"مسار الشرق" باتفاق جوبا.. لماذا أثار احتجاجات واسعة في السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

احتجاجات واسعة اندلعت في بعض مناطق السودان، وتحديدا في الشرق اعتراضا على اتفاق السلام النهائي الموقع في عاصمة جنوب السودان جوبا، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بين الحكومة السودانية، والفصائل الثورية المعارضة.

وصل الأمر يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 إلى إضراب بعض الموانئ السودانية، حيث جرى إغلاق ميناء سواكن، وأجزاء من ميناء بورتسودان، في ظل الحديث عن بيع الموانيء للإمارات، التي يرى فيها الأهالي عينا طامعة في مقدراتهم.

الشربيني عبود رئيس النقابة العمالية بهيئة الموانئ البحرية في السودان علق على الاتفاق بقوله: "كيف يمكن لكيان سياسي شارك في مفاوضات السلام في جنوب السودان أن يتحدث بالنيابة عن شرق السودان بكامله؟ السودان وطن للجميع وهناك من يملكون أجندة خفية لخلق أزمات في شرق السودان".

حسب دراسة أعدها الباحث السوداني إدريس نور محمد، بعنوان "إخفاقات الماضي شرق السودان.. وطموحات المستقبل"، أوردت أن "الإقليم يمتاز من الناحية التاريخية باحتضانه لأقدم الحضارات الإنسانية، كما كان من أهم البوابات التي دخلت من خلالها العروبة والإسلام إلى السودان".

وأضاف: "تقدر ثروات قاع ما تحت البحر الأحمر في تلك المنطقة بمليارات الدولارات، مضافا لذلك المعادن من الأحجار الكريمة، كما توجد معادن أخرى بالإقليم مثل الحديد والنحاس والتنجستن، هذا إلى جانب الرخام والحجر الجيري"، لذلك فهو مطمع للعديد من القوى الإقليمية والدولية".

فما هو مسار شرق السودان؟ ولماذا تم الاعتراض عليه من قبل الأهالي والفصائل المختلفة؟ وماذا عن طبيعة اشتعال الأوضاع هناك؟ وما هو دور الإمارات في كل ما يحدث؟.

مسار شرق

مسار شرق السودان، يأتي ضمن المسارات الخمسة في اتفاق السلام، الذي جرى توقيعه بين الحكومة والجبهة الثورية، بعاصمة جنوب السودان جوبا.

وارتكزت مفاوضات جوبا على 5 مسارات، هي: مسار إقليم دارفور (غربا)، ومسار ولايتي جنوب كردفان (جنوبا) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، ومسار شرقي السودان، ومسار شمالي السودان، ومسار وسط السودان.‎

ويعنى "مسار الشرق" بمناقشة قضايا شرق السودان، المتعلقة بتقاسم السلطة والثروة، وتحقيق التنمية والخدمات.

وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، جرى توقيع الاتفاق النهائي للسلام في جوبا بين كل من حكومة الخرطوم وممثلين عن حركات مسلحة منضوية داخل "الجبهة الثورية" بحضور رؤساء عدة دول، وممثلين عن مصر وقطر والإمارات، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة كشهود ضامنين للاتفاق.

وقع عن مسار الشرق، كل من خالد إدريس عن "الجبهة الشعبية المتحدة"، وأسامة سعيد عن "مؤتمر البجا المعارض"، إلا أن بعض جماعات الشرق قالوا: إن الفصيلين اللذين شاركا في هذا التوقيع لا يمثلان القوى السياسية على الأرض، خاصة وأنه جاء دون مشاركة بعض الحركات والفصائل المسلحة في مناطق مختلفة متنازع عليها داخل القطر السوداني.

ومنها على سبيل المثال النظارات (النظارة مجموعة من القبائل لها نظارة تجمعهم) المستقلة في شرق السودان، بقيادة ناظر (ممثل) قبيلة الهدندوة محمد الأمين ترك، والتي تقود التصعيد في المنطقة اعتراضا على المسار.

في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أغلق محتجون ميناء "بورتسودان الجنوبي" على البحر الأحمر، احتجاجا على "مسار الشرق" المضمن في اتفاق السلام.

بدأ التصعيد ضد الاتفاق بإغلاق "العقبة" بالطريق القومي المؤدي إلى الموانئ الرئيسية بالبحر الأحمر، وبلغ ذروته بإغلاق ميناء سواكن والجنوبي "بورتسودان" الخاص بنقل وتفريغ البضائع بمدينة بورتسودان.

بعدها قررت اللجنة الأمنية بولاية البحر الأحمر إيقاف حركات الباصات من وإلى بورتسودان نتيجة لإغلاق الطريق الرابط بين مدن (سنكات -هيا).

ثم اندلعت موجة تظاهرات عمت الإقليم الشرقي، وعلى وقعها قتل ضابط شرطة برتبة ملازم طعنا بالسكين بمدينة "هيا" بولاية البحر الأحمر، على أيدي المحتجين الغاضبين.

وفق محتجين فإن "مسار شرق" الوارد في اتفاق السلام قد أغفل المظالم التاريخية لأهل شرق السودان، المتعلقة بتقاسم السلطة والثروة، وجعلهم رهن الإخفاقات الحكومية، والأطماع الخارجية.

