفيذ مشروع "الفاو".

وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، دعت سفارة كوريا الجنوبية في بغداد، السلطات العراقية إلى إجراء تحقيق "سريع وعادل" في وفاة مدير شركة "دايو" بارك تشول، فيما أعلنت وزارة الداخلية البدء في التحقيق وأرسلت فريقا إلى محافظة البصرة للوصول إلى الحقيقة.

قبلة للتجارة

منذ 5 أبريل/نيسان 2010 وضع العراقيون حجر أساس لمشروع ميناء الفاو الكبير، الذي كان من المفترض أن يكون من أبرز علامات "المرحلة الجديدة" في البلاد، بحسب رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي.

المشروع الذي قدرت كلفته بنحو 4.6 مليارات دولار، كان من المفترض أن ينجز خلال 4 أو 5 سنوات، لكن وبعد 10 سنوات على وضع حجر الأساس، فإن كاسر الأمواج الذي حصل على شهادة من كتاب غينيس للأرقام القياسية، هو الشيء الوحيد الذي اكتمل إنشاؤه.

وحسب ما قالته حكومة بغداد عند التأسيس، فإن تحالفا تقوده شركة إيطالية كان من المفترض أن يقوم ببناء الميناء الذي قال وزير النقل العراقي حينها عامر عبد الجبار: إن "امتيازات عرضت عليه من أجل عرقلة المشروع".

وخططت الحكومة العراقية في البداية لإنشاء 100 رصيف، ليتحول الميناء إلى أحد أكبر موانئ العالم، كما أنها خططت لأن يكون "منافسا" لموانئ مهمة في المنطقة مثل ميناء "جبل علي" في الإمارات وقناة "السويس" المصرية.

وفيما يتقدم العمل بشكل كبير في ميناء مبارك الكويتي، الذي يبعد كيلو مترات قليلة عن الميناء العراقي ويعد المنافس الرئيس له، فإن الأوضاع لا تزال معقدة على الجانب العراقي.

وقال خبير النقل الدولي سلمان مهيوب خلال تصريحات صحفية في 23 سبتمبر/ أيلول 2020: "ميناء الفاو يمكن أن يحول العراق إلى قبلة للتجارة والنقل العالميين لأن المسافة القصيرة نسبيا التي تربط العراق بموانئ البحر الأحمر والبحر المتوسط يمكن أن تكون قناة جافة ضخمة تنقل جزءا كبيرا من التجارة العالمية".

وكانت التوقعات هي أن يتمكن العراق من تغطية كلفة إنجاز الميناء خلال 3 أو 4 سنوات فقط من افتتاحه مما يجعل منه "استثمارا لا يصدق" بحسب الخبير مهيوب.

وأضاف مهيوب: أن "التصاميم الأصلية للميناء والتي تتضمن إنشاء مدينة ومرافق سياحية وبحيرات قد توفر 14 ألف وظيفة، وقد تسهم بجلب 1-3 مليارات دولارات سنويا للخزينة العراقية".

ورغم هذه العراقيل لبناء ميناء الفاو الكبير، لكن أنجز كاسر الأمواج الغربي الذي تجاوز طوله أكثر من 14 كم بتكلفة قاربت 600 مليون دولار، ليدخل موسوعة "جينس" في أغسطس/آب 2019 كأطول كاسر أمواج في العالم.

هدف إقليمي

وبخصوص تعطل إكمال المشروع لمدة 10 سنوات، قال السياسي العراقي عبد الكريم الجبوري لـ"الاستقلال": "بالتأكيد هناك إرادات خارجية تسعى إلى تعطيل إنشاء هذا المشروع، لأنه قد يسبب لها ضررا، لكننا لا نسعى إلى الإضرار بأحد فكل بلد له موارده ومنافذه التي حباه الله بها".

وأضاف: أن "مشروع ميناء الفاو يمثل بالنسبة للعراقيين مسألة حياة أو موت، ولن نتنازل عن إكمال هذا المشروع الحيوي والمهم بالنسبة لنا، ومن يسعى إلى تعطيله وعرقلته سواء في داخل وخارج البلاد فإنه سيواجه الموت من الشعب العراقي".

وأكد الجبوري أن "العراق يسعى من خلال إكمال مشروع ميناء الفاو إلى إيجاد منافذ وموارد بديلة عن النفط الذي تتحكم بأسعاره الإرادات السياسية في العالم، لذلك نأمل بأن يكون منفذنا الوحيد على مياه الخليج العربي الرئة الاقتصادية التي يتنفس منها البلد".

