تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل.. لماذا كان السيسي أول المباركين؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد دقائق قليلة من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في 13 أغسطس/ آب 2020، كان رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، أول المباركين والمهنئين والمعلنين عن دعمهم للخطوة وتثمينهم للاتفاق.

الأمر نفسه تكرر يوم 11 سبتمبر/ أيلول 2020، فبمجرد إعلان ترامب عن اتفاق التطبيع بين البحرين وإسرائيل، كان السيسي أيضا أول من بارك وهنأ.

الإمارات وإسرائيل فاجأتا العالم بالإعلان عن اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما والارتقاء بها لمستوى تبادل السفراء والتعاون والتنسيق بمجالات أبرزها السياسية والعسكرية، وهو الاتفاق الذي أعلنه ترامب للعالم عبر تويتر.

وبعد نحو شهر تقريبا، أعلن ترامب أيضا، توصل إسرائيل والبحرين لاتفاق تاريخي لإقامة علاقات كاملة بينهما، قائلا عبر توتير: "الدولة العربية الثانية التي تبرم اتفاق سلام مع إسرائيل في 30 يوما".

وبالاتفاق الأخير، تصبح البحرين الدولة العربية الرابعة بعد مصر (1979) والأردن (2004)، والإمارات (2020)، التي تعترف بالكيان الإسرائيلي المحتل.

أسرع تهنئة

بعد دقائق من الإعلان الأميركي، قال السيسي، عبر "تويتر": "تابعت باهتمام بالغ البيان الثلاثي الصادر من الولايات المتحدة الأميركية والبحرين وإسرائيل بشأن التوافق حول إقامة علاقات دبلوماسية بين مملكة البحرين وإسرائيل".

تدوينة ثانية، ثمن فيها السيسي الخطوة ووصفها بالتاريخية والهامة لإرساء الاستقرار والسلام بالشرق الأوسط، زاعما أنها "تحقق التسوية العادلة والدائمة للقضية الفلسطينية".

قبلها بارك السيسي في تهنئة سريعة ومشابهة وبعد وقت قصير أيضا من إعلان ترامب خطوة تطبيع الإمارات، زاعما أن الاتفاق يدعم "إيقاف ضم إسرائيل  للأراضي الفلسطينية"، ومشيدا بما اعتبره "خطوات من شأنها إحلال السلام بالشرق الأوسط".

غضب عارم

دعم السيسي تطبيع الإمارات والبحرين كأول حاكم عربي، يأتي في ظل إدانة الفصائل الفلسطينية لهذه الاتفاقات، واعتبارها خطوات نحو "تنفيذ صفقة القرن"، ووسط غضب شعبي مصري وعربي وإسلامي.

هرولة السيسي بالتصفيق لقرارات التطبيع أثارت الجدل والتساؤلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تصدرها وسم "#التطبيع_خيانة"، فيما استفز موقف السيسي، بعض السياسيين والكتاب المصريين والعرب.

وفي قراءته للمشهد، أعلن مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عبد الله الأشعل عبر فيسبوك، تعجبه من أن "تبارك مصر هذا الاتجاه وتصفه بأنه عمل تاريخي شجاع ويجلب السلام والاستقرار".

وتساءل الأكاديمي المصري: "هذه المزايا لليهود أم للفلسطينيين؟، وما مصلحة مصر الوطن في تعزيز قوة إسرائيل على حساب الدولة المصرية؟، وهل يفيد مصر أن ينفرد الوحش الإسرائيلي بفلسطين ويحيط بمصر كما تحيط جهنم بالمجرمين وهدفها المعلن هو إبادة مصر؟".

وأكد أنه ليس "قلقا على مصر لأنها قد تنحني أعطافها ولكن سرعان ما يستقيم عودها؛ وتدرك إسرائيل هذه الحقيقة".

الكاتب الصحفي جمال سلطان، برر في تدوينته احتفال السيسي كأول حاكم عربي بالتطبيع بين البحرين وإسرائيل، بالقول: إنه "راشق في أي مصلحة في الخليج، وبمستوى لا يليق ببلده وحجمها ومكانتها".

الكاتبة المغربية سلمى الريس، قالت على صفحتها: "بمناسبة ترحيب السيسي بتطبيع البحرين، حضرت اليوم برنامجا في قناة "فرانس 24" عن كيف التطبيع بين الصهاينة والإمارات ممكن يتسبب بخسارات اقتصادية كبيرة لمصر لفائدة الكيان الصهيوني"، مضيفة: "بس طبعا السيسي ما بتهمه الماديات، المهم المبادئ".

