إيفانكا.. لماذا دعمت سلاليات المغرب وتجاهلت نساء سوريا والعراق؟

بلباس تقليدي مغربي، زارت إيفانكا ترامب ابنة الرئيس الأمريكي ومستشارته، إحدى القرى المغربية، في مهمة قيل إنها لتمكين المرأة، بينما رأى مغاربة أنها تخفي وراءها محاولات لتبييض وجه أمريكا في المنطقة، في حين تحدث آخرون عن تجاهلها للنساء في سوريا والعراق، وهن الأكثر اضطهادا في المنطقة.
واكتفت الصحافة المغربية بتسليط الضوء على الأسباب المعلنة للزيارة، دون التعمق فيما أسماه البعض "أهدافا خفية"، فلم اختارت إيفانكا المغرب، وبالتحديد، منطقة تعيش فيها المرأة ظروفا أسوء من نساء حرمتهن أعراف ذكورية من أرضهم؟
#WGDP was started w/ a goal of economically empowering 50M women by 2025. This is the legacy we can write into our history & is a future we can build for our children. All around the ��, women of every race, religion & region are waiting to be the next story of courage & success. pic.twitter.com/OqtLWeZDJ4
— Ivanka Trump (@IvankaTrump) November 11, 2019
دعم السلاليات
حلت إيفانكا بإحدى القرى المجاورة لمدينة سيدي قاسم (شمال غرب المملكة) للإشراف على إطلاق حملة لمواكبة عملية تمليك الأراضي السلالية، في إطار "مبادرة التنمية والازدهار العالمي للمرأة" التي أطلقها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
واطلعت إيفانكا خلال الزيارة على استفادة مجموعة من النساء السلاليات من عملية تمليك أراضي الجموع، وهي أراض تمنع مجموعة من القبائل في المغرب من انتقال ملكيتها للوريثة لأنها في حال تزوجت من خارج القبيلة تنتقل ملكية الأرض إلى غرباء.
تسمّى هذه القبائل "سُلالية" ويطلق على النساء المحرومات من حقهن في الإرث "سلاليات". وخاضت تلك النساء معركة طويلة لإسماع صوتهن والتمكن من التغلب على سلطة الرجل والمطالبة بحقهن في احتجاجات وصلت إلى باب البرلمان.
'Morocco’s female landowners give @IvankaTrump a warm welcome'https://t.co/pqQfhFmnm0
— Team Trump (@TeamTrump) November 7, 2019
كسر جدار الأعراف الذي سمح بانتهاك حقهن لعشرات السنين جعل صوتهن مسموعا لدى أعلى سلطة في البلاد، وبتوصية من الملك محمد السادس اعتمدت الحكومة المغربية إطارا تشريعيا جديدا يتعلق بالأراضي السلالية في شهر أغسطس/ آب الماضي.
وفي نهاية يوليو/ تموز صادق مجلس النواب بالإجماع، على مشاريع قوانين بخصوص الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، وقانون متعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية.
نص القانون الجديد على: أن يتمتع أعضاء الجماعات السلالية ذكورا وإناثا بأملاك الجماعة التي ينتمون إليها وفق التوزيع، ولا يخول لهم هذا الانتفاع إلا الاستغلال الشخصي والمباشر للأملاك المذكورة.
مآرب أخرى
في الشهر نفسه الذي أعلنت فيه الحكومة عن انتصارها للسلاليات في المغرب، غردت إيفانكا ترامب عبر حسابها الخاص على موقع "تويتر" قائلة: "نشيد بالحكومة المغربية لهذه الخطوة الهامة نحو اعتماد تعديلات قانون الميراث ونتطلع إلى دعم تنفيذها الكامل".
We applaud the Moroccan gov. for this important step towards the adoption of inheritance law amendments & look forward to supporting their full implementation.
— Ivanka Trump (@IvankaTrump) August 19, 2019
W-GDP will continue to support women's land rights & I appreciate the strong leadership of HH Princess Lalla Joumala.
الدعم الذي تحدثت عنه إيفانكا، يدخل ضمن برنامج حكومي أميركي، أطلقته واشنطن في شهر فبراير/شباط الماضي بالتنسيق مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمساعدة 50 مليون امرأة بـ50 مليون دولار كميزانية.
يحث البرنامج، الدول المستفيدة منه على تغيير القوانين التي تمنع النساء من امتلاك عقارات واستخدام وسائل النقل والوصول إلى الهياكل القانونية والحصول على الائتمان.
لكن يقول الكاتب والمحلل السياسي من المغرب، أحمد نورالدين، في تصريح لصحيفة "الاستقلال": إن "المشروع ترعاه الحكومة الأمريكية وتشرف عليه خارجيتها، وهذا لوحده دليل أو قرينة على أن هناك أهداف تهم السياسة الخارجية الأمريكية".