ولفت إلى أن "ميناء الفاو يمكن العراق من تمرير البضائع بين قارتي آسيا وأوروبا ولا يوجد في العالم أفضل من هذا الميناء الذي يحرص العراقيون على أن يكون بلدهم معبرا مهما للبضائع بين بلدان العالم".

لكن الأهمية الكبيرة للميناء وتأثيره على التجارة العالمية جعل منه "هدفا" إقليميا بحسب المحلل السياسي، مجاب عبد الستار، الذي قال خلال تصريحات صحفية  في 20 سبتمبر/أيلول 2020: "العراقيل وضعت أمام الميناء منذ اليوم الأول لإعلان العراق عن تخطيطه لإنشائه".

من جهته، قال محافظ البصرة الأسبق القاضي وائل عبد اللطيف: "إكمال ميناء الفاو الكبير في البصرة، يعد نهاية جميع الموانئ في جبل علي (الإمارات) والكويت وإيران، لأن العراق عندما يستكمل ميناء الفاو يمد خطا سككيا إلى منطقة المعقل في البصرة، التي فيها خط سككي يصل إلى أوروبا وتحديدا ألمانيا".

وأضاف عبد اللطيف خلال تصريحات صحفية في 20 سبتمبر/ أيلول 2020:  "لا توجد دولة عندها هذه الميزة في الشرق الأوسط سوى العراق. الميزة الأخرى التي يتمتع بها ميناء الفاو، هي أن العمق الغاطس يصل إلى أكثر من 20 مترا وبذلك يتحمل أضخم البواخر، الأمر الآخر امتداده باتجاه البحر مباشرة، وليس إلى المنعطفات الداخلية التي تستغرق وقتا في مسيرة البواخر".

وشدد محافظ البصرة الأسبق على أن "الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 أساءت كثيرا لهذا المشروع العملاق الذي تقدمت به شركة هالكو البريطانية".

رشاوى ضخمة

محافظ البصرة السابق، اتهم خلال مقابلة تلفزيونية في سبتمبر/ أيلول 2020، مسؤولين عراقيين بتلقي رشاوى كبيرة من الجانب الكويتي تصل إلى 6 مليارات دولار، مقابل اتفاقية تقاسم معبر خور عبد الله البحري مع الكويت، والذي يعطل ميناء الفاو بالبصرة.

وقال عبد اللطيف: "مبلغ 6 مليارات دولار وصل إلى وزارة النقل العراقية عام 2013، والذي كان الوزير في حينها زعيم منظمة بدر هادي العامري، وهو من تولى توقيع اتفاقية خور عبد الله، كما وصلت سيوف ذهبية إلى مبنى وزارة الخارجية، وكان الوزير وقتها هوشيار عبد الله".

الاتهامات التي طالت المسؤولين والجهات السياسية العراقية بالتواطؤ لتعطيل بناء ميناء الفاو الكبير، واستلام رشاوى مالية كبيرة، كانت في حكومة نوري المالكي الثانية، للمدة من 2010 إلى 2014.

البُطء الذي شهدته عملية بناء الميناء خلال السنوات العشر الماضية، والعراقيل التي رافقتها، وبعدها حادثة مقتل مدير الشركة الكورية المشرفة على المشروع، ولد ضغوطا على الجميع لمواصلة العمل بالمشروع، وتقديم كل الإمكانات لتسهيل العمل، وفقا لبرلمانيين.

وقالت لجنة الخدمات النيابية بالبرلمان في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إنها ستقدم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي لإنشاء ميناء "الفاو" في موعده وبكامل مواصفاته.

وحسب تصريحات عضو لجنة الخدمات برهان المعموري، فإن "الحكومة والبرلمان والرأي العام الشعبي مع إكمال الميناء لأنه سيربط تجارة الشرق بالغرب، وسيجلب واردات تدعم واردات النفط التي يعتمد عليها العراق في تغذية موازنته، فضلا عن توفير فرص العمل وإنعاش الاقتصاد".

وأكد المعموري وجود استهداف من بعض الدول لعدم إكمال الميناء خوفا من تضرر تجارتها بعد إنشائه، لافتا إلى أن "لجنة الخدمات عقدت سلسلة من الاجتماعات مع وزارة النقل وإدارة الموانئ خلال الفترة السابقة لحثها على إنجاز المشروع بالتصاميم الموضوعة نفسها من قبل الاستشاري الإيطالي".