ثمن الكرسي

وفي تعليقه، قال الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير، في حديثه لـ"الاستقلال": "السيسي يكون دائما أول المهنئين والمباركين بقرارات التطبيع، لأنه دائما ما يحتاج إلى ما يثبت نظام حكمه ويبحث عمن يدعم بقاءه في السلطة، بل ويعتبر ذلك نجاحا لمهمته".

ويعتقد، الأكاديمي المصري، أن "وصف السيسي لتطبيع العرب مع إسرائيل بالخطوة التاريخية وبالعمل الشجاع الذي يجلب السلام والاستقرار، كون ذلك التطبيع في نظره يجلب له الاستقرار والاستمرار بالكرسي، فالسلام سلامه هو ونظامه، وليس لمصر والمنطقة".

وأكد أن "هرولة السيسي تلك تكشف دوره في حلقات التطبيع العربي الجارية الآن، وتكشف أن الدور الذي جاء لأجله ليس إخضاع مصر لإسرائيل فقط بل إخضاع الوطن العربي كله".

وجزم أبو الخير، أن من يدعون بأن هذا التطبيع يفيد مصر، مخطئون، فهو لا يفيد مصر بل يهدد أمنها القومي ويرهنه بيد الكيان الإسرائيلي، ويضعف مصر سياسيا وعسكريا واقتصاديا".

وشدد على أنه "ليست هناك مصلحة لمصر في تعزيز قوة إسرائيل، بل على العكس، المصلحة فقط لنظام الانقلاب والسيسي، ودعم استمراره بالحكم، أي أن الجلوس على الكرسي مقابل الخضوع والاستسلام للعدو".

"أحد العرابين"

من جانبه أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى المصري سابقا، عز الكومي، أن "هرولة السيسي للتهنئة بقرارات الانبطاح والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ومن ورائه قوى الشر العالمية وأميركا، يدفع للقول بأنه أحد العرابين لها".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، يعتقد الكومي، أن دور السيسي، يتعدى ذلك بل إنه "جعل من الجامعة العربية أحد مكاتب وزارة الخارجية المصرية تتبنى ما تتبناه، ولعل قرار الجامعة بعدم إدانة تطبيع الإمارات قبل أيام خير شاهد".

وطالب نشطاء وإعلاميون وسياسيون عرب بنقل الجامعة العربية من القاهرة.

وحول مبررات السيسي، يرى السياسي المصري، أن "هذا النظام يعلم تماما أنه جاء على ظهر دبابة وآلاف القتلى والمعتقلين، ولولا القوى الإقليمية -إسرائيل والخليج وأميركا- ما بقى لحظة بالحكم، ولذا يرى في مباركته بالهرولة العربية للتطبيع استقرارا لحكمه الاستبدادي".

وأضاف: "البلاد تتقدم، تزدهر، تتحسن معيشة المواطن، ليس هو الاستقرار المطلوب عند السيسي، لكن بقاء الطغمة الحاكمة بالحديد والنار، وما غض الغرب الطرف عن جرائمه بالسجون والمعتقلات وهدم البيوت والمساجد والتهجير إلا مقابل خدماته لإسرائيل، ومنع الهجرة غير الشرعية بجنوب المتوسط خدمة للغرب".

ويعتقد الكومي، أن "نجاح التطبيع نجاح لسياسة ترامب، ما يضمن بقاءه فترة حكم ثانية، يستطيع السيسي فيها الاستيلاء على ما تبقى من سلطات، فهو يظن أن بقاء ترامب ونتنياهو بقاء له".

يحتفي بالتطبيع

الكاتب والباحث الإعلامي المقيم بكندا، سيد الجعفري، أرجع احتفاء السيسي بالهرولة الخليجية نحو التطبيع لأربعة أسباب: أولها أن مصر الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك علاقات رسمية كاملة معلنة مع الكيان الصهيوني منذ كامب ديفيد 1978، والسيسي كممثل للمؤسسة العسكرية امتداد لهذا النهج ويريد كل العرب معه بخندق التطبيع".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أضاف: "وثانيا، تنسيق المحور الرباعي (الإمارات السعودية ومصر والبحرين) وإسرائيل للحيلولة دون ثورة الشعوب العربية حتى لا تأتي بحكّام وطنيين يتبنون رؤية شعوبهم المقاومة للوجود الصهيوني، والرافضة لتطبيع الحكومات".

