عبدالقادر الجزائري.. مقاوم عنيد تحل ذكرى ميلاده مع عودة أطماع فرنسا

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يصادف 6 من سبتمبر/أيلول، ذكرى ميلاد الأمير عبد القادر الجزائري، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي.

وولد الأمير عام 1807 في قرية "القيطنة" بولاية "وهران" الجزائرية لأسرة من قبيلة الأدارسة التي حكمت المغرب العربي والأندلس.

تأتي هذه الذكرى بالتزامن مع عودة الأطماع الفرنسية للحصول على موطئ قدم في عدد من البلدان العربية، خصوصا في لبنان الذي يعاني من فراغ سياسي، تسعى فرنسا لملئه والاستفادة منه لصالحها.

كان الجزائري قد بدأ حياته كطالب علم شرعي، وكاتب متصوف، وشاعر وفيلسوف، غير أنه سرعان ما تحول لمحارب مقاوم في الـ25 من عمره، وذلك بعد أن احتلت القوات الفرنسية الجزائر في 5 يوليو/تموز 1830.

عقد الجزائري العزم على مواجهتهم، فبايعه الجزائريون، ثم أنشأ قوات مقاومة شعبية، وجمع المتطوعين، واستطاع أن يمتلك قوة وحاربهم حتى أجبرهم على الاعتراف به كزعيم للقوات الجزائرية، ووقعوا معه اتفاقيات ومعاهدات.

مؤسس الدولة الحديثة

إلى جانب تشكيله قوات عسكرية مقاومة للاحتلال الفرنسي، شكل الشاب العشريني حكومة وطنية من 5 وزارات، فقسم البلد إلى 8 وحدات إدارية، وجعل الأولوية للكفاءات العلمية وذوي المهارات السياسية، وأنشأ مصانع للذخائر والأسلحة، وبنى الحصون والقلاع، واختار العلم الوطني وشعار الدولة.

كان الجزائري شوكة في حلق القوات الفرنسية، حيث وقف حجر عثرة أمام تقدم قواتهم لأكثر من 15 سنة، وأجبرها على الاعتراف بدولته وقواته.

عقدت فرنسا معه المعاهدات، غير أنها سرعان ما كانت تخرقها، وتنتهج بعد ذلك أساليب وطرقا وحشية في الاستيلاء على المناطق الجزائرية وإخضاع الشعب لحكمها وسيطرتها.

لم يكن طلب القوات الفرنسية للهدن إلا وسيلة للتحايل وإعادة ترتيب صفوفها، بعد تكبدها خسارات كلفتها الكثير، ولذلك فقد انقلبت على الاتفاقيات عقب وصول الدعم إليها، ولجأت لسياسة الأرض المحروقة، فمارست أساليب وحشية في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وأحرقت بشكل كلي  عددا من المدن والقرى المساندة للأمير الجزائري.

وكان قائد الوحدات الفرنسية في مقاطعة وهران الجزائرية الجنرال الفرنسي توماس بيجو قد صرح بتلك السياسة في خطاب وجهه لمؤيدي الجزائري قائلا: "لن تحرثوا الأرض، وإذا حرثتموها لن تزرعوها، وإذا زرعتموها لن تحصدوها".

وهذه السياسة أدت إلى سقوط مدن عبد القادر الجزائري ومراكزه العسكرية، وأرغمته لاحقا على شن حرب عصابات في الفترة ما بين (1844-1847).

ثمن الخذلان 

بعد أكثر من 15 عاما من القتال كجيش منظم، من بينها 4 سنوات كحرب عصابات، نفدت الأسلحة لدى الأمير الجزائري فطلب الدعم من السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن، لكن فرنسا هددت السلطان المغربي بالغزو إن قام بدعم الجزائري، فأعلن الأمير استسلامه، بعد عدم تلقي أي دعم، مع آخر مجموعة كانت معه، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 1847.

ومع أن السلطان المغربي تراجع عن دعم الجزائري خوفا من الغزو، وامتثالا للتهديدات الفرنسية، إلا أنه دفع ثمن خذلانه للأمير المقاوم، حيث احتلت فرنسا لاحقا المغرب، ومكثت فيها أكثر من 45 سنة حتى خروجها في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1956.

