زيارة ماكرون إلى العراق.. محاولة إصلاح أم لمواجهة نفوذ تركيا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أظهرت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بغداد في 2 سبتمبر/ أيلول 2020، تطلعه إلى لعب دور بالعراق، ومحاولة فرض النفوذ الفرنسي في بلد عربي آخر، للعودة بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط.

وفي زيارته الأولى إلى العراق منذ تسلمه منصبه، التقى ماكرون برؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، إضافة إلى رئيس إقليم كردستان، واجتمع مع 4 قادة كتل سياسية تمثل مكونات البلد الأساسية، وذلك كله خلال مدة لا تتجاوز الخمس ساعات قضاها في بغداد.  

زيارة ماكرون السريعة إلى العراق قادما من بيروت، أثارت الكثير من التكهنات عن أسبابها والرسائل التي حاول إيصالها إلى دول المنطقة، وكذلك الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها في بلد نفطي تسيطر على إرادته السياسية طهران وواشنطن منذ عام 2003.

مبادرة "السيادة"

المحور الظاهر للزيارة، هي مبادرة يحملها الرئيس الفرنسي لدعم "مسيرة السيادة"، سيطلقها بالتعاون مع الأمم المتحدة، حيث قال ماكرون: إن العراق يواجه تحديين رئيسيين هما تنظيم الدولة والتدخل الأجنبي.

وأضاف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي برهم صالح: أن "العراق مر بفترة مليئة بالتحديات لعدة سنوات، مع الحرب والإرهاب". وأضاف: "عليكم أن تقودوا مرحلة انتقالية، فرنسا ستكون بجانبكم حتى يتمكن المجتمع الدولي من دعمكم".

وأعلن ماكرون في آخر ليلة له في العاصمة اللبنانية أنه متوجه إلى بغداد "لتدشين مبادرة مع الأمم المتحدة لدعم سيادة العراق". وأضاف في حديثه للصحفيين: أن "القتال من أجل السيادة أمر ضروري".

وقال: إن العراقيين الذين "عانوا طويلا يستحقون أن تكون أمامهم خيارات وسط هيمنة قوى إقليمية والتشدد الإسلامي. هناك قادة وشعوب مدركون لهذا، وهناك من يريدون أن يكون مصيرهم بأيديهم. ودور فرنسا هو أن تساعدهم في تحقيق ذلك".

ولم ترد تفاصيل كثيرة عن مبادرة "السيادة" التي كثر الحديث حولها، إلا أن قناة "فرانس 24" نقلت عن مصادر عراقية في 2 سبتمبر/ أيلول 2020 قولها: إن الزيارة تركز على "السيادة" العراقية، في ظل سعي بغداد للسير على طريق مستقل بعيدا عن المواجهة بين حليفتيها العدوتين واشنطن وطهران.

ورأى موقع القناة أن زيارة ماكرون تعكس الرسالة التي حملها وزير خارجيته جان إيف لودريان لدى زيارته إلى العراق منتصف يوليو/تموز، حين دعا بغداد إلى أن "تنأى بنفسها عن التوترات الإقليمية".

وفي السياق، علق نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق بهاء الأعرجي عبر "تويتر"، قائلا: "ماكرون اليوم (2 ديسمبر/أيلول 2020) في بغداد ممثلا لقادة المجتمع الدولي وفي مقدمتهم قادة الولايات المتحدة الأميركية وهو في مهمة رسمية لإيصال رسائل إلى قادة الكتل، وإن لم تنجح مهمته خلال الفترة القريبة فسنكون أمام الخطوة الأولى لتدويل القضية العراقية".

عقدة تركيا

لكن محللين رأوا أن الزيارة هدفها الأساس هو تركيا، التي باتت تمثل مؤخرا عقدة بالنسبة للرئيس الفرنسي، ولا سيما في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط، والخلافات المتصاعدة داخل حلف شمال الأطلسي "الناتو".