وفي ثالث الأسباب يرى الجعفري، أن "السيسي يحاول استرضاء الإمارات عراب التطبيع بعد خلاف بالأزمة الليبية؛ فالإمارات كانت تدفع الجيش المصري للمستنقع الليبي، لكن الجيش فضل الحل السياسي".

ويعتقد الباحث المصري أن السبب الأخير لهرولة السيسي، هو أن "القرار المصري مُرتهن بالقرار الإماراتي السعودي الذي أنفق على الانقلاب العسكري منذ 2013".

صورة تجمع السيسي وبن سلمان وبن زايد وحمد بن عيسى

مصلحة مصر

وحول وصف السيسي تطبيع العرب بالخطوة التاريخية والعمل الشجاع الذي يجلب السلام والاستقرار، قال الجعفري: "هذه أوصاف يعلم السيسي نفسه أنها مُبالغَة كبيرة، وتأتي في إطار علاقة حميمية تجمع مصر وإسرائيل، وتعكس تعالي السيسي على الرأي العام المصري والرفض الشعبي لمبدأ التطبيع".

وأكد أن "هذه المبالغة للاستهلاك الإعلامي، ودغدغة لمشاعر أتباعه، لأنه يعلم أن التطبيع الرسمي شيء ومشاعر الشعوب العربية شيء آخر، بالضبط كما فعل السادات مع كامب ديفيد ولم تحظ الاتفاقية بأي دعم شعبي".

وأكد الجعفري، أن "السيسي لا يبحث عن مصلحة لمصر من التطبيع، القرائن كثيرة على ذلك، حيث فرط بجزيرتي تيران وصنافير للسعودية ليصبح مضيق تيران مجرى مائيا دوليا وليس مصريا، والكيان الصهيوني المستفيد الأكبر".

وأضاف: "السيسي تنازل عن مساحات واسعة من حدودنا البحرية بشرق المتوسط بما تضمه من حقول غاز نكاية بتركيا، ووقع اتفاقية إعلان المبادئ مع إثيوبيا 2015، ووضع حصة مصر في مياه النيل تحت رحمة أديس أبابا".

وأشار إلى أن "هذه التنازلات وغيرها تؤكد عدم حرص السيسي على مصلحة مصر بقدر حرصه على الرضا الدولي للبقاء بالحكم، والذي لن يكون إلا برضا الكيان الصهيوني وأميركا، لذلك فلا غرابة بانحياز السيسي لمصلحة إسرائيل".

وجزم الباحث المصري بأنه لا فائدة سياسية أو اقتصادية أو أمنية لمصر من دعم السيسي قرارات التطبيع، مؤكدا أن "مشكلة أي ديكتاتور أنه يُصاب بالعظمة، فيرى نفسه الوطن، ومصلحته الشخصية مصلحة الوطن".

الغرف المغلقة

ولفت إلى أن "دعم السيسي اتفاقيات التطبيع يجلب له الدعم الأميركي برغم انتهاكاته في مجال الحريات وحقوق الإنسان، كما أن السيسي يريد من دعمه لتطبيع الإمارات والبحرين الحصول على الأموال الخليجية اللازمة لدعم مشروعاته غير المدروسة".

وأضاف: "مباركته التطبيع تساعده بالحصول على صفقات الأسلحة ومعدات قمع أي حراك ثوري بمصر، وحماية مصالح الأميركيين والإسرائيليين خارج الحدود المصرية، ولا ننسى أنه يستغل انفجار أوضاع سيناء للحصول على ما يريد لتوفير الأمن للكيان الصهيوني، ومحاصرة قطاع غزة".

وأكد أن موقف السيسي يكشف دوره في حلقات التطبيع العربي الجارية، موضحا أن "هرولته لمباركة التطبيع تعني اطلاعه على ما يدور بالغرف المغلقة بين دول الخليج وإسرائيل".

ويعتقد الجعفري، أن "المخابرات المصرية، لها دور بإقناع الأطراف الخليجية بملاءمة الوقت والظروف لإظهار علاقاتها السرية مع الكيان الصهيوني، وتقريب وجهات النظر خلال فترة التفاوض قبل الإعلان الرسمي عن الاتفاقيات".

وختم حديثه بالقول: "السيسي الناقم على شعبه بسبب ثورة يناير 2011، يحاول إقناع بقية حكام العرب بضرورة تجاوز أي رغبة شعبية، والانخراط في تأسيس علاقة رسمية مع إسرائيل".