ومعروف أن المساعدات الاقتصادية أو التقنية التي تقدمها الدول الكبرى من خلال وكالاتها في التعاون تهدف إلى تحقيق مكاسب اقتصادية لشركاتها أو الحصول على تأييد لمواقف سياسية، أو كليهما معا. وهذا أمر معروف وتمارسه أكثر الدول تحت يافطة التعاون الدولي أو تقديم المساعدات.
وأصاف نورالدين: "زيارة إيفانكا ترامب للمغرب جاءت للتوقيع على اتفاقيات مع الحكومة المغربية للمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، فيما يخص تمليك العقارات الفلاحية التي تعود ملكيتها للجماعة أي العشيرة، التي يطلق عليها في المغرب مصطلح الأراضي السُّلالية".
وسيوجه الدعم الأمريكي المقدر بحوالي ستة ملايين دولار إلى برامج التدريب والتكوين المهني لفائدة النساء في مجال الإنتاج الفلاحي والدعم المالي والولوج إلى القروض لإنشاء مشاريع تشتغل فيها النساء ويعود دخلها لهن، وتنفيذ الإصلاحات القانونية بهذا الشأن.
لماذا المغرب؟
يرى البعض: أنه "إذا تعلق الأمر بالحق في الأرض، فإن ملايين السوريات أخرجن من أراضيهن تحت تهديد السلاح وعلى أكتافهن أطفالهن، في حين تعيش نساء اليمن ظروفا سيئة في ظل الحرب وقلة الماء والأكل وانتشار الأمراض، كما أن الوضع في العراق ليس أفضل حالا من ذلك"، فلماذا اختارت أمريكا نساء المغرب وهن الأخف ضررا؟
“The trip comes after Morocco updated land rights laws that critics say shortchanged women. Ensuring that women can create wealth by inheriting or owning land or other property is a focus of @IvankaTrump’s initiative.”https://t.co/mwDYlt3o1H
— GOP (@GOP) November 7, 2019
يجيب نور الدين: أنه "في سوريا واليمن والعراق والبلدان التي تعيش نزاعات مسلحة أو شبه حروب أهلية، النساء بحاجة إلى مبادرات دولية من نوع آخر".
وهذه المبادرات المفترضة "قد تهدف إلى حمايتهن من الاستغلال الجنسي الذي يستعمل كسلاح حرب، أو مبادرات لتوفير مناطق آمنة من القصف، أو ضمان حقهن في العودة إلى بيوتهن والمناطق التي هُجرن منها، أو تأمين الغذاء والدواء في مخيمات اللاجئين، وتوفير المدارس لأطفالهن في مخيمات اللاجئين، وغيرها من أشكال الدعم التي تختلف عن أهداف هذا المشروع موضوع حديثنا"، بحسب المحلل.
ويقول مراقبون: إن هذا الدعم الأمريكي فعلا يستدعي حدا أدنى من الاستقرار السياسي في البلد المعني.
في حين يرى آخرون: أن تدخل المؤسسة الأمريكية التي تشرف عليها ابنة الرئيس لم يشكل منعطفا فارقا في القضية، حيث بدأ نضال السلاليات في المغرب في عام 2007، ومرت قضيتهن بمحطات عدة إلى أن وصلت إلى الحل الذي ينتظر التطبيق فقط والترجمة من قوانين صادق عليها البرلمان بالإجماع إلى أرض الواقع.
والخطة التي أعلن عنها ترامب تستهدف 50 مليون امرأة عبر العالم في أفق 2025 ولا تهم المغرب وحده، بحسب المحلل السياسي.
فقبل مجيئها إلى المغرب، زارت إيفانكا ترامب في إطار نفس المشروع، إثيوبيا وساحل العاج في إفريقيا، ثم الأرجنتين وكولومبيا وباراغواي، في أمريكا الجنوبية.
وقالت إيفانكا ترامب، في تصريحات صحفية: إن المملكة المغربية حليف مهم للولايات المتحدة "قطعت خطوات كبيرة" في عهد الملك محمد السادس لتعزيز المساواة بين الجنسين.
وجزم نور الدين: بأنه لا يمكن اعتبار هذه المبادرة تدخلا في الشؤون الداخلية للمغرب أو أي بلد آخر ما دامت هذه المساعدات تتم في إطار اتفاق بين الحكومتين ويتم تنفيذها تحت إشراف رسمي من البلد المعني وفي احترام لقوانينه ومؤسساته الحكومية.
أمّا التدخل في الشأن الداخلي، فالولايات المتحدة وروسيا وبقية الدول العظمى تمارسه بأساليب أكثر خشونة، "ونرى ذلك جليا في سوريا وليبيا أو الخليج العربي وأمريكا اللاتينية وحتى داخل أوروبا أو حالة أوكرانيا مثلا"، وفق ما قال.