بأجهزة تجسس.. كيف ساند الغرب السيسي لقمع المعارضة وسحق المصريين؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تمكن النظام المصري من الحصول على برامج تجسس من دول غربية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بدعوى "مواجهة الجرائم الإلكترونية"، لكن في الواقع هو يستخدمها في قمع معارضيه بكافة أطيافها وسحقها أمنيا.

بعد أشهر قليلة من وصول السيسي إلى سدة الحكم، وتحديدا في ديسمبر/كانون الأول 2014، قرر مجلس الوزراء إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبراني لمواجهة ما أطلق عليه الأخطار السيبرانية.

وفي فبراير/شباط 2015، أصدر المجلس قرارا بتشكيل لجنة لإدخال تعديلات تشريعية لمنح المحاكم صلاحية النظر في محتوى الويب (المواقع الإلكترونية) وحجب المحتوى، بعدها وافق مجلس الوزراء في مارس/آذار 2015، على مسودة قانون جرائم تقنية المعلومات.

بعدها بدأت القاهرة في الحصول على دعم سيبراني من الدول الغربية بشكل موسع، وببرامج فائقة التطور، منحت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في مصر القدرة على استهداف ناشطين ومعارضين ومنظمات المجتمع المدني.

هذا الدعم السيبراني الغربي ساعد في تصيد السياسيين بمصر، ما يحمل الدول الغربية مسؤولية أخلاقية لسماحها بوصول تلك التقنية إلى نظام السيسي المتورط في جرائم مروعة وانتهاكات فجة لحقوق الإنسان.

"فن سباي" ألماني

في 25 سبتمبر/ أيلول 2020، كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية "أمنستي" عن برنامج تجسس إلكتروني ألماني، يستخدم في مصر لاستهداف ناشطين ومعارضين ومنظمات مجتمع مدني.

وصف التقرير الحقوقي تفاصيل هجمات التصيد "السيبرانية" التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، والتي نفذتها مجموعة مهاجمة تعرف باسم "نيل فش" واستخدمت فيها برنامج فن سباي الألماني، والذي يعمل على نظام تشغيل مايكروسوفت ويندوز من خلال موقع ويب وهمي لتنزيل مشغل "أدوبي فلاش".

وذكر التقرير أنه من خلال التحقيقات الفنية الإضافية، اكتشف مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو عينات جديدة من "فن سباي" لأنظمة ويندوز وأندرويد وإصدارات لم يتم الكشف عنها سابقا لأجهزة حاسوب تعمل على نظامي "لينوكس" و"ماك أو إس".

كما يقدم هذا التقرير معلومات فنية عن عينات "فن سباي" الحديثة، من أجل مساعدة مجتمع أبحاث الأمن السيبراني للوصول إلى مزيد من التحقيقات، حيث بإمكان برامج "فن سباي" اعتراض الاتصالات والوصول إلى البيانات الخاصة وتسجيل الصوت والفيديو من الحاسوب أو الأجهزة المحمولة المثبت عليها بصمت.

واكتشفت منظمة العفو الدولية في سبتمبر/أيلول 2019 عينات من برامج التجسس الخاصة بشركة "فن فشر"، والتي تم توزيعها بواسطة البنية التحتية الخبيثة المرتبطة بمجموعة المهاجمين المعروفة باسم "نيل فش"، والتي من المحتمل أن تكون برعاية الدولة (أجهزة السيسي)، حسب التقرير.

المنظمة اختتمت تقريرها بتحذير صادر من من قبل مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، موجه لمنظمات المجتمع المدني المصرية، من استهدافهم على وقع حملة واسعة النطاق من هجمات التصيد التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان، والتي تنفذها ما تسمى مجموعة مهاجمي "نيل فش".

وفي 11 يوليو/ تموز 2016، وقع السيسي اتفاقية تعاون أمني بين القاهرة وبرلين، تتضمن إجراءات عدة أبرزها، تبادل معلومات عن المطلوبين أمنيا وجرائم الإرهاب وأمن وثائق السفر.

كما بحث مع وزير الداخلية الألماني، توماس دي مزيير، سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين فى المجال الأمني.

وتحدث السيسي وقتها عما قال: إنها "جهود تبذلها القاهرة على كافة المستويات في محاربة الإرهاب"، مشددا على أنها "لا تقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، وإنما تمتد لتشمل المواجهة الفكرية والأيديولوجية".