الباحث في الشأن السياسي مهند البدري قال لـ"الاستقلال": إن "زيارة الرئيس الفرنسي كان واضحا أنها تحمل رسالة، رغم أن ظاهرها هو داعم القيادة السياسية في العراق، ومشاركة فرنسا في المشاريع التنموية".

ورأى البدري أن "تصريحات ماكرون تحمل إشارات لوجود مشروع جديد في منطقة الشرق الأوسط يكون العراق أحد أطرافه، ويفهم منه أنه محاولة لإضعاف تركيا ودورها المناهض لسياسات فرنسا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي".

واستند الباحث في ذلك على تصريحات تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي قال: إن "إطلاق فرنسا تصريحات من العراق علاوة على وجودها بشرق المتوسط لا يساهم في السلام والحوار".

وفي السياق ذاته، كتب السياسي العراقي أثيل النجيفي منشورا على "فيسبوك" في 5 سبتمبر/ أيلول 2020، قال فيه: "عاد ماكرون من بغداد بخيبة أمل كبيرة بعد اجتماعه بأربعة رؤساء (كتل سياسية) لديهم أربعة رؤى مختلفة، بينما سارع إقليم كردستان لحجز مقعده في قطار المستقبل".

وأوضح في معرض رده تساؤلات وردت بخصوص ما كتبه، أن "ماكرون اجتمع مع رئيس الجمهورية والوزراء والنواب وإقليم كردستان، ولم يكن لدى أي منهم وجهة نظر مطابقة للآخر، رئيس الإقليم توجه إلى تركيا لأنه يعرف أن تأثيرها القادم في المنطقة أكثر من فرنسا".

وعن أسباب تحرك فرنسا نحو العراق، قال النجيفي: إن "الخلاف هو من سيملأ الفراغ الذي تتركه إيران في المنطقة بعد إجبارها على الانسحاب، وأن فرنسا تخشى من دور تركيا".

"مشرقية جديدة"

في المقابل، فسر الكاتب عريب الرنتاوي الأمر أن "ماكرون تشجع بعودة الروح لدور فرنسا في الشرق العربي، بدءا من لبنان، فقرر على ما يبدو أن يوسع مهمته اللبنانية لتشمل العراق، الذي صادف أن على رأس حكومته، مصطفى آخر، هو مصطفى الكاظمي يروج بحماس ظاهر، لهوية مشرقية جديدة، وفي أمس الحاجة لمن يضمن حياد بلاده ونأيها بنفسها عن المحاور الإقليمية والدولية المتصارعة".

وقال الكاتب في مقال نشره بموقع قناة "الحرة" الأميركية في 6 سبتمبر/ أيلول 2020: إن "ماكرون حمل إلى بغداد، ما كان الكاظمي بحاجة لسماعه، وهو الذي يتلقى سهام النقد الكثيفة من طهران وفصائل ومليشيات عراقية موالية لها".

وأردف: "لقد سمع الكاظمي كل ما أراد الاستماع إليه من زعيم دولي: استقلال العراق وسيادته، عودة الدولة الوطنية بكل مؤسساتها، سيدة وصاحبة الحق الحصري في امتلاك السلاح.".

وتابع: "هي ذاتها الكلمات التي سمعها الكاظمي في واشنطن قبلها بأيام، ولكن من دون استفزاز أو تجييش أو تحريض، لا على إيران صاحبة النفوذ الأكبر في العراق، ولا ضد مليشياتها العراقية، التي تكاد تكون دولة داخل الدولة، المقاربة الفرنسية أعلت من شأن الحوار والاحتواء والدبلوماسية في معالجة هذه الملفات، تماما كما فعل ماكرون وهو يدافع عن مقاربته بخصوص حزب الله في لبنان".

ولم يستبعد الرنتاوي أن "يكون الحراك الدبلوماسي الفرنسي على خط لبنان ـ العراق، إن قُدر له النجاح، ولو بالحدود الدنيا، مقدمة لحراك أكثر أهمية، بعد الانتخابات الأميركية، على خط العلاقة بين واشنطن وطهران".

