عقله مع مصالحه وقلبه في فلسطين.. هل ينضم المغرب لنادي المطبعين؟ 

12

طباعة

مشاركة

بعد اتفاق التطبيع الذي وقعته كل من أبوظبي والمنامة مع تل أبيب، وإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وجود 5 أو 6 دول عربية أخرى في طريقها للتطبيع، تتزايد التوقعات بأن يكون المغرب أحد هذه الدول، خصوصا وأن الرباط تربطها علاقات قوية مع إسرائيل وإن كانت غير معلنة.

النقاش المطروح تزامن مع الإعلان عن اعتزام جاريد كوشنر، مستشار وصهر ترامب، زيارة المغرب، ما دفع جهات ومنظمات وشخصيات مغربية لأن تستبق الزيارة وتعلن رفضها التطبيع والزيارة المحتملة.

الجدل في المغرب ما زال مستمرا حتى بعد تصريح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، عن رفض بلاده لكل "عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني". وأكد أن "الاعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني هي خطوط حمراء بالنسبة للمغرب"، وأن "موقف المغرب باستمرار ملكا وحكومة وشعبا هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى".

تصريح العثماني أثار قلقا من أن يكون معبرا عن موقف حزب العدالة والتنمية الحاكم وليس موقف الدولة الرسمي، وهو ما حدث بالفعل عندما قال العثماني فيما بعد: إنه كان يتحدث بصفته زعيما لحزب العدالة والتنمية، وليس نيابة عن حكومته.

السفير الأميركي الأسبق في المغرب، إدوارد غابرييل، حسم هذا النقاش بالتأكيد على وجود أسباب متعددة تمنع المغرب من الاستعجال في اتخاذ مثل هذا القرار، مشيرا إلى شروط لن يقدم الملك محمد السادس على التطبيع مع إسرائيل دون تحققها.

علاقات حذرة

كان المغرب سباقا إلى فتح المناقشات مع إسرائيل، على سبيل المثال عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز الملك الراحل الحسن الثاني في عام 1986، ثم افتتحت "مكاتب اتصال" بين البلدين عام 1994، لكن العلاقات انقطعت بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.

رغم خجلها، توجد علاقات تجارية بين البلدين، ويكفي بحث بسيط في البيانات العامة للمركز الإسرائيلي للإحصاء للتأكد من وجود صادرات إسرائيلية إلى المغرب تشمل تقنيات وأدوات زراعية جديدة.

في عام 2017، تم تبادل ما يزيد عن 30 مليون دولار من المنتجات التجارية بين البلدين، وفي عام 2018، أوضح عضو في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي أن تل أبيب راضية عن هذه التبادلات وتدرك أنه لا يمكنها توقع تغيير جذري في المسار مع المغرب.

الباب المفتوح

اللوبي الأميركي يدفع إسرائيل لإرسال المزيد من الرسائل المباشرة للمغرب مثلما حدث في كانون الثاني/ يناير 2020، عندما نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية مقطعا مصورا باللغة العربية يدعو المستثمرين المغاربة ويذكرهم بأن "الباب مفتوح".

لعب كوشنر دور مندوب مبيعات "صفقة القرن" في المغرب، في مايو/ أيار 2019، عندما التقى بالملك، وزارت زوجته، إيفانكا ترامب، المملكة رسميا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بدعوى دعم إصلاحات الأراضي والإصلاحات الاجتماعية.

في ذلك الوقت كانت الدبلوماسية المغربية حريصة على عدم التعبير عن موقف نهائي، عبر التنويع بين الملاحظات الحذرة والتصريحات الطيبة.

بعد دحض الشائعات حول محادثات صفقة القرن في يونيو/ حزيران 2019 في أعقاب زيارة كوشنر، قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في يناير/ كانون الثاني 2020: "المملكة تقدر جهود السلام التي تبذلها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أشار ملك المغرب إلى "أجندة غير متوافقة" لتبرير إلغاء اجتماعه مع وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي كان يزور المغرب.

ورقة الصحراء

مع وجود وجهات نظر مشتركة حول الصحراء الغربية، وشراكة أمنية بين البلدين، فإن الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن أمر مهم للرباط، ومن هنا جاءت الاحتياطات التي اتخذت لعدم رفض المبادرات الأميركية بشكل علني.

لكن التحركات الحثيثة من البيت الأبيض لا تجعل الأمور سهلة، فقد كان قراره المفاجئ بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس عام 2017 صعب الاستيعاب، ما دفع ملك المغرب للرد، مرتديا قبعة رئيس لجنة القدس قائلا: "قلق عميق بشأن نية إدارتكم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل…".