أجهزة تجسس

تحت وصف "فضيحة مدوية" كشف تحقيق للصحفي الفرنسي أوليفييه تسكي، في 6 يوليو/ تموز 2017، نشر في مجلة "تليراما" الفرنسية عن صفقة تمت بين الحكومة المصرية وشركة "أميسيس" الفرنسية لاستيراد أجهزة تجسس ورقابة، تسهل من عملية التنصت على المواطنين.

التحقيق الصحفي ذكر أن بيع المنظومة الرقابية لمصر بدأ عام 2014، في ظل حكم السيسي، مرجحا أن يكون قد حصل على موافقة السلطات الفرنسية.

وحسب تفاصيل العقد الذي أعلنت عنه المجلة الفرنسية، فإن الأجهزة التي زودت مصر بها تهدف إلى "توفير خدمات تمكن من اعتراض نظام الملكية الفكرية من أجل مكافحة الأنشطة الإجرامية الرقمية".

ومن فرنسا إلى إيطاليا كان الدعم السيبراني لنظام السيسي لا ينقطع، ففي 10 فبراير/ شباط 2016، نشرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية تقريرا حول تورط وزارة الدفاع المصرية في شراء برمجيات للتجسس من شركة إيطالية سيئة السمعة، من أجل مراقبة المعارضين واختراق مراسلاتهم، وعززت إلى أن يكون الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي تعرض للاختطاف والتعذيب، أحد ضحايا هذه الممارسات.

وقالت الصحيفة: "الحكومة المصرية كانت أحد عملاء الشركة الإيطالية (هاكينغ تيم)، التي تبيع تقنيات الاختراق والتجسس على الحواسيب، والتي تعرضت لفضيحة كبرى لأنها تبيع هذه البرمجيات لأنظمة دكتاتورية".

وشددت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان الفرنسية، على أن "المخاوف سببها طريقة استخدام الحكومة المصرية لهذه الأجهزة وأهدافها المفترضة، فمنذ وصول الجنرال السيسي إلى السلطة، ومصر متهمة من قبل جمعيات حقوقية على غرار منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان".

هجوم سيبراني 

في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن محاولة القاهرة اختراق هواتف معارضين منهم، صحفيون، وأكاديميون، وحقوقيون، وسياسيون، أدت لاعتقال بعضهم في وقت لاحق.

التقرير وطد تورط الحكومة المصرية في انتهاكات تخص اختراق هواتف المعارضين، والإيقاع بهم، في خط ثابت لا ينفصل، انتهجه نظام السيسي في تتبع معارضيه.

حيث أورد التقرير الذي قام به الصحفيان رونين بيرجمان وديكلان والش، أن "إحدى شركات الأمن الحاسوبي اكتشفت سلسلة من الهجمات الإلكترونية المتطورة التي تستهدف معارضين للنظام المصري ونشطاء حقوق الإنسان".

تلك الشركة هي تشيك بوينت سوفتوير، إحدى أكبر شركات الأمن السيبراني في العالم، ومقرها الرئيسي جنوب سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميركية.

وحسب تشيك بوينت، فإن الخادم المركزي المستخدم في الهجمات تم تسجيله باسم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، وأن الإحداثيات الجغرافية المضمنة في أحد التطبيقات المستخدمة لتتبع النشطاء تتوافق مع مقر وكالة التجسس الرئيسية في مصر، وهو جهاز المخابرات العامة (الكائن مقره شرق القاهرة).

ووفقا للتقرير، فإن الهجوم الإلكتروني بدأ عام 2016، ويقول: إن "عدد الضحايا الكلي غير معروف، لكن الشركة حددت 33 شخصا، ومعظمهم من الشخصيات المعروفة في المجتمع المدني والمعارضة، الذين كانوا مستهدفين في أحد أجزاء العملية التي اكتشفتها".

وحسب ما جاء في تقرير نيويورك تايمز، قُبض على اثنين من النشطاء الذين استهدفوا من خلال الهجوم السيبراني الذي اكتشفته الشركة الأمنية، وهم من الشخصيات المعارضة البارزة، وهما حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، وخالد داود الصحفي وعضو حزب الدستور السابق، وتم اعتقالهما في 25 سبتمبر/ أيلول 2019".

كما أشار التقرير إلى أن الهجوم الإلكتروني على هواتف النشطاء وحسابات بريدهم الإلكتروني استخدم مجموعة متغيرة من تطبيقات البرمجيات الخبيثة لخداع المستخدمين.

على سبيل المثال تطبيق "Secure Mail"، الذي يستخدم لتأمين حسابات "Gmail"، اكتشف المستهدفون بأن حساباتهم قد تعرضت لمحاولة اختراق، وأنهم قد استُدرجوا للكشف عن كلمات المرور الخاصة بهم.