السلطة والثروة

الإطار التفاوضي خلال مسيرة مفاوضات السلام حول مسار الشرق، شمل ملفات اقتصادية وسياسية وأمنية، وعني ظاهريا بمناقشة القضايا المتعلقة بتقاسم السلطة والثروة، وتحقيق التنمية والخدمات، التي حرم منها شعب شرق السودان لعقود طويلة.

وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن رئيس نقابة هيئة الموانئ البحرية (شرق السودان)، عبود الشربيني: أنهم "أغلقوا البوابات 16 و17 و18 بالميناء الجنوبي إغلاقا كاملا، رفضا لمسار الشرق المضمن في اتفاق سلام جوبا".

وقال: إن "مسار الشرق لا يمثل أهل شرق السودان، ونحن ضد الارتهان للأجندة الخارجية". وأكد "استمرارهم في التصعيد حتى تحقيق مطالبهم، بإلغاء مسار الشرق في الاتفاق، وعدم الارتهان للأجندة الخارجية".

وشدد: "مسار الشرق لا يمثلنا لأنه مدعوم خارجي، وأن كل الأجندة الخارجية هدفها الموانئ السودانية، ولن نسمح بذلك".

يذكر أن الحكومة السودانية خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، وقعت مع جبهة شرق السودان، اتفاقية "سلام الشرق"، بالعاصمة الإريترية أسمرا، وتحت رعاية الحكومة الإريترية في 14 أكتوبر/ تشرين أول 2006.

الاتفاق أنهى 13 عاما من العمل المسلح على الحدود الشرقية في البلاد، لكن بنوده لم تطبق على أرض الواقع، الأمر الذي أفضى إلى احتجاجات مستمرة لأبناء شرق السودان، ضد حكومة البشير.

تكرر الأمر مؤخرا مع المجلس السيادي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، حيث يرى فيهم المتظاهرون شرقي السودان، "يدا تعمل لصالح أجندة لها أطماع في منطقتهم الإستراتيجية".

يد الإمارات 

الأنظار في شرق السودان، تتجه نحو الرجل الأقوى في البلاد حاليا، نائب رئيس المجلس السيادي، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" المدعوم إماراتيا.

مواقع إعلامية محلية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بعد توقيع اتفاق السلام مباشرة في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تداولت معلومات عن تفاوض حميدتي لبيع ميناء "بورتسودان"، للإمارات.

تداول الخبر أشعل المظاهرات في الشرق، وحول ميناء "بورتسودان" تحديدا، حيث قام المحتجون بإغلاق الميناء الجنوبي بشكل كامل. 

كان موقع "المونيتور" الأميركي، قد كشف في يناير/ كانون الثاني 2020، عن جهود إماراتية للضغط على واشنطن لدعم خطة شركة موانئ دبي، للاستحواذ على ميناء بورتسودان لمدة 20 عاما، عبر شركة "ديكنز وماديسون".

وهو ما دعا حزب المؤتمر الشعبي المعارض للتحذير من رهن واحتكار موانئ البلاد لدولة خليجية (الإمارات)، عبر مفاوضات سرية لحل الأزمة الاقتصادية.

أطماع قديمة 

أطماع الإمارات في موانئ شرق السودان قديمة، تعود للعام 2008، عندما تقدمت شركة موانئ دبي بعرض لتشغيل ميناء بورتسودان، وتم رفضه في ذلك الوقت من حكومة الخرطوم.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017، قدمت دبي طلبا جديدا لهيئة الموانئ البحرية في السودان، يتضمن إدارة الميناء بالكامل لمدة 50 عاما، إلا أن الهيئة رفضت ذلك واقترحت عليها مناصفة الإدارة مع الشركة الفلبينية التي تدير الميناء منذ عام 2013، وهي شركة الخدمات الدولية لمحطات الحاويات (ACTSA) المملوكة لرجل الأعمال الفلبيني إنريك ريزون.

لكن موانئ دبي رفضت العرض مطالبة بتسليم الميناء كاملا وخاليا من العمالة السودانية، لذلك جاءت ردة فعل الأمين العام لجبهة شرق السودان محمد بري قوية وأعلن رفض الجبهة تشريد أي من العمال الذين يُشغلهم الميناء وعددهم 3000 عامل.

وفي 19 يوليو/ تموز 2018، نشرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تقريرا، حذرت فيه من أن الطموحات الإماراتية بالسيطرة على موانئ شرق إفريقيا، والاستفادة منها تجاريا وعسكريا، ينذر بدخولها في مواجهة مع دول أخرى مثل الصين وقطر، تسعى بدورها للاستفادة من الفرص المغرية التي تقدمها هذه المنطقة الإستراتيجية.

وأوضحت المجلة أن الإمارات واحدة من عدة دول خليجية تسعى للفوز بموطئ قدم إستراتيجي في شرق إفريقيا، من خلال استغلال الموانئ، حيث إن السيطرة على هذه النقاط يوفر أسبقية تجارية وعسكرية، إلا أنه ينذر أيضا باندلاع التوترات في المنطقة.

وذكرت المجلة أن أولى خطوات شركة موانئ دبي في شرق إفريقيا كانت في سواحل جيبوتي، وكان الإماراتيون حينها من المستثمرين القلائل المهتمين بتلك المستعمرة الفرنسية السابقة الصغيرة والفقيرة.