عبدالعزيز الحلو.. متمرد يحمل مشروع التقسيم الثاني للسودان

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ما أشبه الليلة بالبارحة، كثير من السودانيين، يشبهون عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في ولاية جنوب كردفان، بالزعيم المتمرد الراحل جون قرنق، الذي ساهم بشكل فعال في انفصال جنوب السودان عن شماله رسميا عام 2011.

في عام 1981 عاد العسكري السوداني جون قرنق من الولايات المتحدة الأميركية، ليتم تعيينه برتبة عقيد في الجيش السوداني، وفي عام 1983 كلف قرنق بإخماد تمرد قامت به كتيبة من الجنوبيين قوامها نحو 500 جندي، لكن المتمردين أقنعوه بقضيتهم ونصبوه زعيما لهم.

من هنا تشكلت نواة ما سمي الجيش الشعبي لتحرير السودان، أو الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي كانت سببا مباشرا في انفصال جنوب السودان، وتأسيس دولة جديدة من رحم الدولة الأم. 

اليوم يلعب عبد العزيز الحلو في ولاية جنوب كردفان، نفس لعبة قرنق القديمة، ورغم محادثات السلام بينه وبين الحكومة المركزية السودانية، لكن نذر التقسيم والانفصال قائمة مع تطور الأحداث، وحالة الضعف والتخبط التي دخلت فيها عموم الدولة عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير في أبريل/ نيسان 2019.

فمن هو عبد العزيز الحلو؟ وكيف بدأ حياته في العمل السياسي والعسكري؟ وما هو طبيعة الدور الذي لعبه في جبال النوبة وجنوب كردفان؟.

جبال النوبة

ولد عبد العزيز آدم الحلو يوم 7 يوليو/ تموز 1954، في قرية الفيض أم عبد الله، بالمنطقة الشرقية لجبال النوبة، بجنوب كردفان، لعائلة تعود أصولها إلى قبيلة المساليت في دارفور.

خلال سنوات نشأته الأولى تعلم مبادئ الكتابة والقراءة وحفظ الآيات القرآنية بالخلوة (الكتاب) كسائر أبناء تلك المناطق، ثم دخل إلى مرحلة التعليم الابتدائي في إحدى مدارس ولاية جنوب كردفان، وبتجاوزها ألحق بمدرسة الدلنج الوسطى الإعدادية، وفي المرحلة الثانوية التحق بمدرسة كادقلي الثانوية العليا.

بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية، انتقل إلى العاصمة السودانية الخرطوم، حيث التحق فيها بكلية الاقتصاد، ومنها حصل على البكالوريوس عام 1979.

بعد تخرجه مباشرة، عمل بالوظيفة الحكومية العامة، حيث تم تعيينه موظفا ماليا وإداريا بالهيئة القومية للكهرباء والمياه في الخرطوم.

نشاط سياسي

بدأ الحلو نشاطه السياسي خلال سنوات دراسته بالجامعة في الخرطوم، حيث تعرف هناك على يوسف كوة مكي، الذي كان يسبقه في الدراسة بالكلية نفسها (الاقتصاد)، وذلك من خلال عضويته برابطة أبناء جنوب كردفان بجامعة الخرطوم.

كان يوسف كوة يرأس تلك الرابطة، وبعد انضمام الحلو إليها، سرعان ما تم تجنيده في تنظيم "كمولو" المناوئ لحكومة الرئيس جعفر نميري (آنذاك)، وكانت هذه أولى خطوات انتهاج الحلو، طريق العمل المسلح.

تطورت الأحداث عندما انضم تنظيم "كمولو" المسلح، عام 1986، إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق، وهناك تلقى الحلو التكليف الأول بالتنسيق مع دكتور لام أكول، أحد قادة الجيش الشعبي والذي كان يدرس في جامعة الخرطوم آنذاك.

تم تكليف الحلو بالعمل على استقطاب أبناء جنوب كردفان وإلحاقهم بصفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، لتكوين نواة الجيش الكبير، الذي سيشعل حربا انفصالية كبرى بعد سنوات. 

صناعة عسكرية

رصدت أجهزة الأمن السودانية، أنشطة عبد العزيز الحلو المتمردة والساعية للانفصال، فأمره جون قرنق بالخروج من الخرطوم قبل اعتقاله، والتوجه إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وإعلان انضمامه للحركة الشعبية.

وفي أديس أبابا، تم تدريب الحلو، داخل كلية الدراسات العسكرية الدرع الرابع، التابعة للحركة الشعبية، وتخرج فيها برتبة نقيب، وفي عام 1987 تم توزيعه ضمن القوة العسكرية المتمردة المتجهة إلى جبال النوبة تحت قيادة يوسف كوة. 

كان من أبرز مهام الحلو في ذلك الوقت، الإشراف على نقل سلاح الحركة الشعبية سيرا على الأقدام من إثيوبيا إلى جبال النوبة بواسطة أبناء النوبة الذين مات العديد منهم خلال عملية النقل التي استغرقت 6 أشهر كاملة.

بعدها خاض الحلو سلسلة من المعارك الصعبة في القردود وأم دورين بولاية النيل الأبيض، والتي قام فيها بعمليات قتل وتطهير واسعة ضد أبناء القبائل العربية إلى أن تحدثت بعض المنظمات الحقوقية والدولية مع جون قرنق حول إبادة الحلو لهذه القبائل.