أما الجزائري فقد منحته القوات الفرنسية أمانا بشرط الانتقال إلى الإسكندرية أو عكا، لكنها انقلبت على ذلك، كالعادة، فاعتقلته ونقلته إلى فرنسا وتم سجنه هناك في مدينة "بو" جنوب البلاد، لأكثر من خمس سنوات.

بعد تمكن القوات الفرنسية من إحكام قبضتها على الجزائر، أفرج عنه رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك لويس نابليون (نابليون الثالث)، شريطة رحيله، فسافر باتجاه تركيا في 2 ديسمبر/كانون الأول 1852، ومنها انتقل إلى سوريا، واستقر في مدينة دمشق منذ 1855.

كان انتقاله إلى مدينة دمشق تدشينا لمرحلة جديدة، هي الثالثة في حياته، حيث كان في الأولى طالب علم، وفي الثانية مقاوم ومحارب، أما في الثالثة فقد كان عالما ومدرسا في الأشرفية والمدرسة الحقيقية ثم في المسجد الأموي بدمشق.

تم استقبال الأمير الجزائري كزعيم سياسي وديني في دمشق، حيث كانت شهرته قد سبقته إلى الشام، فتبوأ منزلة مكنته من المشاركة العلمية في الحياة السياسية والدينية، وعاش فيها عالما يحمل وجاهة اجتماعية وسياسية أيضا.

وفي عام 1860، ما لبث أن وقعت فتنة طائفية في الشام بين الدروز المسلمين والموارنة المسيحيين، فأدى الأمير دورا بارزا في احتواء تلك الأزمة، وقام بدور المصلح والوسيط بين الطرفين حتى تمكن من خمد الفتنة.

علاوة على ذلك، فتح الأمير الجزائري بيته للاجئين المسيحيين الذين شردتهم الحرب، فاستقبل أكثر من 15 ألف لاجئا على دفعات متعددة، ومنحهم الحماية، وهو الأمر الذي ظل محل إشادة حتى اليوم.


 
جزء آخر من حياته 

تلقى عبد القادر الجزائري تعليمه الأولي بالزاوية التي كان يشرف عليها أبوه محيي الدين الجزائري، وانتقل بعد ذلك إلى مدينة وهران، ودرس على يد علمائها أصول العلوم، كالتاريخ والفلسفة والرياضيات والأدب العربي وعلم الفلك والطب وغير ذلك من العلوم.

كان والده صوفيا وشيخا للطريقة الشاذلية في الجزائر، لذا فقد ورث عنه التصوف والتأمل، وقد اصطحبه والده في رحلة حج، تمكن من خلالها من زيارة عدد من البلدان، ابتداء من تونس ثم مصر فالحجاز وحتى الشام والعراق، وقد مكنته هذه الجولة من التأمل في أحوال البلدان والكتابة عنهم فيما بعد.

كان الأمير الجزائري أديبا وشاعرا وفيلسوفا ومتصوفا، لذا فقد ألف عدة كتب، ترجم بعضها للفرنسية. وكانت أبرز كتبه "المقرض الحاد" وهو كتاب فلسفي، يبرز فيه الأمير فلسفته ونظرته للحياة ويرد فيه على الأفكار الإلحادية.

وكذلك كتاب "ذكرى العاقل" الذي ألفه أثناء إقامته في تركيا وترجم مرتين، حيث وجه فيه رسالة إلى الفرنسيين، وكانوا يسمون الكتاب "رسالة إلى الفرنسيين"، وكتاب "السيرة الذاتية"، و"المواقف" بالإضافة إلى رسائل أخرى.

توفي الأمير عبد القادر في منفاه بدمشق، في 24 مايو/أيار 1883، عن عمر ناهز 76 عاما، وحياة حافلة بالمقاومة، ودفن بحي الصالحية في دمشق بجوار الشيخ ابن عربي، تنفيذا لوصيته، حيث كان متأثرا بالأخير.

وفي عام 1956، بعد استقلال الجزائر بنحو عامين، تم نقل جثمانه إليها ودفن في المقبرة العليا، وتم تخليده كبطل ومقاتل، حارب لاستقلال البلاد الذي تحررت بعد موته بأكثر من سبعين عاما.

وبالرغم من كونه قاتل الفرنسيين لأكثر من 15 عاما، إلا أن قصر فرساي ما زال يحتفظ له برسمة أصلية موضوعة على أحد حوائط متحفه.