ولفت إلى أن "ماكرون يدرك بلا شك، أن كثيرا من الأزمات التي تعصف بالعراق ولبنان، هي رجع صدى للصراعات الأميركية ـ الإيرانية، والإسرائيلية ـ الإيرانية، والخليجية ـ الإيرانية، ولا شك أنه يدرك أن حلولا أكثر استقرارا على المدى الأبعد، تستوجب معاجلة جذر الأزمات المتفاقمة في البلدين، والكامن خارج حدودها للأسف".

ومنذ سنوات والعراق عالق بين شريكيه الأكثر نفوذا واشنطن وطهران، وأصبح في موقع يزداد منذ 2018 صعوبة مع شن الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب حملة "ضغوط قصوى" ضد إيران.

وتدعم فرنسا مع الدول الأوربية الموقعة على الاتفاق النووي عام 2015 صيانة الاتفاق الذي انسحبت منه واشنطن، ورغم عدم مشاركتها في التحالف الدولي الذي أطاح بنظام صدام حسين، فإنها انضمت إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الذي بدأ عام 2014 محاربة تنظيم الدولة.

وخلال الأشهر الأخيرة، ضاعفت فرنسا إشارات الدعم للعراق عبر زيارة أجراها وزير خارجيتها جان إيف لودريان في تموز/يوليو 2020، وأكد خلالها على "أهمية النأي بالنفس عن توترات المحيط". وبعدها بشهر واحد وتحديدا في 27 آب/أغسطس، زارت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي بغداد وإربيل، مشددة على ضرورة مواصلة مكافحة تنظيم الدولة.

"مفاعل تموز"

ولم تقتصر زيارة ماكرون على الجوانب السياسية فحسب، وإنما تعدت ذلك بكثير، إذ كشف مصطفى الكاظمي، عن مساع لدخول بلاده إلى نادي الدول النووية، وذلك خلال مؤتمره المشترك مع الرئيس الفرنسي.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك، تحدث المسؤولان عن خططهما لإحراز تقدم على المستوى الاقتصادي والاستثماري بين البلدين. وقال الكاظمي: إنه تحدث مع ماكرون عن "مشروع مستقبلي للطاقة النووية" سيكون مخصصا للأغراض السلمية، وعلى رأسها "إنتاج الكهرباء".

ووفقا للكاظمي، فإن المشروع سيكون تحت إشراف المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وهيئة الطاقة الذرية الفرنسية"، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل في هذا الصدد.

لكن وسائل إعلام محلية عراقية، نقلت في 2 ديسمبر/ أيلول 2020 عن مصدر في الأمانة العامة لرئاسة الوزراء العراقية (لم تكشف هويته)، عن تفاصيل مقتضبة من المباحثات، إذ قال: إنها "كانت أكثر تحديدا من الإطار العام الذي جاء في المؤتمر الصحفي، حيث تطرقا لإعادة الحياة إلى مفاعل تموز النووي".

وأضاف: "تبادل الكاظمي وماكرون تصوراتهما حول المشروع، واستعرضا جانبا من المعلومات التي تمت تهيئتها عن الوضع الحالي للمنشأة المدمرة، فيما أظهر الرئيس الفرنسي حماسا للفكرة التي قال إنها ربما تنقل العلاقة بين البلدين إلى مستوى إستراتيجي".

ونوه المصدر إلى أن "إحياء المفاعل النووي العراقي سيكون مشروعا واضحا ومُنسقا وسيخصص للأغراض السلمية التي يحتاجها العراق، وتحت إشراف الجهات الدولية المختصة، كما تم تقديم مقترح لتغيير اسم مفاعل تموز إلى مفاعل السلام".

وكان العراق أحد الدول السباقة في منطقة الشرق الأوسط التي سعت للحصول على هذه الطاقة، إذ أطلق مشروعه النووي عام 1976، بالتعاون مع شركة فرنسية، إلا أن الطيران الإسرائيلي شن على "مفاعل تموز" هجمات جوية عام 1981 ودمره بالكامل.