يتفق العديد من المراقبين المقربين من الدوائر الدبلوماسية المغربية على نقطة رئيسية وهي أن هناك بالفعل ضغوطا أميركية على الرباط لتكون أكثر انفتاحا على صفقة القرن.

وهو ما استشفه المستشار السياسي في واشنطن، سمير بنيس، في تصريح أدلى به للمجلة الأميركية المتخصصة في الشأن الإفريقي "أفريكا روبورت"، نشر في 9 سبتمبر/ أيلول 2020، من إصرار وسائل الإعلام الأميركية على تكرار أن هناك "مزاعم -لا أساس لها من الصحة- بأن المغرب يريد التحرك نحو التطبيع".

من جهتها تلعب الدبلوماسية الإسرائيلية على خط الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو "الانفصالية"، ولا تخفي سعيها لربط علاقات معها.

واشنطن أكدت في يوليو/تموز 2004 أنها لا تعترف بأي سيادة مغربية على الصحراء، وخلال السنوات الماضية، تم عقد 5 لقاءات رسمية بين مسؤولين أميركيين وممثلين عن جبهة البوليساريو، بناء على طلب واشنطن ولم يعربوا خلالها عن معارضتهم لإنشاء دولة صحراوية مستقبلا، حسب مواقع مقربة من البوليساريو.

شروط التطبيع

"الرباط تتحرك عبر الدوائر الدبلوماسية من خلال نفخ الهواء الساخن تارة والبارد أخرى"، هكذا لخص إدوارد غابرييل، السفير الأميركي السابق في الرباط وعضو اللوبي السابق للمغرب في واشنطن، تحرك الرباط، في مقاله بصحيفة "ذا هيل" الأميركية في 31 أغسطس/ آب 2020.

يرى غابرييل أن الرباط لا تروج لخط مباشر في مسألة إسرائيل، لكن قبل أي دفء في العلاقات مع هذا البلد، تتوقع المملكة تنازلات من قبيل استعداد إسرائيل، على سبيل المثال، للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية.

لكن الأزمة في ذلك، يقول بنيس لـ"أفريكا ربورت": إن "الحكومات الإسرائيلية الأخيرة تبنت سياسات تتعارض مع المواقف المغربية".

اعتبار آخر وقف عنده السفير السابق، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، هو التوقيت، واستعان غابرييل بمقولة متداولة في الأوساط الدبلوماسية في المغرب تقول: "لست متأكدا من سيكون الرئيس الأميركي القادم، لكني أعرف من سيكون أفضل صديق للملك". 

وزاد مقال الدبلوماسي الرفيع، موضحا بأن المغرب يتجنب اتخاذ القرارات التي لها علاقة بالبلدين خلال دورات الانتخابات الأميركية، إذ تحرص المؤسسة الملكية على عدم إظهار أي انحياز إلى جانب معين في السياسة الأميركية. 

غابرييل قال: "هناك شروط واضحة للمغرب، "فعندما تكون مفاوضات جادة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتقديم تنازلات على أساس حدود عام 1967، مع إقرار القدس كعاصمة للدولتين، فإن الملك سيتحرك لتطبيع العلاقات".

من جهته وقف أستاذ العلاقات والقانون الدولي في جامعة محمد الأول بوجدة -شرق المغرب-، خالد الشيات، عند سياقات السلام بين الدول العربية وإسرائيل وموقع المغرب من خلالها عبر مجموعة من المحطات التي كان فيها حاضرا على مستوى التواصل وأيضا تعزيز مخططات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وذكّر الشيات، في حديث مع الاستقلال، بقرار المغرب فتح مكتب للاتصال في الرباط كأشكال من أشكال التمثيلية الدبلوماسية بينه وبين إسرائيل، وجرى ذلك بحسب المتحدث "تشجيعا لمسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي الذي بدأ مع ياسر عرفات بداية تسعينيات القرن الماضي".

ورأى المتخصص في العلاقات الدولية، أن المغرب يمكن أن تكون له علاقات عادية مع إسرائيل في حال وجود مسار سلام فلسطيني إسرائيلي حقيقي، "فالمغرب عندما يقدم على علاقات سلام مع إسرائيل فهو يفعل في إطار دعم مسارات السلام بين الجانبين المتنازعين". وشدد الشيات على أن هذا الشرط غير متوفر في هذه المرحلة.