نقله قرنق إلى ولاية "شرق الاستوائية" جنوب السودان، وهناك مارس عمليات تطهير واسعة أخرى ضد المخالفين لسياسات قرنق بمعاونة فيانق دينق مجوك والذي كان آنذاك مسوؤلا عن الاستخبارات بالولاية، وبعد أن تأكد قرنق بأن الحلو قاتل متمرس، وماهر في قيادة الأنشطة العسكرية، نقله إلى قيادة الجبهة الشرقية لقيادة عمليات الحركة. 

بسبب هذه الأحداث برز الحلو كقائد ميداني متمرس وعرف بلقب "رجل المهمات الصعبة" خاصة في مهام الإمدادات والتعبئة والتجنيد والتخطيط العسكري ومن أعماله في هذا المجال، التحضير لاقتحام نقطة "همشكوريب" بشرق السودان، ثم تدرج في الرتب العسكرية والسياسية إلى أن وصل إلى رتبة فريق بالجيش الشعبي لتحرير السودان. 

قيادة الحركة 

في عام 2001، تولى الحلو منصب حاكم المناطق المحررة بجبال النوبة، بعدها بدأ في تصنيف قيادات النوبة التي يمكن أن تشكل خطرا عليه أو تعكر انفراده بالقرار فأبعد القيادات التي انضمت للحركة الشعبية من السابقين في الجيش السوداني أو الشرطة من مركز القيادة.

قرب الحلو إليه غير المتعلمين لسرعة تنفيذهم أوامره بدون تردد، فتولى منصب نائب الوالي في جنوب كردفان، وامتد نفوذه داخل الحركة الشعبية وجبال النوبة وأصبح صاحب قرار وسطوة وشرع في تصفية المناوئين له.

بعدها طور الحلو من إستراتيجيته العسكرية ففتح معسكرات التدريب لفرق "الكومولو" وتمكن من تجنيد نحو  18 ألف عنصر، وقام باستجلاب سلاح للجيش الشعبي بكميات ضخمة من الجنوب، وأعاد ترتيب القيادة داخل الجيش الشعبي، وعين عناصر في الوزارات من الكوادر السرية وعلى أساس إثني لضمان تأييد قبائل النوبة.

أنشأ الحلو بنك جبال النوبة، ليدعم الحراك العسكري في الانفصال اقتصاديا، بعدها أصبح الحلو فعليا هو الراعي الرسمي لحركات جبال النوبة وجنوب كردفان المتمردة بشتى توجهاتها، وأصبح يوفر لهم المأوى والسلاح والدعم والمعسكرات، ومع الوقت كانت هذه الحركات بمثابة الضغط الدولي الأول على الخرطوم، مع تشكل واقع جديد في السودان.

زعيم انفصالي

في عام 2011 بعد استفتاء انفصال جنوب السودان، وإعلانه دولة جديدة، أعاد  الحلو تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، بثوب جديد مختلف عن طبيعة الحركة القديمة، وأصبح رئيسا وزعيما لها.

تولى مالك عقار منصب نائب الرئيس، وياسر عرمان رئاسة الأمانة العامة، قبل انقسام الحركة عام 2017، إلى جناحين أحدهما ترأسه الحلو في مناطق جبال النوبة، والآخر بزعامة عقار في منطقة النيل الأزرق.

بعدها دار صراع شرس بين الحركة الشعبية في شمال السودان ومجموعات متمردة من جهة، وجيش حكومة الخرطوم وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، ودارت حروب طاحنة أخفقت الحكومة السودانية على مدار السنوات في حسمها. 

أصبح الحلو وحركته يسيطرون على السلسلة الجبلية التي يبلغ عددها 98 جبلا، تمتد على مساحة 90 كيلو مترا ويصل ارتفاعها إلى 1500 متر، في ولايتي جبال النوبة وجنوب كردفان.

بعدها حدثت التقلبات والمتغيرات السياسية  في السودان، مع اندلاع الثورة في ديسمبر/ كانون الأول 2018، ثم سقوط البشير في أبريل/ نيسان 2019، ومع ذلك لم تتغير الأوضاع في ولاية جنوب كردفان.

وفي 24 مارس/ آذار 2020، اتهمت الحركة الشعبية في شمال السودان، بقيادة الحلو، كلا من الجيش وقوات الدعم السريع"، بحشد قواتهما في الخطوط الخلفية لميدان الصراع.

لكن برعاية دولية وإثيوبية، بدأ مشروع جديد لإحلال السلام في السودان مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو، أخذته حكومة حمدوك "اليسارية" على عاتقها. 

وفي 4 سبتمبر/ أيلول 2020، اتفق رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، مع عبد العزيز الحلو، "مبدئيا" على إجراء مفاوضات غير رسمية حول القضايا الخلافية، وأبرزها علمانية الدولة.

المحادثات القائمة في تحديد العلاقة بين الدولة المركزية والمتمردين، لا تغفل أصل الصراع على مصير سترسم بموجبه ملامح المنطقة بأسرها، ويحدد مدى صمودها وتحملها لمخاض التغيير القادم، في ظل فشل حكومة حمدوك في السيطرة على الأوضاع، وسعي الحلو الحثيث نحو الانفصال على غرار ما فعله قرنق في جنوب السودان.