في 18 سبتمبر/ أيلول 2020، شارك عشرات المغاربة، في وقفة احتجاجية بالعاصمة الرباط، تضامنا مع فلسطين، ورفضا للتطبيع الإماراتي والبحريني مع الاحتلال.

فيما صدرت عريضة شعبية ضد زيارة كوشنر المحتملة للمغرب، وقع عليها أكثر من 300 جهة وشخصية مغربية بعد ساعات قليلة من إطلاقها.

وهو المستوى الثاني الذي تحدث عنه الأستاذ الجامعي، الجانب الشعبي والجماهيري، الذي سيكون له انعكاس على السياسة والمواقف المغربية على المستوى الداخلي، ربما تعزيز اتجاهات سياسية داخلية في الانتخابات المقبلة، وأيضا انعكاسات حتى على مستوى ردة الفعل الشعبية. 

وبالتالي فقرار التطبيع مع الإسرائيليين، ليس بسيطا، يقول الشيات: "ناهيك عن وجود التزام أخلاقي بين المؤسسة الملكية وقضية القدس، إذ يترأس عاهل البلاد لجنة القدس، وبالتالي سيكون شكلا من أشكال التناقض أن يتم التطبيع بدون مسار للسلام أو مبرر لذلك".

يعتقد المتخصص في العلاقات الدولية أن هذه العوامل "تؤثر على علاقة المغرب مع إسرائيل، وأن التطبيع بالشكل الذي تم بين الإمارات والبحرين وبين إسرائيل غير قائم، اليوم، بالنسبة للمغرب".

التدخل الخليجي

في مقاله بـ"ذا هيل" قال السفير الأميركي الأسبق بالرباط: "مثل هذه المواقف تتطلب شجاعة لدولة تعتمد بشدة على التنمية الاقتصادية من الخليج".

وهو ما أثاره الأستاذ الجامعي في حديثه، عندما أشار إلى المرحلة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المغرب، والأزمات التي يعيشها بسبب جائحة كورونا، وأيضا إلى علاقاته مع دول الخليج والتي ساهمت مرارا في مراحل تاريخية في إخراجه من الأزمات.

قبل أن يستطرد: "لكن هذا الأمر أصبح يندرج فيما يمكن أن نسميه بنادي المطبعين وسيصعب على المغرب أن يقايض وضعه الاقتصادي بالمسار السياسي".

خبير العلاقات الدولية أكد على أن وضع البيض كله في سلة ترامب وكوشنر ليس أمرا جيدا على المستوى الإستراتيجي، فالولايات المتحدة على أبواب انتخابات يمكنها أن تأتي بالديمقراطيين، وإن كانت العلاقات المغربية الأميركية لا تتأثر كثيرا بوجود الديمقراطيين أو الجمهوريين في الحكم. 

قبل أن يزيد: "لكن قد لا يكون لذلك مكاسب كبيرة على المستوى السياسي بالنسبة للمغرب. قد يكون للأمر أثر على القضايا الإستراتيجية المغربية، لأن المغرب لا يراهن كثيرا على ذلك".

حسابات دبلوماسية

يعتقد الشيات أن من البيّن والطبيعي أن يكون لكل دولة مصالحها وأهدافها، يعني أن يقف المغرب مواقف رسمية ضد إسرائيل، فهذا قرار لن يكون منتجا، ولن يكون له أي أفق إستراتيجي. 

شدد المتحدث للاستقلال على "ضرورة التفرقة بين المستويين الشعبي والرسمي، على المستوى الأول يمكن أن تكون مواقف ورؤى واضحة من التطبيع مع إسرائيل".

مضيفا: "فيما توجد إكراهات اقتصادية وسياسية على المستوى الثاني، فالمغرب لديه الكثير من المصالح كما أنه يعيش في ظل أزمة كبيرة، وهي قضية الصحراء، وهو ما يتطلب أن تكون له حسابات دبلوماسية وسياسية قائمة على مراعاة هذه المصالح".

وتابع: "بالتالي إذا كانت هناك اتصالات فهي تدخل في إطار ضمان المصالح الآنية والمستقبلية للمغرب، وهذا طبعا بعيد كل البعد عن النسق الشعبي الذي يبقى أكثر عاطفية واندفاعا في دفاعه عن القضايا العادلة ومنها قضية فلسطين".

لا يعني ذلك بأن المسؤولين الرسميين ليسوا مع فلسطين، يقول الخبير: "لكنهم مطالبون بمراعاة هذه الجوانب، التي وإن كانت قائمة فهي لن تصل أبدا إلى التطبيع المباشر بدون أي مقابل مع الإسرائيليين".